في خطوة أثارت جدلا واسعا، أسفرت جهود وزارة الداخلية الأميركية لإعادة صياغة السرديات التاريخية التي تعتبرها "سلبية" في المتنزهات الوطنية، عن نتائج عكسية تماما. فبدلا من تبني الرؤية الحكومية الجديدة، استغل زوار المتنزهات التكنولوجيا التي وضعت بين أيديهم، وهي رموز الاستجابة السريعة (QR codes) المخصصة للتعليقات، لشن حملة احتجاج واسعة، مطالبين بتاريخ أكثر شمولا ودقة، ومعبرين عن دعمهم القوي هيئة المتنزهات العامة.

وفقا لوثيقة مسربة من 65 صفحة، قدمتها "جمعية الحفاظ على المتنزهات الوطنية" لموقع (إس.إف.جيت) الإخباري، فإن مئات التعليقات التي جمعت حتى منتصف يونيو/حزيران الماضي تظهر رفضا قاطعا لمحاولات تعديل التاريخ، وتأييدا ساحقا لزيادة تمويل المتنزهات وحماية الأراضي العامة.

هذه التعليقات، التي تحولت من مجرد ملاحظات خدمية إلى بيانات سياسية، وجهت رسالة واضحة لإدارة وزير الداخلية دوج بيرجوم. جاء في أحد التعليقات المتكررة التي تركها الزوار في عدة متنزهات: "هذه الإدارة الإجرامية تمثل التعريف الحقيقي لعدم الوطنية. المتنزهات ملكنا، نحن الشعب، ونقول لكم باحترام: غادرونا". وأضاف المعلق في لفتة مؤثرة: "يا حراس المتنزهات، نتمنى لكم يوما رائعا، ونحن نكن لكم كل تقدير".

العديد من مواقع خدمات المنتزهات تلقت تعليقات حول ضرورة تعزيز الوعي بالثقافات الأصلية، بما في ذلك منتزه روكي ماونتن الوطني (الألمانية)من ستونوول إلى جبل رينيه

لم تقتصر الاحتجاجات على قضية واحدة، بل عكست تنوع الصراعات على الذاكرة الأميركية في مختلف المواقع التاريخية:

في نصب ستونوول الوطني بنيويورك، وهو موقع يرمز إلى نضال مجتمع الميم، انتقد الزوار بشدة إزالة الإشارات المتعلقة بالأشخاص المتحولين جنسيا من الموقع الإلكتروني للمتنزه في وقت سابق من العام. كتب أحد الزوار بتهكم: "لاحظت أن هناك نقصا في اللافتات التوضيحية عن كيفية محاولة حكومة استبدادية تبييض أحداث التاريخ… تاريخ نصب ستونوول، هي عملية خاطئة وناقصة. أصلحوا ذلك".

إعلان

في متنزهات جبل روكي، بيناكلز، وأميركان ساموا، طالبت تعليقات عديدة بزيادة التعريف بثقافات السكان الأصليين وتاريخهم. وفي متنزه "بيكتشرد روكس ليكشور" الوطني بميتشغان، جاء في تعليق لافت: "المتنزهات الوطنية هي ملك لجميع الأميركيين. هذا يعني مشاركة تاريخ وتجارب وقصص كل من اعتبروا الولايات المتحدة وطنهم، حتى لو كان ذلك يمثل "فترة ظلام" أو "سلبية" في تاريخنا. يجب أن تتضمن اللافتات الإرشادية تاريخا صحيحا، سواء كان إيجابيا أم سلبيا".

أما في متنزه جبل رينيه الوطني، فقد تركزت التعليقات على ضرورة الاعتراف بالتاريخ الأصلي للمكان، حيث اقترح العديد من الزوار أن تغير الحكومة الفدرالية اسم الجبل إلى "تاهوما"، وهو أحد الأسماء القبلية المحلية العديدة التي أطلقت على الجبل.

صوت المعارضة المنظمة

هذه الموجة من الرفض الشعبي دعمتها المنظمات المعنية بالحفاظ على التراث. قالت تيريزا بيرنو، رئيسة ومديرة "جمعية الحفاظ على المتنزهات الوطنية"، في بيان أرفقته بالوثائق المسربة: "إدارة ترامب تسعى إلى محو التاريخ وإعادة كتابته، لكن ليس هذا هو ما يريده الشعب الأميركي. زوار المتنزهات يريدون المزيد من السرد التاريخي الشامل الحقيقي وغير المنقوص، خاصة المعلومات التي تكرم تاريخ القبائل والأصوات المعبرة عنها".

وأضافت بيرنو: "يجب أن تعكس متنزهاتنا الوطنية التداخل والتشابك الكامل للأحداث التي شهدتها هذه الأرض، بجمالها وماضيها والشعوب التي شكلتها على مدى الأجيال".

