موانئ ومطارات أوروبية تعطل شحنات السلاح إلى إسرائيل
تاريخ النشر: 15th, August 2025 GMT
القدس المحتلة – تشهد القارة الأوروبية اتساعا غير مسبوق في أنشطة النقابات العمالية الرافضة لنقل الأسلحة والعتاد العسكري إلى إسرائيل، بسبب استخدامها المباشر في الحرب على قطاع غزة، التي تصفها النقابات بأنها "إبادة جماعية".
ولم تعد هذه التحركات محلية أو معزولة، بل تحولت إلى شبكة تضامن عابرة للحدود، طالت الموانئ والمطارات في إيطاليا وفرنسا وبلجيكا واليونان والسويد وبريطانيا، ما أدى لتعطيل سلسلة الإمداد البحري والجوي لإسرائيل بشكل متزايد، إلى جانب تعطيل جماعة أنصار الله (الحوثيين) الملاحة في البحر الأحمر.
ومع اتساع رقعة هذه الأنشطة وتزايد تأثيرها على سلاسل التوريد العسكرية لإسرائيل، ترسم النقابات العمالية الأوروبية ملامح جبهة ضغط جديدة على إسرائيل، رافضة أن تكون الموانئ والمطارات الأوروبية جسورا لنقل السلاح إلى حرب توصف بالإبادة.
عصيان العمالوجاءت هذه التطورات المتلاحقة بعد خطوة مفصلية تمثَّلت في قرار المستشار الألماني فريدريش ميرتس حظر توريد الأسلحة لإسرائيل، ما أضاف زخما كبيرا للحراك النقابي الأوروبي.
وفي تحقيق استقصائي بعنوان "حظر اللجان.. كيف منعت النقابات العمالية في الموانئ الأوروبية شحنات معدات عسكرية إلى إسرائيل"، أعدّه الصحفي ميلان تشيرني لصالح موقع "شومريم" والقناة الـ12 الإسرائيلية، تتكشف تفاصيل مثيرة عن اتساع نطاق العصيان العمالي ضد شحن السلاح إلى تل أبيب.
ويبرز ميناء "فوس سور مير"، قرب مرسيليا جنوب فرنسا، كمسرح لواحدة من أبرز هذه المحطات. ففي الشهر الماضي، يقول تشيرني "عكف عمال الميناء على البحث بين آلاف الحاويات عن شحنة محددة يشتبه بأنها تحتوي على مكونات أسلحة موجهة إلى إسرائيل، وكان من المقرر تحميلها على متن السفينة "كونتشيب إيرا".
وبسبب صعوبة تحديد مكانها، تواصلت لجنة عمال الميناء الفرنسي مع زملائهم بميناء جنوة الإيطالي، حيث كان من المقرر أن ترسو السفينة لاحقا، وطلبوا منهم الاستعداد للتدخل في حال فشلوا هم في منع مرور الشحنة، وقد تجاوب الإيطاليون بسرعة، معلنين استعدادهم لتعطيل المسار.
إعلانوتطورت القصة حين دخلت على الخط منظمة قانونية فرنسية تدعى "جوردي"، وقدمت استئنافا أمام محكمة محلية، ما أدى لاحتجاز السفينة لعدة أيام قبل أن تبحر في النهاية دون حمولتها المشبوهة. ويقول المحامي وعضو المنظمة الفرنسية ألفونسو دورادو "رفض عمال الميناء تحميل الحاويات، هذا نصرنا الصغير".
لكن فرنسا لم تكن الاستثناء، فقد بادرت نقابات عمالية في إيطاليا، واليونان، وبلجيكا، والمغرب، والسويد إلى تحركات مشابهة، بعضها اتخذ شكل إجراءات مباشرة وفعالة حالت بالفعل دون وصول شحنات عسكرية إلى إسرائيل.
وهذه الجهود، مع القيود الرسمية التي تفرضها دول أوروبية على بيع أو نقل الأسلحة، إضافة لتهديدات الحوثيين المستمرة في البحر الأحمر التي تعرقل الشحن من آسيا، شكلت مجتمعة ضغطا متزايدا على سلسلة التوريد العسكرية الإسرائيلية، حسب ما ورد في التحقيق الاستقصائي.
