في خطوة ثورية لفهم الصحة البشرية وإعادة تعريف الطب الوقائي، كشف بحث علمي حديث نُشر في مجلة Nature عن نموذج ذكاء اصطناعي قادر على محاكاة المسار الصحي للأفراد منذ سن الستين، والتنبؤ بمخاطر الأمراض المزمنة وحتى احتمالات الوفاة. ما يميز هذا الابتكار أنه لا ينظر إلى الأرقام فقط، بل يدمج بين العوامل الوراثية والبيئية والاجتماعية، ليضع بين يدي الأطباء والباحثين أداة دقيقة لرسم "خريطة صحية شخصية" لكل فرد.

 
كيف يعمل النموذج؟

اعتمد العلماء على بيانات واسعة النطاق، تشمل أنماط الحياة والعوامل الطبية الأساسية مثل التدخين، مؤشر كتلة الجسم، ومستوى النشاط البدني. هذه البيانات أُدخلت في النموذج ليبدأ بمحاكاة الحياة الصحية للفرد بعد الستين. ومن خلال الخوارزميات المتقدمة، تمكن الذكاء الاصطناعي من تصنيف الأشخاص إلى فئات منخفضة، متوسطة، أو عالية الخطورة، سواء بالنسبة للإصابة بأمراض معينة أو احتمالية الوفاة المبكرة.

 

 
نتائج دقيقة تتجاوز التوقعات

أظهرت النتائج توافقًا كبيرًا بين تنبؤات النموذج والوقائع المسجلة في قواعد البيانات الطبية، ما يعزز موثوقيته. واستخدم الباحثون أدوات تحليلية متقدمة مثل نموذج كوكس وتقنية SHAP لتحديد مدى تأثير كل عامل على تطور المرض. كما كشفت خرائط التمثيل متعدد الأبعاد (UMAP) عن وجود علاقات خفية بين الأمراض، حيث تبين أن الأمراض التي تشترك في عوامل قريبة تميل إلى التأثير في بعضها البعض بشكل متسلسل أو متزامن. هذه النتائج تقدم منظورًا جديدًا لفهم "سلاسل المرض" وكيفية ارتباطها.

 
تحديات البحث والقيود

رغم قوة النتائج، لم يخلُ البحث من تحديات. فقد أشار الفريق إلى أن النقص في بعض مصادر البيانات أو التحيزات الاجتماعية قد يؤثر على دقة التنبؤات. على سبيل المثال، أظهر النموذج تفاوتًا ملحوظًا في الأداء عند تطبيقه على أمراض نادرة أو على مجموعات عمرية وخلفيات اجتماعية مختلفة. كما لعبت عوامل مثل العرق، الجنس، ومستوى الحرمان الاجتماعي دورًا واضحًا في تحديد دقة النتائج، وهو ما يعكس التحديات المستمرة في جعل الذكاء الاصطناعي أكثر عدلاً وشمولية.

أخبار ذات صلة اختيار الإماراتية ابتسام المزروعي عضواً في مجلس تطوير الذكاء الاصطناعي بكازاخستان تأخير وارتباك.. وراء الكواليس في مشروع AI بلا شاشة

 
ثورة في الطب الوقائي


تكمن قوة هذا النموذج في كونه لا يقتصر على وصف الحالة الصحية الحالية، بل يرسم خارطة طريق مستقبلية تساعد الأطباء في تقديم استراتيجيات وقائية أكثر تخصيصًا. على سبيل المثال، إذا توقع النموذج ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب لشخص بعينه، يمكن للطبيب التدخل مبكرًا عبر خطة غذائية أو برنامج تمارين محدد، مما يقلل من احتمالية حدوث المرض قبل وقوعه. هذه القدرة على التنبؤ تفتح الباب أمام عصر جديد من الطب الوقائي الذي يتعامل مع المخاطر قبل أن تتحول إلى أمراض مزمنة.

 

 



المستقبل بين يدي الذكاء الاصطناعي


يُظهر البحث أن الذكاء الاصطناعي قادر على تغيير الطريقة التي نفهم بها الشيخوخة والصحة، ليس فقط كوسيلة للتشخيص أو العلاج، بل كشريك استراتيجي في رسم المستقبل الصحي للأفراد والمجتمعات. وإذا ما تم تطوير هذه النماذج بشكل أكبر، فقد نصل إلى مرحلة يستطيع فيها كل شخص الحصول على "ملف صحي تنبؤي" يساعده على اتخاذ قرارات يومية أكثر وعيًا لحماية صحته على المدى الطويل.

