لجريدة عمان:
2025-08-12@17:44:31 GMT

قتل الشاهد.. الجريمة التي تُضاعف جريمة الحرب

تاريخ النشر: 12th, August 2025 GMT

قتل الشاهد.. الجريمة التي تُضاعف جريمة الحرب

تتجاوز خسارة العالم للصحفي في ساحة القتال خسارة غيره؛ إنها خسارة العين التي ترى، والأذن التي تسمع، واللسان الذي ينطق بالحقيقة. وفي غزة حيث تتقاطع حرب الإبادة الهمجية التي تمعن فيها إسرائيل على مرأى ومسمع العالم أجمع مع حرب السردية يصبح استهداف الصحفيين أخطر بكثير من مجرد انتهاك فردي، أو حتى من انتهاك المدنيين.

إنه بمثابة إعلان متعمد بأن الرواية الوحيدة المسموح لها بالبقاء هي رواية القاتل.

كان استهداف الصحفي أنس الشريف أمس -وهو أحد آخر المراسلين الذين بقوا في شمال القطاع- حلقة جديدة في سلسلة اغتيالات تستهدف أولئك الذين يملكون القدرة على نقل الصورة الكاملة لما يحدث في غزة. ولا أحد لديه أدنى شك أن استهداف الصحفيين في غزة يأتي في سياق متعمد لقتل الرواية ذاتها، وحجب الحقائق عن الوعي العالمي.

والصحفي في الحرب هو الشاهد الذي يربط بين الحدث وسياقه، بين الصورة والمعنى الذي تشكله في الحرب خاصة وأن الصحفي يتحول هنا إلى «حارس الذاكرة» الذي يحاول أو يسعى ليمنع المأساة من أن تتحول إلى مجرد رقم في تقارير الأمم المتحدة. ولهذا؛ فإن استهدافه هو عملية مزدوجة هدفها إسكات صوت الضحية، وتحرير القاتل من ضغط الاعتراف بما ارتكب.

ما يجري في غزة اليوم يكشف عن ميدان آخر للصراع هو ميدان السيطرة على السرد؛ فالحصار لا يقتصر على الغذاء والدواء، بل يمتد إلى المعلومات التي تسهم في إدانة المحتل، وبمنع الصحافة الأجنبية، وإسكات الصحفيين المحليين يجري خلق فراغ معلوماتي يملؤه الطرف الأقوى بروايته وحدها. وفي هذا الفراغ تتحول الأكاذيب إلى ما يمكن أن تكون حقائق، وتصبح الحرب بلا شهود، وبالتالي بلا ذاكرة.

وخطر هذا الأمر يتجاوز غزة؛ فهو نمط يهدد جوهر النظام الدولي نفسه؛ لأنه يضرب أحد أعمدته: الحق في المعرفة. حين يُقتل الصحفيون بلا مساءلة تتحول «حرية الصحافة» من مبدأ عالمي إلى شعار فارغ، ويصبح الحق في الحقيقة ترفًا مشروطًا بقبول القوى الكبرى له. وحين يقبل العالم هذه السابقة فإنه يفتح الباب أمام جميع الأنظمة الاستبدادية لاستخدام القمع نفسه بذريعة «الضرورة الأمنية».

لا يمكن أن ينظر للصحافة في أوقات الحرب إلى أنها مهنة نقل المعلومة فقط؛ فهي تقوم بأعمال أكبر بكثير في ساحة القتال تمثل في مخاطبة الضمير الإنساني؛ ليستيقظ ويقوم بدوره في وقف المجازر، وهذا فعل مقاومة حضارية ضد المحو والتشويه. وإذا كان التاريخ سيحاكم الجناة فإنه سيحتفظ أيضًا بأسماء من حاولوا إسكات الشهود؛ لأن جريمة إسكات الكلمة لا تقل فداحة عن جريمة قتل الإنسان.

