الثورة نت:
2025-06-30@04:09:44 GMT

كمين من لهب.. “بوما” تنقل رسائل غزة

تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT

 

 

في لحظة مشبعة بالدخان والدم والقداسة المنتهكة، تتراكم مشاهد النكبة الفلسطينية مجددًا، فما بين صرخات يخنقها الاحتلال على أبواب الأقصى، وجدران تهدمها جرافات الحقد الصهيوني في نور شمس، وأطفال تحاصرهم آلة الإبادة بالنار في سوسيا، تقف غزة شاهدةً لا تكتفي بالصراخ، بل تبادر بإطلاق رصاصاتها نحو جنودٍ اعتقدوا أن بإمكانهم إخضاع الجغرافيا بالإرهاب.

إنها فلسطين، تُكابد وحدها بأسًا مركبًا: احتلال ينهش أرضها، ومستقبل يسعى جنرالات الدم لاجتثاثه من جذوره، وصمت عالمي يبارك المجزرة بالصمت والتواطؤ. لكن في قلب هذا الجحيم، تنبعث إرادة لا تُقهر، تُقاوم بقبضات المؤمنين، وبكمائن لا ترحم، تجسدت أبلغ مشاهدها في تفحم سبعة جنود صهاينة، بينهم ضابط، داخل مدرعة من نوع “بوما”.
صباح الأربعاء، اقتحم عشرات المستوطنين باحات المسجد الأقصى المبارك تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال، في سياق سياسة صهيونية ممنهجة تهدف إلى فرض أمر واقع تهويدي داخل الحرم القدسي الشريف. هذه الاقتحامات لم تعد أحداثًا عابرة، بل تحولت إلى مشهد يومي متكرر يتزايد عدده واتساعه مع مرور الوقت. فقد تجاوز عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى منذ اندلاع العدوان الصهيوني في 7 أكتوبر 2023م أكثر من 68 ألفًا، وهو رقم غير مسبوق يُدلل على تصعيد خطير في الهجمة الصهيونية على هوية المدينة المقدسة. وفي ظل هذا الاستباحة المتكررة، تحوّلت أبواب البلدة القديمة إلى نقاط تفتيش عسكرية مشددة، تُعيق دخول الفلسطينيين إلى الأقصى، وتحول دون أداء الصلوات بحرية، في سياسة حصار ديني تمارسها سلطات الاحتلال بلا مواربة.
في المقابل، لا يقتصر المشهد على المسجد الأقصى وحده. في مخيم نور شمس شرقي طولكرم، تتجسد نسخة أخرى من الانتهاك، لكن هذه المرة في صورة هدمٍ وترويع وتهجير قسري. فقد باشرت قوات الاحتلال منذ عدة أشهر حملة عسكرية تعد الأطول من نوعها منذ سنوات، وتهدف إلى تدمير النسيج السكاني والاجتماعي للمخيم. وفق مصادر فلسطينية، فإن المخطط الصهيوني يستهدف هدم 106 بنايات سكنية، 48 منها في نور شمس، وذلك ضمن سياسة ممنهجة لإفراغ مناطق الضفة الغربية من سكانها الأصليين، وخلق واقع جديد بالقوة.
وفي قرية سوسيا جنوب الخليل، امتدت اليد الاستيطانية لتُحوّل الليل إلى كابوس لعائلة فلسطينية، حيث أقدم مستوطنون متطرفون على إحراق منزل المواطن ناصر شريتح أثناء وجوده بداخله مع زوجته وأطفاله السبعة. الحريق كاد أن يودي بحياتهم جميعًا، لولا “لطف الله”، كما قال شريتح، الذي لم يتمالك نفسه أمام هول الموقف، لكنه رغم ذلك، أعلن بصوتٍ ملؤه التحدي: “باقون هنا رغم كل شيء”. هذه الجريمة تأتي في سياق متصاعد من الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون بإشراف ودعم مباشر من “جيش” الاحتلال، في إطار محاولة دفع الأهالي إلى الرحيل طوعًا من أراضيهم، وتهيئة البيئة لزحف استيطاني أكبر.
أما الضفة الغربية، فهي مسرح دائم للاعتقال والبطش. خلال يوم واحد فقط، نفذت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة طالت 47 فلسطينيًا في مناطق مختلفة من الضفة. وفي بلدة يعبد جنوب غرب جنين، فُرض حظر تجول شامل، تلاه اقتحام عشرات المنازل، وتحويل عدد منها إلى نقاط احتجاز ميدانية. هذه الممارسات تأتي ضمن سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين، خاصة في مناطق “ج” التي تخضع لسيطرة صهيونية كاملة من الناحيتين الأمنية والمدنية، حيث أضحى العنف المستوطن فيها “برعاية الدولة”، بحسب وصف الناشط نصر نواجعة، الذي حذّر من أن المخطط التهجيري يسير بوتيرة متسارعة، مستهدفًا وجود الفلسطينيين على أرضهم.
رغم هذا القمع والتنكيل، تواصل المقاومة الفلسطينية إرسال رسائلها النارية إلى الاحتلال، بأن الحرب لم تُحسم، وأن الكلمة الأخيرة لم تُكتب بعد. في خان يونس، نُفذ كمين محكم من قبل كتائب عز الدين القسام ضد ناقلة جنود مدرعة من نوع “بوما”، وهو من أعتى المركبات التي يستخدمها “جيش” الاحتلال. هذا الكمين أدى إلى مقتل سبعة جنود صهاينة، بينهم ضابط، في واحدة من أعنف الضربات التي تلقاها “الجيش” منذ بدء العدوان. المركبة احترقت بمن فيها، وعجزت قوات الإنقاذ عن التدخل، ما اضطر الاحتلال إلى جرها وهي تشتعل إلى داخل الكيان، حيث أُعلن لاحقًا أنه لم يُعثر على أي جندي حي، ولم يتبقَ سوى الأشلاء.
وصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولا سيما صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ما جرى بأنه “أحد أصعب الأحداث التي واجهها (الجيش)”، في دلالة على أن المقاومة لا تزال قادرة على توجيه ضربات موجعة، حتى في ظل تفوق العدو الجوي والاستخباراتي. الكمائن التي تنفذها المقاومة لم تعد مجرد ردود فعل آنية، بل تحوّلت إلى استراتيجية قائمة بذاتها. ويؤكد الكاتب الفلسطيني محمد الأيوبي أن هذه الكمائن تمثل “منطقًا بديلًا للحرب”، يهدف إلى استنزاف “الجيش”، وإيقاع الخسائر البشرية المتواصلة، ودفع القيادة الصهيونية إلى تدوير قواتها المنهكة، في ظل تصاعد الضغط الشعبي الداخلي الرافض لاستمرار الحرب.
على جبهة السياسة، تستمر المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في حالة جمود. وتتهم حركة “حماس” سلطة المجرم بنيامين نتنياهو بتعطيل جهود الوسطاء، لأهداف انتخابية وشخصية. وفي بيانها الأخير، أكدت الحركة أن “العمليات النوعية للمقاومة أثبتت فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، وكشفت زيف ادعاءاته بالنصر”. حماس شددت على أن أي اتفاق لا بد أن يضمن وقفًا دائمًا للعدوان، وانسحابًا كاملاً من قطاع غزة، معتبرة أن تصريحات نتنياهو بشأن “النصر المطلق” ما هي إلا “أوهام يروجها لخداع الداخل الإسرائيلي”.
الهجوم الذي شهدته خان يونس، والتصعيد في الضفة، والتدنيس المتواصل للأقصى، ليست أحداثًا منفصلة، بل حلقات في سلسلة واحدة: سياسة احتلال قائمة على البطش، تقابلها مقاومة لا تزال تُبدع في الدفاع عن الأرض والهوية. وبين نار الحصار وكمائن المفاجآت، يتواصل الصراع بلا هدنة حقيقية، في مشهد يُختصر بكلمة واحدة: الصمود.
من باحات الأقصى التي تُدنّس تحت أحذية المستوطنين، إلى أطلال البيوت المهدّمة في نور شمس، ومن شظايا الألم في سوسيا، إلى نار الكمائن المشتعلة في غزة، تتجلّى وحدة الأرض والدم والمصير. فالاحتلال لا تتم مجابهته بالنصوص، بل بإرادة تُولد من رماد البيوت، ومن دمعة الأم، ومن شهقة المقاوم تحت الأنقاض. وفي زمنٍ تحوّل فيه العدل إلى تجارة، والإنسانية إلى ديكور فارغ، تبقى المقاومة الفلسطينية هي التعبير الأكثر صدقًا عن الكرامة المهدورة في هذا العالم المنكسر.
إنها فلسطين.. ليست قصة ظلم فقط، بل حكاية نهوض دائم، تُعيد تعريف البطولة في زمن الانبطاح، وتُعلّم البشرية أن الأرض لا تُمنح، بل تُسترد، ولو على شفير الموت. لقد آن للعالم ألا يدير وجهه عن هذه الحقيقة، لأن النار المشتعلة هناك، لن تبقى محصورة في حدود غزة أو جنين، بل هي مرآة لما يمكن أن تؤول إليه البشرية حين تخذل المظلوم وتكافئ الجلاد.
* كاتب جزائري

