الحرب التجارية بين أمريكا والصين عقيمة
تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT
واشنطن (د ب أ)- يرى المحلل السياسي الدكتور ليون هادار أن سياسة الرسوم التي تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تكشف عن نهج لا يحقق أي فوز في التنافس مع الصين .
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، يقول هادار الباحث والزميل البارز في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فلادلفيا، والذي قام بالتدريس في الجامعة الأمريكية في واشنطن إن جولة تصعيد الرسوم الأخيرة بين واشنطن وبكين تشبه نسخة من تراجيديا يونانية بكل ما فيها من غطرسة وسوء تقدير والعودة الحتمية إلى البداية.
ويضيف هادار أن المسار الحالي للعلاقات الصينية الأمريكية يعكس سوء فهم للاعتماد الاقتصادي المتبادل في القرن الحادي والعشرين. ورغم ازدهار الحديث عن " إعادة التصنيع" وتحقيق " استقلال اقتصادي" يظل الواقع" معقدا للغاية".
وقد اعترف وزير التجارة الصيني وانج وينتاو مؤخرا بـ"الصعود والهبوط" في العلاقات الثنائية مع تأكيده على الاعتماد الاقتصادي المتبادل- وهو تصريح دبلوماسي متحفظ يكشف التناقض الجوهري في السياسة الحالية.
ويرى هادار أن فكرة أنه بوسع الولايات المتحدة فك ارتباطها بالصين ببساطة عن طريق فرض الرسوم تتجاهل شبكة سلاسل الامداد المعقدة، والتكامل التكنولوجي والتدفقات المالية التي تطورت طوال عقود.
ويضيف هادار أن الشركات الأمريكية استثمرت في حقيقة الأمر مئات المليارات من الدولارات في العمليات الصينية، بينما أصبحت الشركات الصينية جزءا لا يتجزأ من سلاسل القيمة العالمية التي يعتمد عليها المستهلكون الأمريكيون للحصول على احتياجاتهم اليومية. وقد تتصدر زيادة الرسوم عناوين الصحف والحديث السياسي عنها، لكنها لا تستطيع إنهاء هذه الحقائق الهيكلية دون فرض تكاليف باهظة على الشركات الأمريكية والمستهلكين الأمريكيين.
ويوضح هادار أن الفوضى الاستراتيجية ربما تكون أكثر وضوحا في قطاع التكنولوجيا. فالتقدم والتراجع بشأن قيود صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي- التي تم فرضها في يناير الماضي ثم عدلت عنها إدارة ترامب في مايو- يعد مثالا على غياب أي استراتيجية متماسكة طويلة الأجل. ومثل هذا التراجع في السياسة لا يدل على المرونة ولكن على الضعف، مما يقوض المصداقية الأمريكية بالنسبة للحلفاء والأعداء على السواء.
ويعكس استمرار التوترات التجارية رغم تكاليفها الاقتصادية الواضحة ديناميكيات سياسية أكثر عمقا في الدولتين. ففي الولايات المتحدة ، أصبحت الانتقادات الحادة للصين أحد الأنشطة القليلة التي يتفق عليها الحزبان الأمريكيان الرئيسيان في واشنطن، مما يوفر للسياسيين كبش فداء مناسب لأوجه القلق الاقتصادية وحالات التفكك الاجتماعي التي لا تعتبر الممارسات التجارية الصينية مسؤولة عنها بدرجة كبيرة.
وبالمثل ، فإن مقاومة الضغط الأمريكي في الصين أصبحت أمرا أساسيا للحديث عن شرعية الحزب الشيوعي. فقدرة الحزب على مواجهة الضغط الخارجي- وخاصة من جانب القوى الاستعمارية السابقة وخلفائها -ذات أهمية كبيرة في الذاكرة التاريخية الصينية والمشاعر القومية. وهذا يخلق ديناميكية سياسية يبدو فيها التنازل ضعفا والتصعيد قوة.
وأضاف هادار أنه يتعين على الولايات المتحدة والصين الاعتراف بأنه رغم أن مصالحهما متنافسة في بعض المجالات فإنها تظل مكملة لبعضها البعض في مجالات أخرى. فتغير المناخ، والأوبئة، والأزمات المالية الدولية جميعها تتطلب تعاونا قويا بين أكبر اقتصادين في العالم. والاسلوب الحالي المتمثل في معاملة كل وجه من أوجه العلاقات بين الدولتين من خلال منظور التنافس الاستراتيجي يزيد من صعوبة التعاون بين الدولتين.
وخلص هادار إلى إن مسار العلاقات الصينية الأمريكية الحالي لا يخدم المصالح طويلة الأجل للدولتين، وأن المسار الافضل للدولتين يتطلب التخلي عن وهم إمكانية أن تحقق واحدة منهما انتصارا حاسما على الدولة الأخرى. وبدلا من ذلك تحتاج الدولتان إلى تطوير آليات لإدارة التنافس مع الحفاظ على مجالات التعاون.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أميركا تبدأ تطبيق الرسوم التجارية الجديدة على البرازيل
بدأت الولايات المتحدة -اليوم الأربعاء- فرض رسوم جمركية جديدة على العديد من المنتجات البرازيلية المستوردة، مع مواصلة الرئيس دونالد ترامب حملة الضغط على خلفية محاكمة حليفه اليميني والرئيس السابق للبلاد جايير بولسونارو.
