لجريدة عمان:
2025-08-03@20:01:55 GMT

غزة على أعتاب مجزرة صامتة بحق الرضّع وأمهاتهم

تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT

غزة على أعتاب مجزرة صامتة بحق الرضّع وأمهاتهم

غزة - عمان - د. حكمت المصري

داخل خيمة ممزقة أُقيمت في أحد مخيمات النزوح العشوائية وسط قطاع غزة، تعيش أسماء حسونة (34) عامًا مع زوجها وأطفالها الثلاثة. تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تحمي رضيعها "فادي" من شبح الجوع وسوء التغذية، إلا أن الحرب التي لم تُبقِ شيئًا، قد جرّدتها من كل مقومات الحياة، وتركتها تصارع المستحيل.

فادي، الطفل ذو التسعة أشهر، لم يتذوّق منذ ولادته نوعًا واحدًا مستقرًا من الحليب الصناعي. فكل ما يتوفّر عبر الصيدليات أو البسطات المتنقلة في الشوارع، هو ما يحصل عليه بغض النظر عن اسمه أو مصدره طالما كُتب عليه أنه "مناسب للأطفال دون الستة أشهر".

تقول والدته بأسى: "منذ وُلد فادي وحتى اليوم، لم أستطع تأمين نوع حليب واحد مستقر له، وكلما عثرت على عبوة مناسبة أشتريها فورًا دون تردد، لأنها قد لا تكون متوفرة غدًا".

وتُضيف أسماء: "حصلت مرة واحدة فقط على عبوة حليب صناعي من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وكان ذلك قبل إغلاق المعابر في شهر مارس الماضي. ومنذ ذلك الحين، لم أتمكن من تأمين أي نوع من الحليب من خلال المؤسسات الإغاثية أو الطبية".

تعيش عائلة أسماء، المكوّنة من خمسة أفراد، في ظروف إنسانية بالغة القسوة، داخل خيمة مقامة على قارعة الطريق، تحيط بها مياه الصرف الصحي، فيما باتت المياه النظيفة نادرة الوجود.

وتقول: "نعيش وسط بيئة ملوّثة، ولا تتوفر أبسط مقومات الحياة أو الرعاية الصحية، حتى الطعام والدقيق نكافح لتوفيره، أما الحليب والبامبرز للأطفال، فهي معضلة يومية لا نجد لها حلاً".

وتؤكد أسماء أن أسعار السلع إن توفّرت باتت خيالية، وتفوق طاقة العائلات على الاحتمال، حيث تبلغ تكلفة علبة الحليب الواحدة قرابة 100 دولار. وتقول: "أحاول كل شهر تأمين مبلغ صغير لتوفير الحليب، لكني في كثير من الأحيان لا أتمكن، فأضطر لإطعام طفلي من الطعام الذي نأكله نحن، رغم إدراكي أن هذا مضر جدًا للرضع دون ستة شهور، لكن لا خيار أمامي".

ومع مرور الوقت، تدهورت الحالة الصحية للرضيع فادي، إذ يعاني من نقص واضح في الوزن، وضعف في المناعة مقارنةً بإخوته الأكبر سنًا. وتتابع والدته بحزن: "أشاهد طفلي يذبل أمامي يومًا بعد يوم، ولا أستطيع إنقاذه. كل ما أتمناه أن تتوقف هذه الحرب، وأن أستطيع تربيته في بيئة آمنة توفر له الغذاء والرعاية".

رضيعٌ آخر يبكي من الجوع

في خيمة أخرى مؤقتة قرب ميناء غزة، تجلس سجى مصلح (23) عامًا تحاول تهدئة رضيعها "محمود"، الذي لم يتجاوز عامه الأول، بينما تحيط بها مياه الصرف الصحي، والذباب، والبعوض. الحرب حرمتها من زوجها ومن بيتها في شمال القطاع، وتركتها تواجه مصيرًا قاسيًا بلا معيل، وهي اليوم حامل في شهرها الخامس، ترعى رضيعًا مريضًا وسط مخيم عشوائي لا تصله مساعدات.

تقول سجى وقد غلبها الإرهاق: "استُشهد زوجي ووالده وأخوه واثنان من أعمامه قبل شهرين، والآن أعيش مع حماتي وأطفالها. نحن ستة أفراد في خيمة واحدة، ولا يوجد مصدر دخل أو جهة تساعدنا".

رحلة النزوح بالنسبة لسجى بدأت منذ الشهور الأولى للحرب، تنقّلت خلالها أكثر من سبع مرات بين مدارس الإيواء في بيت لاهيا، ومعسكر جباليا، ومدينة غزة، وفي كل مرة كانت تجد نفسها أمام واقع أشد قسوة.

