بين رسالة فدوى البرغوثي ووقف الحرب في غزة: الاحتلال ينسف طريق السلام من الضفة
تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT
في لحظة شديدة الرمزية، خرجت رسالة من قلب المعاناة إلى قلب السياسة العالمية، من زوجة أسير فلسطيني إلى رئيس أقوى دولة في العالم. كتبت فدوى البرغوثي إلى دونالد ترامب تطلب منه التدخل لإطلاق سراح زوجها الأسير مروان البرغوثي، لكنها في جوهرها كانت تطلب شيئا أكبر من الحرية الفردية: كانت تصرخ في وجه العالم أن العدالة لا يمكن أن تُجزّأ، وأن السلام لا يمكن أن يقوم على أنقاض الاحتلال.
تزامنت الرسالة مع أشد مراحل الحرب على غزة قسوة، ومع لقاءات ماراثونية في القاهرة والدوحة بحثا عن وقفٍ لإطلاق النار، فيما كانت الضفة الغربية تشتعل ميدانيا تحت نيران اقتحامات الاحتلال واعتداءات المستوطنين، وكأن إسرائيل أرادت أن تقول إنّها لا تفهم سوى لغة القوة، وأن الميدان هو رسالتها الوحيدة للعالم.
الرسالة التي تجاوزت حدود السجن
رسالة فدوى البرغوثي لم تكن حدثا عابرا؛ فقد فتحت بابا واسعا للتساؤل حول دور الأسرى في المشهد السياسي القادم، وحول مروان البرغوثي الذي يُنظر إليه في الداخل الفلسطيني والعالم كـ"مانديلا فلسطين"، ورمزٍ قادر على توحيد الفصائل المنقسمة حول مشروع وطني جامع.
تزامنت الرسالة مع أشد مراحل الحرب على غزة قسوة، ومع لقاءات ماراثونية في القاهرة والدوحة بحثا عن وقفٍ لإطلاق النار، فيما كانت الضفة الغربية تشتعل ميدانيا تحت نيران اقتحامات الاحتلال واعتداءات المستوطنين
الرسالة لم تُخاطب ترامب وحده، بل خاطبت الضمير الأمريكي والغربي الذي طالما تحدث عن القيم والحرية والديمقراطية، لكنه صمت أمام الاحتلال الأطول في التاريخ الحديث.
قالت فدوى للعالم بلغة واضحة: إن كنتم تبحثون عن شريك سلام، فها هو في السجون، وإن كنتم تبحثون عن صوتٍ فلسطيني يؤمن بالحل السياسي، فها هو يُعاقَب لأنه حلم بالحرية. لقد أرادت أن تُحرج المعايير المزدوجة الأمريكية، التي تطلب من الفلسطينيين ضبط النفس بينما تغضّ الطرف عن إبادةٍ تُرتكب في غزة واجتياحاتٍ يومية في الضفة الغربية.
ترامب وموازين القوة الجديدة
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي عاد إلى المشهد السياسي بقوة، يحاول الظهور بمظهر "صانع الصفقات التاريخية"، وربما يرى في "ملف غزة" فرصة لاستعادة نفوذه الدولي بعد سنوات من التوترات العالمية. لكنّ فدوى البرغوثي قلبت المعادلة حين وضعت أمامه الملف الفلسطيني الإنساني والسياسي معا.
فترامب، الذي يتحدث بلغة المصالح والصفقات، تلقّى رسالة تعبّر عن القيمة الأخلاقية والسياسية للأسرى، وعن إمكانية تحويل هذا الملف إلى جسرٍ نحو مصالحة فلسطينية داخلية، بدلا من أن يكون ورقة ضغط إسرائيلية.
الرسالة جاءت لتقول إنّ أي صفقة في المنطقة لن تنجح إذا لم تُبنَ على عدالة القضية الفلسطينية، لا على "شراء الوقت" بتهدئة مؤقتة في غزة، بينما الاحتلال يعمّق جذوره في الضفة.
غزة بين الحرب والتهدئة
منذ اندلاع الحرب الأخيرة، تحولت غزة إلى مرآة للضمير الإنساني العالمي. القصف الذي دمّر آلاف المنازل والمستشفيات، ودفن تحت ركامه عائلاتٍ بأكملها، لم يكن مجرد مأساة إنسانية، بل جريمة حرب موصوفة تشارك فيها آلة عسكرية لا تعرف الرحمة، وسط تواطؤ دولي وصمتٍ عربيٍ رسميٍّ مريب.
ورغم الاجتماعات المكثفة في القاهرة والدوحة وواشنطن، فإن وقف إطلاق النار لا يزال رهينة الحسابات السياسية، لا نتيجة لتغير في القيم. فالإدارة الأمريكية تتحدث عن "ضرورة إنهاء الحرب"، لكن من زاوية إسرائيلية بحتة، بينما الشعب الفلسطيني هو من يدفع الثمن الأكبر.
