فاطمة العراجي: هل تموت الطبيعة؟
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
قادتنى الصدفة، وحدها، للجلوس بجوار الفنانة التشكيلية الراحلة الدكتورة فاطمة العرارجي، كان ذلك فى خريف عام 2012 بأحد المناسبات فى النادى السوري بمحطة الرمل بالأسكندرية. كانت تستمع إلى أصوات الموسيقى الصاخبة بإنزعاج، وتراقب رقص الفتيات الصغيرات في صمت مطبق. اقتربت منها، وبادرتها، دكتورة فاطمة، أنا أعرفك تمامًا، كثيرا ما تكلمنا عنك، أنا وصلاح "أقصد ابنها دكتور العمارة الفنان صلاح هريدي، والذي رحل عن عالمنا لاحقًا في عام 2021"، وتمكنت من رسم صورة كاملة عن شخصيتك، أنصتت لكلامي بهدوء، ولكنها لم تفاجأ بحديثى الممل، وبادرتني متسائلة، بصوت خفيض: لماذا لا تكون أفراحنا على الرمال فى مواجهة البحر؟، أو تحت أشجار النخيل فى مدينة إدكو؟، أو في خيم بدوية بسيطة فى صحراء برج العرب؟ .
في لوحة "السيجة" تدهشني هذه الانحناءات فى جسد الإنسان، تتداخل الخطوط البيضاء وحركة الأقدام الحافية، تبدو كرقصة بدائية في معبد مقدس. وجوه نسائية صامتة، ربما هن أرواح المكان، ونباتات بسيطة تجلس في وحدة الظل على نوافذ رُسمت بألوان ترابية دافئة. لون الطين يظهر بوضوح، ثمة سكون عميق يلف اللوحة، دعوة للتأمل في ثبات وحركة الإنسان وسط تربة الوجود.
أما لوحة "الصيادين" فترسم فاطمة العراجي بها علاقة الصياد بالبحر. ترسم الأجسام العارية بفرشاة الملح. وجوه الرجال، سمراء كرمال الشاطئ، يحملون على رؤوسهم السمك في سلال من الخوص بألوان تتداخل مع لون البحر وألوان قواربهم. القوارب على الشاطئ تظهر بنفس لون الرمال. الشباك تبدو مسمرة على قوائم خشبية، بزاوية حادة، وتقف كحاجز أمام الصيادين، وفي نفس اتجاه حركتهم. ثمة إحساس غريب يلف المنظر، رحلة الصيد هي جزء من علاقة الصيادين بالبحر، فسلال السمك الممتلئة ليست دلالة على انتصارهم، إنما انتصار للبحر في إقناعهم بالبقاء .
تولد الحياة، مرة أخرى، كشكل بصري غامض في لوحة "شجرة مشرقة". إنها ليست مجرد شجرة، بل هي أصابع ضوء متصاعدة نحو السماء في اتجاهات عدة، بلا أوراق. جذورها تحجب بتكوين عجيب متشبث بالأرض، يشبه شواهد القبور، أوجسد امرأة منتحرة، ترقد في سلام. خلفها أربعة أجسام نصف دائرية، تبدو وكأنها رؤوس أجساد مدفونة، لغرباء جاءوا من سنوات طويلة وعاشوا في ظلال هذه الشجرة، وماتوا بجوار جذورها. وعين زرقاء تطفو من كائن خشبي، يبدو كحيوان خرافي يختطف الأرض، يمتص سوائل الشجرة، ويكتم أسرار المرأة المنتحرة، ويحفظ تاريخ هؤلاء الأغراب.
الخلاصة، رسمت فاطمة العرارجي لوحاتها بألوان الزمن، كانت تحاول حسم جدلية "الإنسان، المكان والزمان" ، لذلك نرى حركات الجسد في أعمالها، تتشابك مع عناصر تحمل بصمات الماضي، كما نرى ملامح الوجوه، وكأنها أرواح معلقة بين الحاضر والذكرى، تتنفس مأساة المدن وتغني بلغة القرى. الزمن عندها ليس خطًا مستقيمًا، بل طبقات متراكمة تكشف عن تأثير الحياة على الروح والمكان. ثمة حوار صامت بين الفرد ومحيطه، بحث دائم عن معنى الوجود في تقاطع هذه الثلاثية الأزلية. ولكن، ورغم مرور كل هذه السنوات، ظلت كلماتها، للآن، تتردد في أذني، وصورتها خالدة في ذاكرتي. وما دامت كل هذه المعاني لا تزال تعيش حية بداخلي، فهذا يعني أن الزمن وحده قد أجاب على سؤال فاطمة العرارجي. لا يا سيدتي، الطبيعة لا تموت!.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محطة الرمل بالإسكندرية
إقرأ أيضاً:
وفيات الإثنين 20-10-2025
صراحة نيوز- وفيات اليوم الإثنين 20- 10-2025 بالأردن وانا لله وانا اليه راجعون:
جواد حنا خليل حتر
ناديا إبراهيم حياصات
منير أحمد سعيد أبوالراغب
تفاحة مزيد فرح قندح
هاني محمد الديماسي
حفيظة مصطفى عيد
عبادة شادي موسى الزيود
تيسير عبدالله الحاج حسين
آمنة عبد سليمان الفزاع
خالد نايف أحمد التلاوي
رويدة كايد النبابتة
فؤاد محمود وشاح
فاطمة يونس محمد الرمحي
نوال جريس جميل الطوال
شكري خليل وشاح
حسام علي سالم العرموطي
يوسف الحمدان السلامة الحديدي
راجي سليم موسى مزاهرة
نجاح خليل عيسى تادرس
ضيف الله بخيت عيد المساعيد
فاطمة عبدالله حسن الرملي
عبدالرحمن محمد عبدالقادر الربابعة
محمد إبراهيم الياسوري
محمد راشد فريح أبو يحيى
عالية حماد عبدالله أبوسبيتان
نواف مفضي الجبور
اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعفُ عنهم، وأكرم نزلهم، واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة.