بلومبيرغ تحذر من انهيار اقتصادي وارتفاع التضخم في إيران
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
تحت وقع الانفجارات وسُحب الدخان التي غطّت سماء العاصمة الإيرانية، يعيش سكان طهران حالة من الترقب والقلق، في ظل الهجمات الإسرائيلية المتواصلة التي تُعد الأعنف على البلاد منذ الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من أن الوضع في الشارع الإيراني لم يبلغ حدّ الانهيار السياسي، إلا أن الشعور السائد بين السكان، أن إيران ما بعد هذه الحرب لن تكون كما قبلها.
ندا، وهي سيدة في الـ35 من عمرها، تحدثت إلى بلومبيرغ من ضاحية شمالية بطهران بعد أن فرت من قلب العاصمة. بدأت قصتها بطرق جارتها على باب شقتها بعد سماع دوي الانفجارات، ثم قامت بتغليف نوافذها بلاصق تحسباً لتحطمها، وحزمت حقيبة طوارئ، وانطلقت على الطريق السريع الذي شهد ازدحاماً غير مسبوق.
تقول ندا: "أكبر مخاوفي هو هذا الغموض… هل ستستمر الحرب أسبوعًا أم ثماني سنوات؟" مضيفةً أن انعدام الوضوح يدفع الناس للارتجال يوماً بيوم.
على الرغم من "ضعف القيادة السياسية وتردّي الاقتصاد"، فإن تقديرات محللي بلومبيرغ تشير إلى أن النظام لن يسقط، لكن تغييرات داخلية واسعة تبدو حتمية.
وقال رئيس شركة "آرا إنتربرايز" للاستشارات في طهران، سيروس رزقي "إيران لن تخرج من هذا الصراع كما دخلته… حتى إذا لم يحدث تغيير في النظام على المدى القصير، فإن التحولات الداخلية ستكون عميقة".
أول تلك التغييرات، كما يقول، قد يكون إصلاح جهاز الاستخبارات الذي فشل مراراً في منع عمليات إسرائيلية نوعية استهدفت كبار القادة العسكريين والأمنيين.
وفي تطوّر لافت، وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعوة علنية للإيرانيين لإخلاء طهران، محذرًا من تصعيد كبير قادم، ومطالباً بـ"الاستسلام". وهو ما أثار مخاوف واسعة من دخول الولايات المتحدة مباشرة إلى ساحة المعركة.
إعلانرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من جانبه، صرّح بأن الضربات لا تستهدف البرنامج النووي فحسب، بل تستهدف "أسس الجمهورية الإسلامية"، داعياً الإيرانيين إلى اغتنام هذه اللحظة للتخلّص من "الحكم القمعي"، بحسب وصفه.
الحصيلة الرسمية من الجانب الإيراني تشير إلى 224 قتيلاً معظمهم مدنيون، في قصف شمل منشآت نفطية، أحياء سكنية، ومقار عسكرية.
غضب شعبيورغم التوترات المتراكمة بين المواطنين والنظام، فإن الغضب الشعبي في هذه المرحلة موجّه نحو إسرائيل. تقول ندا: "كل كلمة يقولها نتنياهو تثير غضباً داخلياً لا أستطيع وصفه… كراهيتي له تزداد يوماً بعد يوم".
حتى معارضو النظام من أمثال "نَزانين"، موظفة في شركة تسويق عمرها 55 عاماً، أعربوا عن استيائهم الشديد من نتنياهو: "أنا أكره نتنياهو والنظام الإيراني على حد سواء… لقد سئمت من كليهما".
اقتصاد هش.. وتوقعات بانهيارووفقًا لتقديرات بلومبيرغ المستندة إلى معلومات استخبارية غربية وإسرائيلية، قد تؤدي إلى:
انهيار اقتصادي كامل وارتفاع التضخم إلى 80% أو أكثر، وقبل اندلاع المواجهات كان التضخم قد وصل إلى 43%، بحسب صندوق النقد الدولي. تشير تقديرات الصندوق إلى أن إيران بحاجة إلى سعر نفط يبلغ 163 دولارًا للبرميل لموازنة ميزانيتها، أي أكثر من ضعف السعر العالمي الحالي. الريال الإيراني شهد انهيارًا حادًا منذ بداية الهجمات؛ حيث فقد أكثر من 10% من قيمته في السوق السوداء خلال أيام، وفق موقع "بونباست دوت كوم" المختص بتتبع سعر العملة.وأغلقت المحال التجارية في البازار الكبير بطهران أبوابها، واصطفت السيارات في طوابير طويلة أمام محطات الوقود غرب العاصمة. وفي أحد مشاهد المقاومة الرمزية، أشاد الإعلام الرسمي بمذيعة تلفزيونية واصلت البث المباشر رغم القصف الذي غمر الاستوديو بالغبار والدخان.