وفي الوقت الذي تبحث فيه الوفود عن "صيغة للتهدئة"، كان الاحتلال يعمّق جرائمه في الضفة الغربية، وكأنه يُرسل رسالة ميدانية تقول: "لن توقفونا، لا في غزة ولا في الضفة".
الضفة.. الميدان المنسي
بينما تتجه الكاميرات إلى غزة، يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية واقعا لا يقل خطورة. الاحتلال يصعّد من سياسة الاقتحامات اليومية، وينفذ عمليات اعتقال واسعة، ويهدم المنازل على رؤوس أصحابها، ويُشرعن البؤر الاستيطانية الجديدة في جبال طولكرم ونابلس والخليل.
وكأنّ الاحتلال وجد في انشغال العالم بغزة فرصة لتمرير أخطر مشروع استيطاني في تاريخه. كل يوم تقريبا، هناك شهيد أو جريح أو أسير جديد، وكل يوم هناك قرية تُعاقَب جماعيا، وبلدة تُغلق مداخلها بالجدران الإسمنتية، ومستوطنون يعيثون في الأرض فسادا تحت حماية الجيش.
وفي ظل هذه الجرائم، تستمر اللقاءات في القاهرة لبحث "وقف إطلاق النار في غزة"، بينما الضفة الغربية تتعرض لعدوان صامت لا يجد له بندا في الاتفاقات أو العناوين الإخبارية.
التهدئة التي تتجاهل نصف الحقيقة
تُحاول بعض الدول رسم مشهدٍ جديد للمنطقة يقوم على "السلام الاقتصادي" و"إعادة الإعمار مقابل الهدوء"، لكن الحقيقة أن أي تهدئة في غزة ستفشل حتما إذا لم تشمل الضفة الغربية. فالقضية الفلسطينية ليست "ملف غزة فقط"، بل قضية أرض محتلة وشعب واحد.
حين يواصل الاحتلال بناء المستوطنات وهدم البيوت في الضفة، ويُحاصر غزة، ويقتل المدنيين، ثم يطلب من الفلسطينيين "التهدئة"، فهو في الواقع يطلب منهم الاستسلام المغلّف بعبارات دبلوماسية.
أما فدوى البرغوثي، فقد اختارت أن ترد بلغة الكرامة: "أطلقوا سراح من يحمل مفاتيح الوحدة والحرية، لا من يوقّع على صكّ الخضوع".
من السجن إلى الرمز: مروان البرغوثي كمعادلة وطنية
في أوساط الفلسطينيين، يُعدّ مروان البرغوثي من القلائل القادرين على كسر حالة الانقسام واستعادة الروح الوطنية الجامعة. فهو يحظى بقبول واسع في الشارع، ويحترمه أنصار الفصائل المختلفة، ويمثل صوتا نقيّا من داخل التجربة الوطنية الفلسطينية.
تحويل قضيته إلى ملف دولي الآن يحمل دلالات كبيرة: فهو يعيد البُعد الإنساني للقضية الفلسطينية، ويُذكّر العالم بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، ويضع الاحتلال أمام اختبار أخلاقي وسياسي في آنٍ واحد.
إن إطلاق سراح مروان البرغوثي لن يكون مجرد حدث إنساني، بل تحول استراتيجي قد يعيد التوازن إلى الساحة الفلسطينية، ويفتح بابا لحوار وطني شامل، طال انتظاره.
القاهرة.. عاصمة الجهود المرهقة
في أروقة القاهرة، تتواصل اللقاءات دون انقطاع بين الوفود الفلسطينية والإسرائيلية والمصرية، بمشاركة قطرية وأمريكية غير مباشرة.
الجميع يتحدث عن "وقف الحرب"، لكنّ الحقيقة أن ما يجري هو صراع إرادات، لا "بحث عن حل". إسرائيل تريد تهدئة مؤقتة تكرّس مكاسبها الميدانية، بينما الفلسطينيون -رغم جراحهم- يريدون وقفا شاملا للحرب يضمن رفع الحصار ووقف العدوان. ووسط هذا المشهد، يواصل الاحتلال التوسع في الضفة الغربية، في تجاهل كامل لكل ما يُناقش في القاهرة.
كيف يمكن الحديث عن "سلام" فيما الجرافات الإسرائيلية تواصل اجتياح مخيم نور شمس في طولكرم، وتهدم المنازل في جنين وبيت لحم؟ إنها ازدواجية سياسية وميدانية تكشف جوهر العقل الإسرائيلي: تفاوض في القاهرة، وقتل في الضفة، وتضليل إعلامي للعالم.
الضمير الدولي الغائب
السكوت الدولي أمام جرائم الاحتلال في الضفة وغزة بات فضيحة أخلاقية كبرى. فالعالم الذي يُدين روسيا في أوكرانيا، ويُعاقب الأنظمة الأفريقية لأسباب "حقوقية"، يغضّ الطرف عن آلاف الأطفال الذين يُقتلون في غزة بلا ذنب، وعن احتلالٍ ينتهك القانون الدولي منذ 1967. بل إن بعض الدول التي تتحدث عن "حقوق الإنسان" هي نفسها التي تمدّ إسرائيل بالسلاح والغطاء السياسي، لتواصل جرائمها ضد الفلسطينيين.