في النهاية؛ الحرب قد تنتهي، لكن آثارها تبقى. وما سيبقى أكثر من الخراب المادي هو الخراب المعنوي الناتج عن غياب الشهود. وحين يغيب الشاهد تصبح الحقيقة أسيرة القوي، والتاريخ ملكًا للمنتصر، بينما تُدفن العدالة تحت ركام الأكاذيب. ولهذا؛ فإن الدفاع عن الصحفيين في غزة هو دفاع عن الحق في التاريخ، وعن آخر ما تبقى للبشرية من ضمانات ضد النسيان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

كوربين يدين قتل الصحفيين الفلسطينيين.. جريمة مروعة لإسكات الحقيقة

أدان جيرمي كوربين، الزعيم السياسي البريطاني والناشط المدافع عن حقوق الإنسان، بأشد العبارات القتل المتعمد والمستمر للصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة، واصفاً هذه الجرائم بأنها "مروعة تتجاوز الوصف". واعتبر كوربين أن استهداف الصحفيين يشكل محاولة يائسة من قبل إسرائيل لإسكات صوت الحقيقة وكتمان جرائمها المستمرة ضد الإنسانية.

وفي حادثة مروعة وقعت أمس، استُهدفت خيمة إعلامية في مدينة غزة، ما أسفر عن مقتل عدد من الصحفيين الفلسطينيين بينهم أنس الشريف، مراسل قناة "الجزيرة"، وزملاؤه الذين كانوا يعملون على نقل صورة المعاناة من الخطوط الأمامية. وقد قضى هؤلاء الصحفيون أثناء تغطيتهم الغارات الجوية الإسرائيلية، التي استهدفت مركز عملهم الإعلامي بشكل مباشر.

هذا التصعيد يمثل أكبر خسارة في صفوف الصحفيين الفلسطينيين خلال نزاع واحد في التاريخ الحديث، ويعكس مدى خطورة محاولة تكميم الأفواه التي تعكس الواقع الفلسطيني المؤلم.

وجه كوربين اتهاماً صريحاً إلى كل من سمح لإسرائيل بارتكاب هذه الجرائم "بلا حساب"، واصفاً ذلك بـ"العار"، مؤكداً أن الإفلات من العقاب يشجع على المزيد من الانتهاكات.

تعكس تصريحات كوربين غضباً متزايداً في الأوساط الدولية تجاه ما تتعرض له حرية الصحافة في الأراضي الفلسطينية، وسط دعوات متزايدة لإجراء تحقيقات دولية مستقلة للكشف عن حقيقة استهداف الصحفيين وضمان محاسبة المسؤولين.

ويأتي هذا التأكيد في وقت يشهد فيه قطاع غزة تصعيداً مدمراً، راح ضحيته عدد كبير من الصحفيين الذين كانوا ينقلون صوت المعاناة الفلسطينية للعالم، ما يثير مخاوف من تزايد محاولات التضييق على الإعلام المستقل وطمس الحقيقة.

وأكد كوربين أن هذه التطورات تدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في حماية الصحفيين وضمان حرية التعبير، ومنع أي جهود تستهدف إسكات أصوات الحق والإنسانية في واحدة من أكثر المناطق توتراً في العالم.


مقالات مشابهة

  • كوربين يدين قتل الصحفيين الفلسطينيين.. جريمة مروعة لإسكات الحقيقة
  • الحاج أبو محمد… بائع الأمل الذي تحدى الحرب بابتسامة
  • نقابة الصحفيين اليمنيين تدين الجريمة الوحشية بحق الصحفيين في غزة
  • اتحاد الصحفيين العرب يدين إسرائيل لقتل الإعلاميين: جريمة نكراء
  • حزب الله يدين الجريمة الصهيونية البشعة بحق ‏الصحفيين في غزة
  • الصحفيين الفلسطينيين: استهداف الصحفيين في غزة جريمة ممنهجة
  • أبو العلا: استهداف الصحفيين في غزة جريمة ممنهجة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان
  • المجلس الوطني يدين جريمة الاحتلال بحق الصحفيين بغزة
  • رئيس حزب الحركة الوطنية: خطة الاحتلال تجاه غزة جريمة حرب وعلى المجتمع الدولى التحرك فورا