وُلِد نظام الحكم الأمريكي فاسدا، وشب وترعرع فاسدا، ووقائع اليوم المتمثلة في جلوس صاحب سوابق إجرامية على كرسي الرئاسة في واشنطن، دليل قاطع على ان الناخب الأمريكي، لا يرى في فساد البطانة الحاكمة ما يشين وما يوجب حرمانهم من مناصبهم. يقول بروفسر ماثيو ستيفنسون أستاذ القانون بجامعة هارفارد، إن سوس الفساد ظل ينخر في جسم البرلمان الأمريكي، الكونغرس، بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) منذ القرن التاسع عشر، وأن الآليات السياسية في الولايات المتحدة تدور بشحوم وزيوت الرشا.
ليس سرا إن الشركات الكبرى وأصحاب الأموال، هم من يحددون من هو أهل- في تقديرهم- لشغل المناصب النيابية والدستورية والتنفيذية العليا، ثم يقوم هؤلاء بتكريس كل الوقت والصلاحيات، لحماية مصالح كفلائهم أولئك، مع توزيع ما يتيسر من مغانم على من ساندوهم من ناخبين. ولو كان الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب نموذجا كلاسيكيا للرئيس الفساد حتى النخاع، الذي يدوس على القانون والدستور، دون ان يجرؤ أحد على ان يقول له "تلت التلاتة كم". فهو "شبل من تلك الأسود" تولى أندرو جونسون الرئاسة خلفاً لأبراهام لنكولن الذي خلده التاريخ لقيامه بإلغاء نظام الرق والعبودية، بعد أن هزم جيش كونفدرالية الولايات الجنوبية الرافض لإلغاء الاسترقاق. ودخل جونسون التاريخ كأول رئيس يضع الدستور في خزانة محكمة الإغلاق، ويقوم بتعليق جلسات الكونغرس، وإعادة نظام العبودية، ومضى إلى ابعد من ذلك بأن منح الكونفيدراليين الانفصاليين مساحات إضافية على الأرض. ثم وعلى الصعيد الأخلاقي أقام علاقة مع زوجة وزير الدفاع في حكومته، وكان اول رئيس امريكي يتم عزله قبل انتهاء ولايته، وهو الذي غازل الولايات الجنوبية على أمل ان يحظى بأصوات الناخبين فيها ليفوز بولاية ثانية.
يرفع الأمريكيون من يسمونهم الآباء المؤسسين، أي من صاغوا دستور الولايات المتحدة عقب نيلها الاستقلال من بريطانيا الى مرتبة الآلهة، بينما كان أحدهم، وهو توماس جيفرسون يتصرف خلال ولايته كما شخص يعاني من اضطراب ثنائية القطب، فقد كان مثلا يتباهى بأنه يريد إلغاء الرق في بلاده، ومع هذا لم يتنازل عن ملكية أكثر من 200 من العبيد، وكانت له علاقة فراش مع سالي هيمنغز الأخت غير الشقيقة لزوجته.
صارت الولايات المتحدة قوة عسكرية عظمى بعد عام 1945، ومنذ وقتها صارت الراعي الرسمي للأنظمة الديكتاتورية في جميع القارات، بل دبرت انقلابات عسكرية لإسقاط حكومات منتخبة ليحل محلها أراجوزات يتحركون بأمرها وقائمة الرؤساء الأمريكان الفاسدين طويلة، وتبدأ بالأب المؤسس جورج واشنطن، مرورا بجوزيف بيوكانن، ويوليسيس غرانت، وغروفر كليفلاند، وودرو ويلسون، ووارين هاردينغ (وهذا كان جاهلا عصاميا كما ترامب، وعند وفاته كان عنوان الخبر في جريدة نيويورك تايمز: توفي اليوم الرجل الذي كان يرتكب خمس أخطاء لغوية في جملة بسيطة من خمس كلمات)، وجاء على الولايات المتحدة حين من الدهر تولى الرئاسة فيها المدعو ميلارد فيلمور، وكان مرذول الصفات والعادات، ولا يأتي الأمريكان على ذكره حتى في كتب التاريخ المدرسية.
وفي أمريكا المعاصرة، فإن الوظائف العامة العليا معروضة للبيع، ولشرائها يبيع الراغبون فيها ذممهم، لمن يدفع أكثر، بل إن الكونغرس أجاز عبر تاريخه الطويل نسبيا، شن حروب هنا وهناك، استجابة لرغبات شركات تصنيع الأسلحة، ومن يرصد المشهد الراهن في الولايات المتحدة، يعجب كيف يغلي الشارع ويمور بالغضب على عدوان إسرائيل على غزة، ولكن "تتحرك دكة غسل الموتى، أما نواب الشعب فلا تهتز لهم قصبة"، ذلك أنهم، أعطوا ضمائرهم إجازات مفتوحة، ثم أدوا قسم الولاء لإسرائيل في محراب جماعة الضغط الصهيونية.
أما الرئيس الأمريكي الحالي، ترامب فهو فساد يمشي على قدمين: تهرب من الضرائب، وتزوير في مستندات رسمية تتعلق بممتلكاته، واتهامات بأنه كان ضالعا في علاقات جنسية مع فتيات قاصرات بترتيب من صديقه الراحل ابستين، وتحريض على العنف ضد الأقليات، وكل هذا لا يهز شعرة في أجساد أنصاره من غلاة اليمين المسيحي، الذين بايعوه في المكره والمكره، رغم أنه ما من شخص رأى ترامب يدخل كنيسة او يستشهد بكلمة من الانجيل.
صارت الولايات المتحدة قوة عسكرية عظمى بعد عام 1945، ومنذ وقتها صارت الراعي الرسمي للأنظمة الديكتاتورية في جميع القارات، بل دبرت انقلابات عسكرية لإسقاط حكومات منتخبة ليحل محلها أراجوزات يتحركون بأمرها، وهكذا أسقطت حكومة مصدق في ايران لأنها أممت نفط البلاد، وأتت بمحمد رضا بهلوي، وهكذا اسقطت حكومة سلفادور أيندي في تشيلي ودعمت ديكتاتورية الجنرال أوغستو بينوشيه، أما دول أمريكا الوسطى والجنوبية فقد دفعت أثمانا باهظة من وراء وجود رؤساء فاسدين أوصلتهم الولايات المتحدة الى كراسي السلطة بقوة السلاح والمال.
*كان مقالي هنا في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2018، بعنوان "فاسد في نفسه مُفْسد لغيره"، وكان الفاسد المفسد المعني هو ترامب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه التاريخ امريكا تاريخ رأي سياسات مقالات مقالات مقالات صحافة مقالات رياضة سياسة رياضة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة تدرس نقل مقر قيادة “أفريكوم” من ألمانيا إلى المغرب
ذكر موقع “ديفنس 24” أن الولايات المتحدة تدرس نقل مقر قيادة “أفريكوم” من ألمانيا إلى المغرب لتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية في إفريقيا. ويأتي هذا التوجّه في أعقاب تعيين أول قائد من سلاح الجو على رأس القيادة في خطوة تشير إلى تركيز متزايد على العمليات الجوية.الجزيرة – افريقيا إنضم لقناة النيلين على واتساب