مسرحة الرواية.. مغامرة جمالية تحيي النص على الخشبة وتختبر حدود التخييل والإبداع المسرحي
تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT
بشاير السليمية -
«مسرحة الرواية» تحدٍ يخوضه الممسرحون لتحويل الرواية إلى عرض مسرحي، ومغامرة وصفت بالممتعة تبدأ بإعادة تشكيل النص السردي وتنتهي عند وقوف الشخصيات القادمة من الورق على خشبة المسرح.
تتنوع دوافع الممسرحين بين سحر النص الروائي وشخصياته، والرغبة في خوض تحد فني يختبر حدود التخييل والتمثيل، إلى جانب الإيمان بأن المسرح «فن جامع» قادر على احتضان الفنون والآداب كافة.
في السطور القادمة مسرحيون رأوا أن مسرحة الرواية ليست نقلا حرفيا للنص، بل تحول فني يعيد بناء الزمن والمكان والحدث وفق منطق العرض المسرحي. وأكدوا أن قابلية الرواية للمسرحة تكمن في احتوائها على صراع درامي وشخصيات ذات عمق إنساني، وأن الحفاظ على رؤية المؤلف الأصلية يتطلب شراكة فنية وأخلاقية لا تبعية كاملة للنص. وفي الوقت الذي تتجلى فيه الصعوبات الفنية من تكثيف الزمن وتطويع المكان، وترجمة الشخصيات من الورق إلى الجسد، وتعويض غياب الراوي عبر العلامات المسرحية والوسائط البصرية، يصل الممسرحون إلى قرارات جمالية دقيقة تحدد ما يبقى عليه وما يستبعد في سبيل الإيقاع المسرحي المتوازن. وهكذا تتحول مسرحة الرواية من مجرد اقتباس إلى تجربة تعيد اكتشاف النص الأصلي وتمنحه حياة جديدة على الخشبة.
ثمة أسباب كثيرة تدفع بالممسرح أن يتكبد العناء ويخوض هذا التحدي ويمسرح رواية ما، يقول الكاتب والمخرج المسرحي العماني عماد الشنفري: «ما دفعني هو سحر النص التاريخي وعمقه الإنساني في «رواية الشيخ الأبيض» النص أغراني بشخصياته المركّبة وصراعاته الفكرية والإنسانية، كما أنني وجدت فيه فرصة لتقديم رؤية بصرية تُعيد قراءة التاريخ من زاوية إنسانية جديدة لم يكن الدافع نقص النصوص المسرحية كوني كاتبًا مسرحيًا أيضا، بل كان التحدي الفني في تحويل التاريخ المكتوب إلى تاريخ يُرى ويُعاش أمام الجمهور إنها مغامرة جمالية ومعرفية في آنٍ واحد».
أما بالنسبة للفنان والمسرحي البحريني حسين عبد علي منوط بثلاث، عددها قائلا: «الأولى: أنّ المسرح دون الفنون الأخرى، هو فن جامع وهاضم لكل الفنون. هو فن له القدرة على استحضار التشكيل والموسيقى والرقص والسينما والأدب بكل أنساقه كالشعر والسرد والنثر. وبالتالي ما استحضار الرواية إلا لكون المسرح لديه أذرع قادرة على احتضان كل الفنون والآداب، الأمر الثاني هو لإيماني أنّنا شعوب سمعية بامتياز، منذ سوق عكاظ في الجاهلية، مرورًا بظهور الحكواتي وقصص الجدات، إلى ظهور التعليم بشكل عام منذ (الكتاتيب) وتعليم القرآن إلى وقت قصير جدًا كان يعتمد على السمع والترديد، وحتى خطب الجمعة في المساجد وغيرها. سنجد أنّنا شعوب اعتادت على السرد والاستماع بشكل كبير في عملية التلقي، اللغة البصرية ومفرداتها ما زالت لغة فتية على الكثيرين منّا، على عكس الغرب الذي واكب طفرات نوعية على مستوى التشكيل على سبيل المثال. وعليه؛ استحضار الرواية هي محاولة لاستثمار عضلة السرد والتخيّل التي أجدها أكثر مرانًا ودربة عند المتلقي العربي. الأمر الثالث؛ إنّني اكتشفت مؤخًرًا أن معظم اشتغالاتي قائمة على خلق هجين بين نسقين مختلفين، لخوض تجربة مختلفة ومحاولة لخلق دهشة مختلفة. فأقوم بتحويل نص سينمائي للمسرح، أو الرواية في المسرح. أو استحضار السينما والمسرح في كتابة الرواية وهلمّ جرا».
