إرث نووي ثقيل يلاحق فرنسا في الجزائر.. منظمات دولية تطالب بالاعتراف والتعويض
تاريخ النشر: 29th, August 2025 GMT
أصدرت عشرون منظمة دولية وجزائرية، من بينها "شعاع لحقوق الإنسان" و"الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية"، بياناً مشتركاً طالبت فيه فرنسا بتحمل مسؤوليتها الكاملة عن التفجيرات النووية التي أجرتها في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، والتي خلّفت إرثاً ثقيلاً من التلوث الإشعاعي والأضرار الصحية والاجتماعية الممتدة حتى اليوم.
المنظمات دعت، في بيانها الذي يصادف اليوم العالمي لمناهضة التجارب النووية (29 آب/ أغسطس 2025)، باريس إلى الاعتراف بجرائمها النووية وتعويض الضحايا وكشف الخرائط المتعلقة بمواقع دفن النفايات المشعة، إضافة إلى اتخاذ خطوات عملية لمعالجة التلوث. كما طالبت الجزائر بدورها بالشفافية، وحماية المتضررين، والانخراط الفاعل في المعاهدات الدولية المناهضة للأسلحة النووية.
بين البعد الإنساني والتجاذب السياسي
البيان شدّد على أن التوتر القائم بين الجزائر وفرنسا لا يجب أن يكون مبرراً لدفن الملف أو استخدامه كورقة ضغط متبادلة، بل يستوجب ـ بحسب تعبيره ـ إعلاء المصلحة الإنسانية والبيئية فوق أي خلاف دبلوماسي. وتكتسب هذه الدعوة أهمية خاصة في ظل تجدد التوتر بين البلدين بعد تجميد ملفات التعاون، ما يجعل ورقة التجارب النووية قابلة للتحول إلى ملف حسّاس إذا لم يُعالج بروح تعاون ومسؤولية مشتركة.
وتنظر هذه المنظمات إلى أن تجاهل باريس لهذا الإرث، رغم المراسلات الأممية السابقة، يضعها في موقف حرج أمام الرأي العام الدولي، فيما تواجه الجزائر بدورها مطالب داخلية ودولية بتعزيز الشفافية واتخاذ خطوات عملية لحماية السكان. وبين ضغوط التاريخ وحسابات السياسة، يظل الملف النووي الجزائري ـ الفرنسي اختباراً مزدوجاً لمدى قدرة الطرفين على الفصل بين الخلافات الدبلوماسية والاستحقاقات الإنسانية والبيئية العاجلة.
وختمت المنظمات بيانها بالتشديد على ثلاثة مطالب أساسية: اعتراف فرنسا الكامل بجرائمها النووية في الجزائر، تعويض الضحايا وضمان رعايتهم الصحية، والكشف الفوري عن جميع الوثائق والخرائط الخاصة بمواقع دفن النفايات المشعة، إلى جانب التزام الطرفين بإجراءات عملية تضمن معالجة التلوث وحماية الأجيال القادمة.
يذكر أنه يُحتفى باليوم العالمي لمناهضة التجارب النووية في 29 أغسطس/آب من كل عام، كذكرى دولية لتسليط الضوء على الأضرار الإنسانية والبيئية الناجمة عن التجارب النووية في مختلف أنحاء العالم.
ويكتسب هذا اليوم أهمية خاصة في السياق الجزائري، حيث تركت التجارب النووية الفرنسية بين 1960 و1966 إرثاً ثقيلاً من التلوث الإشعاعي والأضرار الصحية والاجتماعية الممتدة عبر الأجيال.
ويشكل اليوم مناسبة لتجديد المطالب بالاعتراف بالجرائم النووية وتعويض الضحايا، وضمان الشفافية الكاملة بشأن مواقع دفن النفايات المشعة، ووضع الإجراءات العملية لحماية السكان والبيئة من أي مخاطر مستقبلية، بما يعكس أولوية إنسانية وحقوقية فوق أي خلاف سياسي أو دبلوماسي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية النووية فرنسا الجزائرية التجارب البيان فرنسا الجزائر نووي تجارب بيان المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التجارب النوویة
إقرأ أيضاً:
من يصنع صورة المجتمع؟!