ووفق مصادر مطلعة، تحدثت إليها القناة الـ12 الإسرائيلية، يعتمد الإنتاج الدفاعي في إسرائيل على شبكة معقدة من الموردين الدوليين، وأي تعطل في وصول مكوّن صغير قد يؤدي إلى تأخيرات ممتدة ويترك انعكاسات إستراتيجية مباشرة على القدرات العسكرية.
وبدأت قصة تعطيل الشحنات العسكرية المتجهة إلى إسرائيل من ميناء "فوس سور مير" في أبريل/نيسان الماضي، عندما قام عمال الميناء بتفتيش إحدى الشحنات المشتبه باحتوائها على مكونات لطائرات مقاتلة، ولم يعرف مصير تلك الشحنة حتى الآن، غير أن الحادثة سرعان ما انعكست على حركة الملاحة.
وفي منتصف يوليو/تموز، أعلنت نقابة عمال ميناء "بيريوس" في اليونان أن عمالها رفضوا تفريغ شحنة من الفولاذ مخصصة للاستخدام العسكري والمتجهة لإسرائيل، وكانت معدة للنقل من سفينة إلى أخرى.
وفي بلجيكا، دعت 4 منظمات عمالية لوقف شحنات من قطع غيار يزعم أنها كانت متجهة إلى مصنع ينتج مكونات دبابة ميركافا، وكان من المفترض أن تمر عبر ميناء أنتويرب، ثاني أكبر ميناء بأوروبا.
أما في السويد، فقد صوت 68% من أعضاء نقابة عمال الموانئ في يناير/كانون الثاني لصالح مقاطعة جميع الشحنات العسكرية من وإلى إسرائيل، وتبرز أمثلة أخرى من موانئ في إيطاليا والمغرب.
ولم تقتصر الضغوط على النقابات العمالية، إذ انضمت دول بدورها إلى فرض قيود مباشرة على مرور الأسلحة، ففي خطوة جماعية، أعلن أعضاء مجموعة لاهاي، التي تضم بلدانا مثل بوليفيا وتشيلي وكوبا وكولومبيا وماليزيا وجنوب أفريقيا وغيرها، حظرا شاملا لتوريد الأسلحة إلى إسرائيل، ومنع السفن المحملة بالأسلحة من الرسو في موانئها. وقبل ذلك، كانت كل من إسبانيا وتركيا قد اتخذتا إجراءات مشابهة لتقييد تصدير ونقل الأسلحة إلى إسرائيل.
ولم تقتصر الاعتراضات على الموانئ البحرية، بل امتدت للمطارات أيضا، ففي مطار شارل ديغول بباريس، اكتشف العمال أن شحنة من العربات المدرعة المخصصة لشركة إلبيت الإسرائيلية كان من المفترض أن تمر عبر المطار.
إعلانوقد تأخرت هذه الشحنة في أوروبا لنحو شهر كامل، عقب إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي ردا على الهجوم الإيراني، لتصبح في متناول معلومات عدة نقابات عمالية، من سائقي الشاحنات إلى عمال المراكز اللوجيستية، الذين نسقوا جهودهم لإيقافها.
ويرى مدير مركز الأمن القومي والديمقراطية في معهد الديمقراطية الإسرائيلي الدكتور عيران شامير بورير أن حملات الحظر على الشحنات العسكرية ليست جديدة، لكنها تشتد وتتوسع بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة.
ويضيف "سابقا، كانت مشاكل سلسلة التوريد أصغر حجما وأقل انتظاما، وتركزت بالأساس على الضغط العام والإجراءات القانونية، أما اليوم فنحن أمام تعبئة نقابية دولية غير مسبوقة، وهذا يجب أن يقلق إسرائيل".
وحذر شامير بورير من أن تداعيات هذه التعبئة قد تكون بعيدة المدى، موضحا أنه بينما تحاول إسرائيل التقليل من شأن الاحتجاجات، "فإن عدم قدرة الأجهزة الأمنية على الحصول على مكون صغير وضروري من بلد آخر قد يعني ببساطة غيابه عند الحاجة"، ما يفرض -برأيه- "تداعيات اقتصادية وتشغيلية خطيرة، وتحول الموانئ والمطارات الأوروبية إلى ساحة مواجهة جديدة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات النقابات العمالیة عمال المیناء إلى إسرائیل السلاح إلى
إقرأ أيضاً:
حزب الله وسلاحه وضربات لئيمة من إسرائيل
خياران أحلاهما مر بانتظار حزب الله؛ كلفة الاحتفاظ بالسلاح باهظة للغاية، عليه وعلى لبنان، والتخلي عنه، يكاد يكون انتحارا سياسيا، يُخرج الحزب من ثوبه، ومن كل ما نشأ عليه ومن أجله، فيما الرهان على "عامل الوقت"، أو البحث عن مخرج، يبدو معلقا على المجهول.