أما الكاتب المسرحي العماني محمد خلفان والذي ارتأى أن يبدأ من «المسرح أبو الفنون»، قال: هل يجوز لكاتب مسرحي أن يعترف بقلة النصوص المسرحية متهما نفسه بعدم القدرة على الكتابة؟! إن كان ذلك لا يجوز له -ويفعله غيره- فدعيني أبدأ من تلك المقولة الكلاسيكية «المسرح أبو الفنون»، فهو الفن القادر على صهر الأجناس الأدبية في بوتقة واحدة هي الخشبة. نحن نعيش زمنا تتداخل فيه الفنون والأجناس الأدبية في فضاء واحد، وهو تداخل طبيعي ومشروع؛ لأنها تنبع من رحم الإبداع ذاته، وقد تصب في هدف واحد، وهنا تبرز مسألة التجريب بوصفها خيارا فنيا واعيا إضافة إلى كونها مغامرة جمالية، وأنا مولع بالتجريب، إنه يسمح لي بكسر القوالب وإعادة تشكيلها. أما السبب الأخير، وهو الأكثر حميمية، يتمثل في تشابهنا أنا وبعض الروايات، أقرؤها فأشعر أنني كاتبها، تتشبث بي حتى لا تكاد تفلتني، وهنا لا أملك إلا أن أحولها إلى عمل مسرحي أتنفس عبره.
وعلى الرغم من كون تحدي مسرحة الرواية تحديًا لم يقم به الروائي والمسرحي السعودي عبدالعزيز الصقعبي لكنه وصفه بالممتع، وعلل قائلا: «المكتبة العالمية والعربية تزخر بنصوص مسرحية كثيرة، آلاف الأعمال المسرحية المتاحة في المكتبة العربية، مثل مسرح توفيق الحكيم ومسرح نعمان عاشور ومسرح يوسف العاني وغيرها، أنا ممن يرى أن العودة للأعمال المسرحية وإعادة تنفيذها أهم في حال عدم توفر نصوص مسرحية حديثة، وليكن مسرحة الرواية والقصة في آخر المطاف».
تحولات فنية
كمعادلة كيميائية بتحولات معقدة، كيف يتعامل الممسرحون مع التحولات الفنية عند مسرحة الأعمال السردية لإنتاج جماليات جديدة؟ قال الشنفري: «أتعامل مع النص السردي كخامٍ ثريّ يمكن أن يُعاد تشكيله بصريًا ودراميًا؛ فالمسرحة ليست نقلاً حرفيًا، بل هي تحوّل جمالي يقوم على إعادة بناء الزمن والمكان والحدث بلغة المسرح أبدأ بتحديد البؤرة الدرامية في الرواية ثم أبحث عن اللحظات القابلة للتجسيد على الخشبة، التحولات الفنية هنا تقوم على تكثيف اللغة السردية إلى حوار واستبدال الوصف بالفعل وتحويل الرؤية إلى صورة مسرحية نابضة بالحياة». فيما رأى محمد خلفان أن الخيال هو الانطلاقة، يعتقد حسين عبد علي أن خطورة استحضار الرواية والسرد إلى عالم المسرح أو السينما تكمن في حالة عدم قدرة المخرج على مناطحة متخيّل القارئ. وقال: «عندما تكون مخيلة القارئ للرواية أوسع وأكبر مما سيراه على خشبة المسرح أو شاشة السينما سيشعر بثمة مسافة بينه وبين العمل. لذلك قلّة قليلة من المخرجين الذين استطاعوا استحضار السرد لأعمالهم المسرحية والسينمائية ونجحوا في ذلك، أجد أن فيلم «العطر» لـ توم تايكور والمقتبس من رواية باتريك زوسكيند، واحدا من الأعمال الناجحة. كذلك فيلم «حجر الصبر» لـ عتيق رحيمي الذي قام بتحويل روايته لفيلم سينمائي. كذلك أحببت مسلسل «مائة عام من العزلة» والذي كان ماركيز يرفض رفضًا قاطعًا تحويل روايته للسينما والتلفزيون.
على نطاق المسرح ثمة أعمال خرجت من رحم السرد واستطاعت أن تكون فارقة مثل مسرحية «ألف ليلة وليلة» لـ البريطاني تيم سبل أو حتى مسرحية المخرج الكويتي سليمان البسّام الذي استحضر «كليلة ودمنة».» وأشار الصقعبي إلى أن هنالك إبداعا يتضح من كتابة النص الروائي والقصصي وأيضاً المسرحي، إلى جانب الحرفة المهنية التي تتمثل في تهيئة النص للعرض المسرحي، وقال: «الإعداد المسرحي أو بالتحديد مسرحة العمل السردي تحتاج إلى مهارة واحترافية؛ لنقل الأحداث من النسق المسرود الذي يعتمد على الوصف والرواية إلى نص حركي تدب فيه الحياة يُرى ويُشاهد على خشبة المسرح».
