تصدع بنية الدعم السريع القبلية: الماهرية تفتح باب الانشقاق وتربك حسابات الإمداد الغربي
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
بدأت ملامح تصدّعٍ عميق تضرب البنية القبلية التي شكّلت عماد مليشيا الدعم السريع منذ تأسيسها، مع تواتر الأنباء عن انسحاب قبائل ذات وزنٍ اجتماعي وعسكري من صفوفها، أبرزها قبيلة الماهرية (أولاد منصور) التي تُعد من أكثر المكوّنات البشرية تأثيرًا في إمداد المليشيا بالمقاتلين عبر امتداداتها العابرة لحدود غرب السودان وحتى الأراضي التشادية.
حرب بلا أفق:
هذا التراجع، الذي وصفه مراقبون بأنه تحوّل مفصلي في مسار الصراع، يكشف عن حالة الإنهاك التي لحقت بالمجتمعات القبلية المشاركة في الحرب بعد نحو عامين من الاستنزاف دون تحقيق مكاسب استراتيجية تبرّر حجم التضحيات البشرية.
فقبيلة الماهرية وحدها، وفق تقديرات غير رسمية، خسرت آلاف الشباب بين قتيلٍ وجريحٍ ومُقعد، ما أحدث موجة تململ وغضب مكتوم دفعت إلى إعادة النظر في جدوى مواصلة الانخراط في حربٍ بلا أفق.
لم تكن قوة مليشيا الدعم السريع نابعةً من تسليحها وحده أو دعمها الخارجي، بل استمدّت جزءًا كبيرًا من صلابتها من شبكة التجنيد القبلية الممتدة غربًا، حيث تُعدّ تشاد عمقًا استراتيجيًا وممرًا حيويًا لعبور المقاتلين والإمدادات. وارتبطت هذه الشبكة في أوقات عديدة بمسارات تهريب السلاح والوقود وحتى المقاتلين المرتزقة من وإلى دارفور، في ظل اتهامات معلنة للنظام التشادي بتسهيل عبور الإمدادات القادمة من مصادر مختلفة عبر مطارات «أم جرس» و«إنجمينا» قبل توزيعها على محاور القتال داخل السودان.
ورطة النظام التشادي
هذا التصدّع يضع النظام التشادي ذاته أمام اختبارٍ داخلي صعب؛ فالتورّط في دعم التمرّد السوداني لم يعد يمرّ دون أثمان سياسية واجتماعية، خاصة مع تنامي الوعي داخل القبائل التي باتت تدرك حجم الاستنزاف في دماء أبنائها مقابل أرباح لا تتجاوز مصالح نخب سياسية وعسكرية محدودة.
وتشير تحليلات مراقبين إلى أن الضغوط القبلية قد تدفع إنجامينا إلى مراجعة موقفها تدريجيًا أو على الأقل كبح انسياب الإمدادات التي ظلت تمر عبر حدود رخوة وصحارى مفتوحة.
من زاوية أخرى، يُنتظر أن يعمّق هذا التطور ارتباك مليشيا الدعم السريع ويقيّد قدرتها على التعويض البشري السريع الذي طالما كان أحد نقاط قوتها في مواجهة ضربات الجيش السوداني وقواته المساندة والمستنفرين. إذ أن أي انهيار في الحاضنة القبلية الرئيسية يعني فقدان «الاحتياطي البشري» الذي يغذي الخطوط الأمامية ويضمن استدامة الحرب داخل المدن والقرى.
فرصة أمام الجيش السوداني
يقرأ البعض هذا التراجع بوصفه فرصة مواتية للجيش السوداني وقواته المساندة والمستنفرين لاستثمار لحظة التشقّق هذه، عبر مخاطبة بقية القبائل بضرورة سحب أبنائها وقطع الطريق أمام استمرار الزج بالشباب في معارك لا تخدم سوى مشروع إقليمي أكبر تُديره أطراف خارجية ويُغذّيه مرتزقة وقنوات تمويل متعددة المصادر، بينما تدفع القبائل الثمن وحدها.
