بعد أزمة تيك توك والترندات السامة| خبير سيبراني: لابد من تأسيس منظومة للأمن الأخلاقي الرقمي
تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT
في زمن تتحول فيه المنصات الرقمية إلى ساحات للتأثير المجتمعي والتربوي، يظل تطبيق “تيك توك” أحد أكثر التطبيقات إثارة للجدل في مصر، خصوصًا مع تزايد المحتوى الذي يصفه البعض بـ“اللا أخلاقي”.
وبينما يرى فريق أن حرية التعبير يجب ألا تقيد ، يطالب آخرون بحظر التطبيق لحماية النشء من سم الشهرة السريعة والمحتوى غير المنضبط.
الأزمة الأخيرة التي أثارها عدد من التيكتوكرز فجرت تساؤلات حقيقية: هل إغلاق التطبيق هو الحل لحماية المجتمع؟ أم أن المشكلة أعمق وتتطلب إعادة بناء للوعي الرقمي ومنظومة القيم على المنصات الاجتماعية؟
في هذا السياق، نستعرض رؤية د. محمد محسن رمضان مستشار الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية، الذي يحلل أبعاد الأزمة، ويقدم حلولًا عملية تتوازن بين حرية الاستخدام وضرورات الحماية الأخلاقية والمجتمعية.
“تيك توك” في مصر: بين سُمّ الشهرة وسلاح الوعيوقال د. محمد محسن رمضان مستشار الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، إن أزمة التيكتوكرز الأخيرة أعادت فتح باب التساؤل: “هل نغلق التطبيق أم نُصلح المحتوى؟”، مؤكدًا أن موجة الغضب الشعبي والرسمي التي شهدتها مصر عقب انتشار سلسلة من الفيديوهات “اللا أخلاقية” التي بثها بعض البلوجرز والتيكتوكرز، أدت إلى تجدد الدعوات لإغلاق تطبيق “تيك توك”، بدعوى حماية القيم والعادات والتقاليد من الانهيار الرقمي، لكنه تساءل: هل إغلاق التطبيق هو الحل؟ أم أن المشكلة أعمق وأخطر من مجرد منصة؟
وأوضح أن منصة “تيك توك”، التي بدأت كتطبيق لمشاركة المقاطع القصيرة الترفيهية، تحولت في السنوات الأخيرة إلى ساحة تعج بـ”الترندات السامة”، والتي تعتمد غالبًا على الإثارة الرخيصة، الاستعراض الجسدي، والسلوكيات الخارجة، بهدف جذب التفاعل وتحقيق الربح.
وأكد أن أزمة التيكتوكرز الأخيرة كشفت عن هشاشة الرقابة الرقمية وغياب المعايير الأخلاقية في المحتوى المنتشر، مشيرًا إلى أن آلاف الفيديوهات تتحدى المنطق، وتخالف القانون، وتحمل رسائل تدميرية تُغذي القيم السلبية لدى المراهقين والشباب.
وأشار إلى أن تيك توك، مثل غيره من منصات التواصل الاجتماعي، يربح من المشاهدات، التفاعل، والإعلانات، مضيفًا: “كلما زادت الإثارة، زاد التفاعل، وزاد الربح”. ولفت إلى أن المحتوى الهابط غالبًا ما يحقق مشاهدات بالملايين، لأن خوارزميات التطبيق لا تميز بين القيم والمخالفات، بل تغذي ما يبقي المستخدم أطول وقت ممكن داخل التطبيق.
وشدد على أن كل مشاهدة أو تعليق أو مشاركة تترجم إلى أموال لصناع المحتوى وللمنصة ذاتها.
وحذر من أن إغلاق التطبيق قد يرضي البعض، لكنه يحمل تداعيات اقتصادية خطيرة، مؤكدًا أن هناك آلاف المستخدمين الذين يقدمون محتوى هادفًا ويحققون دخلًا مشروعًا من خلال التسويق الرقمي، التعليم، والمجتمع، وأن المنع الكامل قد يدفع نحو التطبيقات الموازية أو المهكرة، في وقت تحتاج فيه مصر إلى تعزيز وجودها في الاقتصاد الرقمي لا الانسحاب منه.