في لبنان، ثمة أغلبية سياسية وشعبية، تبلورت في ضوء نتائج "حربي الإسناد" و"أولي البأس"، باتت تنظر للسلاح باعتباره فاقدا القدرة على الحماية والردع والتحرير في مواجهة إسرائيل، وهي الوظائف الثلاث التي تراكم السلاح من أجلها، وشكلت المبرر لانفراد الحزب طوال أكثير من أربعة عقود، بحمله وتخزينه وتطويره واستخدامه.
اليوم، يجد الحزب صعوبة في تسويق هذه الوظائف على جمهور متزايد من اللبنانيين، لا سيما من خارج بيئته الشيعية الحاضنة.
غالبية مسيحية وسُنية ودرزية، وأقلية شيعية، باتت تدعم توجه الدولة الجديد، والجريء، في معالجة قضيتي؛ "حصرية السلاح"، و"قرار الحرب والسلم".
وحتى من بين الشيعة أنفسهم، فإن ثمة فريقا لا بأس به – من داعمي احتفاظ الحزب بسلاحه- ينطلق في مواقفه من اعتبارات داخلية، ومخاوف (مشروعة أو غير مشروعة) على مستقبل الطائفة ومكانتها، أو يتحسب لتداعيات الحدث السوري على لبنان وتوازنات القوى فيه، منذ سقوط نظام الأسد 8 ديسمبر الفائت.
بهذا المعنى، لم يعد هذا الفريق يربط السلاح بمقاومة إسرائيل أو تحرير ما تبقى من أراضي الجنوب، بل بديناميات العلاقة مع القوى والمكونات الأخرى، لبنانيا، وامتداداتها السورية.
لا شك أن فريقا من اللبنانيين، لم ينظر يوما بعين الرضا عن المقاومة والحزب والسلاح، وهو سبق أن أشهر سلاحه في مواجهة المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، ولم يتوانَ عن استدعاء مختلف أشكال الدعم والتدخل الإسرائيلية، لإنجاز الحسم في معركة الداخل.
هذا الفريق، ما زال "وفيا" لمواقفه ونهجه، وهو بات أكثر جرأة في التصدي لمسألة السلاح، والتحريض عليه، والاستقواء بـ"الخارج" على الفريق الذي يحمله.
إعلانو"الخارج" اليوم، لم يعد إسرائيل حصرا، فالولايات المتحدة، تقود أشد حملات التضييق والحصار على سلاح الحزب ومسلحيه، وتسعى في تقطيع شرايينه، وتجفيف موارده، من مالية واقتصادية، وتؤلّب عليه الدولة والمؤسسات والأحزاب وكل الحلفاء المحليين، وهي تستعجل إنجاز هذه المهمة من دون تردد.
ومن ضمن تكتيكاتها، التلويح بورقة "بلاد الشام"، و"تلزيم" لبنان لسوريا، كما ورد على لسان توم باراك، الموفد الأميركي، الكاره سايكس بيكو، والمتحمس لفكرة إعادة ترسيم خرائط المنطقة، على خطوط الطوائف والمذاهب والأقوام، والداعم بشكل "مداهن" لنظرية جدعون ساعر حول "حلف الأقليات".
وهي النظرية التي عبر مؤتمر الحسكة الأخير، عن خطوة عملية باتجاه ترجمتها، بدعم فرنسي، وضوء أخضر أميركي، وفي مواجهة النظام الجديد في دمشق، وأبعد منه، في مواجهة أنقرة وحلفائها السوريين.
يشعر هذا الفريق المتسع من اللبنانيين، أن لبنان بانتظار "فرصة تاريخية" لإغلاق ملف مضى عليه مفتوحا أكثر من أربعة عقود، ودائما تحت شعار بناء الدولة القوية العادلة والضامنة للجميع. لكأن هذا الفريق، في سباق مع الزمن، حتى لا تفقد "الفرصة" زخمها وقواها الدافعة.
