في خطوة وُصفت بأنها "الأضخم في تاريخ دولة الاحتلال"، أعلن وزير الطاقة الصهيوني إيلي كوهين عن توقيع صفقة غاز مع مصر تمتد حتى عام 2040، معتبرا إياها إنجازا تاريخيا على المستويات الأمني والسياسي والاقتصادي. ورغم ما قد يبدو على السطح من أن الصفقة تتعلق فقط بتبادل تجاري، إلا أن دلالاتها تتجاوز بكثير مجرد تصدير الغاز الطبيعي من تل أبيب إلى القاهرة.



ما الذي يجعل دولة الاحتلال ترى في هذه الصفقة "إنجازا أمنيا"؟ ولماذا تجرؤ على الالتزام باتفاق طويل الأجل مع نظام مصري يوصف بأنه هش سياسيا، ومع شعب يرى في إسرائيل، بنسبة 87 في المئة بحسب آخر الاستطلاعات، العدو الأول رغم معاهدة السلام الموقعة منذ أكثر من أربعة عقود؟

أولا: الأمن كما تراه دولة الاحتلال

حين تتحدث إسرائيل عن "الأمن"، فهي لا تقصد فقط سلامة الحدود أو ردع الأعداء، بل تعني خلق بيئة استراتيجية تُقلّص من المخاطر وتُراكم المكاسب. ومن هذا المنظور، فإن صفقة الغاز مع مصر تمثل:

• تحصينا للعلاقة مع المؤسسة العسكرية المصرية، التي ترى إسرائيل أنها صاحبة القرار الحقيقي، مهما تبدلت الوجوه على رأس النظام.

• أداة لضمان الاستقرار الإقليمي، إذ إن تشابك المصالح الاقتصادية يجعل أي نزاع محتمل مع مصر مكلفا على الطرفين، لكنه مكلف بشكل أكبر على الطرف المصري الذي يعاني من أزمات اقتصادية خانقة.

• قيدا طويل الأجل يكبل صانع القرار المصري المقبل، مهما كانت خلفيته أو توجهاته، ما دام الغاز الإسرائيلي جزءا من البنية التحتية للطاقة والتصدير في مصر.

بكلمات أخرى، هذه الصفقة هي "معاهدة سلام ثانية" لكنها غير معلنة، وبأدوات اقتصادية بدلا من الحبر السياسي.

ثانيا: رهان على النظام.. لا على الشعب

اللافت أن دولة الاحتلال تُقدِم على هذه الصفقة مع دولة يتجاوز عدد سكانها 110 ملايين نسمة، وذات رأي عام يكنّ لها عداء واسعا. لكن الحسابات الإسرائيلية هنا واضحة ومجردة:

• الشعوب لا تحكم، والنظام الحالي يُمسك بالمشهد بقوة القمع لا الشرعية.

• العداء الشعبي لا يُقلق ما لم يتحول إلى حركة سياسية منظمة، والنظام نجح حتى الآن في تفكيك كل إمكانات التعبئة الشعبية.

• تطبيع المصالح أقوى من تطبيع الشعارات، فكلما زادت الاستثمارات والارتباطات، كلما ضعفت قدرة أي نظام قادم على التراجع، مهما كانت شعاراته.

القمع في مصر يخدم إسرائيل أمنيا. فكلما ضاقت المساحات العامة، وتلاشت السياسة من الشارع، أصبحت الاتفاقيات الكبرى تُمرر دون نقاش، بل ودون معرفة. المواطن الذي يُطارَد من أجل منشور على فيسبوك، لن يملك أن يعترض على صفقة غاز بمليارات الدولارات
الرهان الإسرائيلي ليس على تبدل مواقف المصريين، بل على شلّ قدرتهم على الفعل. العداء الرمزي يمكن احتماله، لكن العدائية الفاعلة هي ما تحسب له إسرائيل ألف حساب، ولذلك تعمل على محاصرته من المنبع.

