بوابة الوفد:
2025-12-11@13:57:11 GMT

فاطمة العراجي: هل تموت الطبيعة؟

تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT

قادتنى الصدفة، وحدها، للجلوس بجوار الفنانة التشكيلية الراحلة الدكتورة فاطمة العرارجي، كان ذلك فى خريف عام 2012 بأحد المناسبات فى النادى السوري بمحطة الرمل بالأسكندرية. كانت تستمع إلى أصوات الموسيقى الصاخبة بإنزعاج، وتراقب رقص الفتيات الصغيرات في صمت مطبق. اقتربت منها، وبادرتها، دكتورة فاطمة، أنا أعرفك تمامًا، كثيرا ما تكلمنا عنك، أنا وصلاح "أقصد ابنها دكتور العمارة الفنان صلاح هريدي، والذي رحل عن عالمنا لاحقًا في عام 2021"، وتمكنت من رسم صورة كاملة عن شخصيتك، أنصتت لكلامي بهدوء، ولكنها لم تفاجأ بحديثى الممل، وبادرتني متسائلة، بصوت خفيض: لماذا لا تكون أفراحنا على الرمال فى مواجهة البحر؟، أو تحت أشجار النخيل فى مدينة إدكو؟، أو في خيم بدوية بسيطة فى صحراء برج العرب؟ .

الحقيقة، فاجاتني أسئلتها العجيبة، فأجبت في خوف، تقصدين في الطبيعة؟ وردت هى بإسترخاء: ذكرياتنا يجب أن تكون في الطبيعة، حتى لا تموت ونظل نتذكرها، فهل تموت الطبيعة ؟ . بطبيعة الحال، لم أتمكن من الإجابة على سؤالها الصاعق، تجمدت الكلمات قبل أن يتوقف العقل عن الذهول، فلاحظت هى ذلك، وابتسمت الى قائلة: أنظر الى رقص هذه الفتاة الصغيرة.
في لوحة "السيجة" تدهشني هذه الانحناءات فى جسد الإنسان، تتداخل الخطوط البيضاء وحركة الأقدام الحافية، تبدو كرقصة بدائية في معبد مقدس. وجوه نسائية صامتة، ربما هن أرواح المكان، ونباتات بسيطة تجلس في وحدة الظل على نوافذ رُسمت بألوان ترابية دافئة.  لون الطين يظهر بوضوح، ثمة سكون عميق يلف اللوحة، دعوة للتأمل في ثبات وحركة الإنسان وسط تربة الوجود.
أما لوحة "الصيادين"  فترسم فاطمة العراجي بها علاقة الصياد بالبحر. ترسم الأجسام العارية بفرشاة الملح. وجوه الرجال، سمراء كرمال الشاطئ، يحملون على رؤوسهم السمك في سلال من الخوص بألوان تتداخل مع لون البحر وألوان قواربهم. القوارب على الشاطئ تظهر بنفس لون الرمال. الشباك تبدو مسمرة على قوائم خشبية، بزاوية حادة، وتقف كحاجز أمام الصيادين، وفي نفس اتجاه حركتهم. ثمة إحساس غريب يلف المنظر، رحلة الصيد هي جزء من علاقة الصيادين بالبحر، فسلال السمك الممتلئة ليست دلالة على انتصارهم، إنما انتصار للبحر في إقناعهم بالبقاء .
تولد الحياة، مرة أخرى، كشكل بصري غامض في لوحة "شجرة مشرقة". إنها ليست مجرد شجرة، بل هي أصابع ضوء متصاعدة نحو السماء في اتجاهات عدة، بلا أوراق. جذورها تحجب بتكوين عجيب متشبث بالأرض، يشبه شواهد القبور، أوجسد امرأة منتحرة، ترقد في سلام. خلفها أربعة أجسام نصف دائرية، تبدو وكأنها رؤوس أجساد مدفونة، لغرباء جاءوا من سنوات طويلة وعاشوا في ظلال هذه الشجرة، وماتوا بجوار جذورها. وعين زرقاء تطفو من كائن خشبي، يبدو كحيوان خرافي يختطف الأرض، يمتص سوائل الشجرة، ويكتم أسرار المرأة المنتحرة، ويحفظ تاريخ هؤلاء الأغراب.
الخلاصة، رسمت فاطمة العرارجي لوحاتها بألوان الزمن، كانت تحاول حسم جدلية "الإنسان، المكان والزمان" ، لذلك نرى حركات الجسد في أعمالها، تتشابك مع عناصر تحمل بصمات الماضي، كما نرى ملامح الوجوه، وكأنها أرواح معلقة بين الحاضر والذكرى، تتنفس مأساة المدن وتغني بلغة القرى. الزمن عندها ليس خطًا مستقيمًا، بل طبقات متراكمة تكشف عن تأثير الحياة على الروح والمكان. ثمة حوار صامت بين الفرد ومحيطه، بحث دائم عن معنى الوجود في تقاطع هذه الثلاثية الأزلية. ولكن، ورغم مرور كل هذه السنوات، ظلت كلماتها، للآن، تتردد في أذني، وصورتها خالدة في ذاكرتي. وما دامت كل هذه المعاني لا تزال تعيش حية بداخلي، فهذا يعني أن الزمن وحده  قد أجاب على سؤال فاطمة العرارجي. لا يا سيدتي، الطبيعة لا تموت!.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: محطة الرمل بالإسكندرية

