الرقابة في عالم ما بعد العدوان على إيران
تاريخ النشر: 8th, July 2025 GMT
من المؤكد أن زلزال العدوان الأمريكي - الإسرائيلي على إيران واستمرار الهمجية الصهيونية في غزة لن تتوقف آثارهما السلبية والمدمرة، في تقديري، على المشروع النووي أو الصاروخي الإيراني، أو على مستقبل الصراع العربي-الإسرائيلي، أو حتى على رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط. هذا الزلزال سيكون له توابع وارتدادات كثيرة من شأنها أن تؤثر على مختلف نواحي الحياة في العالم كله.
في هذا المقال أتوقف قليلا عند تأثير ما حدث على حرية الصحافة أو بالأصح حرية وسائل الإعلام بشكل عام وحرية تعبير الأفراد عن آرائهم على منصات النشر المختلفة. هذه الحرية التي بشرتنا بها الأدبيات الغربية ودعمتها ظهور الإنترنت ومن بعدها شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت مشكوكا فيها بعد أن نجحت شركات التقنية العملاقة التي تمتلك وتدير هذه المنصات ومعها الحكومات التي تريد السيطرة على ما ينشر فيها في تحجيم حرية التعبير عليها والعودة بالعالم إلى عصر ما قبل الإنترنت حيث يسود الخوف من إبداء الرأي وتتحول منافذ التعبير في المجتمع إلى منافذ للصوت الواحد والآراء الموحدة والمعلبة.
حتى وقت قريب كان الباحثون في الإعلام يقسمون العالم وفقا لمستوى حرية الصحافة إلى عالمين مختلفين، عالم تتمتع فيه وسائل الإعلام بالحرية الكاملة في البحث عن المعلومات ونشرها والتعبير الحر عن الآراء والأفكار، وعالم آخر مواز تخضع فيه الصحافة لكل صنوف الرقابة والتقييد. مسميات عديدة أطلقت على العالمين المتناقضين وتصنيفات كثيرة استخدمت لوصف كل عالم استقرت على تسمية النظم الإعلامية الحرة بالنظم الليبرالية والنظم غير الحرة بالنظم السلطوية.
هذه التصنيفات المتوارثة منذ سنوات طويلة آن لها أن تتغير، بعد أن زالت الفوارق أو كادت بين دول العالم التي اتجه أغلبها إلى تقييد حرية الصحافة، بما في ذلك الديمقراطيات الكبيرة مثل الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا، وهو الأمر الذي يجعلنا نقول إن وهم استقلال وسائل الإعلام والحرية الكبيرة آخذ في التآكل بعد أن رأينا كيف تفرض حكومات هذه الدول القيود على صحافتها وتمنعها من نشر ما يخالف السياسة الخارجية للدولة في انحياز فاضح لدول وشعوب وأمم على حساب دول وشعوب وأمم أخرى.
إن المتابع للزخم الإعلامي الذي أحاط بالعدوان الأمريكي- الإسرائيلي على إيران يمكن أن يلحظ كم الأكاذيب التي روجت لها الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية وكم المعلومات التي تم حجبها عن الرأي العام سواء داخل هاتين الدولتين أو خارجهما. فتحت مظلة الحفاظ على الأمن الوطني وحشد الدعم للعمليات العسكرية العدوانية على إيران، استخدمت الرقابة العسكرية استخدامًا واسعًا فاق كل استخداماتها في الحروب السابقة. ويوما بعد يوم تتكشف حقائق كثيرة عن حجم الدمار الواسع والخسائر البشرية الكبيرة التي كانت تحدثها الصواريخ الإيرانية في الداخل الصهيوني، والتي أخفتها الرقابة العسكرية عن عيون وسائل الإعلام داخل وخارج الكيان المحتل.
إن علينا أن نتعلم من أعدائنا كيف يمكن التحكم في التدفق المعلوماتي والإعلامي في أوقات الأزمات والحروب، وإلى أي مدى يمكن استخدام الرقابة لخدمة الأهداف الوطنية. إن مقارنة سريعة بين الرقابة الإسرائيلية الشديدة على حجم الخسائر التي منيت بها الدولة المحتلة وبين التدفق الإعلامي غير المنضبط عن خسائر إيران يكشف الفروق الجوهرية بين الدولتين على مستوى التخطيط الإعلامي الاستراتيجي، ويؤكد أهمية وجود سياسة إعلامية تستبق الأزمات قبل وقوعها.
