حكم طاعة الوالدين في الأمر بطلاق الزوجة
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
الوالدين.. أكدت دار الإفتاء المصرية أن ليس من البرِّ طاعة الوالدين في تطليق الزوجة وهدم البيت، ولا يجب على الابن أن يطيع والديه في ذلك؛ ما دام أنه لا يوجد مُبرّر شرعي، ولا يُعدّ ذلك من العقوق أو الإثم في شيء، وعليه أن يرفق بهما ويتلطف معهما، ويتحايل بالحكمة في أمره معهما بما يحقق المصلحة لنفسه وأهله ولا يُغْضِب والديه.
الإنسان وحرية الاختيار في الشريعة الإسلامية:
وشرع الله تعالى التشريعات بما تشتمل عليه من أوامر ونواهي ومحاذير ومندوبات، ومنح الإنسان حرية الاختيار في كل أمر يعود إلى جبلته وفطرته أو ميل نفسه، أو اختيار عقله وقلبه، دون أن يلزمه في ذلك بشيء دون شيء ما لم يكن في اختياره ذلك إثمٌ أو ضررٌ أو مفسدةٌ؛ حتى يتحمل تبعات اختياراته.
ومن الأمور التي ترجع حتمًا إلى إرادة الإنسان واختياره في ضوء الضوابط الشرعية المنظمة لها: أمر الزواج وما يتبعه من استمرار الحياة الزوجية أو إنهائها على وفق ما يجد الإنسان فيها ما يتوخاه من تحقيق أهداف ومقاصد الزواج؛ حيث اعتبر الشرع ذلك الأمر من حقوق الإنسان الراجعة إلى تقديره وحاجته، والتي لا يحق لأحد حرمانه منها أو إجباره عليها، ما دام موافقًا لمراد الشرع وضوابطه.
حكم طاعة الوالدين في طلاق الزوجة:
وممَّا يُؤكّد ذلك المعنى ويُوطّده أن الشرع الشريف لم يجعل للولي -ولو كان أحد الأبوين- حق الإجبار على الزواج أو المنع منه، إذا كان من تحت ولايته بالغًا عاقلًا ذكرًا أو أنثى، فلا يحقّ للأب تزويج ابنته أو ابنه إلا بعد التأكد من موافقتهما على هذا الزوج أو تلك الزوجة.
قال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (32/ 30، ط. مجمع الملك فهد): [ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وإنه إذا امتنع لا يكون عاقًّا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكلِ ما يُنفِّر منه مع قدرته على أكلِ ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك وأولى، فإن أكلَ المكروه مرارة ساعة، وعِشْرة المكروه من الزوجين على طول تؤذي صاحبه ولا يمكنه فراقه] اهـ.
طاعة الوالدين
ومع تقرير ذلك المعنى من إنَّه لا يحق للوالدين أو أحدهما إجبار الأولاد على الزواج ممَّن لا يرغبون بالزواج منه، إلا أنَّه لا منافاة بين ذلك وبين ما منحه الشرع للوالدين من منزلة ومكانة تحتم على الأولاد الطاعة والرعاية على أتم وأكمل وجه، وهو المأمور به في قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]؛ إذ إن ضابط الطاعة المأمور بها من الأولاد للآباء: هو كلّ ما يعود لمنافع الأبوين بحيث يلحقهم ضرر بتفويته، مع عدم الإضرار بمصالح أولادهم الحقيقية، بحيث إذا تعارضت تلك الطاعة فيما يضر بمصالحهم وما لا بد لهم منه من الأمور الحياتية كالزواج والعمل والسكن، فإنه يجب حينئذٍ التلطف مع الآباء وبيان تعذر طاعتهم في ذلك لما يعود من ورائه من ضرر أو مشقة لا يرضونها لأولادهم أصالة.
ضابط عقوق الوالدين وأثره على إنهاء العلاقة الزوجية
ضابط العقوق: "أن يؤذي الولد أحد والديه بما لو فعله مع غير والديه كان محرمًا من جملة الصغائر، فينتقل بالنسبة إلى أحد الوالدين إلى الكبائر، أو يخالف أمره أو نهيه فيما يدخل فيه الخوف على الولد فوات نفسه أو عضو من أعضائه ما لم يتهم الولد في ذلك، أو أن يخالفه في سفرٍ يشق على الوالد وليس بفرض على الولد، أو في غيبة طويلة فيما ليس بعلم نافع ولا كسب، أو فيه وقيعة في العِرض لها وقع"؛ كما قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 116، ط. دار الفكر).