إقرأ أيضاً:

محافظة الدرب.. طريق الحجيج ووجهة السياح وعُشَّاق الطبيعة

تتميز محافظة الدرب بجمالها الطبيعي وموقعها الإستراتيجي شمال منطقة جازان، على بُعد نحو (125) كيلومترًا من مدينة جيزان؛ لتكون بوابتها الشمالية نحو منطقتي عسير ومكة المكرمة، وملتقى للطرق الدولية، ووجهة سياحية للمسافرين وعشاق الطبيعة.

وتعد الدرب منذ القدم معبرًا رئيسًا لحجاج بيت الله الحرام، والقوافل التجارية القادمة من عدة مناطق والمتجهة إلى جازان، حاملةً في ذاكرتها عبق التاريخ والتراث التجاري العريق، وشاهدةً على التواصل بين المناطق، حتى غدت اليوم من أبرز المحافظات نموًّا وحيويةً.

وتتبع للمحافظة أربعة مراكز رئيسة هي: ريم، وعتود، والشقيق، وسمرة الجد، إلى جانب عدد من القرى والهجر، ويفوق عدد سكانها (68) ألف نسمة، وتتمتع الدرب بطبيعة خلابة جعلتها وجهةً سياحيةً بارزة، يقصدها سنويًا أكثر من نصف مليون زائر للاستمتاع بأجوائها المعتدلة، وشواطئها الرملية، وأوديتها الدافئة، وحدائقها، ومتنزهاتها العامة.

ويتميز مركز ريم بتضاريسه الجبلية الفاتنة، وأوديته الغناء مثل: وادي ريم، الذي يعد أحد أجمل المواقع السياحية البيئية في المنطقة، أما مركز عتود فيشتهر بسواحله الممتدة على البحر الأحمر بطول يقارب (30) كيلومترًا، حيث تتلألأ الكثبان الرملية الذهبية، إضافةً إلى متنزه رمال عتود، وجبل عكاد المحاط ببساط أخضر في غاية الجمال، وتضم أوديته المنحدرة من جبال السروات وديانًا خلابةً مثل: وادي عتود، ووادي بيض، ووادي رملان، التي تصب مياهها في البحر الأحمر، كما تمثل المسطحات الخضراء والمرافق بكورنيش السميرات، التي تتجاوز مساحتها (60,000) متر مربع، وجهةً سياحيةً بحريةً ساحرة، تضم حديقةً وألعاب الأطفال، ومرافق خدمية.