وفي ذات الوقت، أصيبت شقة "نَزانين" في حي شمالي راقٍ بأضرار، حيث تقع قبالة المبنى الذي استُهدف ويُعتقد أنه مقر إقامة كبير مساعدي خامنئي، علي شمخاني. وأفادت وكالة "نور نيوز" الرسمية أن شمخاني نجا من القصف ويعالج في المستشفى.
صعود التيار المتشددوتشير تحليلات بلومبيرغ إلى أن أي تغييرات محتملة في قمة السلطة، مثل غياب المرشد علي خامنئي، قد تؤدي إلى صعود وجوه أكثر تشدداً وأيديولوجية في مؤسسات الدولة، ما يزيد من رغبة النظام في إظهار القوة، بدلاً من تقديم التنازلات.
وكتبت دينا إسفندياري، محللة الشرق الأوسط لدى بلومبيرغ إيكونوميست، إن استهداف خامنئي قد يعزز الروح القومية الصاعدة في البلاد، لكنه لن يكون كافيًا لكسر الانقسامات العميقة داخل المجتمع الإيراني.
وفي الوقت الذي يتابع فيه العالم تطورات الحرب بقلق، يبدو أن إيران على أعتاب مرحلة مفصلية.
لكن المؤكد، وفق ما خلص إليه تقرير بلومبيرغ، أن إيران "لن تخرج من هذه الحرب كما كانت قبلها"، وأن ما ينتظر الإيرانيين يتجاوز آثار القنابل ليمس جوهر النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي برمته.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الملف الأسود لتمويل الحرب والتجنيد.. إيران تنقل مصانعها من سوريا لليمن وتوسع شبكات التهريب لإغراق دول المنطقة بالمخدرات
في السنوات الأخيرة تحوّل ملف المخدرات في اليمن من ظاهرة محلية إلى قضية إقليمية ذات بعد أمني وسياسي دولي, تقارير أممية والدولية تتحدث عن زيادة في تهريب وتجارة مخدرات عبر المياه الإقليمية وفي الداخل اليمني، وتحمّل جماعة الحوثي دوراً محورياً في الاستفادة من هذه التجارة لتمويل عملياتها، بينما تشير تقارير أخرى ضلوع إيران في توسيع شبكات تهريب المخدرات عبر اليمن وبناء مصانع للمخدرات بعد تعرضها لضربات موجعة في سوريا.
هذا التوسع النشط يأتي في ظل تصاعد مهول في الأرباح الاقتصادية التي حققتها المليشيا من تلك التجارة وكشفت تقديرات حقوقية واقتصادية أن مليشيا الحوثي تجني المليارات من الدولارات سنويًا من تجارة المخدرات.
مسارات التهريب
تشير تقارير أممية وإقليمية إلى تحوّل مسارات التهريب بعد تقلّص بعض قنوات التهريب من سوريا ولبنان وأماكن أخرى نتيجة ضغوط متزايدة، باتت اليمن تُعتبر مساراً بديلاً للطرق البحرية والبرية إلى دول شبه الجزيرة العربية.
تشير تقارير أمنية إلى أن إيران تلعب دورًا محوريًا في دعم تجارة المخدرات داخل اليمن، حيث يشرف ضباط من الحرس الثوري الإيراني على عمليات تهريب المواد المخدرة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، بهدف تمويل المجهود الحربي للمليشيا وتحقيق أرباح ضخمة بعيدًا عن الرقابة الدولية.
مافيا التهريب ومصانع التصدير
كشف العميد عبدالله أحمد لحمدي، مدير عام الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، عن تحول خطير في نمط تهريب وتصنيع المخدرات في اليمن، مؤكدًا أن البلاد أصبحت وجهة رئيسية لعصابات المافيا الإقليمية بعد تلقيها ضربات موجعة في سوريا.
وأوضح العميد لحمدي أن العمليات الأمنية محافظة المهرة، كشفت عن أول مصنع متكامل لصناعة مادتي الكبتاجون والشبو على الأراضي اليمنية، مضيفًا أن ستة متهمين يمنيين ضُبطوا مرتبطين بشبكات تمويل ودعم تتبع مليشيا الحوثي الإرهابية، إضافة إلى خبراء أجانب سبق ضبط بعضهم في عدن والمهرة.
وأشار إلى أن المعلومات الاستخباراتية أكدت وجود مصانع نشطة للمخدرات في مناطق سيطرة الحوثيين، ما يعكس حجم التهديدات الأمنية والإنسانية التي تواجه اليمن والمنطقة بأكملها.
وأوضح مصدر أمني خاص لـ"مارب برس" أن "المستهدف الأساسي من تهريب المخدرات هي دول الخليج العربي واليمن ليست سوى محطة ترانزيت" رغم توسّع انتشارها داخل اليمن.