وفي المقابل، يرجّح مراقبون أن يسعى الدعم السريع لتعويض أي فجوة محتملة في الامتداد التشادي بتكثيف تحركاته عبر المحور الليبي، مستندًا إلى تحالفات سابقة مع أطراف فاعلة في شرق ليبيا، ولا سيما مجموعات تابعة لخليفة حفتر التي وفرت من قبل مظلة للمرتزقة وتسهيلات للإمداد والتموين. غير أن هذا البديل، وإن بدا مغريًا لقيادة التمرّد، يظل محفوفًا بتحديات المراقبة الإقليمية والدولية، فضلًا عن هشاشة الطريق الصحراوي الذي يمكن استهدافه لوجستيًا وعسكريًا في أي لحظة.
في هذا السياق، فإن تصدّع الامتدادات الغربية قد يكون بدايةً لسلسلة انشقاقات أوسع إذا تكررت الضغوط الشعبية داخل القبائل المتورطة في الحرب على جانبي الحدود السودانية-التشادية. كما يُتوقع أن يفتح هذا التطور الباب واسعًا أمام ترتيبات جديدة قد تجبر إنجامينا على التراجع خطوة إلى الوراء خشية انفلات الوضع الاجتماعي في مناطق النفوذ التقليدي لقبائل الزغاوة والماهرية وغيرها.
إن الأهمية الاستراتيجية لهذه المتغيرات لا تقتصر على ساحة المعركة وحدها، بل تمتد إلى الأروقة السياسية، حيث تجد الأطراف الداعمة للتمرد نفسها أمام مأزق لوجستي ومعنوي على حد سواء. فسقوط الغطاء القبلي يحدّ من جدوى التدفقات الخارجية، ويقلص من قدرة المليشيا على إعادة تنظيم صفوفها، ويعزز في المقابل قدرة الجيش السوداني على تحييد خطوط الإمداد وكسب مزيد من الزخم الشعبي لمشروع استعادة الدولة.
في المحصلة، تبدو المراحل المقبلة مرشحة للمزيد من التشققات في جدار التحالفات القبلية التي ظلت تُحرّكها المصالح والإغراءات العابرة للحدود، بينما تنضج في المقابل إرادة مجتمعية جديدة تستعيد قرارها بعد أن أدركت أن مشاريع الحرب لا تبقي ولا تذر، وأن الكلفة التي دُفعت لا تعادل شيئًا أمام وهم النفوذ والسيطرة الذي بُني على رمال متحركة. ويبقى السؤال الأهم: هل تنجح الدولة السودانية في استثمار هذا التصدع بذكاء سياسي لتسريع إنهاء التمرد وتجفيف منابعه، أم أن اللاعبين الإقليميين سيجدون طرقًا جديدة لتدوير الصراع وإطالة أمد النزيف؟
الخرطوم – المحقق
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
السودان: الدعم الإماراتي لمليشيا الدعم السريع هو السبب الوحيد لاستمرار النزاع في البلاد
متابعات- تاق برس- طالب مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس، في الجلسة التي عقدتها الامم المتحدة، اليوم الجمعة، والخاصة بمناقشة الوضع في السودان- طالب مجلس الأمن والمجتمع الدولي باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدفقات السلاح إلى “مليشيا” الدعم السريع من دولة الإمارات وشركاء إقليميين، مؤكدًا أن هذا الدعم العسكري هو السبب الوحيد في استمرار النزاع في البلاد.
ودعا السفير الحارث إدريس إلى تصنيف قوات الدعم السريع كـ”مجموعة إرهابية” مشددًا على ضرورة انسحاب عناصرها إلى معسكرات مخصصة لهم. وإخلاء منازل المدنيين، تنفيذًا لالتزامات اتفاق جدة.
وأكد إدريس أن السودان يتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة في جهود مبعوثه الخاص، كما يعمل مع الإيقاد والاتحاد الأفريقي لتنشيط خطة وطنية لحماية المدنيين، تتسم بالملكية الوطنية كما نص عليها القرار 2736. وأعلن أن السودان سيقدّم خلال الشهر المقبل خطة وطنية متكاملة لحماية المدنيين إلى مجلس الأمن.
الإماراتالدعم السريعمندوب السودان لدى الامم المتحدة