زلزال أفغانستان يفضح هشاشة البنية التحتية وغياب الدعم الدولي
تاريخ النشر: 11th, September 2025 GMT
أكثر من 1400 قتيل وآلاف المشردين إثر زلزال ضرب ولايات كُنَر وننغرهار ولَغْمَن شرقي أفغانستان، فحوّل القرى إلى أنقاض، وكشف مجددا عن دولة ضعيفة ومجتمع دولي متردد في الدعم.
وأفاد تقرير لوكالة رويترز بأن الزلزال الأخير خلّف أكثر من نصف مليون متأثر بين نازح ومشرد، وأدى إلى تضرر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وموت مئات آلاف رؤوس الماشية، مما يهدد الأمن الغذائي في المناطق الجبلية.
ورغم الخسائر الكبيرة يبدو المشهد مألوفا في أفغانستان، فمنذ عام 2015 لم تخلُ أفغانستان من كوارث زلزالية كبرى، ومن أبرزها زلزال خوست وباكتيا (2022) الذي قتل أكثر من ألف شخص، وزلازل هرات (2023) التي دمّرت ما يقارب 50 ألف منزل، ومع كل كارثة تتكرر المأساة نفسها: بُنى سكنية متداعية، ومؤسسات عاجزة، واستجابة محلية ودولية بطيئة لا توازي حجم المأساة.
والحقيقة أن الزلازل في أفغانستان لا تقتل وحدها، بل تكشف ضعف الأساسات التي يقف عليها المجتمع، فالمنازل المبنية من الطين والحجر غير المسلح تنهار سريعا عند أول ارتجاج، فتتحوّل إلى مقابر جماعية، أما الطرق الجبلية الضيقة فإنها تنهار بفعل الانزلاقات الأرضية، فتمنع فرق الإنقاذ من الوصول في الوقت المناسب.
النظام الصحي بدوره يعاني انهيارا داخليا، فالمستشفيات بلا تجهيزات، والأطباء والممرضون بأعداد محدودة، مما يجعل آلاف النساء والأطفال بلا رعاية طبية في لحظة الكارثة.
في المقابل، يقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد، في منشور على منصة "إكس"، إن جهود الإنقاذ والبحث مستمرة باستخدام الطائرات المروحية لصعوبة التضاريس الجبلية في القرى المنكوبة، مؤكدة أنها نصبت خياما للمتضررين في مناطق مختلفة، وتواصل توزيع الإسعافات الأولية وإمدادات الطوارئ.
وأطلقت الأمم المتحدة مناشدة لجمع نحو 140 مليون دولار لتغطية الاحتياجات العاجلة من مأوى وغذاء وخدمات صحية، لكن حجم التعهدات الدولية لا يزال محدودا، بينما سارعت بعض الدول مثل قطر وتركيا إلى إرسال مساعدات إنسانية عاجلة، في حين ظلت استجابات دولية أخرى محدودة.
إعلانكما نقلت رويترز عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس دونالد ترامب أعلنت أنها لا تعتزم التدخل لتقديم مساعدات لأفغانستان في هذه المرحلة.
أزمة مركبة
يرى رئيس مركز أفغانستان للإعلام الدكتور فضل الهادي وزين أن الزلزال الأخير لم يفعل سوى أنه كشف هشاشة البنية التحتية الإنسانية في أفغانستان وضعف منظومات الاستجابة السريعة.
ويقول للجزيرة نت إن "المناطق المتضررة -خصوصا في ولايات كُنَر وننغرهار- تفتقر إلى المستشفيات المجهزة، والطرق معطلة، والإمكانات اللوجستية محدودة للغاية، بحيث تبدو جهود الحكومة وحدها غير كافية بأي حال".
ويشرح وزين أن أسباب هذا العجز متعددة، تبدأ من غياب الإمكانيات المالية الضخمة اللازمة لإعادة الإعمار والإيواء، مرورا بضعف شبكة المواصلات وصعوبة الوصول إلى القرى الجبلية، وصولا إلى نقص الكوادر الطبية ولا سيما الطبيبات والممرضات.
فالأزمة الصحية -كما يوضح- تعمقها السياسات التي أغلقت المدارس والجامعات أمام البنات، ومنعت الخريجات من دخول امتحانات مزاولة الطب، وأغلقت معاهد التمريض في وجه الفتيات، وهو ما يجعل معالجة النساء والأطفال تحديا شبه مستحيل في لحظات الكارثة.
