أكثر من 1400 قتيل وآلاف المشردين إثر زلزال ضرب ولايات كُنَر وننغرهار ولَغْمَن شرقي أفغانستان، فحوّل القرى إلى أنقاض، وكشف مجددا عن دولة ضعيفة ومجتمع دولي متردد في الدعم.

وأفاد تقرير لوكالة رويترز بأن الزلزال الأخير خلّف أكثر من نصف مليون متأثر بين نازح ومشرد، وأدى إلى تضرر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وموت مئات آلاف رؤوس الماشية، مما يهدد الأمن الغذائي في المناطق الجبلية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2غذاؤنا من أيدينا.. مبادرة زراعية تكافح المجاعة والقصف في غزةlist 2 of 2معركة يومية.. تعرف على قصة سائقي شاحنات المساعدات الإنسانية بغزةend of list

ورغم الخسائر الكبيرة يبدو المشهد مألوفا في أفغانستان، فمنذ عام 2015 لم تخلُ أفغانستان من كوارث زلزالية كبرى، ومن أبرزها زلزال خوست وباكتيا (2022) الذي قتل أكثر من ألف شخص، وزلازل هرات (2023) التي دمّرت ما يقارب 50 ألف منزل، ومع كل كارثة تتكرر المأساة نفسها: بُنى سكنية متداعية، ومؤسسات عاجزة، واستجابة محلية ودولية بطيئة لا توازي حجم المأساة.

والحقيقة أن الزلازل في أفغانستان لا تقتل وحدها، بل تكشف ضعف الأساسات التي يقف عليها المجتمع، فالمنازل المبنية من الطين والحجر غير المسلح تنهار سريعا عند أول ارتجاج، فتتحوّل إلى مقابر جماعية، أما الطرق الجبلية الضيقة فإنها تنهار بفعل الانزلاقات الأرضية، فتمنع فرق الإنقاذ من الوصول في الوقت المناسب.

النظام الصحي بدوره يعاني انهيارا داخليا، فالمستشفيات بلا تجهيزات، والأطباء والممرضون بأعداد محدودة، مما يجعل آلاف النساء والأطفال بلا رعاية طبية في لحظة الكارثة.

في المقابل، يقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد، في منشور على منصة "إكس"، إن جهود الإنقاذ والبحث مستمرة باستخدام الطائرات المروحية لصعوبة التضاريس الجبلية في القرى المنكوبة، مؤكدة أنها نصبت خياما للمتضررين في مناطق مختلفة، وتواصل توزيع الإسعافات الأولية وإمدادات الطوارئ.

وأطلقت الأمم المتحدة مناشدة لجمع نحو 140 مليون دولار لتغطية الاحتياجات العاجلة من مأوى وغذاء وخدمات صحية، لكن حجم التعهدات الدولية لا يزال محدودا، بينما سارعت بعض الدول مثل قطر وتركيا إلى إرسال مساعدات إنسانية عاجلة، في حين ظلت استجابات دولية أخرى محدودة.

إعلان

كما نقلت رويترز عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أعلنت أنها لا تعتزم التدخل لتقديم مساعدات لأفغانستان في هذه المرحلة.

أزمة مركبة

يرى رئيس مركز أفغانستان للإعلام الدكتور فضل الهادي وزين أن الزلزال الأخير لم يفعل سوى أنه كشف هشاشة البنية التحتية الإنسانية في أفغانستان وضعف منظومات الاستجابة السريعة.

ويقول للجزيرة نت إن "المناطق المتضررة -خصوصا في ولايات كُنَر وننغرهار- تفتقر إلى المستشفيات المجهزة، والطرق معطلة، والإمكانات اللوجستية محدودة للغاية، بحيث تبدو جهود الحكومة وحدها غير كافية بأي حال".

ويشرح وزين أن أسباب هذا العجز متعددة، تبدأ من غياب الإمكانيات المالية الضخمة اللازمة لإعادة الإعمار والإيواء، مرورا بضعف شبكة المواصلات وصعوبة الوصول إلى القرى الجبلية، وصولا إلى نقص الكوادر الطبية ولا سيما الطبيبات والممرضات.

