أبو شباب ومخطط إسرائيل في مشروع إمارة الخليل
تاريخ النشر: 8th, July 2025 GMT
لا تترك السلطة الفلسطينية مناسبة أو محفلًا دون التعبير عن رغبتها في العودة إلى "بسط سيادتها" على قطاع غزة، وإبداء جاهزيتها لفعل ذلك.
في ظروف طبيعية، يبدو هذا الموقف مفهومًا، بل ومفهومًا للغاية، فالسلطة ناقصة ما لم تبسط سيادتها على كافة أراضيها، وما لم تتمكن من حصر السلاح بيدها، وفرض قانونها على الجميع من دون استثناء.
لكن في الحالة الفلسطينية القائمة، يثير طرحٌ كهذا الكثير من ردود الأفعال الساخرة، وأكثر منها علامات التساؤل والتعجب حول "المرامي" و"النوايا" والأهداف الخبيئة.
فالسلطة التي لا سلطة لها حتى على عاصمتها "المؤقتة"، دع عنك بقية الضفة الغربية و"العاصمة الأبدية"، لا تستطيع الادعاء بأنها قادرة على فرض سلطانها على القطاع "البعيد" نسبيًا والمنفصل جغرافيًا.
والسلاح الذي لم يُستخدم يومًا لحماية الفلسطينيين (أقله منذ عشرين عامًا)، لا يخضع لمنطق "الحصرية"، فالأصل في "حصرية السلاح" تمكين الدولة (السلطة في الحالة الفلسطينية) من حماية شعبها وردع أعدائه وتحرير أرضه (أو ما تبقى منها).
والسلطة في الحالة الفلسطينية ليست دولة، وقد آلت في السنوات الأخيرة إلى أقل من "حكم ذاتي محدود". على أن الأهم من كل هذا وذاك وتلك، أن وهْم "السلطة" ورموزها السيادية من علم وبساط أحمر ومقرات رئاسية وحكومية، لم يبدد حقيقة أن الشعب الفلسطيني ما زال يخوض غمار التحرر والاستقلال الوطنيين، وأن "الدولة المستقلة" على الأراضي المحتلة عام 1967 لم تكن بهذا البعد كما هي عليه اليوم.
تلكم على أية حال أطروحة نظرية عامة، لن يتكشف مختلف أبعادها السياسية إلا بالهبوط إلى مستوى أدنى بالتحليل، من العام إلى الخاص. وهنا ننتقل إلى سؤال جوهري آخر: ما الأدوات و"الرهانات" التي لجأت إليها السلطة وبَنَت عليها "رغبتها" و"جاهزيتها" لإنجاز هدف كهذا؟
إعلانلو أنها شرعت منذ بدء الطوفان في "لملمة" شتات البيت الفلسطيني، وأخذت بما عُرِضَ عليها من مبادرات سعت لتوحيد الموقف الفلسطيني في إطار منظمة التحرير وتحت ظلال حكومة وفاق وطني، لقلنا إن الرغبة مشروعة والجاهزية قائمة.
لكنها اختارت بدلًا عن ذلك سياسة استعداء المقاومة بفصائلها المختلفة، واعتماد نهج التفرد والانفراد بالقيادة (وغالبًا على حساب الجسم العريض من حركة فتح ذاته)، وسعت لتقطيع أذرعها في الضفة الغربية في عملية تناوب مع قوات الاحتلال لـ"إطفاء بؤرها المشتعلة في الضفة".
ولم تتورع عن مد يد العون لعملاء في قطاع غزة ارتضوا العمل تحت مظلة الجيش الإسرائيلي وبأوامر وتسليح منه، كما في ظاهرة "ياسر أبو شباب"، ومحاولات استنساخها في شمال غزة، وقبلها في محاولات "التسلل" على ظهر شاحنات الإغاثة بترتيبات مسبقة مع "الشاباك" وأجهزة أمنية عربية.
سلطة كهذه لا يحق لها، ولن تكون قادرة، لا على بسط سيادتها على قطاع غزة، ولا حتى على الاحتفاظ بـ"سيادتها" في الضفة الغربية. نفي السلطة لتورطها في دعم حركة "أبو شباب" يدحضه الأخير علانية وبلا مواربة، وعلى أثير إذاعة إسرائيلية، مؤكدًا أنه يعمل لجيش الاحتلال وينسق مع السلطة.