وعن المطلوب الآن، يحدد وزين 4 خطوات عاجلة:
إنشاء مخيمات إيواء مجهزة بمقومات الحياة الأساسية. دعم القطاع الصحي عبر فرق متنقلة وتوظيف عاجل للكادر المحلي. توفير مساعدات نقدية مباشرة بدل الاكتفاء بالطرود الغذائية. إشراك المنظمات الدولية بجدية أكبر في إعادة إعمار المدارس والعيادات.لكن هذه الاستجابة -برأيه- تصطدم بواقع سياسي واقتصادي خانق، فالدعم الدولي ظل محدودا، بعضه جاء على شكل مساعدات عاجلة رمزية، في حين تظل العقوبات وتجميد الأصول الأفغانية حجر عثرة أمام أي تمويل واسع النطاق.
ويختم قائلا "إن لم تتجاوز أفغانستان الحسابات السياسية وتُبنَ شراكة دولية واسعة، فلن تبقى آثار الزلزال كارثية على المدى القصير فحسب، بل ستتحول إلى أزمة إنسانية مزمنة تضرب التعليم والصحة والاستقرار الاجتماعي لسنوات قادمة".
غياب المجتمع المدني
من جانبه، يرى الدكتور هاني البنا، المؤسس والرئيس السابق لمنظمة الإغاثة الإنسانية، أن المأساة الأفغانية تتجاوز الجغرافيا والاقتصاد لتصل إلى غياب المجتمع المدني.
ويقول للجزيرة نت "الدولة الأفغانية وليدة وضعيفة، مؤسساتها بلا خبرة وأموالها مجمّدة، أما المجتمع المدني فهو إما غائب وإما هش، بل يُنظر إليه بريبة باعتباره مفهوما غربيا دخيلا، وهذا الفهم يقتل أي مبادرة مستقلة، ويترك الدولة وحيدة في مواجهة الكوارث".
ويضيف البنا أن أفغانستان خرجت من 4 عقود من الحرب لتجد نفسها بلا مؤسسات مستقرة. وحسب رأيه، فإن أي دولة -مهما بلغت قوتها- لا تستطيع مواجهة الكوارث بمفردها، بل تحتاج إلى شراكة مع مجتمع مدني قوي، كما في الولايات المتحدة التي تضم أكثر من مليون منظمة، أو بريطانيا التي تحتضن نحو 170 ألف منظمة أهلية.
"الحاجة اليوم لا تقتصر على إرسال مواد إغاثة عاجلة" كما يشير البنا، بل تشمل تأسيس آليات تمويل مرنة مثل صناديق متعددة المانحين تُدار بشفافية، إلى جانب قنوات تنفيذية مستقلة تضمن وصول الدعم إلى الفئات الأكثر هشاشة بعيدا عن التجاذبات السياسية.
إعلانويشير البنا إلى أن أفغانستان التي تواجه ضعف الحكومة "قليلة الخبرة" من ناحية، تواجه أيضا غيابها عن أولويات الأجندة الدولية من ناحية أخرى، والتي تقدم وتؤخر وفقا للمزاج الدولي وليس للأوليات أو الضرورات، بحسب تعبيره.
دروس من نيبال وتركيا
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير هاني البنا إلى أن تجارب دول أخرى تقدّم دروسا ثمينة لأفغانستان، ففي نيبال عام 2015، على سبيل المثال، سارعت الحكومة -بدعم دولي- إلى إجراء تقييم شامل لاحتياجات ما بعد الكارثة، وأنشأت صندوقا متعدد المانحين ساعد على إعادة بناء المدارس والمستشفيات.
أما تركيا، ورغم ضخامة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص عام 2023، فإن وجود جهاز طوارئ وطني قوي "إيه إف إيه دي" (AFAD)، وشبكات لوجستية متينة، وقدرة الدولة على حشد مليارات الدولارات بسرعة، جعل الاستجابة أكثر فعالية، وخلال أشهر بدأت عمليات إعادة إعمار واسعة وفق معايير مقاومة للهزات الأرضية.