فالأزمة الصحية -كما يوضح- تعمقها السياسات التي أغلقت المدارس والجامعات أمام البنات، ومنعت الخريجات من دخول امتحانات مزاولة الطب، وأغلقت معاهد التمريض في وجه الفتيات، وهو ما يجعل معالجة النساء والأطفال تحديا شبه مستحيل في لحظات الكارثة.

وعن المطلوب الآن، يحدد وزين 4 خطوات عاجلة:

إنشاء مخيمات إيواء مجهزة بمقومات الحياة الأساسية. دعم القطاع الصحي عبر فرق متنقلة وتوظيف عاجل للكادر المحلي. توفير مساعدات نقدية مباشرة بدل الاكتفاء بالطرود الغذائية. إشراك المنظمات الدولية بجدية أكبر في إعادة إعمار المدارس والعيادات.

لكن هذه الاستجابة -برأيه- تصطدم بواقع سياسي واقتصادي خانق، فالدعم الدولي ظل محدودا، بعضه جاء على شكل مساعدات عاجلة رمزية، في حين تظل العقوبات وتجميد الأصول الأفغانية حجر عثرة أمام أي تمويل واسع النطاق.

ويختم قائلا "إن لم تتجاوز أفغانستان الحسابات السياسية وتُبنَ شراكة دولية واسعة، فلن تبقى آثار الزلزال كارثية على المدى القصير فحسب، بل ستتحول إلى أزمة إنسانية مزمنة تضرب التعليم والصحة والاستقرار الاجتماعي لسنوات قادمة".

غياب المجتمع المدني

من جانبه، يرى الدكتور هاني البنا، المؤسس والرئيس السابق لمنظمة الإغاثة الإنسانية، أن المأساة الأفغانية تتجاوز الجغرافيا والاقتصاد لتصل إلى غياب المجتمع المدني.

ويقول للجزيرة نت "الدولة الأفغانية وليدة وضعيفة، مؤسساتها بلا خبرة وأموالها مجمّدة، أما المجتمع المدني فهو إما غائب وإما هش، بل يُنظر إليه بريبة باعتباره مفهوما غربيا دخيلا، وهذا الفهم يقتل أي مبادرة مستقلة، ويترك الدولة وحيدة في مواجهة الكوارث".

ويضيف البنا أن أفغانستان خرجت من 4 عقود من الحرب لتجد نفسها بلا مؤسسات مستقرة. وحسب رأيه، فإن أي دولة -مهما بلغت قوتها- لا تستطيع مواجهة الكوارث بمفردها، بل تحتاج إلى شراكة مع مجتمع مدني قوي، كما في الولايات المتحدة التي تضم أكثر من مليون منظمة، أو بريطانيا التي تحتضن نحو 170 ألف منظمة أهلية.

"الحاجة اليوم لا تقتصر على إرسال مواد إغاثة عاجلة" كما يشير البنا، بل تشمل تأسيس آليات تمويل مرنة مثل صناديق متعددة المانحين تُدار بشفافية، إلى جانب قنوات تنفيذية مستقلة تضمن وصول الدعم إلى الفئات الأكثر هشاشة بعيدا عن التجاذبات السياسية.

إعلان

ويشير البنا إلى أن أفغانستان التي تواجه ضعف الحكومة "قليلة الخبرة" من ناحية، تواجه أيضا غيابها عن أولويات الأجندة الدولية من ناحية أخرى، والتي تقدم وتؤخر وفقا للمزاج الدولي وليس للأوليات أو الضرورات، بحسب تعبيره.

دروس من نيبال وتركيا

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير هاني البنا إلى أن تجارب دول أخرى تقدّم دروسا ثمينة لأفغانستان، ففي نيبال عام 2015، على سبيل المثال، سارعت الحكومة -بدعم دولي- إلى إجراء تقييم شامل لاحتياجات ما بعد الكارثة، وأنشأت صندوقا متعدد المانحين ساعد على إعادة بناء المدارس والمستشفيات.

أما تركيا، ورغم ضخامة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص عام 2023، فإن وجود جهاز طوارئ وطني قوي "إيه إف إيه دي" (AFAD)، وشبكات لوجستية متينة، وقدرة الدولة على حشد مليارات الدولارات بسرعة، جعل الاستجابة أكثر فعالية، وخلال أشهر بدأت عمليات إعادة إعمار واسعة وفق معايير مقاومة للهزات الأرضية.