 


إسلام العبادي(أبوظبي)

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي الصحة الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الذكاء اصطناعي ينشئ أجساما ثلاثية الأبعاد انطلاقا من رسوم

بات بإمكان أداة افتراضية جديدة أن تعزز إنتاجية المصممين وتساعد المهندسين على تعلم التصميم بمساعدة الحاسوب (CAD).
التصميم بمساعدة الحاسوب هو الأسلوب المُعتمد لتصميم معظم المنتجات المادية اليوم. يستخدم المهندسون التصميم بمساعدة الحاسوب لتحويل الرسومات ثنائية الأبعاد إلى نماذج ثلاثية الأبعاد، يُمكنهم اختبارها وتحسينها قبل إرسال النسخة النهائية إلى خط الإنتاج. لكن تعلم هذا البرنامج مُعقّد للغاية، مع وجود آلاف الأوامر للاختيار من بينها. يتطلب إتقان البرنامج قدرًا هائلاً من الوقت والممارسة.
للتغلب على ذلك، يسعى مهندسو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا  إلى تسهيل تعلم التصميم بمساعدة الحاسوب من خلال نموذج ذكاء اصطناعي يستخدم برنامج التصميم بمساعدة الحاسوب تمامًا كما يفعل الإنسان.
بالنظر إلى رسم ثنائي الأبعاد لجسم ما، يُنشئ النموذج بسرعة نسخة ثلاثية الأبعاد بالنقر على الأزرار وخيارات الملف، على غرار كيفية استخدام المهندس للبرنامج.
أنشأ فريق المعهد مجموعة بيانات جديدة تُسمى VideoCAD، والتي تحتوي على أكثر من 41,000 مثال لكيفية بناء النماذج ثلاثية الأبعاد في برنامج التصميم بمساعدة الحاسوب. من خلال التعلم من هذه الفيديوهات، التي توضح كيفية بناء الأشكال والأشياء المختلفة خطوة بخطوة، يُمكن لنظام الذكاء الاصطناعي الجديد الآن تشغيل برامج التصميم بمساعدة الحاسوب تمامًا مثل المستخدم البشري.
يقول غادي نعمة، طالب الدراسات العليا في قسم الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "هناك فرصة للذكاء الاصطناعي لزيادة إنتاجية المهندسين، بالإضافة إلى جعل التصميم بمساعدة الحاسوب في متناول المزيد من الناس".
ويضيف فايز أحمد، الأستاذ المشارك في الهندسة الميكانيكية في المعهد "هذا مهم لأنه يُسهل دخول مجال التصميم، مما يُساعد الأشخاص الذين ليس لديهم سنوات من التدريب في مجال التصميم بمساعدة الحاسوب على إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد بسهولة أكبر وإطلاق العنان لإبداعهم".
سيعرض أحمد ونعمة، إلى جانب طالب الدراسات العليا براندون مان وباحثة ما بعد الدكتوراه فردوس علم، أعمالهم في مؤتمر أنظمة معالجة المعلومات العصبية (NeurIPS) في ديسمبر المقبل.
اقرأ أيضا... "مايكروسوفت" تطور أشكالا جديدة من الذكاء الاصطناعي الفائق
نقرة بنقرة
يُوسّع العمل الجديد للفريق نطاق التطورات الحديثة في وكلاء واجهة المستخدم (UI) المُدارين بالذكاء الاصطناعي، وهي أدوات مُدرّبة على استخدام برامج حاسوبية لتنفيذ مهام. تساءل فريق البحث عما إذا كان من الممكن تصميم وكلاء واجهة المستخدم هذه لاستخدام برامج التصميم بمساعدة الحاسوب، التي تشمل ميزات ووظائف أكثر بكثير، وتتضمن مهام أكثر تعقيدًا بكثير مما يُمكن لوكيل واجهة المستخدم العادي التعامل معه.
في عمله الجديد، سعى الفريق إلى تصميم وكيل واجهة مستخدم مُدار بالذكاء الاصطناعي، يتولى مهام برنامج التصميم بمساعدة الحاسوب لإنشاء نسخة ثلاثية الأبعاد من رسم ثنائي الأبعاد، نقرة بنقرة. للقيام بذلك، نظر الفريق أولاً إلى مجموعة بيانات موجودة لأشياء صممها البشر باستخدام برامج التصميم بمساعدة الحاسوب. يتضمن كل عنصر في مجموعة البيانات سلسلة من أوامر التصميم عالية المستوى، مثل "خط الرسم" و"الدائرة"، والبثق (Extrusion) والتي استُخدمت لبناء العنصر النهائي.
ومع ذلك، أدرك الفريق أن هذه الأوامر عالية المستوى وحدها لا تكفي لتدريب عميل الذكاء الاصطناعي على استخدام برامج التصميم بمساعدة الحاسوب. يجب على العميل الحقيقي أيضًا فهم التفاصيل الكامنة وراء كل إجراء. على سبيل المثال: أي منطقة رسم يجب تحديدها؟ متى يجب تكبير الصورة؟ وأي جزء من الرسم يجب بثقه؟ ولسد هذه الفجوة، طور الباحثون نظامًا لترجمة الأوامر عالية المستوى إلى تفاعلات بين واجهة المستخدم وسطح المكتب.
يقول نعمة "على سبيل المثال، لنفترض أننا رسمنا رسمًا تخطيطيًا برسم خط من النقطة 1 إلى النقطة 2. قمنا بترجمة هذه الإجراءات عالية المستوى إلى إجراءات واجهة مستخدم، أي أننا نقول: انتقل من موقع البكسل هذا، وانقر، ثم انتقل إلى موقع بكسل ثانٍ، وانقر، مع تحديد عملية "الخط".
في النهاية، أنتج الفريق أكثر من 41,000 مقطع فيديو لأشياء مصممة باستخدام برنامج التصميم بمساعدة الكمبيوتر، كل منها موصوف آنيًا من حيث النقرات وسحبات الماوس وإجراءات لوحة المفاتيح الأخرى التي نفذها الإنسان في الأصل. ثم قاموا بتغذية نموذج طوروه لمعرفة العلاقة بين إجراءات واجهة المستخدم وإنشاء أجسام التصميم بمساعدة الكمبيوتر.
بمجرد تدريبه على مجموعة البيانات هذه، التي أطلقوا عليها اسم VideoCAD، أصبح بإمكان نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد أخذ رسم ثنائي الأبعاد كمدخل والتحكم مباشرةً في برنامج التصميم بمساعدة الكمبيوتر، بالنقر والسحب واختيار الأدوات لإنشاء الشكل ثلاثي الأبعاد الكامل.
تراوحت تعقيدات الأشياء من أقواس بسيطة إلى تصاميم منازل أكثر تعقيدًا.
يقوم الفريق بتدريب النموذج على أشكال ورؤى أكثر تعقيدًا، مما قد يُمكّن كلا من النموذج ومجموعة البيانات يومًا ما من استخدام برامج التصميم بمساعدة الكمبيوتر في مجموعة واسعة من المجالات.
يقول مهدي عطائي، الذي لم يشارك في الدراسة، وهو باحث أول في شركة Autodesk Research، التي تُطوّر أدوات برمجيات تصميم جديدة "يُعدّ VideoCAD خطوة أولى قيّمة نحو برامج مساعدة الذكاء الاصطناعي التي تُساعد على دمج المستخدمين الجدد وأتمتة أعمال النمذجة المتكررة التي تتبع أنماطًا مألوفة". ويضيف "هذه مرحلة أولية، وأتطلع بشوق لرؤية برامج أخرى تُغطي أنظمة تصميم بمساعدة الحاسوب متعددة، وعمليات أكثر ثراءً".
مصطفى أوفى (أبوظبي)