"إمارة الخليل"بصرف النظر عن مدى جديتها، وعن طبيعة الشخوص الذين يقفون وراءها، فإن مشروع "إمارة الخليل" الذي طفا على السطح مؤخرًا، والذي يعد الوجه الآخر لظاهرة "أبو شباب"، وإن في سياقات مختلفة، إنما يعكس المكانة المتآكلة للسلطة الفلسطينية في "عُقر دارها"، مناطق (أ و ب)، وينهض شاهدًا على "أكذوبة السيادة" وحدودها الضيّقة، ويجرد السلطة من زعم "الجاهزية" لإدارة غزة وإخضاعها لسيادتها.
قد لا تبدو أطروحة الإمارة في الخليل جدّية، وقد يشكك كثيرون في وزن ومكانة و"تمثيل" القائمين عليها، بيد أن آخرين يخشون سيناريو "كرة الثلج" التي تكبر كلما تدحرجت في فراغ، وفراغ السلطة السياسي والوطني والأخلاقي الذي سمح بالتطاول عليها والتجرّؤ على المشروع الوطني، سيسمح إن ظل الحال على هذا المنوال باستمرار الظاهرة، وربما تناسلها واستنساخها في مدن أخرى.
قد يقول قائل، محقًّا بالطبع: فتّش عن أصابع الاحتلال. لكن هذه الأصابع لم تتوقف عن العبث يومًا، فلطالما سعت إسرائيل إلى "تخليق" قيادات محلية بديلة للمنظمة، وتجربة روابط القرى تنهض شاهدًا على ذلك، وهي التجربة التي دفنتها الحركة الوطنية الفلسطينية في مهدها، وقبل أن ترى النور.
في الضفة لم يشفع للسلطة "تنسيقها الأمني" ولا خذلانها غزة ومقاوميها أمام اليمين الفاشي المتفشي عميقًا في مؤسسات الحكم والمجتمع الإسرائيلية.
هم يعملون على تقويضها وتدمير ما تبقى لها من رصيد، وهم اليوم يقولونها بالفم الملآن: سنعمل على إقامة ثماني "إمارات فلسطينية غير متحدة" في الضفة، من ضمن مشروع "روابط المدن" هذه المرة. وعلى الذين يراهنون على قبول إسرائيل طائعة قيام سلطة وطنية على جناحي الوطن المحتل، في الضفة وغزة، أن يغادروا مربع الأوهام والرهانات الخائبة.
أما في غزة، وإبّان حرب السنتين على القطاع وأهله ومقاومته، فقد طرقت إسرائيل كل الأبواب بحثًا عن بدائل لحماس والمقاومة، فلم تجدها، لا عند العشائر والحمائل الفلسطينية، ولا عند طبقة رقيقة من التجار ورجال الأعمال.
إعلانوحاول المستوى الأمني الإسرائيلي تمكين نظيره الفلسطيني من التسلل إلى القطاع وبناء رؤوس جسور له في عمقه، ولكن من دون جدوى، إلى أن اهتدت تل أبيب إلى رموز إجرامية متورطة في تجارة المخدِّرات وتعاطيها، وبعضهم من أصحاب السوابق المرتبطة بجماعات متشددة مارست العنف المسلح، لتخليق هذا البديل.
لكن غزة التي صمدت أمام أعتى حروب التطويق والتطهير والإبادة، وأظهرت مقاومتها بأسًا شديدًا في مقارعة العدو وتوجيه أقسى الصفعات لجيشه وأمنه، عرفت كيف تتعامل مع هؤلاء، وكيف تسميهم بأسمائهم البشعة، وكيف تنزع عنهم غطاء عائلاتهم وعشائرهم، توطئة لقرار "غرفة العمليات" بإخراجهم عن "ملّة الوطن".
مثل هذا الموقف الصلب لم يصدر عن رام الله حتى الآن، وليس متوقعًا أن يصدر في قادمات الأيام، أو أن يأخذ بُعدًا إجرائيًا للتصدي للظاهرة واجتثاثها.
لقد غابت عن ألسنة الناطقين باسم السلطة تلك التصريحات النارية التي اعتدنا سماعها منهم وهم يتناولون تنامي ظاهرة "الكتائب" و"العرين" في طول الضفة وعرضها، لتحل محلها لغة "عقلانية" شديدة "الواقعية" و"الحرص على النسيج الاجتماعي" عند تناولهم مشروع "الإمارة".
لم تكن "حكاية" قطع الطريق على مرامي الاحتلال حاضرة عندهم وهم يتحدثون عن مخيمَي جنين وطولكرم، مثلما تحضر اليوم وهم يتهامسون حول البيان "المُعلل" و"المُسبب" الذي أعلن مصدروه نيتهم تشييد "الإمارة".
ظاهرة "أبو شباب" في غزة لن تعمر طويلًا بعد بيان "غرفة العمليات"، وأحسب أن هدنة الستين يومًا قد تشهد تسوية الحساب مع أذرع الاحتلال وأدواته الجديدة في شمال القطاع وجنوبه.