ويخلص البنا إلى أن هذه النماذج تكشف أن الاستثمار المسبق في المرونة المؤسسية والبنية التحتية لا يقل أهمية عن التدخل العاجل بعد وقوع الكارثة، فوجود قوانين بناء صارمة، وصناديق تمويل جاهزة، ومجتمع مدني فاعل، كفيل بأن يحوّل الزلزال المدمر من مأساة وطنية إلى اختبار صعب يمكن تجاوزه.

هل الكارثة قدر محتوم؟

زلزال أغسطس/آب الماضي ليس حدثا معزولا، بل حلقة في سلسلة طويلة من المآسي التي تتكرر بلا نهاية، السؤال الآن: هل تملك أفغانستان -بمساعدة المجتمع الدولي– القدرة على كسر هذه الحلقة؟

الإجابة ما زالت ضبابية، فغياب التمويل وضعف الدولة وانكماش المجتمع المدني تجعل السيناريو أكثر قتامة.

لكن كما يرى هاني البنا، فإن الحل يبدأ بإرادة سياسية تفتح الباب أمام مؤسسات أهلية مستقلة، وباستجابة دولية تتجاوز الحسابات الضيقة، وإلا فإن كل زلزال قادم سيكون تكرارا لمأساة تُكتب تفاصيلها ذاتُها جيلا بعد جيل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات غوث أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

الزوال المحتوم

 

رغم الدعم والقوة العسكرية والتقدم التكنولوجي ، يبدو كيان العدو الصهيوني وكأنه يعيش على حافة الانهيار.

فالواقع المعاصر يكشف هشاشة بنيته السياسية والاجتماعية، ويؤكد أن زواله ليس مجرد احتمال، بل نتيجة محتومة لضعف داخلي وخارجي متراكم. مصداقًا لوعد الله جل شأنه القائل: { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْـمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } الإسراء- آية (7)

علامات هذا الزوال تتجلى بوضوح في عدد من المؤشرات الرئيسية، التي تعكس نقاط ضعف الكيان البنيوية والوجودية:

أولًا: انهيار الشرعية الأخلاقية والسياسية وسقوط القناع الدولي

فالمجتمع الدولي بدأ يشكك في الشرعية الأخلاقية للكيان الصهيوني، وأصبح كيان العدو معزولًا ومنبوذًا على المستوى الشعبي والدولي.

فضلًا عن أن أغلب الدول العربية والإسلامية رفضت التطبيع الكامل والاعتراف بهذا الكيان.

أضف لذلك صمود حركات الجهاد والمقاومة على الأرض وإصرارها على قتال العدو مهما كانت التحديات، كل ذلك يعكس غياب القبول الأخلاقي للكيان ويضعف من صورته أمام الشعوب.

أما الشرعية السياسية، فرغم بعض الاعترافات الرسمية من دول محدودة، إلا أن خروج بعثات دبلوماسية أثناء خطاب المجرم نتنياهو في جمعية الأمم المتحدة يكشف هشاشة هذا الاعتراف، وأن استمرار الدعم السياسي يعتمد على مصالح متغيرة للدول الكبرى، ما يجعل الاستقرار السياسي للكيان هشًا.

إضافة إلى الملاحقة والمطاردة الدولية لمن صدرت بحقهم أحكام وصنفوا مجرمي حرب من قادة الاحتلال.

ولم تقتصر العزلة على القادة، بل أصبح الفرد الصهيوني اليوم منبوذًا ومكروهًا أينما ذهب، ويتعرض للضرب والطرد في أي مجتمع في العالم لدرجة يضطر الصهاينة معها لإخفاء وثائقهم وهوياتهم، وهذه الظاهرة تعكس ضعف الكيان على المستويين الأخلاقي والقانوني، وتوضح أن قوته المادية لا تعوض فقدان القبول الأخلاقي والسياسي.

ثانيًا: الاعتماد الكلي على الدعم الخارجي

العدو الإسرائيلي يعتمد اعتمادًا كليًا على أمريكا والدول الغربية في الدعم المالي، والعسكري، والسياسي، والإعلامي.