ورأى أن الحل لا يكمن في المنع، بل في التنظيم والرقابة الذكية، موضحًا أن أبرز الحلول تشمل:
تشريعات صارمة:أكد ضرورة تفعيل القوانين الخاصة بجرائم تقنية المعلومات ومحاسبة من ينشر محتوى مسيئًا أو مخالفًا للقانون.منصة مصرية للمراقبة:
دعا إلى تأسيس لجنة وطنية رقمية لرصد وتحليل المحتوى المنتشر على تيك توك والمنصات الأخرى، بالتعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى.تصنيف المحتوى (Content Labeling):
شدد على أهمية فرض تصنيفات للمحتوى مثل ما هو معمول به في السينما، تحدد الفئة العمرية والموضوع، مع إمكانية حجب أو تقييد المحتوى غير المناسب.دعم صناع الإعلانات المحتوى الهادف:
اقترح إطلاق صندوق وطني لدعم المحتوى الرقمي الهادف، ومنح مكافآت للمبدعين في مجالات التعليم، التوعية، الابتكار، والفنون.توعية مجتمعية:
أكد أهمية إطلاق حملات إعلامية لتوعية الجمهور بكيفية التمييز بين المحتوى المفيد والضار، وتدريب الأهل على حماية أطفالهم رقميًا.
وأوضح أن مصر لا تحتاج إلى أن تنعزل رقميًا، بل إلى أن تواكب الثورة الرقمية من خلال التشريع والرقابة المجتمعية، مؤكدًا أن تيك توك ليس هو العدو الحقيقي، بل غياب المنظومة الأخلاقية الرقمية هو التهديد الأكبر.
مستشار الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية
وقال: “بدلًا من إغلاق الباب، دعونا نعيد هندسة الممر”.
وأكد د. محمد محسن رمضان أن ما يحدث على منصة تيك توك ليس مجرد ترفيه أو حرية تعبير، بل في كثير من الحالات تحول إلى أداة للاستغلال الرقمي وتزييف الوعي، واستهداف القيم المجتمعية من خلال نماذج غير مسؤولة تروج لسلوكيات مخالفة للقانون والأخلاق.
ولفت إلى أن بعض التيكتوكرز باتوا يمارسون نوعًا من “الهندسة الاجتماعية الجماعية”، حيث يؤثرون على وجدان الشباب والمراهقين بأساليب نفسية خطيرة، من خلال الترندات والتحديات والمحتوى المثير وغير المحسوب.
وأضاف أن تيك توك مثل أي تطبيق عالمي قد يستخدم كنافذة للابتزاز الرقمي، وانتهاك الخصوصية، ونشر الفكر المتطرف أو السلوك المنحرف، خاصة في ظل غياب الوعي الرقمي لدى المجتمع.
وشدد على أن الحل ليس في المنع المطلق، بل في “الضبط الذكي” والتقنين والتوعية والتصنيف، من أجل التفرقة بين من يستخدم المنصة لبناء الوعي ومن يستغلها لهدمه.
واختتم مؤكدًا: “نحن بحاجة إلى تأسيس ما أسميه بـ ‘منظومة الأمن الأخلاقي الرقمي’، التي تجمع بين القانون والتكنولوجيا والتربية الإعلامية حينها فقط، يصبح تيك توك وغيره أداة في يد الوطن، لا خنجراً في خاصرته”.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: تيك توك تطبيق تيك توك إغلاق تطبيق تيك توك أزمة تيك توك محمد محسن من خلال تیک توک إلى أن مؤکد ا
إقرأ أيضاً:
محتوى فارغ يحقق ملايين| خبير تكنولوجي: أرباح تيك توك تثير علامات استفهام
الجدل المثار حول تطبيق “تيك توك” في مصر فتح ملف المنصات الرقمية وحدود تدخل الدولة في تنظيم محتواها.
فبينما تتكرر الوقائع التي يتهم فيها صانعو محتوى بالإساءة للقيم المجتمعية أو الترويج لمظاهر غير لائقة، تتصاعد الأصوات المطالبة بحظر التطبيق بشكل كامل، باعتباره “خطراً اجتماعياً”.