ويُشكِّل مركز الشقيق الواجهة البحرية الأبرز للمحافظة، بشواطئه النظيفة وشعابه المرجانية التي تجذب محبي الغوص، إلى جانب الشاليهات والمنتجعات التي تستقبل الزوار على مدار السنة وتمنحهم تجربةً سياحيةً متكاملةً،  ويبرز المتنزه العام بالدرب، الذي يمتد على مساحة تُقدر بحوالي (81,759) مترًا مربعًا، بوصفه أحد أبرز الوجهات الحديثة، حيث يضم ممشى رياضيًا بطول (1,600) متر، ومجرى مائي ونوافير، وممشى للدراجات وذوي الإعاقة، إضافةً إلى مطل وشلال، ومناطق خضراء، وألعاب أطفال، ومدينةً مائية، ومنطقةً لركوب الخيل.

وتحوي المحافظة عددًا من الوجهات الحديثة، منها مزرعة "غيم السياحية"، التي تشكل نموذجًا للسياحة الزراعية والترفيهية، إذ تُمكِّن الزوار من خوض تجربة الزراعة بأنفسهم مع أنشطة ترفيهية متنوعة؛ لتصبح وجهةً عائليةً متكاملةً تعكس مفهوم السياحة المستدامة.

وفي إطار السعي نحو تعزيز التنمية المستدامة، تشهد المحافظة تنفيذ مشاريع بنية تحتية جديدة وحديثة، تفتح آفاقًا جديدةً للاستثمار، ويعزز من مكانتها السياحية والاقتصادية، حيث تنفذ أمانة منطقة جازان (70) مشروعًا بلديًا بتكلفة إجمالية بلغت (898) مليون ريال، ضمن مجموعة من المشاريع التنموية والسياحية والاستثمارية.

 ووفقًا لأمين منطقة جازان المهندس يحيى الغزواني، شملت هذه المشاريع الانتهاء من تنفيذ (49) مشروعًا بتكلفة إجمالية بلغت (590) مليون ريال، تضمنت أعمال السفلتة والطرق والنظافة وتشغيل المدينة، إضافةً إلى مشاريع إسكانية وتنموية تضم (203) وحدات سكنية، و(1,618) قطعة سكنية، ومشاريع درء أخطار السيول، إلى جانب (5) مشاريع استثمارية ومنتجع سياحي متكامل.

 وأشار المهندس الغزواني إلى أن الأمانة تعمل حاليًا على تنفيذ (21) مشروعًا بتكلفة بلغت (308) ملايين ريال، شملت مشاريع الطرق والسفلتة والنظافة وتشغيل المدينة، إضافةً إلى (5) مشاريع استثمارية جديدة؛ تعزز مكانة المحافظة وجهة واعدة على خارطة السياحة في المملكة.

أخبار السعوديةالدربآخر أخبار السعوديةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • أفكار مميزة لتزيين منزلك بألوان مناسبة لموسم الأعياد
  • “الدفاع المدني”: غزة تموت غرقاً والمنخفض الجوي يغمر آلاف خيام النازحين
  • مصر: البحث مستمر عن تمساح الشرقية.. وشيخ الصيادين يوضح لـCNN طبيعة المهمة
  • المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب
  • صحاري عرعر.. وجهة للمتنزهين وعُشّاق الطبيعة
  • صرخات نسائية بلا مجيب.. كيف تبدو مصر في اليوم العالمي لحقوق الإنسان؟
  • “الدرب”.. درب الحجيج ووجهة السياح وعُشَّاق الطبيعة
  • محافظة الدرب.. طريق الحجيج ووجهة السياح وعُشَّاق الطبيعة
  • تركها زوجها وحيدة .. أسترالية تموت «متجمدة»
  • تلغراف البريطانية تتابع لغز الصيادين المفقودين في غزة