الجفاف الحاد يؤثر على مياه الأنهار والينابيع في لبنان
تاريخ النشر: 2nd, July 2025 GMT
في ظاهرة غير مسبوقة خلال فصل الصيف الحالي، شهدت عدة ينابيع في لبنان جفافا حادا يعد الأسوأ منذ 65 عاما، ما ينذر بأزمة مائية غير معهودة تخلف تداعيات إنسانية وبيئية خطيرة في البلاد.
ومن أبرز هذه الينابيع، نبع البياضة بمدينة بعلبك شرق لبنان، أحد أقدم ينابيع المنطقة الذي تحول إلى أرض قاحلة بعد آلاف السنين من تدفق المياه العذبة منه.
وحسب المصادر التاريخية، فإن نبع البياضة كان الدافع الأساسي وراء اختيار الإمبراطورية الرومانية (31 قبل الميلاد – 476 ميلادي) في القرنين 6 و5 قبل الميلاد مدينة بعلبك مركزا لبناء معابدهم المتمثلة حاليا بهياكل بعلبك.
وباعتباره مصدرا أساسيا للمياه في تلك الحقبة، جرى إنشاء قناة لجر المياه إلى داخل المعابد التاريخية، وبات النبع مرتبطا أيضا بهياكل بعلبك الأثرية حتى اليوم. وعلى ضفافه تشكّل أكبر متنزه سياحي طبيعي في لبنان، فضلا عن كونه مصدرا حيويا لري البساتين الزراعية وتأمين المياه للمنازل.
ومع الانحسار السريع لمياهه وصولا للجفاف، انقلب المشهد الحيوي هذا والمزدهر بالحياة رأسا على عقب، حيث تحول النبع إضافة إلى بركة البياضة ونهر رأس العين اللذين يتغذيان منه إلى أرض قاحلة.
ونتيجة لذلك انعدمت الحياة البرية في البركة والنهر حيث اختفت الأسماك وطيور الإوز والبط. وبحسب تقارير محلية، فإن بعلبك تشكو من انقطاع المياه عن المنازل لأسابيع في بعض الأوقات، ومن غياب العدالة بتوزيع المياه، ما يدفع بالكثيرين إلى شراء المياه من أماكن غير آمنة.
ويُرجع مراقبون جفاف الينابيع إلى حالة الجفاف العامة التي يعاني منها لبنان جراء تراجع كميات هطول الأمطار والثلوج، فضلا عن غياب الخطط المائية المستدامة، والاستهلاك العشوائي للمياه الجوفية، إضافة إلى آثار التغير المناخي.
إعلانوفي مقابلة مع الأناضول، قال المهندس الجيولوجي محمود الجمّال إن هذا النبع كان السبب الرئيسي الذي شجع الرومان لبناء هياكل بعلبك، ووصف جفاف النبع بأنه كارثة، نظرا لما يشكله من حرمان للمدينة من أهم مورد مائي فيها، على مرّ التاريخ.
وللإشارة إلى أهميته، لفت الجمال إلى أن الرحالة الشهير ابن بطوطة (1304م – 1378م) زار بعلبك، وقال إن المدينة ببساتينها ونبع رأس العين، لا يضاهيها في المنطقة، إلا غوطة الشام في سوريا.
وأضاف أن قلعة بعلبك ورأس العين توأمان لا ينفصلان عن بعضهما، فلولا رأس العين لما وجدت هياكل بعلبك. وأكد خلال حديثه أن عددا آخر من الينابيع في المنطقة تعرض للجفاف منها نبع الشيليش، وعين وردة.
من جانبه، قال رئيس بلدية بعلبك أحمد الطفيلي إن نبع البياضة ورأس العين شكّلا معلما سياحيا وأثريا في بعلبك (..) فكما مصر هي هبة النيل، فإن بعلبك هي هبة البياضة ورأس العين.
وحذّر الطفيلي من آثار سلبية على قطاعي السياحة والزراعة جراء جفاف نبع البياضة، وطالب بتحرك سريع من أجل استعادة مياه هذا النبع، لافتا إلى صعوبة هذا الأمر الذي يحتاج إلى مشاريع وتمويل.
بحسب التقرير السنوي لعام 2025 الصادر عن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني (أكبر نهر في لبنان) التابعة لوزارة الطاقة، فإن العجز المائي في البلاد يتفاقم سنويا بسبب غياب مشاريع تطوير الموارد والمحافظة على النوعية.
ووفقا للمصلحة ذاتها، فإن سوء إدارة الموارد المائية والتلوث يخفضان الكمية القابلة للاستخدام إلى أقل من ربع المتاح. وأفادت المصلحة بأن لبنان يعاني من الاستنزاف العشوائي والمفرط للمياه الجوفية، فضلا عن غياب الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
وفي مشهد مقلق، انخفضت مياه بحيرة القرعون -الأكبر في لبنان- إلى أدنى مستوى لها منذ إنشاء سد القرعون عام 1959، حيث أظهرت المشاهد تراجع مخزون المياه في البحيرة إلى مستويات غير مسبوقة، بحسب تقرير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني.
ووفق التقرير، فإن كمية المياه الوافدة من نهر الليطاني إلى بحيرة القرعون تدنت خلال عام 2025 وبلغت 43 مليون متر مكعب، في حين الحد الأدنى بلغ سابقا 63 مليون متر مكعب، أما المعدل العام فيبلغ 233 في السنوات المطرية.
هذا التراجع الحاد في كمية المياه، تسبب بتوقف محطة عبد العال لتوليد الكهرباء التابعة لوزارة الطاقة اللبنانية والتي تعمل على الطاقة الكهرومائية بواسطة المياه الوافدة من بحيرة القرعون، وفق ما أعلنت عنه الوزارة في بيان سابق.