ولفت إلى أن المليشيا الحوثية تعتبر نشاطها في تهريب المخدرات إلى دول الخليج جزءً من حربها الطائفية ضد الخصوم وتعتمد على هذه التجارة منذ بداية ظهورها، قبل نحو ثلاثة عقود، كأحد أهم مصادر تمويل أنشطتها التوسّعية, لافتاً إلى أنها تستند في ذلك على فتوى لمؤسسها الأوّل بدر الدين الحوثي، الذي أجاز لها تجارة الممنوعات لمحاربة من الوهابية وتمويل الجهاد.
كما أكّدت مصادر أمنية وعسكرية لـ"مارب برس" أن مليشيا الحوثي هي من تتحكّم بأنشطة التهريب من اليمن إلى السعودية على طول الشريط الحدودي بين البلدين الذي يبلغ طوله 1,458 كم، بدءً من مدينة ميدي بمحافظة حجّة غرباً إلى المهرة شرقاً.
أرقام صادمة… اليمن يغرق في سموم المخدرات
منذ بداية عام 2025، سجلت الأجهزة الأمنية ضبطيات ضخمة، أبرزها:
599 كجم من الكوكايين داخل شحنة سكر في عدن
646,290 قرص بريجابالين في دار سعد
314 كجم شبو و25 كجم هيروين و108 كجم حشيش في سواحل لحج
432 كجم شبو عبر البحر الأحمر
150,000 حبة كبتاجون في قارب بباب المندب
13,750 قرص كبتاجون عبر منفذ الوديعة في شاحنة قادمة من صنعاء
المخدرات أداة للتجنيد والسيطرة
بحسب تقارير دولية، يستخدم الحوثيون المخدرات لتجنيد الشباب والأطفال، حيث يُعطى المقاتلون الكبتاجون قبل المعارك لزيادة العدوانية والولاء، ما يفاقم الانهيار الاجتماعي ويحوّل المدمنين إلى أدوات حرب يمكن الاستغناء عنها.
وحول ذلك حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أن تجارة المخدرات تحولت إلى وسيلة للسيطرة النفسية على المجندين، في مشهد يعكس تشابك العنف والإدمان في مشروع الجماعة.
الحوثيون ينقلون زراعة المخدرات إلى اليمن
كشفت مصادر قبيلة بمحافظة الجوف لمأرب برس أن المليشيات الحوثية باشرت في زراعة عدة أنواع من المخدرات في عدة مناطق من الجوف العالي وفي عشرات المزارع , وقالت المصادر أن المليشيات تمنع المزارعين والأهالي القاطنين بالقرب من تلك المزارع من الاقتراب من تلك المزارع أو الوصول اليها , خاصة في ظل السلطة القمعية التي تفرضها المليشيات على مناطق سيطرتها, كما كشفت ذات المصادر عن قيام جماعة الحوثي بزراعة المخدرات قبل سنوات في عدة مديريات من محافظة صعدة مسقط رأس عبدالملك الحوثي ويشرف علي ذلك جهاز أمني خاص مهمته توفير الأمن والحماية لتلك المناطق.
احتكار التهريب وتأهيل العصابات
بعيد سيطرتهم على العاصمة صنعاء هيمنت جماعة الحوثي على تجارة الممنوعات بأنواعها، وأخضعت المهربين المحليين لسلطتها مستغلّة سطوتها على الأجهزة الأمنية والعسكرية، وفقاً لما أكّدته مصادر أمنية لـ"مارب برس".
وخلال السنوات الماضية تقول المصادر إن الحوثيين اطلقوا عشرات المعتقلين على ذمّة تهريب أو ترويج وبيع المخدّرات، مشترطين عليهم العمل لصالحهم, مضيفة أنهم تلقّوا بعد إطلاقهم أموالاً وتسهيلات لاستعادة نشاطهم في تجارة الممنوعات.
وفي سبتمبر 2016، تداول نشطاء على مواقع التواصل وثائق تؤكّد إفراج الحوثيين عن تجار مخدرات، منهم 82 سجينًا من السجن المركزي بصنعاء أغلبهم تجار مخدرات، و4 تجار مخدرات أفرجوا عنهم من مركزي محافظة حجة.
وقال مسؤول أمني كان يعمل بمحافظة الجوف لـ"مارب برس"، طلب عدم كشف هويّته، إن مليشيا الحوثي اعتقلت مهربي الحشيش ممن لا يخضعون لسلطتها خصوصاً الذين كانوا ينشطون في محافظة صعدة على الشريط الحدودي مع السعودية.
ووفقاً للمسؤول فإن من جملة من اعتقلتهم "950 رجلًا و50 امرأة كانوا يعملون ضمن شبكات التهريب", موضحاً أن ذلك جاء ضمن مساعيها لمنع أي "عملية تهريب حشيش أو مخدرات في اليمن أو من خلالها إلى المملكة إلا عن طريقها وتحت إشرافها".