ويخلص البنا إلى أن هذه النماذج تكشف أن الاستثمار المسبق في المرونة المؤسسية والبنية التحتية لا يقل أهمية عن التدخل العاجل بعد وقوع الكارثة، فوجود قوانين بناء صارمة، وصناديق تمويل جاهزة، ومجتمع مدني فاعل، كفيل بأن يحوّل الزلزال المدمر من مأساة وطنية إلى اختبار صعب يمكن تجاوزه.
هل الكارثة قدر محتوم؟زلزال أغسطس/آب الماضي ليس حدثا معزولا، بل حلقة في سلسلة طويلة من المآسي التي تتكرر بلا نهاية، السؤال الآن: هل تملك أفغانستان -بمساعدة المجتمع الدولي– القدرة على كسر هذه الحلقة؟
الإجابة ما زالت ضبابية، فغياب التمويل وضعف الدولة وانكماش المجتمع المدني تجعل السيناريو أكثر قتامة.
لكن كما يرى هاني البنا، فإن الحل يبدأ بإرادة سياسية تفتح الباب أمام مؤسسات أهلية مستقلة، وباستجابة دولية تتجاوز الحسابات الضيقة، وإلا فإن كل زلزال قادم سيكون تكرارا لمأساة تُكتب تفاصيلها ذاتُها جيلا بعد جيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات غوث أکثر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
إيفان أوس: موسكو تسعى إلى إظهار قدرتها على شل البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا في أي وقت
أكد الدكتور إيفان أوس، مستشار بالمعهد الوطني الأوكراني، أن تصريحات قائد الجيش الأوكراني ألكسندر سيرسكي بشأن ضرورة نقل المواجهة إلى داخل العمق الروسي تعكس تحولاً مهماً في طبيعة الصراع، رغم أن أوكرانيا سبق وأن استهدفت مواقع حساسة داخل روسيا خلال سنوات الحرب الثلاث الماضية.
وأضاف أن الضربات الأخيرة التي أعلن الجيش عنها، ومنها استهداف مصفاة نفط داخل الأراضي الروسية، جاءت في سياق مختلف وفي مرحلة أشد حساسية من المواجهة العسكرية.
وأضاف أوس، في مقابلة مع قناة القاهرة الإخبارية، أن موسكو تسعى إلى إظهار قدرتها على «شل البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا في أي وقت»، وإثبات أن بإمكانها ضرب الاقتصاد الأوكراني بشكل يشل قدرات الدولة.
وأوضح أن هذا الواقع يضع كييف أمام تحدٍّ كبير، إذ لا يمكنها - بحسب تعبيره - التصدي بشكل كامل للآلة العسكرية الروسية ذات القدرات الواسعة، الأمر الذي يدفعها إلى استخدام خيارات أخرى أكثر تأثيراً.
وأكد مستشار المعهد الوطني الأوكراني أن توجيه الضربات نحو المراكز الاقتصادية داخل روسيا أصبح خياراً مطروحاً بقوة، بهدف إحداث «ضربة موجعة» للاقتصاد الروسي، وليس فقط تنفيذ عمليات رمزية.
وأوضح أن أوكرانيا «لا تملك خيارات عديدة على المستوى العسكري المباشر»، لكنها تسعى إلى ردع موسكو عبر إيلامها اقتصادياً، تماماً كما تتعرض البنية الاقتصادية الأوكرانية لضربات مستمرة منذ بداية الحرب.
وأشار أوس إلى أن نقل المواجهة إلى العمق الروسي لا يهدف إلى التصعيد بقدر ما يهدف إلى «ردّ الأذى بأذى مماثل»، مؤكداً أن كييف تسعى إلى إضعاف مصادر التمويل التي تغذي العمليات العسكرية الروسية.
وختم بالتأكيد على أن أوكرانيا «لن تخسر هذه الحرب»، وأن قدرتها على ابتكار وسائل ردع جديدة تمثل جزءاً من استراتيجيتها للحفاظ على صمودها في مواجهة الضغط الروسي المتواصل.
اقرأ أيضاًبعد اجتماع الـ 5 ساعات.. هل يُنهي بوتين الحرب في أوكرانيا؟
الاتحاد الأوروبي يواصل الضغط على روسيا ودعم أوكرانيا حتى تحقيق السلام
بوتين: ترامب يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا سريعًا.. وكييف تعرقل المسار