من ثمرة إلى ثروة.. قصة تتحدى التثبيط والسخرية
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
عباس المسكري
في عالم المشاريع الحديثة، لم يعد الربح مرتبطًا بحجم المنتج أو ندرته، بل بالفكرة التي تُضاف إليه، وما يُعرف اليوم بالقيمة المضافة هو سرّ التميز والنجاح في أي مشروع، فالقيمة المضافة هي تلك اللمسة الإبداعية التي تُحوّل المنتج العادي إلى منتج فريد ومطلوب.
فمثلًا، لدينا في سلطنة عُمان ثمرة البيذام، وهي ثمرة محلية لذيذة ومغذية تُعرف في بعض الدول باسم "اللوز"، هذه الثمرة يمكن أن تتحول من منتج زراعي بسيط إلى مشروع ناجح من خلال إدخال أفكار جديدة عليها، كصناعة عصائر البيذام بنكهات متعددة، أو آيس كريم البيذام، أو حتى استخلاص زبدة البيذام واستخدامها في الحلويات والمخبوزات.
وهذا ما ينطبق أيضًا على ثمرة الفرصاد (التوت)، التي تمكّن بعض المبدعين من تحويلها إلى عصائر طبيعية وآيس كريمات فاخرة تلقى إقبالًا كبيرًا من الزبائن، وكذلك التمور العُمانية التي كانت تُباع في السابق كمنتج تقليدي، أما اليوم فقد أُضيفت إليها قيمة مضافة من خلال تحويلها إلى شوكولاتة تمور، ومعجون تمر، وحلويات فاخرة، ومشروبات طاقة طبيعية، فأصبحت من المنتجات الرائجة محليًا وعالميًا.
ومع ذلك، من المؤسف أن نرى بعض التثبيط والهجوم الذي وُجّه إلى الأخت صاحبة مشروع البيذام، لمجرد أنها تحدثت بفخر عن نجاحها وقدرتها على تحقيق دخلٍ محترم من هذا المشروع، فالبعض شكّك في إمكانية وجود كميات كافية أو تساءل عن مدى واقعية أرباحها، رغم أن الأسواق مليئة بالمنتجات العُمانية والمستوردة في هذا المجال.
لكن الحقيقة أن من يريد النجاح يجتهد ويبدع، وهي اجتهدت وابتكرت وحققت نتيجة تستحق التقدير، وكان الأولى أن نُصفّق لها ونشجعها، لا أن نحبطها أو نسخر من تجربتها، فللأسف، تحولت أقلام بعض الكُتّاب والمدونين إلى أدوات استهزاء بدلًا من أن تكون منابر تحفيز ودعم للمشاريع الوطنية الناشئة.
إن قصتها تذكير لنا جميعًا بأن النجاح لا يحتاج إلى رأس مال ضخم، بل إلى فكرة وإصرار وشغف، فقد بدأت من مشروع بسيط، ومن ثمرة محلية مهملة لا يلتفت إليها الكثيرون، لكنها برؤيتها وجهدها حولتها إلى مصدر دخلٍ وفخر، وهذه القصة ليست مجرد تجربة فردية، بل رسالة إلهام لكل شاب وشابة بأن الطريق إلى النجاح مفتوح لمن يجتهد ويؤمن بفكرته، مهما كانت صغيرة.
ومن الإيجابي أن قصتها أثارت النقاش، لأنها جعلت الناس يتحدثون عن الإبداع المحلي والمنتجات العُمانية، وهذا بحد ذاته نجاح، فكل حوار، مهما كان فيه من نقد أو اختلاف، يسلّط الضوء على أهمية دعم المشاريع الوطنية الصغيرة.
إننا نحتاج إلى أن نؤمن بأن كل فكرة تستحق أن تُمنح فرصة، وأن الفشل ليس نهاية، بل بداية طريق جديد نحو تجربة أفضل، ولذلك فإن ما قامت به الأخت صاحبة مشروع البيذام يجب أن يُدرّس كمثال على الإصرار والابتكار في تحويل البسيط إلى مدهش، وهي تستحق الشكر لا السخرية، والدعم لا التثبيط.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مطار صلالة.. البوابة التي لم تُفتح بعد؟!