وتعليقا على ذلك، أصدرت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بيانا في 16 يونيو/حزيران الماضي أرجعت فيه الانخفاض الحاد في منسوب المياه إلى شحّ الأمطار، والاستخدام المفرط وغير المنظم لمياه الري والصناعة، وغياب السياسات المستدامة لإدارة الموارد المائية.
وفي مشهد يعكس تفاقم الأزمة المائية التي تتعرض لها البلاد، شهد نبع عنجر في قضاء زحلة بمحافظة البقاع شرق لبنان، جفافا أرجعته مصادر رسمية إلى عدة أسباب أبرزها شح الأمطار.
إعلانوكان هذا النبع يشكل مصدرا أساسيا لتغذية المياه الجوفية والسطحية في تلك المنطقة القريبة من الحدود السورية. وفي 20 يونيو/حزيران، قالت مصلحة الليطاني إن الجفاف سببه شح الأمطار، إضافة إلى الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، وغياب الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
وحذرت المصلحة من أنّ هذا الواقع يُهدد الأمن المائي والبيئي والزراعي في المنطقة، ويؤشّر إلى خطورة الوضع الهيدرولوجي (الموارد المائية) الذي بدأ يطال الينابيع الأساسية التي كانت تاريخيا تُعرف بغزارتها.
ويعاني لبنان هذا العام 2025 أسوأ أزمة جفاف حاد منذ أكثر من 65 عاما، وفق بيان لمصلحة الليطاني صدر في مارس/آذار، وسط تخوفات من تداعيات سلبية تنعكس على القطاعات الحيوية، وأبرزها الزراعة والصحة والغذاء والطاقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات تغي ر المناخ بحیرة القرعون نهر اللیطانی فی المنطقة شح المیاه فی لبنان
إقرأ أيضاً:
وفاة شاب بسوء التغذية في غزة جراء التجويع الإسرائيلي
توفي شاب فلسطيني بمدينة غزة، مساء الاثنين، متأثرا بإصابته بـ »سوء تغذية حاد » جراء التجويع الإسرائيلي بمنع دخول الإمدادات منذ مارس 2025.
وأفاد مصدر طبي في « مستشفى الكويت التخصصي الميداني »، للأناضول، بوفاة الشاب أيوب أبو الحصين (29 عاما)، متأثرا بسوء التغذية الحاد.
وفي ساعة متأخرة من مساء الاثنين، نشرت مستشفى الكويت صورا للشاب أبو الحصين يظهر فيها أشبه بهيكل عظمي جراء فقدانه الشديد للوزن إثر إصابته بسوء تغذية.
وقالت المستشفى في منشور أرفقته مع الصور، إن أيوب وصل « جثة هامدة، نتيجة سوء التغذية الحاد الذي أصيب به في مشهد يجسد حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة بسبب إغلاق المعابر واستمرار العدوان ».
وحذرت من أن « النقص الحاد في الغذاء والدواء يهدد حياة آلاف المواطنين خاصة الأطفال وكبار السن ومرضى الأمراض المزمنة وسط غياب أبسط مقومات الحياة ».
وصباح الثلاثاء، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوثق ما حل بجسد أبو الحصين جراء سوء التغذية والمجاعة.
وحتى الساعة 8:47 (ت.غ)، لم يصدر تعقيب رسمي من وزارة الصحة حول وفاة أبو الحصين جراء سوء التغذية.
وتعد حالة الوفاة هذه استثنائية في قطاع غزة، ففي العادة يكون ضحايا سوء التغذية والمجاعة من فئة الأطفال وذلك جراء ضعف أجسادهم ومناعتهم.
والسبت، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، ارتفاع عدد الضحايا من الأطفال الذين « استشهدوا » جراء سوء التغذية الحاد إلى 66 طفلا، وذلك منذ 7 أكتوبر 2023، نتيجة تشديد الجيش الإسرائيلي حصاره على القطاع ضمن استخدام « التجويع سلاحا لإبادة المدنيين ».
ومساء الخميس، توفيت الرضيعة جوري المصري (3 شهور) في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، بعد أن عجزت عائلتها عن توفير نوع خاص من الحليب العلاجي الذي كانت بحاجة ماسة إليه.
وفي مشهد مؤلم باليوم ذاته، شيعت عائلتا الرضيعين نضال شراب (5 أشهر) وكندة الهمص (10 أيام) جثمانيهما من مستشفى ناصر في خان يونس، بعدما فقدا حياتهما بسبب سوء التغذية ونقص الأدوية.
والجمعة، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن نحو 112 طفلا فلسطينيا يدخلون المستشفيات بقطاع غزة يوميا لتلقي العلاج من سوء التغذية منذ بداية العام الجاري، جراء الحصار الإسرائيلي الخانق.
وتغلق إسرائيل منذ 2 مارس بشكل محكم معابر غزة أمام شاحنات إمدادات ومساعدات مكدسة على الحدود، ولا تسمح إلا بدخول عشرات الشاحنات فقط، بينما يحتاج الفلسطينيون في غزة إلى 500 شاحنة يوميا كحد أدنى.
فيما كانت تسمح حتى نهاية 2024 بمرور عدد قليل من الشاحنات بمتوسط 50 شاحنة مساعدات وبضائع يوميا، وفق ما أكدته سابقا مصادر حكومية وميدانية، فيما أكدت تقارير أممية آنذاك أن عدد الشاحنات التي تدخل للقطاع لا تعادل « نقطة في بحر الاحتياجات ».
ومنذ 7 أكتوبر 2023 ترتكب إسرائيل – بدعم أمريكي – إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها، وخلفت أكثر من 190 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.