وبموجب هذه الرسوم، ارتفعت التعريفات على مجموعة واسعة من الواردات البرازيلية للولايات المتحدة من 10% إلى 50% رغم أن الحزمة الجديدة تتضمن إعفاءات واسعة على منتجات مثل عصير البرتقال وقطاع الطيران المدني، مما سيساهم في التخفيف من وقع الرسوم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل دخلنا مرحلة التآكل التدريجي لهيمنة الدولار الأميركي؟list 2 of 2ماذا سيحدث لو انهار الدولار؟end of listوبينما أكد جيرالدو ألكمين نائب الرئيس البرازيلي -في تصريحات سابقة- أن التعريفات الجديدة ستطال نحو 36% فقط من الصادرات إلى الولايات المتحدة، أشار محللون إلى أنها ستشمل منتجات رئيسية مثل القهوة ولحم البقر والسكر.
وأصدرت إدارة ترامب الأسبوع الماضي أمرا تنفيذيا بفرض التعريفات الجديدة على البرازيل، منتقدة المسؤولين في البلاد على خلفية "التهم الجنائية غير المبررة" الموجهة إلى بولسونارو، في إشارة لمحاكمة الرئيس السابق بتهمة تدبير محاولة انقلاب.
وأمر قاضٍ في المحكمة العليا البرازيلية أول أمس بوضع الرئيس بولسونارو قيد الإقامة الجبرية لانتهاكه قرارا يمنعه من نشر أيّ تصريحات على وسائل التواصل في إطار محاكمته.
ويواجه بولسونارو عقوبة يمكن أن تصل إلى السجن لفترة طويلة بتهمة محاولة منع تنصيب الرئيس اليساري الحالي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بعد فوزه عليه بانتخابات عام 2022.
وأشار البيت الأبيض كذلك إلى "سياسات وإجراءات البرازيل غير العادية والاستثنائية التي تضر بالشركات الأميركية، وبالحق في حرية التعبير للأميركيين، والسياسة الخارجية والاقتصاد الأميركي" معتبرا أن الخطوات والسياسات الراهنة للحكومة البرازيلية الحالية تهدد اقتصاد الولايات المتحدة وأمنها القومي وسياستها الخارجية.
إعلانوتعهّد الرئيس البرازيلي بالدفاع عن "سيادة" بلاده، وذلك بعد إعلان الولايات المتّحدة فرض الرسوم الجديدة، إضافة إلى عقوبات على القاضي في المحكمة العليا ألكسندر دي مورايس.
كما ندّد وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا -عقب اجتماعه في واشنطن بنظيره الأميركي ماركو روبيو أواخر يوليو/تموز- بـ"تدخّل غير مقبول في السيادة الوطنية".
تعزيز أسواق الصادراتوقالت الخبيرة في الشؤون البرازيلية بالمجلس الأطلسي فالنتينا صادر -في مذكرة بحثية- إن التعريفات الأميركية على البرزيل "ليست جيدة، لكنه كان من المتوقع أن تكون أسوأ" واعتبرت أن الاقتصاد البرازيلي "سيتمكن من تحمّلها".
وتابعت "يبدو أن الحكومة تنظر في دعم بعض القطاعات الأكثر تأثرا (بالتعريفات الجديدة) لكن قد نرى محاولة من البرازيل لتعزيز أسواق صادراتها".
وتأتي زيادة الرسوم الجمركية على الواردات البرازيلية عشية رفع واشنطن التعريفات على عشرات الاقتصادات في العالم، من الاتحاد الأوروبي إلى تايوان، مع مواصلة ترامب حربه التجارية وسعيه إلى إعادة رسم خريطة التجارة العالمية.
ومن غير المتوقع أن تتراجع التوترات بين الولايات المتحدة والبرازيل في وقت قريب، خصوصا عقب القرار القضائي بوضع بولسونارو قيد الإقامة الجبرية.
وأوضح القاضي أنّ بولسونارو (70 عاما) انتهك مجدّدا القيود المفروضة عليه بنشره تصريحات تناقلها أنصاره على وسائل التواصل أثناء الاحتجاجات التي عمّت البلاد يوم الأحد.
وأُجبر الرئيس السابق على وضع سوار إلكتروني والبقاء في المنزل في المساء وأثناء عُطل نهاية الأسبوع، وهو ممنوع من النشر على وسائل التواصل.
وأثارت حملة الضغط التي يشنها ترامب غضب العديد من البرازيليين، لكنها زادت من شعبيته لدى قاعدة المناصرين المحافظين للرئيس اليميني السابق.
وقالت الباحثة فالنتينا صادر "لم يتقبل البرازيليون ما يعتبرونه تدخلا واضحاً في الشؤون الداخلية والسلطة القضائية المستقلة".
وأضافت "كان لولا حازما في أن الحكومة منفتحة على الحوار والمفاوضات، ولكن ليس على التدخل الأجنبي بالشؤون البرازيلية" مشددة على أن "السيادة البرازيلية ليست موضع نقاش".