رهانات الحزبلكن ثمة ما يجعل مهمة هذا الفريق، صعبة للغاية، فلا إسرائيل التزمت باتفاق 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، وأوقفت عدوانه المتكرر والمتمادي على لبنان، ولا الولايات المتحدة، بصدد تقديم ضمانات مقنعة للدولة اللبنانية، بأن مرحلة ما بعد تسليم السلاح، ستعيد للبنان أرضه وأسراه وسلامه واستقراره وازدهاره.
حتى بلغ الأمر بأكثر المتحمسين لنزع السلاح، حد التعبير عن موقفه بلغة الاحتمالات والترجيحات، بلا أي ضمانة أو يقين، وهذا أمرٌ يدفع الحزب وأنصاره إلى التحذير من "قفزة في المجهول".
وثمة عامل آخر، يلعب، وسيلعب دورا في حسم مسألة السلاح، وأعني به "العامل السوري"، إذ ربما يراهن الحزب على ما يمكن أن تأتي به التطورات المتلاحقة في المشهد السوري، ونشوء "مسألة درزية" إلى جانب "المسألة الكردية"، وربما بعد حين، "مسألة علوية"، من تحولات في مواقف الدولة والرأي العام اللبنانيين من الحزب والسلاح، ذلك أن الصور المبثوثة من سوريا عن صدامات و"جرائم" على خلفية طائفية ومذهبية، لا تساعد في طمأنة مكونات لبنانية عديدة إلى سلامة مستقبلها، ومن ضمنها جهات، لا تكنّ ودا ظاهرا أو مضمرا للحزب.
على أن أسوأ ما يمكن أن يبني عليه الحزب من رهانات، هو الاعتقاد بأن إسرائيل سئمت الحرب وتستصعب العودة، سواء للإعياء الذي أصاب جيشها أو لانشغالاتها على جبهة غزة، أو الافتراض بأن مستقبل الحزب والسلاح، سيكون مطروحا على مائدة التفاوض بين إيران والولايات المتحدة، حين تلتئم.
فلا إسرائيل بوارد التوقف عن استهداف لبنان، لا سيما أنها ترى في حربها عليه، حربا بلا كلفة.. ولا إيران، ستقدم مصلحة الحزب والسلاح، على حسابات أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية حال بدأت بحثا جديا حول هذه العناوين مع واشنطن والغرب.
صدام مستبعديخشى لبنانيون كثر، من مغبة تحول الخلاف بين الدولة والحزب، إلى صدام بين الأخير والجيش، وفي ظني أن لا الحزب ولا الجيش، لديهما الرغبة والإرادة والمصلحة في الوصول إلى صدام كهذا، ترفضه غالبية اللبنانيين، ولا تحرض عليه سوى أقلية منهم.
إعلانوأحسب أن صداما كهذا، لن يترك الحزب معزولا في بيئته الوطنية والمذهبية فحسب، بل وقد يتهدد مصير الجيش ووحدته وتماسكه، وربما يعيد إنتاج سيناريو "الحرب الأهلية"، إذ انقسم الجيش إلى عدة جيوش على أساس مذهبي وطائفي.
استبعاد سيناريو الصدام بين الجيش والحزب، لا يعني أن لبنان سينجح في تفادي احتمال عودة الحرب من جديد، ولكن بين إسرائيل وحزب الله.. امتناع الحزب عن تسليم سلاحه للجيش، سيعطي إسرائيل مبررا لتوجيه ضربات "لئيمة" لمواقعه ومقدراته، وربما العودة إلى الاغتيالات "رفيعة المستوى".
وقيام الحزب بالرد على العدوان الإسرائيلي، سيطلق يد إسرائيل في ترجمة سيناريو غزة في لبنان. ولا أحد يعرف حتى الآن، ما إذا كان الحزب قادرا على استعادة "معادلة التوازن والردع"، وفرض قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.
أغلب التقديرات، تقول إن الحزب ليس في وضع عسكري سيمكنه من فعل ذلك، والأهم أنه سيُحمل المسؤولية عن عودة التصعيد، وسط انكشاف في الغطاء اللبناني والعربي والدولي، ووسط ضعف قوى وأطراف ما كان "محورا للمقاومة والممانعة" ذات يوم.