أقوال الفقهاء في طاعة الرجل لوالديه في أمر الطلاق
تواردت نصوص الفقهاء على أنه لا يجب على الولد طاعة الوالدين في أمرهما بطلاق زوجته؛ إذ الأصل في الطلاق الحظر لا الإباحة، فلا ينبغي اللجوء إليه إلا في حال تعذر الحياة الزوجية بين الزوجين، أو ثبوت تضررهما أو أحدهما باستمرارها، ولم يجعل الشرع رغبة الوالدين في تطليق زوجة الابن من المسوغات التي يُبَاح لأجلها الطلاق، كما أنَّ مخالفتهما في ذلك ممَّا لا يُعدّ في العرف عقوقًا، ولا يترتب عليه إثم ولا ذنب.
قال الإمام القرافي المالكي في "الفروق" (1/ 159، ط. عالم الكتب): [فلو كان متزوجًا بمن يحبها فأمره بطلاقها ولو لعدم عفتها، فلم يمتثل أمره لا إثم عليه] اهـ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الوالدين بر الوالدين ثواب بر الوالدين رضا الوالدين طاعة الوالدین فی فی ذلک
إقرأ أيضاً:
أموالها ليست إرثا.. خبراء يحسمون الجدل القانوني حول استغلال ممتلكات الزوجة
لم يكن حلم الكثير من الزوجات أكبر من تأسيس بيت وحياة مستقرة مع شريك العمر، يشاركنه المسؤوليات والأحلام، إلا أن بعضهن استيقظن على واقع مؤلم، بعدما تحولت الثقة إلى أداة للاستنزاف، والمودة إلى بوابة لاستغلال أموالهن ومجهودهن، فوجدن أنفسهن ممولات للحياة الزوجية دون تقدير، بل ومهددات بفقدان حقوقهن في لحظة خلاف أو انفصال، لتتحول العلاقة من شراكة عادلة إلى عبء مالي ونفسي تتحمله الزوجة وحدها، ويصبح القانون هو الملاذ الأخير لاسترداد ما سلب منها دون وجه حق.
استغلال أموال الزوجة.. متى يصبح جريمة قانونية؟قال إبراهيم أبو الحسن خبير قانون الأحوال الشخصية، إن استيلاء الزوج على أموال زوجته أو استخدامها دون رضاها أو دون وجود اتفاق واضح يعد اعتداء ماليا يجيز للزوجة المطالبة برد تلك الأموال، موضحا أن القانون لا يمنح الزوج حق التصرف في مال الزوجة مهما كانت طبيعة العلاقة بينهما.
وأضاف أن بعض الأزواج يتعاملون مع دخل الزوجة وكأنه "تحصيل حاصل" أو واجب مفروض عليها، بينما ينص القانون صراحة على أن أموال الزوجة ملك خالص لها، ولا تسقط بمجرد الزواج أو المشاركة في الإنفاق.
حق الزوجة في استرداد الأموال المنهوبةأكد المختص أن القانون أتاح للزوجة رفع دعاوى لاسترداد الأموال التي حصل عليها الزوج دون وجه حق، سواء كانت مبالغ نقدية سلمتها بدافع الثقة، أو مشاركات في تجهيز أو شراء مسكن الزوجية أو مساهمات شهرية في النفقات دون اتفاق مسبق، أو تمويل كامل أو جزئي لأصول مملوكة باسم الزوج.. وفي هذه الحالة، يحق لها إثبات مشاركتها المالية بأي وسيلة، سواء عبر التحويلات البنكية، أو الفواتير، أو الشهود، أو المستندات التي تثبت دفعها أو مساهمتها.
المساهمة بمسكن الزوجية… لا تعتبر مساعدةأوضح محمد سعيد الخبير القانوني أن مشاركة الزوجة في شراء أو تجهيز مسكن الزوجية لا تعتبر "مساعدة تطوعية"، بل حق مالي ثابت يمكنها استرجاعه أو اقتسامه قانونيا، متى استطاعت إثبات مساهمتها في الدفع، مشيرا إلى أن القضاء أقر مبدأ المشاركة في الثروة الزوجية إذا ثبت التمويل المشترك.
كيف تحافظ الزوجة على حقوقها؟نصح سعيد المختص بقانون الأحوال الشخصية الزوجات باتباع عدة خطوات لضمان حقوقهن منها، الاحتفاظ بالفواتير والمستندات الدالة على الشراء أو المساهمة، توثيق التحويلات البنكية أو أي دفعات مالية، تحرير محضر أو إنذار قضائي عند امتناع الزوج عن رد الأموال، رفع دعوى استرداد حق مالي أو مطالبة بقيمة المشاركة أمام المحكمة .
اختتم سعيد الخبير حديثه قائلا، أن الزواج شراكة إنسانية لا استثمار مالي قائم على استغلال طرف لآخر، ومن يمد يده إلى مال زوجته بغير رضاها يفتح على نفسه باب نزاع قضائي لن يغلق إلا برد الحقوق الكاملة، فالقانون لا يحمي الظالم، بل يحمي من تعرض للظلم والغش والتدليس.