لكن الخشية على الضفة الغربية التي تخضع لجملة ضغوطات واستهدافات مركبة: نتنياهو واليمين ومشاريع الضم والاستيطان الزاحف، ترامب و"صفقة القرن 2″، سلطة عاجزة ومتآكلة إلى الحد الذي يصبح معها مشروع تلك "الإمارات غير المتحدة" تهديدًا لا يجوز بحال التهوين من شأنه، لا سيما أنه يلامس شغاف قوى إسرائيلية نافذة ومتربصة.
وعلى الذين ظنوا وراهنوا أن إضعاف المقاومة على أيدي أعداء شعبهم سيعزز حضورهم ويقوي من نفوذهم، أن يدركوا اليوم، قبل خراب البصرة، إن ظل في البصرة ما لم يخرب بعد، أنهم خطوا كتاب نهايتهم بأيديهم، قبل أن يصدروا بطاقات النعي للمقاومة وخياراتها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الضفة الغربیة فی الضفة أبو شباب
إقرأ أيضاً:
لجنة برلمانية بالكنيست تقر مشروع قانون يمنع توظيف خريجي الجامعات الفلسطينية
صادقت لجنة التربية والتعليم في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان الإسرائيلي) بالقراءتين الثانية والثالثة على مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين والمعلمات الحاصلين على شهادة أكاديمية من السلطة الفلسطينية.
وتقدم بمقترح القانون، وفق ما نشره الموقع الإلكتروني للكنيست الجمعة، أعضاء في الكنيست عن حزب الليكود وحزب شاس، وأشاروا في مقترحهم إلى ازدياد عدد المواطنين والمقيمين الإسرائيليين الذين يتلقون تعليمهم في المؤسسات الأكاديمية في السلطة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي ازداد عدد خريجي هذه المؤسسات الذين يلتحقون بجهاز التربية والتعليم في إسرائيل.
وزعم أعضاء الكنيست في مقترحهم أن الدراسة في هذه المؤسسات تتضمن في كثير من الحالات، محتوى معاديا للسامية يهدف إلى نفي وجود دولة إسرائيل، والتحريض الشديد ضدها.
ووفقا لما ورد على الموقع الإلكتروني للكنيست، أوضح المبادرون لمقترح القانون أن الهدف منه هو "منع التأثير الضار للسلطة الفلسطينية المعادي لدولة إسرائيل وقيمها، والحفاظ على القيم التعليمية لإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، كما هو منصوص عليه في قانون التعليم الرسمي".
وبالتالي عُدّل القانون وأصبح ينص على أن من يحوز على شهادة أكاديمية من مؤسسة تعليم عال في السلطة الفلسطينية، أو من مؤسسة تابعة لها، يُعتبر فاقدا للشهادة الأكاديمية المطلوبة للعمل كمعلم في إسرائيل.
ولا ينطبق القانون الجديد -وفقا للكنيست- على من يعملون الآن بالفعل، كما أنه يجوز لأي شخص أكمل بالفعل شهادة أكاديمية في السلطة الفلسطينية أو جزءا منها (سنة دراسية واحدة أو أكثر) العمل في جهاز التربية والتعليم، شريطة حصوله على شهادة تدريس من مؤسسة لتأهيل المعلمين في إسرائيل خلال عامين.
ولن يكون مشروع القانون نافذا قبل نقله إلى الهيئة العامة للكنيست للمصادقة عليه بالقراءات الثلاث.
إعلان
معطيات رقمية
يذكر أنه وفقا للمعطيات التي عرضها مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست خلال المداولات، فإن 30 ألفا و339 معلما ومعلمة التحقوا بجهاز التربية والتعليم العربي خلال العقد الماضي، 11% منهم حصلوا على شهادة أكاديمية من السلطة الفلسطينية.
ومن بين الـ11%، وهم 3447 معلما ومعلمة يُدرّس 62% منهم في شرقي القدس، و29% في التعليم البدوي في النقب، و9% في مناطق أخرى.
وفي العام الدراسي الحالي، يُدرّس حوالي 6700 معلم ومعلمة في شرقي القدس، 60% منهم على الأقل هم من خريجي وخريجات المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية.
يذكر أن 10 جامعات فلسطينية في الضفة الغربية ستدفع ثمن هذا القانون الجديد مع حرمان الفلسطينيين في القدس والداخل من الالتحاق بها بتخصصات معينة، خاصة في كليتي العلوم والآداب اللتين يتخرج منهما المعلمون عادة.