ذكاء اصطناعي يتنبأ بصحتك بعد الستين بدقة مدهشة
تاريخ النشر: 6th, October 2025 GMT
في خطوة ثورية لفهم الصحة البشرية وإعادة تعريف الطب الوقائي، كشف بحث علمي حديث نُشر في مجلة Nature عن نموذج ذكاء اصطناعي قادر على محاكاة المسار الصحي للأفراد منذ سن الستين، والتنبؤ بمخاطر الأمراض المزمنة وحتى احتمالات الوفاة. ما يميز هذا الابتكار أنه لا ينظر إلى الأرقام فقط، بل يدمج بين العوامل الوراثية والبيئية والاجتماعية، ليضع بين يدي الأطباء والباحثين أداة دقيقة لرسم "خريطة صحية شخصية" لكل فرد.
كيف يعمل النموذج؟
اعتمد العلماء على بيانات واسعة النطاق، تشمل أنماط الحياة والعوامل الطبية الأساسية مثل التدخين، مؤشر كتلة الجسم، ومستوى النشاط البدني. هذه البيانات أُدخلت في النموذج ليبدأ بمحاكاة الحياة الصحية للفرد بعد الستين. ومن خلال الخوارزميات المتقدمة، تمكن الذكاء الاصطناعي من تصنيف الأشخاص إلى فئات منخفضة، متوسطة، أو عالية الخطورة، سواء بالنسبة للإصابة بأمراض معينة أو احتمالية الوفاة المبكرة.
نتائج دقيقة تتجاوز التوقعات
أظهرت النتائج توافقًا كبيرًا بين تنبؤات النموذج والوقائع المسجلة في قواعد البيانات الطبية، ما يعزز موثوقيته. واستخدم الباحثون أدوات تحليلية متقدمة مثل نموذج كوكس وتقنية SHAP لتحديد مدى تأثير كل عامل على تطور المرض. كما كشفت خرائط التمثيل متعدد الأبعاد (UMAP) عن وجود علاقات خفية بين الأمراض، حيث تبين أن الأمراض التي تشترك في عوامل قريبة تميل إلى التأثير في بعضها البعض بشكل متسلسل أو متزامن. هذه النتائج تقدم منظورًا جديدًا لفهم "سلاسل المرض" وكيفية ارتباطها.
تحديات البحث والقيود
رغم قوة النتائج، لم يخلُ البحث من تحديات. فقد أشار الفريق إلى أن النقص في بعض مصادر البيانات أو التحيزات الاجتماعية قد يؤثر على دقة التنبؤات. على سبيل المثال، أظهر النموذج تفاوتًا ملحوظًا في الأداء عند تطبيقه على أمراض نادرة أو على مجموعات عمرية وخلفيات اجتماعية مختلفة. كما لعبت عوامل مثل العرق، الجنس، ومستوى الحرمان الاجتماعي دورًا واضحًا في تحديد دقة النتائج، وهو ما يعكس التحديات المستمرة في جعل الذكاء الاصطناعي أكثر عدلاً وشمولية.
ثورة في الطب الوقائي
تكمن قوة هذا النموذج في كونه لا يقتصر على وصف الحالة الصحية الحالية، بل يرسم خارطة طريق مستقبلية تساعد الأطباء في تقديم استراتيجيات وقائية أكثر تخصيصًا. على سبيل المثال، إذا توقع النموذج ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب لشخص بعينه، يمكن للطبيب التدخل مبكرًا عبر خطة غذائية أو برنامج تمارين محدد، مما يقلل من احتمالية حدوث المرض قبل وقوعه. هذه القدرة على التنبؤ تفتح الباب أمام عصر جديد من الطب الوقائي الذي يتعامل مع المخاطر قبل أن تتحول إلى أمراض مزمنة.
المستقبل بين يدي الذكاء الاصطناعي
يُظهر البحث أن الذكاء الاصطناعي قادر على تغيير الطريقة التي نفهم بها الشيخوخة والصحة، ليس فقط كوسيلة للتشخيص أو العلاج، بل كشريك استراتيجي في رسم المستقبل الصحي للأفراد والمجتمعات. وإذا ما تم تطوير هذه النماذج بشكل أكبر، فقد نصل إلى مرحلة يستطيع فيها كل شخص الحصول على "ملف صحي تنبؤي" يساعده على اتخاذ قرارات يومية أكثر وعيًا لحماية صحته على المدى الطويل.