قابلية المسرحة
في الحديث عما يجعل الأعمال الأدبية جاهزة لأن تصبح عروضا مسرحيا، وضع الصقعبي رواية «البؤساء» في مقدمة النماذج التي تم تنفيذها عن روايات على مستوى العالم، الأمر الذي جعلها حاضرة لعشرات السنين، وعزا ذلك إلى الاحترافية في تقديم العمل، الذي يجمع بين إعادة الصياغة والنسق الغنائي والموسيقي الذي يمثل الأساس، إضافة إلى قدرات الممثلين، وأضاف: «هنالك تجربة أخرى شاهدتها في القاهرة وهي عرض مسرحية «خالتي صفية والدير» التي جسدت رواية بهاء طاهر صوتًا وصورة، وهي عمل احترافي، استطاع الدراماتورج والمخرج تقديمه على خشبة المسرح دون الخلل ببنية الرواية».
ووجد الشنفري أن العمل الأدبي يصبح قابلاً للمسرحة حين يحتوي على صراع درامي داخلي أو خارجي، وشخصيات ذات أبعاد واضحة وبيئة يمكن ترجمتها بصريًا.
وقال: «النص الذي يطرح أسئلة وجودية أو قضايا إنسانية عامة هو نص يمتلك قابلية العرض في حالة «الشيخ الأبيض» وجدت أن الرواية تحمل بذور المسرح، وفي داخلها حوار مكبوت وصراعات سلطوية، ومواقف قابلة للتجسيد.»
فيما قال حسين عبد علي: «لم تكن الأعمال الأدبية جاهزة للعروض المسرحية في يومٍ من الأيام، بل على العكس هي بحاجة لإعدادها وغربلتها وإعادة تشكيلها لتدخل حيّز التمسرح، ناهيك أن عددا كبيرا أساسًا من النصوص المسرحية هي نصوص أدبية أقرب من كونها نصوصا مسرحية، وبالتالي حتى النصوص المسرحية بحاجة في الأغلب «لدوزتنها» لتكون نصوص بصرية مرئية ذات فعل»، ورأى محمد خلفان أن الكاتب المسرحي والكاتب الروائي يمران من الطريق ذاته، وهما يكتبان عمليهما، وقال: «إن سبق الروائي المسرحي في عبور الدرب، فإنه يكون قد اختصر عليه المسافة، خاصة إن وجد المسرحي في الرواية، بريق الحكاية، وجذوة الخيال، واكتمال أبعاد الشخصيات، وآمل ألا يفهم من كلامي تسطيح الفكرة- فمسرحة الرواية عمل شاق جدا- لكنَّه في يد الصائغ يتحول إلى عمل جمالي نابض بالحياة».
رؤية المؤلف
متى وكيف يتشوه العمل السردي الأصلي ولا يعود قادرا على استيعاب رؤية المؤلف ومقاصده؟ وكيف يتجنب الكاتب المسرحي ذلك؟، لا يرى محمد خلفان في الأمر تعارضا؛ لأن «الاشتغال المسرحي -نصا أو عرضا- الخارج من رحم رواية ما حسب تعبيره لا يعني أنَّه تابع لها، بل يرتبط بها برابط أخلاقي رفيع، كالحبل السري الذي يربط الأصل بالفرع، وما عدا ذلك، فلكل نصٍّ استقلاله، وعالمه الذي لا ينتمي بالضرورة إلى عالم النص الآخر». وأشار الشنفري إلى أنه يبدأ باحترام الرؤية الأصلية للمؤلف، وقال: «أتعامل مع النص بروح الشريك لا الخصم أدرس مقاصد الكاتب أولا ثم أحدد ما يمكن أن يتحول وما يجب أن يُحافظ عليه، أؤمن أن المسرحة ليست إعادة كتابة بل تفسير فني مواز يحترم الجوهر ويمنح العمل حياة جديدة دون أن يعتدي على نَفَسه الأصلي.»