ورغم أن التعليقات المسربة تضمنت بعض الملاحظات الإيجابية عن التفاعل مع حراس المتنزهات، وبعض الشكاوى العابرة عن خدمات النظافة، إلا أن الطابع الغالب عليها كان احتجاجيا وسياسيا، يستهدف مباشرة مبادرة وزارة الداخلية.

احتجاجات المواطنين أمام متنزه جبل رينيه الوطني للاعتراف بالتاريخ الأصلي للمكان (شترستوك)انقسام بشأن تاريخ الحرب الأهلية

النقطة الوحيدة التي أظهرت انقساما في آراء الزوار كانت في المواقع المتعلقة بساحات معارك الحرب الأهلية الأميركية. هنا، تباينت الشكاوى بشكل ملحوظ؛ فبينما طالب بعضهم بتضمين المزيد من القصص عن الأميركيين من أصل أفريقي وإزالة النصب التذكارية التي يرون أنها تحمل دلالات عنصرية، اشتكى آخرون من أن اللوحات التذكارية الحالية تحتوي فعلا على "انتقادات مبالغ فيها" للتاريخ الكونفدرالي للولايات الجنوبية.

وفي اختتام تعليقها، أوضحت بيرنو أن هذه التعليقات، في مجملها، تثبت حقيقة لطالما كانت معروفة: "الناس يحبون متنزهاتهم الوطنية ويقدرون بشدة الموظفين الذين يكرسون جهدهم لخدمتها وحمايتها كل يوم. من الواضح أن هذه الإدارة بعيدة تماما عن نبض الشعب الأميركي عندما يتعلق الأمر بحماية هذه الأماكن الثمينة والحفاظ على القصص التي ترويها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات المتنزهات الوطنیة

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأفريقي يدعو لاعتماد خريطة للعالم تعرض المساحة الحقيقية للقارة

يدعم الاتحاد الأفريقي حملة لإنهاء استخدام الحكومات والمنظمات الدولية خريطة مركاتور للعالم التي تعود إلى القرن السادس عشر من أجل استخدام خريطة أخرى تعرض المساحة الدقيقة لقارة أفريقيا.

ويشوه هذا الإسقاط الذي ابتكره رسام الخرائط جيراردوس مركاتور لأغراض الملاحة مساحات القارات، إذ يوسّع المناطق القريبة من القطبين مثل أمريكا الشمالية وجرينلاند في حين يقلص مساحة أفريقيا وأمريكا الجنوبية.



وقالت سلمى مليكة حدادي نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي لرويترز "قد تبدو مجرد خريطة، لكنها في الواقع ليست كذلك"، مضيفة أن مركاتور روج انطباعا خاطئا بأن أفريقيا "هامشية" على الرغم من أنها ثاني أكبر قارة في العالم من حيث المساحة ويقطنها أكثر من مليار شخص. ويبلغ عدد الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي 55.

وذكرت أن مثل هذه الصور النمطية تؤثر على وسائل الإعلام والتعليم والسياسة.

وليست الانتقادات الموجهة لخريطة مركاتور بجديدة، لكن حملة (كوريكت ذا ماب) التي تقودها مجموعتا (أفريكا نو فلتر) و(سبيك أب أفريكا) أعادت إحياء الجدال، وحثت المنظمات على اعتماد إسقاط "الأرض المتساوية" لعام 2018 الذي يحاول أن يعرض المساحات الحقيقية للبلدان.



وقالت حدادي إن الاتحاد الأفريقي يؤيد الحملة، مضيفة أنها تتماشى مع هدفه المتمثل في "استعادة أفريقيا مكانتها الصحيحة على الساحة العالمية" وسط دعوات متزايدة للتعويض عن الاستعمار والعبودية.

وأضافت حدادي أن الاتحاد الأفريقي سيدعو إلى اعتماد الخريطة على نطاق أوسع ومناقشة التحركات الجماعية مع الدول الأعضاء.

مقالات مشابهة

  • مجلة أميركية: هذه هي المادة السرية التي تجعل المقاتلات الأميركية شبحية
  • مدير عام هيئة الشارقة للآثار: «الفاية» بُعد حضاري جديد لتاريخ الإمارات
  • شاطىء الدهاريز.. وجهة سياحية مثالية للإستمتاع بالانشطة الشاطئية
  • منيمنة: الحماية الحقيقية لا تكون عبر السلاح غير الشرعي
  • شاهد - بقايا آليات عسكرية صهيونية دمرتها سريا القدس بحقول متفجرة
  • الاتحاد الأفريقي يدعو لاعتماد خريطة للعالم تعرض المساحة الحقيقية للقارة
  • القيادة المركزية الأميركية تبارك جهود المقاومة الوطنية اليمنية في مكافحة تهريب الأسلحة
  • ميرفت ألكسان : رقمنة التراث الإعلامي توثيق لتاريخ مصر
  • ضبط شاب “يسب” الناس في التعليقات عبر فيسبوك