أما الأمم المتحدة، فباتت عاجزة عن تنفيذ قراراتها، فيما مجلس الأمن مشلول بفعل الفيتو الأمريكي الذي جعل من إسرائيل دولة فوق القانون.
في هذا المناخ، تصبح رسالة فدوى البرغوثي ليست فقط صرخة حرية، بل اتهاما مباشرا للعالم بالصمت، وفضحا لزيف شعاراته الإنسانية.
الاحتلال ومأزق القوة
يُدرك الاحتلال أنه يعيش مأزقا تاريخيا، فالقوة العسكرية التي كان يعتمد عليها لم تعد تمنحه الأمن، والمجازر في غزة لم تحقق له ردعا، بل زادت الفلسطينيين صمودا والتفافا حول قضيتهم.
وفي الضفة، كل عملية اقتحام تُنتج مقاومة جديدة، وكل اعتقال يُنجب مقاتلا جديدا. لقد أخطأت إسرائيل حين ظنت أن القمع يمكن أن يصنع سلاما، أو أن السجون يمكن أن تطفئ جذوة الحرية.
القضية الفلسطينية لم تعد تُختزل في حدود جغرافية، بل باتت قضية كونية للعدالة. فمن غزة التي تقاوم القصف، إلى الضفة التي تتحدى الاستيطان، إلى الأسرى الذين يصنعون الأمل من خلف القضبان، تتجسد وحدة النضال الفلسطيني
فها هي رسالة فدوى البرغوثي تخرج من ظلام الزنازين لتضيء مسارا سياسيا جديدا، وتقول: "إذا أردتم السلام، فابدأوا من الحرية. إذا أردتم الأمن، فأوقفوا الاحتلال".
فلسطين اليوم.. أكثر من جغرافيا
القضية الفلسطينية لم تعد تُختزل في حدود جغرافية، بل باتت قضية كونية للعدالة. فمن غزة التي تقاوم القصف، إلى الضفة التي تتحدى الاستيطان، إلى الأسرى الذين يصنعون الأمل من خلف القضبان، تتجسد وحدة النضال الفلسطيني.
رسالة فدوى البرغوثي، ومساعي القاهرة، وصمود الميدان، كلها خيوط في نسيج واحد، نسيج أمةٍ تقول إنّها لن تموت رغم الحصار، ولن تنكسر رغم الاحتلال.
وفي الختام: بين الأمل والخذلان
تبدو الصورة الفلسطينية اليوم كأنها تُختصر في معادلة معقدة: بين رسالة امرأة تُطالب بالحرية لزوجها، وشعبٍ يُطالب بالحرية لوطنه، وسلطةٍ تفاوض من أجل هدنة قد لا تصمد أمام أول طلقة.
لكن الحقيقة الأعمق أن هذه الرسائل الثلاث -من السجن، ومن الميدان، ومن القاهرة- كلها تصبّ في نهرٍ واحد: أن الاحتلال هو أصل كل مأساة، وأن العدالة هي الطريق الوحيد إلى السلام الحقيقي.
فإن كان العالم يريد حقا أن يرى شرقا أوسط آمنا، فعليه أن يبدأ من وقف العدوان على غزة، ووقف الاستيطان في الضفة، وإطلاق سراح الأسرى، وعلى رأسهم مروان البرغوثي. وحينها فقط، يمكن أن يُكتب فصل جديد من التاريخ، عنوانه: "من السجن إلى الدولة، من الحرب إلى السلام، من الألم إلى الكرامة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء فلسطيني السلام غزة الضفة فلسطين غزة سلام الضفة مروان البرغوثي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رسالة فدوى البرغوثی فی الضفة الغربیة مروان البرغوثی فی القاهرة یمکن أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
شؤون اللاجئين الفلسطينية ترحب بقرارات العدل الدولية الذي يلزم الاحتلال بالتعاون مع الأونروا
رحبت دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية بالرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية الذي يلزم سلطات الاحتلال الإسرائيلي التعاون مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ودعم جهود المساعدات الإنسانية في قطاع غزة.
واعتبرت الدائرة - في بيان نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" اليوم/ الخميس/ - الرأي الاستشاري للمحكمة انتصارا قانونياً وسياسياً كبيراً لوكالة "الأونروا"، إذ يأتي من أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة.
وأوضحت أن الرأي الاستشاري للمحكمة أثبت عدم صحة ادعاءات سلطات الاحتلال بخرق الأونروا لمبدأ الحياد، واتهام بعض موظفيها بالمشاركة في أحداث 7 أكتوبر 2023، أو ممارستها لأي شكل من أشكال التمييز في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي اعتمدت عليها سلطات الاحتلال في حصار الأونروا مالياً وسياسياً، وحظر عملها وأنشطتها على الأراضي التي تخضع لسيادتها كمدخل لإنهاء دورها.