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

“شهداء الأقصى” تعرض مشاهداً لاستهداف جنود وآليات العدو الصهيوني جنوبي غزة

الثورة نت /..

عرضت كتائب شهداء الأقصى في قطاع غزة، الجناح العسكري لحركة فتح الفلسطينية، اليوم الجمعة، مشاهداً لقصف مقاتليها تجمعاً لجنود وآليات العدو الصهيوني شمال مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة.

وتُظهر المشاهد، عملة التحضير والإعداد للعملية ورصد جنود وآليات العدو وتوغلها في منطقة السطر الشرقي في محيط مفترق حمد شمال مدينة خانيونس، ثم استهدافها بقذائف الهاون من العيار الثقيل.

يأتي ذلك في سياق رد فصائل المقاومة الفلسطينية على جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق أهالي قطاع غزة، بدعم أمريكي، منذ 7 أكتوبر2023، وتشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلا النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

مقالات مشابهة

  • مستشفى “شهداء الأقصى” في غزة يؤكد استشهاد وإصابة 4580 من منتظري المساعدات
  • فعالية خطابية في بني حشيش تدشيناً للجولة الثانية من دورات “طوفان الأقصى”
  • معركة “المثلث الحدودي” تنقل حرب السودان إلى مسار جديد
  • التحرير بالأمانة تُدشّن المرحلة الرابعة من دورات التعبئة “طوفان الأقصى”
  • “حماس” تدعو الشعب الفلسطيني للاحتشاد في المسجد الأقصى والرباط فيه
  • لقاء في الحديدة تدشيناً للعام الدراسي واستئنافاً لدورات “طوفان الأقصى”
  • “شهداء الأقصى” تقصف تجمعات جنود العدو الصهيوني شرق خان يونس
  • “الخارجية”: المملكة تدين استمرار أعمال العنف التي يشنها مستوطنون إسرائيليون بحمايةٍ من قوات الاحتلال ضد مدنيين فلسطينيين
  • “شهداء الأقصى” تعرض مشاهداً لاستهداف جنود وآليات العدو الصهيوني جنوبي غزة