إسلام العبادي(أبوظبي)
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي الصحة الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
من صورة إلى وهم.. الوجه الآخر لتريند الذكاء الاصطناعي
في زمنٍ أصبحت فيه ضغطة زر كفيلة بتغيير ملامح الوجه ولون العين وحتى تفاصيل الجسد، تحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة تقنية إلى تريند يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يعد تعديل الصور يقتصر على تحسين الإضاءة أو إزالة العيوب، بل تخطى ذلك إلى خلق صورة جديدة قد تنفصل تماماً عن الحقيقة، ورغم بريق المتعة والإبهار الذي يقدمه هذا التوجه، إلا أن آثاره السلبية باتت مقلقة، من تزوير الهوية وتشويه الواقع، إلى تعزيز معايير جمالية زائفة، وانعكاسات نفسية واجتماعية قد تترك جروحاً عميقة في وعي الأفراد، خصوصاً الشباب والمراهقين.
هذا التحقيق يُطلق صافرة إنذار بشأن الخطر الذي يهدد صورنا الشخصية، ليناقش كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحوّل «صورتك» من مجرد بكسلات إلى أداة لجمع المعلومات، وكيفية حماية نفسك من الوقوع في فخ التسريب أو الاستخدام غير الأخلاقي، مؤكدين على قاعدة أساسية، وهي أن الوعي الأمني للمستخدم هو خط الدفاع الأول والأخير عن هويته الرقمية.
عدسة الخداع.. حين يصنع الذكاء الاصطناعي واقعا غير موجودقال الدكتور محمد بحيري، مدرس الذكاء الاصطناعي بالجامعة المصرية الروسية، إن أدوات تعديل الصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل جيميني من جوجل وشات جي بي، تعمل وفق آليات تضمن الحفاظ على خصوصية المستخدم.
وأضاف «بحيري» في تصريحاته لـ «الأسبوع»: «البرامج المعتمدة تلتزم بمعايير أخلاقية صارمة، فالصور يتم رفعها بواسطة المستخدم الذي يتحمل مسؤوليتها، فالبرنامج لا يمكنه تغيير محتوى الصورة بشكل جذري ومخالف لأخلاقيات المستخدم (كمن يرفع صورة محجبة) إلا إذا طلب هو ذلك صراحةً، وهذه البيانات تُخزَّن وتُستخدم في نماذج تدريب ضخمة، لكن البرامج الموثوقة -الخاضعة لاتفاقيات مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) والتي تخص حقوق الملكية والبيانات- لا تُصرّح باستخدام هذه الصور لأي أغراض أخرى خارج نطاق الخدمة المباشرة».
وحذّر « بحيري» من مخاطر التسريب، قائلاً: «لا يوجد دليل على حدوث تسريب للصور من برامج مثل جيمني جوجل أو شات جي بي تي، لكن الخطر يكمن في البرامج غير الموثوقة، فإذا رفع المستخدم صوره على برنامج لا يخضع لمعايير GDPR، قد يتم استخدام تلك الصور من قِبل الشركة المطورة، حتى لو حصل المستخدم على النتيجة المطلوبة، لذا فعلينا أن نعي أن أي برنامج، بما في ذلك البرامج العملاقة، قد يكون عرضة للاختراق في المستقبل، مما يجعل الوعي بجهة الاستخدام أمراً حتمياً».
واستطرد: «عند البحث في متاجر التطبيقات، يجد المستخدم عشرات البرامج تحمل أيقونة شات جي بي تي نفسها، يجب على المستخدم أن يكون واعياً لمعرفة البرنامج المعتمد من غيره، حتى لا يقع فريسة لبرامج تستغل صوره في أغراض غير أخلاقية أو مسيئة».
وفيما يتعلق بالمخاطر المستقبلية الأعمق، أشار «بحيري» إلى أن التحدي لا يقتصر على استخدام الصور بشكل مسيء أو فردي، بل في جمع البيانات الضخمة لتكوين ملف شامل عن الشعوب.
واختتم «بحيري» حديثه، بالقول: «الذكاء الاصطناعي يجمع خصائص الصور ويُحلل ملامح المصريين وأشكالهم وتصرفاتهم التي يستخلصها من تفاعلاتهم مع البرنامج، والهدف هنا هو بناء ما نسميه «الثقافة الخفية» للشعب، فإذا أصبح هناك اتفاق عالمي مستقبلاً على إمكانية استنساخ أشكال أو شخصيات رقمية، فإن الذكاء الاصطناعي سيكون لديه النموذج العام (General Visual Extraction) للملامح المصرية، مما يمكنه من إنتاج نسخ مطابقة للملامح بدقة عالية. لذا، فإن وعي المستخدم هو خط الدفاع الأول عند استخدام هذه الأدوات».