لكن المعاناة الأكبر كانت مع طفلها محمود، الذي وُلد قبل عام، ويعاني من مشاكل مستمرة في الأمعاء نتيجة تغيّر أنواع الحليب الصناعي بسبب عدم توفر نوع ثابت منذ ولادته.

وتروي: "كل مرة أضطر لتغيير نوع الحليب حسب ما أجده في السوق، مرة من صيدلية، مرة من محل تجاري، وأحيانًا من البسطات، وهذا أرهق معدته. دخل المستشفى ذات مرة بسبب نزلة معوية حادة، وهناك فقط حصلت على حليب مناسب، لكن ذلك كله كان قبل إغلاق المعابر في مارس الماضي".

اليوم، لا تجد سجى لا حليبًا ولا بامبرز، وتضطر لإطعام رضيعها من طعام الكبار. وتقول: "أعرف أن هذا خطير عليه، لكن لا خيار أمامي. كل ما أتمناه أن يبقى على قيد الحياة".

وتصف الوضع في المخيم بأنه "كارثي": "نعيش وسط المجاري، والماء النظيف غير متوفر، والحشرات تملأ المكان. لا طعام صحي، لا لحوم، لا خضروات، ولا فاكهة.

أحاول أحيانًا شراء مكملات غذائية أو بسكويت لطفلي، لكنها مكلفة جدًا، والحليب يصل سعره إلى 100 دولار للعلبة الواحدة، إن توفّر أصلاً".

تشير سجى إلى أنها تحاول شهريًا توفير مبلغ صغير لتأمين احتياجات رضيعها، لكنها بالكاد تنجح. وتؤكد أنها تعاني هي نفسها من مشاكل صحية حادة بسبب الحمل وسوء التغذية.

وتختم شهادتها بصوت متهدّج: "محمود يضعف يومًا بعد يوم، وأنا أيضًا. لا طعام، لا دواء، لا أمان. هذه ليست حياة، بل موت بطيء تحت الخيام".

علبة الحليب أصبحت حلمًا

في قلب مستشفى الرنتيسي للأطفال بغزة، يتنقّل الدكتور علاء أبو قمر، أخصائي طب الأطفال، بين أسرّة الرضّع حاملاً ما تيسّر من قوارير التغذية.

لكنه يعترف بصوت مُنهك: "الحليب الصناعي مفقود، والرضاعة الطبيعية شبه مستحيلة. نحن نعيش كارثة حقيقية، الأطفال يدفعون ثمن الحرب، والمجاعة، والنزوح الجماعي".

ويؤكد أبو قمر أن الأصل الطبي هو الاعتماد على الرضاعة الطبيعية كأفضل وسيلة تغذية للأطفال في الأشهر الستة الأولى، لكن الواقع في غزة أجبر الأمهات على استخدام الحليب الصناعي رغم كل ما فيه من تحديات.

"النساء في غزة يعانين من سوء تغذية حاد، كثيرات لا يتناولن وجبات كاملة بسبب الحصار والحرب، وبعضهن مصابات بأمراض تمنعهن من الإرضاع. في ظل هذا، أصبح الحليب الصناعي هو البديل الوحيد، لأنه يحتوي على المعادن والفيتامينات التي يحتاجها الرضيع".

ويضيف: "لكن حتى هذا البديل لم يعد متاحًا، العلبة الواحدة أصبحت حلمًا، في المستشفى لا نستطيع توفير الحليب لجميع الأطفال، قبل أيام فقط استطعنا تأمين أربع علب بعد معاناة واتصالات طويلة، بعض الحالات نضطر فيها إلى إعطاء الطفل الجلوكوز الوريدي لتجنّب الغيبوبة أو نقص السكر".

ويُشير الطبيب إلى أن الظروف النفسية للأمهات تؤثر أيضًا على الرضاعة الطبيعية، إذ إن الخوف والقلق المستمرين جراء القصف والحصار يؤثران على إفراز الحليب، ناهيك عن الإرهاق الجسدي الناتج عن سوء النوم وانعدام الغذاء.

"كنا ننصح سابقًا أن ترضع الأم طفلها لمدة تتراوح بين 30 إلى 40 دقيقة حتى يشبع، لكن الآن هناك أمهات لا يستطعن إرضاع أطفالهن حتى لدقائق معدودة، الحرب تسحق كل شيء".