ثالثا: الأمن مقابل القمع

مفارقة قاسية لكنها واقعية: القمع في مصر يخدم إسرائيل أمنيا. فكلما ضاقت المساحات العامة، وتلاشت السياسة من الشارع، أصبحت الاتفاقيات الكبرى تُمرر دون نقاش، بل ودون معرفة. المواطن الذي يُطارَد من أجل منشور على فيسبوك، لن يملك أن يعترض على صفقة غاز بمليارات الدولارات.

رابعا: الغاز كأداة هندسة سياسية

الغاز هنا ليس مجرد سلعة، بل وسيلة هندسة سياسية إقليمية. فمن خلاله:

• تُحافظ إسرائيل على مكانتها كفاعل إقليمي.

• تُضعف محيطها العربي من الداخل عبر ربط الأنظمة بشبكة مصالح تخلق حالة "الارتهان الهادئ".

• تُظهر نفسها أمام الغرب كـ"شريك استقرار"، بينما تُقدّم جيرانها كأنظمة وظيفية لا تملك قرارا مستقلا.

من هنا، فإن صفقة الغاز ليست فقط اتفاقا اقتصاديا، بل هي وثيقة تبعية مؤجلة. إنها تلخيص بليغ للعلاقة بين نظام هش يبحث عن الشرعية من الخارج، ودولة احتلال تعرف من أين تؤكل الكتف في الشرق الأوسط.

والسؤال الذي يبقى مطروحا:

هل من الممكن يوما أن تفيق الشعوب من غيبوبة القهر، وتكسر قيود التطبيع التي صيغت لها باسم "الأمن والاستقرار"؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الطاقة صفقة غاز مصر إسرائيل مصر إسرائيل صفقة غاز طاقة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال الذی ی

إقرأ أيضاً:

صفقة برازيلية على أعتاب القلعة البيضاء قبل ساعات من إغلاق القيد

كشفت تقارير صحفية عن دخول نادي الزمالك في مفاوضات متقدمة لضم جناح جديد للفريق الأول لكرة القدم قبل ساعات من غلق باب القيد الصيفي، وذلك في محاولة لتدعيم الخط الأمامي للفريق.

ووفقاً لما ورد في التقارير، فإن الزمالك يجري حالياً مفاوضات مع الجناح البرازيلي خوان ألفينا بيزيرا، لاعب فريق أوليكساندريا الأوكراني، من أجل التعاقد معه خلال الساعات القليلة المتبقية من سوق الانتقالات.

وتسابق إدارة الزمالك الزمن لحسم الصفقة سريعاً، خاصة بعد رحيل اللاعب أحمد الجفالي إلى الدوري السعودي على سبيل الإعارة، وهو ما فتح مكاناً شاغراً لقيد لاعب أجنبي جديد ضمن قائمة الفريق المحلية.

ومن المتوقع أن تتضح الصورة خلال وقت قصير، حيث تجري إدارة القلعة البيضاء اتصالات مكثفة لإنهاء كافة التفاصيل قبل غلق القيد رسمياً.

طباعة شارك نادي الزمالك خوان ألفينا الزمالك فريق أوليكساندريا الأوكراني

مقالات مشابهة

  • صفقة غاز تاريخية بين إسرائيل ومصر بقيمة 35 مليار دولار
  • لماذا جددت مصر صفقة استيراد الغاز من إسرائيل؟.. هل تهدد الأمن القومي؟
  • صفقة القرن الغازية تهز المنطقة: إسرائيل توقع عقداً قياسياً بـ35 مليار دولار مع مصر!
  • صفقة هي الأكبر بين مصر الاحتلال الإسرائيلي بقيمة 35 مليار دولار
  • إسرائيل ومصر.. الإعلان عن أكبر صفقة غاز في تاريخها
  • إسرائيل توقع صفقة لتصدير الغاز إلى مصر بـ35 مليار دولار
  • محاولات من نادي الزمالك لضم أحمد عيد قبل غلق باب القيد بساعات
  • صفقة برازيلية على أعتاب القلعة البيضاء قبل ساعات من إغلاق القيد
  • قبل غلق القيد.. خالد الغندور يفجر مفاجأة لجماهير الزمالك