بالتالي فأي تغير في مواقف وأوضاع هذه القوى قد يؤدي إلى انهيار سريع، ويبقى معه التفوق العسكري مجرد غطاء وهمي.فالقوة العسكرية لا تضمن البقاء إذا كان الاعتماد الكامل على الخارج.

ثالثًا: الاضطرابات والصراعات الداخلية

البنية الداخلية للعدو الإسرائيلي متشابكة ومعقدة، والاضطرابات فيها لا تقل خطورة عن التهديدات الخارجية، والكيان يعيش انقسامات سياسية وقومية ودينية حادة: فالانقسامات العميقة بين اليهود الأشكناز والسفارديم، والصراعات بين العلمانيين والمتدينين، تخلق فجوات اجتماعية وسياسية تهدد الوحدة الداخلية وتنذر بسقوطه في أي وقت.

إضافة إلى الانقسام الديني والسياسي والقومي الكبير داخل الكيان الذي يعكس مجتمعًا هشًا، قابلًا للتشظي في أي لحظة، مما يجعل الكيان غير مستقر على المدى الطويل، وهي نقطة ضعف قدمها القرآن الكريم قال تعالى: {تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى}، ولو أن الأمة الإسلامية استفادت من هذه النقطة لوحدها لكانت كفيلة بالقضاء على كيان العدو.

رابعًا: الضعف النفسي والمعنوي

يعيش المغتصبون الصهاينة خوفًا دائمًا من الزوال، وحالة من اللاستقرار وذلة على الدوام وخشية من الموت، وحرص على البقاء، تظهر في سلوكهم وتحليلاتهم وتجدها في ردود أفعالهم، كما عبر عن ذلك القرآن بقوله: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة}.

إذ يسيطر على المجتمع الصهيوني شعور مستمر بالتهديد والخوف الوجودي: خوف دائم من الزوال، من المحيط الإقليمي، ومن المستقبل، ومن تزايد الوعي العالمي ضد السياسات الإسرائيلية.

وهذه “العقدة النفسية” لا يمكن رفعها بالقوة العسكرية أو بالقدرة التكنولوجية، فهي ضعف جوهري في الروح المعنوية للمجتمع كعقوبة لفسادهم وإجرامهم، والقرآن يؤكد هذه الحالة بقوله: {ضربت عليهم الذلة والمسكنة}.

ومع تكرار الأزمات والتهديدات الأمنية يزيد هذا القلق، ويجعل مجتمع العدو الإسرائيلي أكثر هشاشة واستعدادًا للانهيار عند أي صدمة جديدة.

جميعها مؤشرات عملية وحقيقية على ضعف الكيان الصهيوني، وتشكِّل صورة واضحة أن استمرار العدو الإسرائيلي ليس أكثر من وهم مؤقت، وأن زواله ليس تصورًا نظريًا، بل واقع محتوم تفرضه الظروف البنيوية والسياسية والاجتماعية، وقد رأينا حالهم في ال7 من أكتوبر ومستوى الإنهيار والضعف الذي بدو عليه، لدرجة إحتاجوا إلى زيارة الرئيس الأمريكي بنفسه لتثبيتهم ورفع معنوياتهم، ختاماً مهما بدت قوتهم وإجرامهم فزوالهم محتوم في وعد الله، وما علينا سوى القيام بمسؤولياتنا والله لن يخلف وعده.

مقالات مشابهة

  • بوتين: محاولات ضرب البنية التحتية في روسيا لن تنقذ زيلينسكي
  • زلزال يضرب بابوا نيو غينيا بقوة 6.6... ولا خوف من تسونامي
  • رئيس جامعة جنوب الوادي يتفقد قاطرة التطوير.. إشادة بـ« نادي الطالبات »وتطوير البنية التحتية
  • زلزال شديد بقوة 5 درجات يضرب جنوب الفلبين
  • زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب الفلبين
  • بقوة 4.9 درجة.. زلزال جديد يضرب قبالة سواحل فوكوشيما اليابانية
  • الزوال المحتوم
  • زلزال بقوة 5.9 ريختر يضرب جنوب كازاخستان
  • زلزال قوي يهز قرغيزستان
  • دون خسائر بشرية أو مادية.. زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب قرغيزستان