أما عن المكملات الغذائية التي توزّع أحيانًا عبر بعض المؤسسات، فيحذر الطبيب أبو قمر من استخدامها للأطفال دون إشراف طبي، لا سيما من هم دون سن الستة أشهر: "بعض العائلات تعطي مكملات للأطفال دون علم، وهذا قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة. الأفضل أن تُعطى فقط تحت رقابة طبية دقيقة".

ويختتم الطبيب حديثه بنداء عاجل: "نحن كأطباء في مستشفيات غزة نحاول دعم النساء والأطفال قدر الإمكان، لكن الحقيقة أن الوضع تخطى كل طاقة، وأصبحنا نحن أيضًا بحاجة إلى من يدعمنا ويقف معنا".

غزة أمام كارثة صحية ومجزرة صامتة

وفي تحذير خطير، صرّحت منظمة الصحة العالمية بأن معدلات سوء التغذية في غزة وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق، وأن سوء التغذية يسلك مسارًا خطيرًا يظهر بارتفاع حاد في عدد الوفيات خلال الشهر الجاري.

وأكدت المنظمة أن معظم وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية كانت قبل وصولهم المستشفيات أو بعد وقت قصير جدًا، وأن الأجساد كانت هزيلة إلى درجة مرعبة، مشيرة إلى أن الحصار المتعمد وتأخير دخول المساعدات تسبّب في فقدان أرواح كثيرة.

أما وكالة الأونروا، فقد أكدت أن "طفلًا من كل 5 أطفال في مدينة غزة يعاني من سوء التغذية"، مع تزايد الحالات يومًا بعد يوم.

وفي بيان أكثر صراحة، حذّر مكتب الإعلام الحكومي في غزة من "مقتلة جماعية مرتقبة بحق أكثر من 100 ألف طفل"، من بينهم 40 ألف رضيع، خلال أيام إن لم يتم إدخال حليب الأطفال إلى القطاع بشكل عاجل.

وفي ذات السياق، أعلن مدير مجمع الشفاء الطبي عن ارتفاع عدد الشهداء إلى 127 طفلاً بسبب الجوع وسوء التغذية، من بينهم 85 رضيعًا. كما أشار إلى أن 17 ألف طفل دخلوا بالفعل مرحلة "سوء التغذية الحاد"، و50 ألفًا آخرين على أبواب الجوع التام.

كل الأصوات في غزة تتوحد اليوم على نداء واحد: "أنقذوا أطفال غزة... أدخلوا الحليب فورًا". فكل دقيقة تأخير، قد تكون نهاية حياة طفل آخر، ذنبه الوحيد أنه وُلد في زمن الحرب وتحت الحصار.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحلیب الصناعی سوء التغذیة حلیب ا فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

تقارير: ويلسون نجم نيوكاسل على أعتاب وست هام

أشارت تقارير صحفية إنجليزية، عن اقتراب الإنجليزي كالوم ويلسون من الانضمام إلى نادي وست هام يونايتد، خلال سوق الانتقالات الصيفية الجاري.

وكان قد رحل ويلسون عن صفوف نيوكاسل بعد انتهاء عقده مع المكبايس.

وذكرت صحيفة «ذا أثليتك»، إن وست هام توصل لاتفاق لضم كالوم ويلسون لتدعيم هجوم الفريق في صفقة انتقال حر بعد نهاية عقده مع نيوكاسل.

وقالت الصحيفة، إن المهاجم صاحب الـ33 عاما سينضم إلى وست هام بعقد لمدة موسم واحد براتب يعتمد بشكل كبير على الإضافات.

كما أشارت الصحيفة، إلى أن ويلسون خضع للكشف الطبي وتجاوزه بنجاح.

وكان قد شارك ويلسون مع نيوكاسل الموسم الماضي في 22 مباراة تمكن من خلالهم تسجيل هدف وحيد ولم يصنع أي أهداف.

مقالات مشابهة

  • برلماني إيطالي: مجزرة غزة تُظهر إمعان الاحتلال في سياسة الإبادة
  • مسلح حوثي يرتكب مجزرة في سنحان بصنعاء راح ضحيتها شقيق والده و6 آخرون
  • 7 وفيات بسبب سوء التغذية في غزة خلال 24 ساعة
  • تقارير: ويلسون نجم نيوكاسل على أعتاب وست هام
  • 7 وفيات بسبب سوء التغذية والمجاعة في غزة خلال الساعات الـ24 الماضية
  • مقاضاة منصة إكس بسبب فيديو إباحي للأطفال
  • استشهاد فتى فلسطيني بسبب الجوع وسوء التغذية بغزة
  • وفاة فتى بسبب سوء التغذية والمجاعة في غزة
  • علامات صامتة لمرض السكري تخدع النساء..انتبهي قبل فوات الأوان