واقع الحال أن هذه الرقابة التي طالت أيضا الإعلام الأمريكي والغربي عموما أثناء هذه الحرب ليست جديدة على هذا العالم الذي اخترع بنفسه الرقابة وسوقها إلى العالم ثم انقلب عليها لفترات وأخيرا عاد ليستخدمها ويستفيد منها في حروبه العدوانية سواء في إيران أو غزة.
إن علينا أن ندرك أن الرقابة على وسائل الإعلام هي تراث غربي موغل في القدم، وأنها ظلت تمثل لقرون إحدى الصور المباشرة التي تتخذها السلطة في حظر أية أخبار أو آراء تحت دواعي أنها تمس الأمن القومي لتبرير عدم نشرها. وقد أحضرها المستعمر الأوروبي معه عندما غزا الشرق واحتل أراضيه ونجح في ربطها بوسائل الإعلام الحديثة التي أحضرها معه، تمامًا مثلما فعل نابليون بونابرت عندما أحضر معه المطبعة في حملته العسكرية على مصر وأحضر معها التراث الأوروبي في العصف بالحريات العامة وحرية التعبير.
لقد كانت الرقابة على وسائل الإعلام إحدى أهم أدوات السيطرة الأوروبية على الدول التي احتلتها، وكانت الإدارات الاستعمارية تمنح نفسها وعملاءها أو من يحكمون باسمها حق فحص ومراجعة وتقويم الرسائل الإعلامية التي يتم نشرها عبر الكتب والصحف والمجلات والمحطات الإذاعية والتلفزيونية، ثم امتد هذا الحق إلى منصات النشر الجديدة مثل المواقع الإلكترونية والرسائل الهاتفية والمدونات والشبكات الاجتماعية وتطبيقات الهواتف الذكية.
يبدو المستقبل غير مبشر على المستوى الإعلامي، خاصة ما يتعلق بحرية الصحافة في العالم بعد أن ثبت أن الدول جميعها، سواء كانت ديمقراطية أو غير ديمقراطية، سوف تتجه بعد دروس العدوان على إيران إلى فرض مزيد من الرقابة على وسائل ومنصات الإعلام الوطنية والعالمية، بعد أن شاهدت كيف يمكن أن يؤدي الاختراق الإعلامي إلى زعزعة الاستقرار وتهديد الأمن الوطني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وسائل الإعلام حریة الصحافة على إیران بعد أن
إقرأ أيضاً:
لافروف: روسيا تزود إيران بالمعدات التي تحتاجها وتعاوننا العسكري معها ضمن القانون الدولي
روسيا – أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن التعاون العسكري التقني بين روسيا وإيران يتم وفقا للقانون الدولي وروسيا تزود إيران بالمعدات التي تحتاجها.
وقال لافروف في تصريحات لممثلي وسائل إعلام عربية: “فيما يتعلق بتعاوننا العسكري التقني مع إيران، وبعد رفع عقوبات مجلس الأمن عنها لا توجد لدينا أي قيود، ونلتزم تماما بالقانون الدولي ونزود الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالمعدات التي تحتاجها”.
يذكر أن معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران التي وقعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني محمود بزشكيان في موسكو في 17 يناير 2025 دخلت حيز التنفيذ في 2 أكتوبر الجاري.
وتنص الاتفاقية على تعزيز التعاون على الساحة الدولية في ظل ظروف النظام العالمي متعدد الأقطاب الجديد، والتنسيق الوثيق داخل المنظمات متعددة الأطراف الرائدة، والجهود المشتركة لتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، ومواجهة التحديات والتهديدات المشتركة.
والمعاهدة المذكورة “تعكس الاختيار الاستراتيجي للقيادة السياسية العليا في روسيا وإيران لتعزيز علاقات الصداقة وحسن الجوار بشكل شامل، بما يتوافق مع المصالح الجذرية لشعبي البلدين” حسب الخارجية الروسية.
المصدر: RT