وعرج حسين عبد علي على ظروف وقوانين التلقي التي تختلف اختلافا كلّيا بين قراءة عمل سردي ومشاهدته على خشب المسرح. قائلا: «القارئ يمتلك وقته وخلق مزاجه الخاص أثناء عملية التلقي، على عكس المسرح الذي يستدعي ظروفا وقوانين أخرى، منها محدودية التلقي، ومنها عملية التلقي تشمل الحواس الخمس. إدراك هذه الفروقات إلى جانب استيعاب الفقرات الرئيسية للنص السردي يساعد الكاتب والمخرج المسرحي على خلق منجزه بشكل يتوافق مع مؤلف النص السردي.» وقال الصقعبي: «لنتفق ليس كل رواية تصلح لأن تحول إلى فيلم سينمائي أو عرض مسرحي، عدد بسيط من الرواية التصاعد الدرامي بأحداثها واضحة، لذا فالكاتب المسرحي المتمرس عليه أن يكون حذرًا في تعامله مع النص الأساس، والشخصيات، ويحرص على عدم؟؟ إقحام شخصيات غير موجودة في الرواية، لا يبتكر أحداثا غير موجودة بالرواية وإلا سيتحول العمل إلى نص لا علاقة له بالرواية، بالطبع الأهم التنفيذ عبر رؤية الكاتب وبرؤية تضيف للنص الأساس ولا تشوهه».
حدود المسرح
وحول الاستراتيجيات الفنية لتكثيف الزمن وتطويع المكان من الرواية إلى خشبة المسرح، يرى حسين عبد علي أن جمالية المسرح تكمن على الاتفاق الضمني بين المتلقي والعرض والقائم على أنّ ثمّة كذبة تعرض على خشبة المسرح ولكنها بالغة الصدق حسب تعبيره. موضحا: «بمجرد أن يقف الممثل وسط الفراغ ويقول: «هذه الغابة واسعة»، نكون دخلنا اللعبة المسرحية ويحتم على المتلقي تخيّل هذا الفضاء على أنّه غابة، نتيجة الاتفاق الضمني المسبق بينه وبين العرض. وهذا ما كان يتحدّث عنه بيتر بروك في كتابه «المساحة الفارغة». على مستوى الزمن، بمجرد أن يتحول المسرح من الإظلام إلى الإنارة الشاملة سيشعر المتلقي أنّه وقد حلّ النهار. وبالتالي لم يكن الزمان والمكان عائقين في المسرح بل هما جزء من اللعبة. ومسرحية مثل مكبث سنجد أنّها تدور في: مكان في العراء، ثم المعسكر، القصر، القلعة، مكان ما من أسكتلندا، السهل وغيرها». فيما قال محمد خلفان: «أكتب كتابة مونتاجية، وهو مصطلح أستعيره من السينما، يتيح لي أن أتحكم بالزمن والمكان كما أريد، أن أضغط عقدا في مشهد، أو أفتح لحظة واحدة على فضاءات متعددة. ويتيح لي التجريب أن أتجاوز الحدود التقليدية للزمكانية المسرحية، فالتناص والتعالق مع النصوص لا يعني الالتزام بها، بقدر ما يمنح حرية الحركة في ضوء رؤية جديدة تبقي على روح الأصل، وتمنحه دلالة جديدة.» وقال الشنفري: أستخدم التكثيف الزمني والمكاني كأداة فنية فأختزل العقود في مشاهد رمزية، والمكان في فضاءات متحولة عبر الإضاءة والديكور المتعدد الاستخدام السينوغرافيا هنا تلعب دور الراوي البصري إذ تُسهم في تجاوز قيود الخشبة عبر توظيف الضوء، والإسقاطات المرئية، والانتقال الزمني بالموسيقى والحركة كما فعلت في مسرحية «سدرة الشيخ» حيث استعنتُ بتقنية الهولوجرام ذات الأبعاد الثلاثية في رسم المشهد الخلفي للمسرحية وبالتالي تنقلت بين عدة مشاهد المدينة والبحر والسوق والجبل في وقت واحد وكان الهدف هو الإيحاء لا المحاكاة والحضور لا التكرار.» وأشار الصقعبي إلى أن ذلك يعتمد على احترافية السينوغرافي والمخرج في تقديم العرض، والتقنيات الحديثة مثل الشاشات الخلفية الكبيرة وغيرها بدأت تساعد على ذلك.
