«ميثاق غليظ» يواصل توعيته بأحكام الزواج في جامع السلطان قابوس الأكبر
تاريخ النشر: 11th, July 2025 GMT
تواصلت فعاليات البرنامج التأهيلي التوعوي «ميثاق غليظ» في جامع السلطان قابوس ببوشر، الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ممثلة بالمديرية العامة للوعظ والإرشاد، وذلك في إطار جهود التوعية بأحكام الزواج وشروطه وفق المنهج الشرعي المتكامل.
وقدّم الشيخ عبدالله بن أحمد السليمي، أمين فتوى بمكتب الإفتاء محاضرة توعوية بعنوان «أحكام النكاح»، تناول خلالها المفهوم الشرعي للنكاح باعتباره عقدًا يجمع بين الرجل والمرأة على أساس المودة والرحمة، مبينًا أن النكاح في الإسلام يُعد من سنن الفطرة وله بعد ديني واجتماعي وإنساني.
وأوضح السليمي أن النكاح يُحقق أهدافًا سامية، منها: تلبية الحاجة الفطرية وتحقيق العفة والإعانة على طاعة الله وتكوين أسرة صالحة تسهم في بناء المجتمع. كما أشار إلى أن أحكام النكاح تختلف باختلاف حال الشخص، فقد يكون واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا أو حتى مكروهًا أو محرمًا وفقًا للظروف والنية والقدرة.
وتطرّق إلى أهمية مرحلة الخطبة باعتبارها وعدًا بالزواج لا يترتب عليه آثار العقد، مشيرًا إلى جواز النظر للمخطوبة بشرط الجدية.
كما شرح المحاضر المحرمات من النساء بسبب النسب أو الرضاعة أو المصاهرة، مؤكدًا على ضرورة فهم هذه الضوابط لتفادي الوقوع في محظورات شرعية تؤثر على صحة الزواج.
وفي سياق الحديث عن عقد الزواج، أشار السليمي إلى أن شروطه تشمل رضا الطرفين ووجود الولي والشهادة والمهر، مع الصيغة الشرعية للإيجاب والقبول، مؤكدًا أن المهر حق للمرأة يُعبّر عن تكريمها.
وتناول الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين، موضحًا أن للمرأة حق النفقة والسكن والمعاشرة بالمعروف، كما أن عليها حفظ بيتها وطاعة زوجها في المعروف. وتحدّث عن بعض الأنكحة غير المشروعة كنكاح الشغار والمتعة والتحليل، مبينًا عدم جوازها لما فيها من مخالفة لمقاصد الزواج في الإسلام.
وأشار إلى أهمية حسن العشرة والمعاملة الطيبة، معتبرًا القوامة مسؤولية يتحمّلها الرجل وليست تسلّطًا، في مقابل طاعة المرأة واستقرارها الأسري.
وفي ختام المحاضرة، أكد الشيخ عبدالله بن أحمد السليمي أن الزواج نعمة عظيمة، وسنة كونية، إذا أُقيم على طاعة الله وبُني على أسس الرحمة والمودة، فإنه يثمر أسرة مستقرة ومجتمعًا متماسكًا.
كما قدمت الدكتورة حنان بنت حميد السيابية، باحثة في القضايا الفقهية المعاصرة، محاضرة بعنوان «أحكام الزواج»، حيث تناولت فيها عدة جوانب شرعية واجتماعية وطبية مرتبطة بالزواج.
وأوضحت السيابية أن الزواج في الإسلام ليس مجرد عقد اجتماعي، بل هو ميثاق غليظ يحمل في طياته الأحكام الشرعية الدقيقة التي تتناسب مع ظروف كل فرد، وهذا ما أكدته السنة أن «الزواج وسيلة لحفظ الفرج وغض البصر». كما استشهدت بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء».
كما استهلت الدكتورة حنان في شرح الأحكام الخمسة المرتبطة بالزواج، التي تراوحت بين: «الوجوب، والندب، والكراهة، والتحريم، والإباحة». وتطرقت الى شرح معايير اختيار الزوجين، مؤكدة أن الدين والخلق هما الأساس، مع مراعاة العرف والقدرة على تحقيق مقاصد الزواج.