خالد بن أحمد العامري
يتكرر الحديث في المجالس العامة ومنصات التواصل الاجتماعي حول مطار صلالة وأسعار التذاكر، وتتسع التساؤلات حول سبب بقاء الوضع على ما هو عليه رغم مناشدات المواطنين، ورغم الإمكانات الكبيرة التي يمتلكها المطار وما يمكن أن يرفد به الاقتصاد الوطني.
المطار يتمتع بطاقة استيعابية تصل إلى مليوني مسافر سنويًا، مع جاهزية بنيوية وتقنية لرفع هذه القدرة مستقبلًا إلى أكثر من ستة ملايين مسافر، ما يجعله أصلًا استراتيجيًا غير مستغل بالشكل الذي يتناسب مع مقوماته الحالية. كما يُعد ثاني أكبر مطار في سلطنة عمان بعد مطار مسقط الدولي، وحائز على تصنيف خمس نجوم للمطارات الإقليمية من "سكاي تراكس" (Skytrax) نظير جودة خدماته.
لقد أصبح واضحًا أن المشكلة لا تكمن في «الجدوى الاقتصادية» كما يشاع؛ بل في منهجية التخطيط التي تحد من نمو القطاع وتقلل الاستفادة من الإمكانات المتاحة؛ فعند مطالبة المواطنين بخفض أسعار التذاكر على خط صلالة- مسقط، تأتي الإجابة بأنه "خط غير مُربح". ومن حق المواطن هنا أن يتساءل: كيف يمكن لخط داخلي يعتمد عليه الآلاف في الاتجاهين يوميًا أن يكون غير مرُبح؟
وإذا كان البعض يرى أن هذا الخط غير مُجدٍ اقتصاديًا، فإن الحل المنطقي هو فتح المجال أمام مشغل اقتصادي ثالث يتخذ من مطار صلالة مركزًا لعملياته؛ بما يعزز المنافسة ويخفض الأسعار، ويخلق ربطًا جويًا أوسع على المستويين الإقليمي والدولي.
ويمتلك مطار صلالة مقومات مهمة تؤهله ليصبح مركزًا محوريًا للربط الجوي بين مناطق ذات كثافة سكانية وتجارية عالية، وخاصة شرق إفريقيا وشرق آسيا ودول الخليج العربية.
كما إن عقد شراكات في مجال الطيران والخدمات اللوجستية، إضافة إلى برامج تحفيز الاستثمار، كفيل بتحويل مطار صلالة إلى مركز دولي ومحوري أمام شركات الطيران المختلفة، مما سيسهم في خلق فرص عمل واسعة في الوظائف المباشرة لقطاع الطيران والخدمات المساندة، وكذلك الوظائف غير المباشرة في السياحة والنقل والشحن والخدمات الملاحية، وزيادة عدد السياح طوال العام وليس فقط خلال موسم الخريف.
وفي هذا السياق، فإن إنشاء ورشة لصيانة الطائرات داخل المطار، إلى جانب مبنى تموين الطائرات، سيجعل من مطار صلالة محطة تشغيلية مكتملة، وهو ما من شأنه تشجيع شركات الطيران الاقتصادية والإقليمية على اتخاذه مقرًا لعملياتها.
أما على مستوى الشحن الجوي، فإنَّ إنشاء قرية لوجستية متكاملة داخل المطار سيرفع طاقة الشحن ويعزز التكامل اللوجستي مع ميناء صلالة، بما يحولهما معًا إلى منظومة واحدة تدعم سلاسل الإمداد العالمية وتعزز موقع السلطنة على خارطة التجارة الدولية. فرغم أن توسعة ميناء صلالة خطوة مهمة، إلّا أنها تبقى ناقصة دون ربطها بمركز شحن جوي فعال داخل المطار.
إنَّ تحقيق هذه الرؤية لن يكون مجرد تحرك اقتصادي؛ بل خطوة استراتيجية لتعزيز مكانة الاقتصاد الوطني، ورفع كفاءة منظومة النقل، وتحقيق مستهدفات رؤية «عُمان 2040»؛ فمطار صلالة يحتاج إلى قرار يطلق إمكاناته الكامنة؛ ليصبح بالفعل البوابة التي تفتح آفاقًا اقتصادية واعده.