الذكاء الاصطناعي والتجميل الرقمي: زينة عابرة أم تهديد للهوية؟من جانبه، أكد الدكتور محمد الحارثي، استشاري أمن المعلومات، على أهمية الوعي الأمني للمستخدمين عند التعامل مع أدوات تعديل وتوليد الصور بالذكاء الاصطناعي، مشدداً على أن البيانات الشخصية هي المسؤولية الأولى والأخيرة للمستخدم.
وأضاف «الحارثي» لـ «الأسبوع»: «من المهم أن نعي جميعاً، وبخاصة الأطفال واليافعين، أن صورنا الشخصية التي تُرفع على هذه التطبيقات قد تظل قابلة للاستخدام من قِبل طرف ثالث، فبياناتنا لا تُسجل فقط لدينا أو لدى الشركة المالكة للتطبيق، . ورغم أن صورنا موجودة بالفعل على منصات التواصل الاجتماعي، إلا أننا ننصح دائماً بضرورة التعامل بحرص شديد مع البيانات الشخصية عند التفاعل مع أي وسيلة لتوليد الصور عبر الذكاء الاصطناعي».
وشدد «الحارثي» على نقطتين حاسمتين لتقليل المخاطر القانونية والأمنية، تتمثل في استخدام الصور الشخصية فقط، إذ يجب أن يتعامل المستخدم مع صوره الشخصية فقط، وليس صور الآخرين، فقد ظهرت بالفعل ترندات تشجع على استخدام صور شخصيات أخرى، وهذه مشكلة تترتب عليها إجراءات قانونية سواء محلياً أو دولياً، لانتهاكها حقوق ملكية الصورة أو استغلالها، لذا يجب أن نكون حريصين جداً على عدم المساس بحقوق الآخرين.
إلى جانب، تجنب الترندات غير المفيدة، فلا يجب أن ننساق وراء الترندات بمختلف أشكالها، فكثير من هذه الترندات غير مفيدة حقيقية وتُعتبر مضيعة للوقت، والأهم أنها تزيد من تعرض بياناتنا لمخاطر غير ضرورية.
وفي ختام تصريحاته، أكد «الحارثي» على احتمالية التسريب وسوء الاستخدام، حتى مع وجود الصور على السوشيال ميديا بالفعل، قائلًا: «قد يتم استغلال هذه الصور بشكل آخر في أغراض توليد محتوى مسيء أو أغراض غير أخلاقية، فصورنا موجودة بالفعل على منصات التواصل، وقد يتم استغلال هذه الصور مع طرف آخر، ولا نمنع الناس من الاستمتاع أو التفاعل مع التكنولوجيا، لكن يجب أن يكونوا حريصين على نوع الصورة ونوع التعديل الذي يسمحون به، وأن يتعاملوا مع الأمر بوعي أمني عالٍ».
ظاهرة تعديل الصور بواسطة الذكاء الاصطناعي في ميزان الأرقامبقي القول إنه، وفقا لدراسات وتقارير دولية حديثة، باتت ظاهرة تعديل الصور بواسطة الذكاء الاصطناعي مرتبطة بآثار سلبية متزايدة على الأفراد والمجتمع، فقد أظهرت دراسة منشورة في دورية BMC Psychology (2023) أن الانخراط في تعديل الصور يرتبط بانخفاض الثقة بالنفس وزيادة المقارنة الجسدية، بما يؤدي إلى شعور متنامٍ بعدم الرضا عن المظهر. وفي جانب آخر، تشير الإحصاءات إلى اتساع نطاق الصور والفيديوهات المزيفة «Deepfake»، حيث كشف استطلاع دولي أن نحو 60% من المستهلكين واجهوا محتوى مزيفاً خلال العام الماضي، بينما لا تتجاوز دقة البشر في تمييز الصور الحقيقية من المزيفة 53% فقط، وهو ما يعادل تقريباً مستوى الصدفة، كما خلصت دراسات إلى أن أقل من 0.1% من المستخدمين استطاعوا التفريق بشكل كامل بين الصور والفيديوهات الحقيقية والمزيفة، وهذه الأرقام تكشف عن خطورة الظاهرة، ليس فقط على مستوى الهوية الفردية وتشويه الواقع، وإنما أيضاً في تعزيز معايير جمالية زائفة قد تترك آثاراً نفسية عميقة، خاصة بين الشباب والمراهقين.
اقرأ أيضاًمن السكك الحديدية إلى الذكاء الاصطناعي.. محطة بشتيل وتحقيق حلم النقل الذكي
النقل الذكي في مصر.. ثورة التكنولوجيا التي تعيد تشكيل شوارعنا