وشرحت السيابية أن الخطبة في الإسلام هي مجرد «وعد بالزواج» وليس عقدا ملزما، وذكرت الأحكام المتعلقة به: «كتحريم خطبة المعتدة أو المتزوجة وحرمة التقدم على خطبة المسلم إلا بأذنه، وحكم الهدايا عند العدول عن الخطبة».
ولم تغفل المحاضرة عن تسليط الضوء على القضايا الطبية المعاصرة التي تؤثر على الزواج مثل، زواج المصابين بالإيدز والإرشاد الوراثي. وفي ختام المحاضرة اختتمت الدكتورة بآداب ليلة الزفاف.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الإسلام
إقرأ أيضاً:
حكم الزواج بغير رضا الوالدين.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم الزواج بغير رضا الوالدين؟ حيث تقدم السائل لخطبة فتاة على خلق ودين، ووالده ووالدته يرفضان هذا الزواج تمامًا، وقرّر أبوه وأمه مقاطعته نهائيًّا لو أتمَّ هذا الزواج وغضبهما عليه طول العمر. وطلب بيان الحكم الشرعي.
وأجابت الإفتاء عن السؤال قائلة: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
وبناء على ذلك: فإنه يجوز للسائل أن يتزوج من تلك الفتاة إذا كانت متدينة وذات خلق -كما ذكر السائل في طلبه-، وكان يرى في نفسه أنه لو تزوجها سيكون سعيدًا في حياته الزوجية، وأنها تصلح لأن تكون أُمًّا لأولاده، وتحفظه في نفسها وفي عرضها وفي ماله وأولاده إذا غاب عنها. وفي هذه الحالة لا يعتبر زواجه بتلك الفتاة عقوقًا لوالديه، وعلى السائل أن يتلطف مع والديه في الحديث وإقناعهما بالموافقة على الزواج من هذه الفتاة التي يرغب الارتباط بها. وبهذا علم الجواب عما جاء بالسؤال.
الفقهاء مختلفون في حكم عقد الزواج الذي يتم إخفاؤه عمدًا مع التواصي بكتمانه، وذلك على رأيين رئيسيين، نابعين من اختلاف تفسيرهم لحديث السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ» أخرجه الإمام ابن ماجه.
كما يرجع الاختلاف بينهم إلى تباين فهمهم للروايات التي تنهى عن "نكاح السِّرِّ"، مثل ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم «نَهَى عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ» أخرجه الإمام الطبراني في "المعجم الأوسط".
وما جاء عن عمرو بن يحيى المَازِنِي، عن جدِّه أبي حَسَن، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم «كَانَ يَكْرَهُ نِكَاحَ السِّرِّ حَتَّى يُضْرَبَ بِدُفٍّ وَيُقَالَ: أَتَيْنَاكُمْ، أَتَيْنَاكُمْ، فَحَيُّونَا، نُحَيِّيكُمْ» أخرجه الإمام أحمد.
أما الرأي الأول: فهو موقف أغلبية الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، ويذهبون إلى أن مثل هذا الزواج صحيح شرعًا ما دام قد استكمل أركانه وشروطه، حتى لو لم يتم الإعلان عنه خارج نطاق الشهود، ودليلهم: أن حضور شاهدين يعد إعلانًا كافيًا، وأنَّ نكاح السر هو الذي لا يشهد عليه أحد، بينما ما شهد عليه يُعتبر علانية.
قال الإمام علاء الدين الكَاسَانِي الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 253، ط. دار الكتب العلمية): [نكاحُ السِّرِّ ما لم يحضره شاهدان، فأمَّا ما حضره شاهدان، فهو نكاح علانية، لا نكاح سرٍّ؛ إذ السِّرُّ إذا جاوز اثنين خرج من أن يكون سِرًّا].
وقال الإمام أبو الحسن المَاوَردِي الشافعي في "الحاوي الكبير" (9/ 59، ط. دار الكتب العلمية): [أمَّا نهيه عن نكاح السِّرِّ، فهو النِّكاح الذي لم يشهده الشُّهود].