لكن في المقابل، يرى متخصصون أن الحجب ليس هو الحل الأمثل، بل قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويزيد من تعقيد المشهد الرقمي في مصر.
وفي هذا الإطار، يؤكد تامر محمد الخبير التكنولوجي، أن معالجة أزمة “تيك توك” تحتاج إلى حلول واقعية تبدأ من فرض رقابة ذكية ووضع إطار قانوني واضح يلزم المنصة باحترام القوانين المحلية، دون اللجوء إلى الحظر الكامل الذي قد يحمل مخاطر أمنية واقتصادية أوسع.
تامر محمد: حظر تيك توك ليس حلاً.. والحل في إلزام الشركة بالضوابط المصريةوقال تامر محمد الخبير التكنولوجي، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد، إن الدعوات لحظر تطبيق “تيك توك” في مصر ليست الحل الأمثل للتعامل مع الأزمات المتكررة المرتبطة بمحتوى التطبيق، موضحًا أن “الإغلاق الكامل ليس فعالًا بنسبة 100%، لأن المستخدمين سيلجأون لطرق بديلة للوصول إلى المنصة، مثل استخدام تطبيقات كسر الحجب (VPN)، مما يزيد الضغط على الشبكة ويضعف الرقابة”.
وأضاف: “الحل الحقيقي يكمن في الوصول إلى اتفاق رسمي وملزم مع إدارة تيك توك حول طبيعة المحتوى المسموح بنشره داخل مصر، بما يتوافق مع القوانين المحلية والعادات والتقاليد المجتمعية، وليس في قرارات الحظر السريعة التي تبدو سهلة على السطح، لكنها لا تعالج أصل المشكلة”.
وأوضح محمد أن الدولة بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات لمتابعة المحتوى، وهو ما ظهر في القبض على عدد من صناع المحتوى المخالفين وتحويلهم إلى النيابة العامة، إلا أن هذا النهج، رغم ضرورته، يشكل عبئًا كبيرًا على أجهزة الدولة مثل القضاء والداخلية، مؤكدًا أن “هذه الجهات يجب أن تتدخل في الحالات الفردية، لا أن تتحمل المسؤولية كاملة عن تنظيم ما ينشر على التطبيق”.
شبهات غسيل أموال وضرورة فتح تحقيقات موسعةوعن أرباح تيك توك المثيرة للجدل، أشار تامر محمد إلى وجود شبهات قوية بارتباط بعض المحتويات التي تنشر عبر المنصة بعمليات غسيل أموال، مؤكدًا: “الغريب أن الكثير من التيك توكرز الذين يحققون أرباحًا ضخمة لا يملكون أي مكانة حقيقية في المجتمع أو تأثير ملموس، ويقدمون محتوى فارغًا أو مسفًا لا يقدم أي قيمة، ومع ذلك، يتم الترويج لهم من خلال وكالات إعلانية يحتمل أن تكون واجهة لأعمال مشبوهة”.
وأضاف أن المقارنة بين تيك توك ومنصات أخرى مثل فيسبوك توضح حجم الفجوة في الرقابة، قائلًا: “فيسبوك لديه نظام صارم لتحويل الأرباح من خلال النجوم والهدايا الرقمية، لكنه لا يصل إلى حجم الإنفاق الهائل الذي نراه على تيك توك، خصوصًا في البثوث المباشرة، ما يثير علامات استفهام كبيرة”.
وجود مكتب لتيك توك في مصر ضرورة ملحةوأكد محمد على ضرورة إخضاع تطبيق تيك توك والمنصات الرقمية الأخرى للرقابة المصرية الصارمة، مشيرًا إلى أن “وجود مكتب رسمي لتيك توك في مصر سيجعل الشركة ملتزمة بالقوانين المحلية، وهو ما يمكن أن يُشكل رادعًا فعّالًا لأي مخالفة”.
واختتم حديثه قائلاً: “كما تفعل الدول الكبرى، يجب على مصر توقيع غرامات كبيرة على المنصات التي تخالف القوانين أو تنتهك الخصوصية أو تروج لمحتوى مسيء، لأن هذا هو الطريق الوحيد لإجبارهم على الالتزام”.