يتغيَّر العالم من حولنا سريعًا، أكثر بكثير مما كان عليه الأمر قبل عقدين من الزمن. ويتغيَّر الوعي الاجتماعي الذي لم يعد نتاجا لتراكم التجارب اليومية كما كان في المجتمعات التقليدية، أو حتى قبل عقدين من الآن؛ إنه اليوم نتاج لهذا الكم الكبير من تدفق الصور والرموز والبيانات المكتوبة والمسموعة والمرئية التي تأتي عبر الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي سواء كانت منتجة بشريا أو بتقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا الأمر فرض على الناس العيش في فضاءين اثنين؛ مادي يتحرك فيه، وواقع رمزي يطوّقه ويعيش في أسره أينما التفت على شاشات المنصات الاجتماعية.. وغالبا ما يصدّق الثاني أكثر من الأول. هذا الأمر يخلق التباسا كبيرا تنتج عنه أزمة أكبر، وهي من يملك سرد الواقع، ومن يملك تعريفه؟ لأن من يملك ذلك يستطيع أن يملك المجتمع.
تعمّق هذه الأزمة حالة الاغتراب التي تعيشها بعض المجتمعات، بين واقعها الحقيقي وبين ما تحاول أن تعيشه عبر إسقاط الواقع الذي تشاهده في وسائل التواصل، وهو واقع أقرب إلى الوهم، ويتصف بالهشاشة لأنه لم يبنَ وفق التجارب الحياتية اليومية ولا على تراكم طبيعي أو تفاعل حياتي.
المشكلة أن الغالبية العظمى تسير في هذا الاتجاه، ولا يكاد يوجد موقف نقدي يقف في وجه هذا التيار، ولا تجد الدعوات التي تصدر من هنا وهناك سواء عبر الخطب السياسية أو المنابر الدينية والثقافية ما يعينها من خطاب نقدي اجتماعي يفرزه المجتمع ليعيد صناعة وعيه الاجتماعي بناء على منظومة قيمه وتفاعلاته الطبيعية ونقاشاته العقلية بعيدا عن العاطفة التي غالبا من تكون سطحية وتفتقر إلى العمق الناتج عن التجارب والمنطق.
وفي وسط هذا المشهد غالبا ما تغيب المسافة بين الرأي والمعلومة/ الخبر، وبين الموقف والمعرفة، وهنا بالتحديد يتسع المجال لما يمكن تسميته بـ«الوعي العاطفي» الذي يسهل توجيهه وتضخيمه.
هذا النمط من الحياة آخذ في الاتساع في العالم أجمع وإن كان في بعض المجتمعات يلقى بعض النقد والتحليل والدفع به ثقافيا نحو مساحات آمنة، فيما يغيب هذا، تقريبا، عن المجتمعات العربية رغم رصيدها القيمي والمعرفي.
إن أكثر ما يثير القلق من هذا النمط الحياتي، الذي يصنع وفق الحياة الافتراضية، هو هشاشة هذا الواقع والوعي الذي يصنعه. فالصورة الافتراضية للمجتمع تُبنى في لحظة، ويمكن أن تهتز أو تُمحى في لحظة أخرى. ومن يتابع ما يحدث على منصات التواصل الاجتماعي بدقة يكتشف أن الكثير من القضايا التي تشغل تلك المنصات لأيام طويلة تنتهي دون أن تترك أثرا في الواقع، في الوقت نفسه تمر تحولات اقتصادية وثقافية كبرى في هذه المجتمعات دون أن تلقى انتباها مكافئا لأنها لا تصلح لأن تكون «ترند». هذا الأمر يصنع وعيا متقطع الذاكرة، وسريع الانفعال، وأيضا، هشّ الصلة بالفعل الاجتماعي الحقيقي.
رغم ذلك فإن التعويل على قوة المجتمعات ما زال كبيرا؛ فالكثير منها، كما هو الحال مع المجتمع العماني، تحتفظ بقدر كبير من الاتزان والقدرة على استيعاب التغيير. وتدرك هذه المجتمعات أن الواقع أكثر تعقيدا وثراء من أن يختزل في نقاشات تنقصها المسؤولية والجدية وتسيطر عليها الانفعالية والعاطفية على وسائل التواصل الاجتماعي.
والوعي الاجتماعي الحقيقي لم يكن في يوم من الأيام نتاج ضجيج المنصات كما تثبت التجارب. إنه ثمرة الحوار والعقل وتراكم المعرفة. بهذا المعنى فإن دور وسائل الإعلام في الوقت الحالي يتجاوز فكرة نقل الأحداث إلى بناء وعي نقدي قادر على تمييز الحقيقة من الانفعال، والجوهر من الاستعراض. ومن دون هذا الوعي، يبقى المجتمع عرضة لصورة يصنعها آخرون عنه، لا تعكسه بقدر ما تشوّه ملامحه وتسطّحه وربما تتلاعب به.