معنى أن يتخلى الحزب عن سلاحهمقابل ذلك، فإن قبول الحزب بتسليم سلاحه للجيش، والتحول كليا للعمل السياسي المحلي، يعني أنه فقد "فرادته"، وأنه سيكون حزبا من بين أحزاب أخرى عديدة، ليس أقواها بالضرورة، لا في الشارع ولا في البرلمان ولا في الحكومة.
كما يعني أنه سيفتح فصلا من المراجعة والمساءلة، قد لا ينتهي لصالحه، لا سيما بوجود عشرات ألوف الشهداء والجرحى، وعوائلهم، الذين لم يقطعوا كل هذا الشوط مع الحزب، وقدموا كل هذه التضحيات على مذبح المقاومة، لينتهوا إلى "صناديق المعونة والإغاثة".
حزب الله بلا سلاح، لن يبقى قوة مهيمنة حتى في الوسط الشيع، بل وقد لا يبقى الثنائي الشيعي متفردا بتمثيل الطائفة والنطق باسمها، وقد تنشأ تيارات واتجاهات داخلها، متصادمة مع الحزب والثنائي، ومصطرعة مع أطروحاتهما.
والأخطر من كل هذا وذاك، وأهم، أن إسرائيل لن تدع الحزب وشأنه، حتى إن هو قرر تسليم سلاحه، وستواصل حكومة اليمين الفاشي،" أخذ زمام أمنها في لبنان بيدها"، وتحت شعار "يد طليقة في لبنان"، ستعمل على إذلال الحزب في كل مناسبة، وتذكيره بأنها هي من انتصر، وهو من هزم، كما ستعمل على "تسوية الحساب" مع كل من تورط بإراقة دماء إسرائيلية، وسيظل لبنان من منظورها الإستراتيجي، "مجالا حيويا" لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي.
وتأسيسا على تجارب متراكمة للتعامل مع هذا الكيان، فإنه سيلجأ إلى ممارسة "التنمر" وطلب المزيد من الإذعان والتنازلات، كلما استشعر ضعفا وهوانا، وكلما أحسّ بأن الطرف المقابل، قد قرر الخروج من ميدان المواجهة.
لقد فقد سلاح الحزب، "دورا إقليميا" لطالما اضطلع به من موقع قيادي، وفي ساحات عدة، وليس في سوريا وحدها، إثر النتائج الكارثية لحربي "الإسناد" و"أولي البأس".
اليوم، يبدو هذا السلاح، مهددا بفقدان دوره الوطني، في ظل تفاقم مأزق الخيارات المطروحة، واشتداد مصاعب الاحتفاظ به أو التخلي عنه. لا خيارات سهلة أمام الحزب، والشيء ذاته، ينطبق بقدر أكبر على لبنان برمته.
فالدولة اللبنانية، محاصرة بضغوط لا قبل لها بها، من أشقائها وأصدقائها، عربا وأوروبيين وأميركيين، وجميعها تندرج تحت عنوان "حصرية السلاح".
فيما إعادة إعمار لبنان ووضعه على سكة التعافي المبكر وخروجه من شرنقة الحصار والعقوبات، تنتظر إنجازا سريعا على هذا الدرب.. والدولة، المتحمسة لسحب السلاح، تدرك أن استخدام القوة لفعل ذلك، هو "وصفة خراب" قد تقود إلى تجدد الحرب الأهلية من جديد، وهذا كابوس يسعى عقلاء لبنان لتفاديه.
ترك المهمة لإسرائيلأمام هذا الاستعصاء المزدوج: استعصاء الدولة والحزب، فإن أكثر السيناريوهات ترجيحا، هو ترك المهمة لإسرائيل، ليس باتفاق "تآمري" مباشر وصريح بين الأطراف، بل من خلال "تقاسم موضوعي" للمهام والأدوار، كأن يعاود سلاح الجو توجيه ضربات نوعية تدميرية مكثفة للحزب وبيئته الاجتماعية في الجنوب والضاحية والبقاع على نطاق أوسع مما يفعله اليوم، وأن يعاود "الموساد" سياسة الاغتيالات ويتوسع بها، فلا تقتصر على الجناح العسكري فقط، كما هي جارية منذ وقف إطلاق النار، وبعدها يمكن معاودة النقاش المحلي حول السلاح في ظروف مختلفة، يكون فيها الحزب في موقع أضعف، أو هكذا يُراهن بعضهم على أقل تقدير.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline