لا يهدد العدوان الإسرائيلي على إيران البعد الوجودي للدولة، فقط، كما يروج الغرب، لكن الأمر يتجاوزه إلى تهديد إشعاعي طويل الأمد، وكارثة بيئية وصحية قد تُصيب المنطقة بأسرها، وتُخلخل توازنها لعقود طويلة قادمة.

وليست هذه المرة الأولى التي تفكر فيها إسرائيل في قصف منشآت نووية لدولة بينها وبينها نزاع عسكري؛ ففي عام1981، نفذت إسرائيل عملية «أوبرا» لتدمير مفاعل تموز النووي العراقي في بغداد.

وقد استُقبل الهجوم حينها بإدانة دولية واسعة، رغم أنه لم يؤدِّ إلى تسرب إشعاعي. أما اليوم، فإن التفكير في تكرار هذا النموذج في سياق مختلف تماما، وبمنشآت أكبر وأكثر حساسية، ينذر بكارثة شاملة تتجاوز الحسابات العسكرية إلى فناء جغرافي وصحي مشترك.

والهجوم على منشآت كـ «نطنز» أو «بوشهر» الإيرانية لا يشبه قصف قاعدة جوية أو مركز قيادة، فهذه المنشآت تحتوي على مواد مشعة يكفي تسرب جزء ضئيل منها لتحويل مناطق واسعة إلى أراض غير صالحة للحياة لعشرات السنين. وإذا قررت إيران بدورها الرد بضرب منشآت نووية أو بيولوجية إسرائيلية، مثل مفاعل «ديمونا»، فإن الكارثة لن تبقى داخل حدود إسرائيل، بل ستتجاوزها إلى دول الخليج وبلاد الشام والأناضول.

وهذا الخوف ليس نظريا، فالعالم لا يزال يعاني من آثار كارثة تشيرنوبل عام 1986، والتي حولت جزءا كبيرا من أوكرانيا وبيلاروسيا إلى مناطق عزل إشعاعي. وقد أدت إلى إصابة آلاف الأشخاص بالسرطان، وفرضت تهجيرا طويل الأمد لعشرات الآلاف. أما في كارثة فوكوشيما باليابان عام 2011، فقد تسبّب زلزال وأمواج تسونامي بتعطيل نظام التبريد في المفاعل، وأدى تسرب الإشعاع إلى تلوث مساحات واسعة، وخسائر اقتصادية وبيئية بمليارات الدولارات.

لكن هذه الكوارث لم تحدث في سياق قصف عسكري، بل في ظروف «سلمية» نسبيا.. فماذا لو كان الانفجار ناجما عن صاروخ، والموقع جزءا من ساحة حرب، والمفاعل محاطا بأسلحة وصواريخ ووقود؟ الكارثة هنا ستكون مضاعفة، والقدرة على التدخل أو السيطرة معدومة. ورغم فداحة هذا التهديد، من الملاحظ الغياب المقلق لأي رد فعل حاسم من المجتمع الدولي، فمجلس الأمن صامت، والوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تبدو في حجم الخطر الحقيقي للكارثة المتوقعة، بل إن البعض يعتقد أنها جزء أساسي من المشكلة. ولا يمكن تفسير هذا الصمت إلا باعتباره تواطؤا ضمنيا، أو على الأقل إفلاسا أخلاقيا في لحظة كان يفترض أن تُرفع فيها أقصى درجات التحذير.

والنتيجة أن إسرائيل تشعر بأنها طليقة اليد، في لحظة يعيش فيها العالم بعيدا عن أي نظام يحكم تحركاته أو يديرها. والخليج، الذي يبعد عن بوشهر بضع مئات من الكيلومترات فقط، قد يكون أول المتضررين من أي تسرب إشعاعي.

إن ما يجب إدراكه أن هذه الحرب خرجت من نطاق «ردع الردع» إلى احتمالات «ضرب البنية الوجودية». وفي حالة حدوث أي تسرب إشعاعي فإن سؤال من يربح الحرب ليس مهما ولكن المهم في تلك اللحظة هو من ينجو بيئيا، ومن يبقى قادرا على الحياة بعد أن يهدأ صوت القذائف. فالهواء لن يكون نظيفا، والماء قد يصبح ساما، والتربة لن تنبت. ومثل هذا الواقع يهدد حق الإنسان في الحياة، وحق الأجيال القادمة في البقاء.

ولهذا من المهم أن يتحرك المجتمع الدولي، من موقعه الأخلاقي قبل كل شيء ليضغط على جميع القوى الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى إعلان المنشآت النووية، المدنية والعسكرية، مناطق حظر مطلق في أي نزاع عسكري.. ووقف الحرب من الطرفين بضمانات دولية حقيقية.

فالحروب قد تنتهي، لكن الإشعاع لا يعرف النهايات. والعواصم قد يُعاد بناؤها، لكن الهواء إذا تسمم، لا يمكن لأي دبلوماسية في العالم أن تطهره وتنقيه.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

خبير عسكري: إسرائيل تواجه خطرا حقيقيا من القذائف المتشظية الإيرانية المتطورة

قال اللواء دكتور محمد زكي الألفي، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، إن مسرح العمليات الجوي بين إيران وإسرائيل بات مفتوحًا بالكامل، وهو ما ينذر بتحولات عسكرية خطيرة في الشرق الأوسط، مؤكدًا أن استخدام إيران لصواريخ حديثة متطورة؛ سيُحدث تأثيرًا بالغًا في العمق الإسرائيلي. 

وأوضح اللواء دكتور محمد زكي الألفي، في مداخلة هاتفية مع برنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم، أن تلك "السماء المفتوحة" تتطلب قدرات مستمرة لتعويض الخسائر ورفع الكفاءة القتالية، وهي مسألة حاسمة في استمرارية أي صراع طويل المدى.

وأشار إلى أن الصواريخ الجديدة التي أطلقتها إيران اليوم تتمتع بقدرات غير مسبوقة، حيث ينفجر بعضها لينتج ما يصل إلى 26 قذيفة صغيرة، قادرة على إصابة أهداف متعددة أو التسبب في أضرار ممتدة حال بقائها على الأرض.

وأضاف أن هذه الصواريخ تحمل خصائص تهديدية مزدوجة، إذ يمكنها مهاجمة أهدافها بدقة، وفي حال عدم انفجارها تُشكّل تهديدًا مستمرًا لكل من يقترب منها، واعتبر الألفي أن هذا النوع من السلاح سيُحدث نقلة نوعية في المواجهات الإيرانية مستقبلًا.

وتابع اللواء دكتور محمد زكي الألفي، أن الدخول الأمريكي المباشر في الصراع أمر بالغ الخطورة وصعب التنفيذ، خاصة في ظل وجود مفاعلات نووية إيرانية قد يؤدي استهدافها إلى كارثة إقليمية تطال الجميع، موضحًا أن القوى النووية تُمثل دائمًا قدرة ردع "محجمة" لا يمكن تجاوزها بسهولة دون عواقب مدمّرة.

وأشار إلى أن التحركات الأمريكية الأخيرة، بما في ذلك تقارير عن إخلاء بعض المعدات من القواعد المنتشرة في الشرق الأوسط، تعكس قلقًا أمريكيًا متصاعدًا من توسع رقعة الصراع.

وأشاد اللواء دكتور محمد زكي الألفي، بالموقف الذي تبنته الدول العربية، واصفًا إياه بـ"المحترم والداعم"، لا سيما في ظل استنكارها الواضح لما تتعرض له إيران من تصعيد عسكري. 

ولفت إلى أن توازن القوى بات الآن مرهونًا بوجود محور الشرق، الذي يضم روسيا والصين وكوريا الشمالية، ويُعيد رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.

طباعة شارك اللواء دكتور محمد زكي الألفي ناصر العسكرية العليا إيران وإسرائيل

مقالات مشابهة

  • العراق لا يواجه أي خطر إشعاعي من إيران “المقدسة”
  • القاهرة الإخبارية: إيران تعلن اعتقال 22 شخصًا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل
  • خبير عسكري: إسرائيل تواجه خطرا حقيقيا من القذائف المتشظية الإيرانية المتطورة
  • معدات وعتاد عسكري.. 14 طائرة شحن من أمريكا وألمانيا تصل إسرائيل
  • ما مخاطر التلوث النووي الناجم عن ضربات إسرائيل لإيران؟
  • إسرائيل تعلن استهداف منشآت نووية حساسة في إيران.. فيديو
  • موسكو تحذر واشنطن من أي تدخل عسكري لمصلحة إسرائيل ضد إيران
  • خبير عسكري: خيار وحيد لا تملكه إسرائيل لتدمير منشأة فوردو النووية
  • قرقاش: تداعيات الحرب بين إسرائيل وإيران عميقة.. والحكمة والمسؤولية تقتضي وقفها فوراً