أخبار ذات صلة جهاز ذكاء اصطناعي يحوّل الإيماءات إلى أوامر تحكم بالآلات «التمكين الحكومي - أبوظبي» تُطلق مبادرة «مجالس الذكاء الاصطناعي»

مقالات مشابهة

  • غوغل تطلق «نانو بانانا برو».. ثورة في جودة الصور والذكاء الاصطناعي
  • سرطان البنكرياس تحت عدسة الذكاء الاصطناعي
  • أمريكا توافق على بيع 70 ألف شريحة ذكاء اصطناعي للسعودية والإمارات رغم التحذيرات الأمنية
  • Apple Intelligence يسطع في خرائط آبل.. ذكاء اصطناعي يغيّر تجربة البحث ويوفر الوقت
  • ذكاء “Grok” الاصطناعي يثير الجدل بانحيازه المفرط لـ إيلون ماسك
  • جوجل تطلق Gemini 3.. الجيل الأذكى من نماذج الذكاء الاصطناعي بالشرق الأوسط
  • في الستين.. أردني يحقق حلم دراسة الطب ويتزامل مع ابنه في الجامعة
  • الذكاء اصطناعي ينشئ أجساما ثلاثية الأبعاد انطلاقا من رسوم
  • جهاز ذكاء اصطناعي يحوّل الإيماءات إلى أوامر تحكم بالآلات
  • تحالف كندي-أمريكي-خليجي لإطلاق برنامج ذكاء اصطناعي بقيمة 100 مليار دولار