وقال الإمام البُهُوتي الحنبلي في "دقائق أولي النُّهَى" (2/ 648، ط. عالم الكتب): [ولا يبطله، أي: العقد تواص بكتمانه؛ لأنه لا يكون مع الشهادة عليه مكتومًا، ويكره كتمانه قصدًا].
أما الرأي الثاني: فهو مذهب المالكية، ويقضي ببطلان مثل هذا الزواج؛ لأنه يندرج تحت نكاح السر المنهي عنه شرعًا، ويُعرف بأنه: "ما أوصى فيه الزوجُ الشهودَ بكتمه عن زوجته، أو عن جماعةٍ ولو أهل منزلٍ"، كما في "الشرح الكبير" للإمام أبي البركات الدَّرْدِير (2/ 236، ط. دار الفكر)، ولو كان الشهودُ "مائة شاهد"، كما في "التوضيح" للإمام خليل بن إسحاق (3/ 574، ط. مركز نجيبويه).
وبناءً على ما يتبناه المالكية، فإنَّ عَمْدَ إخفاء الزواج عن الجهات الرسمية بعدم توثيقه يُعد شكلًا من أشكال عدم إشهاره، وذلك لأنَّ مفهوم الإشهار في العصور الماضية كان يقتصر على إخبار الناس في محيط الزوجين، حيث يوفر ذلك حماية للزواج سواء في الدعاوى القضائية، أو في دفع الشبهات ورفع الاتهامات عنهما أمام المجتمع، وتسهيل مصالحهما الشخصية أو العامة أمام الخليفة أو نوابه كالأمراء وغيرهم؛ إذ من المعروف أن "الشهود يَهْلِكُون" -كما في "البيان والتحصيل" للإمام أبي الوليد بن رُشْد القُرْطُبِي الجد (5/ 165، ط. دار الغرب الإسلامي)-، لذا كان الإشهار ومعرفة العامة هو الوسيلة لحفظ الحقوق في غياب الشهود.
أما في عصر الدولة المدنية المعاصرة، مع التقدم التكنولوجي والأنظمة المعلوماتية المنظمة، وزيادة عدد السكان بشكل كبير حتى أصبح بعضهم لا يعرف الآخر إلا في دائرة ضيقة، وتغير طرق التحقق من الهويات والحالة الاجتماعية، يُرى أن تطبيق مفهوم الإشهار وتحقيق هدفه قد تغير
وأصبح معظم ما يتعلق بالهُوية يعتمد كليًّا على الوثائق الرسمية ووسائل الإثبات الحديثة والنظم الإلكترونية التي تديرها الدولة، مثل البطاقات الشخصية والأرقام الوطنية، بحيث لو علم آلاف من الناس بزواج رجل وامرأة دون توثيقه، ثم أنجبا طفلًا ورغبا في استخراج شهادة ميلاد له، أو الحصول على حقوق مثل التأمين الصحي ونحوه، أو السفر بين الدول -بل بين المدن داخل الدولة الواحدة-، أو الإقامة في فندق معًا، أو استئجار شقة، أو إنجاز أي إجراءات أخرى في مصلحة عامة أو خاصة، فإنهما لن يتمكنا من ذلك إلا بإثبات الزواج عبر النظام الإلكتروني الرسمي للدولة، حتى لو شهد عليه مئة كما سبق.
ومن هنا أصبح إخبار ولي الأمر -المتمثل في السجلات العامة للدولة- هو جوهر الإشهار، بحيث إذا استوفى عقد الزواج شروطه الأخرى وتم توثيقه رسميًّا، دون إقامة عرس أو اكتفاء بالشهود أمام المأذون، فإن ذلك يحقق الإشهار المطلوب الذي يلبي مقصد الشرع منه، وهو حفظ الزواج وحقوقه من الإنكار، أما إذا حدث العكس بإخبار الجميع دون إخبار من يحمي الزواج، فإنه يُعد كتمانًا.