ترجمة الشخصيات
حين تقفز الشخصية الروائية من الورق إلى الخشبة، يقف الممسرح بين عالمها الداخلي وفعلها الجسدي على المسرح، عملية يتمها الممسرحون كلٌّ على طريقته، يقول الشنفري عن طريقته: «أبدأ بترجمة العالم الداخلي للشخصية إلى أفعال جسدية ونبرات صوتية تعبّر عن مشاعرها ما يقوله السرد بالوصف أقوله بالحركة أو الصمت أو الإيماءة الشخصية لا تولد مسرحيًا إلا حين تنبض بالحياة على الخشبة أي عندما يتفاعل معها الجمهور بوصفها كائنًا حقيقيًا من لحم ودم لا مجرد حبر على الورق».
ووصف محمد خلفان تحرير الشخصية من الورق بقوله: «نمنحها الفضاء المسرحي الكامل، بموسيقاه ومكياجه وأزيائه، نحول عالمها الداخلي إلى لغة منطوقة وأخرى جسدية. وهنا تتحرر الشخصية من ورق الكتابة، لتنعتق على الخشبة، وتغدو راقصة بخفة، تؤثر في الجمهور بحميمية اللقاء المباشر، قد أبدو مبالغا، لكنها مبالغة في محلها، فالمسرح انعتاق».
وقال حسين عبد علي: «المسرح هو فعل فوري وحيوي يرتكز على (الآن). أي ما تراه على الخشبة يحدث الآن تمامًا. وهو ما يستوجب على الممثل أن يكون حاضرًا بجسد ومشاعر الشخصية (الآن) أيضًا، وبكل لحظة من لحظات العرض. فعلي سبيل المثال: «أهذا خنجر يلوح متجه المقبض نحو يدي» هو حوار أيٌّ كان يمكنه أن يقرأه، ولكن ماذا كان يشعر مكبث لحظتها، كيف نطق بها، كيف كان جسده هو ما يحاول استخراجه الممثل من بين الكلمات، كما يستخرج النحّات منحوته من داخل الحجر. وعندما يتحقق ذلك يكون استطاع تحويل الشخصية من ورقية إلى شخصية من لحم ودم وروح».
وأضاف عبدالعزيز الصقعبي: «في الفيلم السينمائي والعرض المسرحي مشهد لا يتجاوز الدقيقة يغني عن سرد ربما يحتل عشر صفحات في الرواية أو أكثر، بمصاحبة المؤثر الصوتي وحركة الجسد واللغة المكثفة، وقد يصل بصورة جيدة للجمهور».
تعويض السرد
في المسرحية يغيب سارد الرواية أو راويها العليم، لتحل محله شخصيات أو ربما أدوات، يقول محمد خلفان: «تتولى الشخصيات مجتمعة هذا الدور، فما يقوله الراوي العليم في الرواية تحياه الشخصيات في المسرح، إنَّها تحول السرد إلى حركة وصوت وانفعالات حية، يعيشها المتلقي مباشرة، الراوي العليم صوت واحد، أما الشخصية المسرحية الواحدة فهي أصوات متعددة، لأنها شخصية تنمو»، ويوضح حسين عبد علي: «الراوي أحيانًا يكون أحد الشخصيات الرئيسية في العمل المسرحي. وأحيانًا تلعب الشخصيات الدورين: الشخصية/ الراوي، بحيث يتقاطع التمثيل والسرد ويتداخل. بعض المسرحيات تلجأ لـ(الجوقة) باعتبارها الراوي العليم. بشكل عام اللعبة المسرحية قادرة على خلق حلولها خصوصًا مع التطور في التقنية حتى بلغ استخدام الشاشات أحيانًا لتكون جزءا من لعبة الراوي.» وقال الشنفري موضحًا العلامات المسرحية: «في المسرح لا يوجد راوٍ عليم، لذلك أستبدله بـالعلامات المسرحية: الحوار، والضوء، والموسيقى، والرمز البصري. أحيانًا أجعل إحدى الشخصيات تؤدي دور الراوي من داخل الحدث أو أستخدم المونولوج الداخلي لتجسيد الوعي. كما يمكن للمشهدية البصرية أن تقوم بدور السرد من خلال الإيحاء البصري بدلًا من الوصف اللفظي.» وأضاف عبدالعزيز الصقعبي: «عند الاحتياج يكون هنالك راوٍ يتحدث للجمهور، ربما يكون مكان الراوي العليم، ولكن بكلمات مختصرة ومباشرة، وهنالك من يعمد أن يجعل بعض شخوص المسرحية المساندة «ربما أشبه بالكومبارس» يتحدثون لإيصال الحدث والفكرة للجمهور».
قرارات الممسرح
خدمة للإيقاع المسرحي؛ يتخلى الممسرح عن أجزاء قد تكون مهمة في الرواية لكنها لا تخدم المسرحية، قرارات متتالية واختيارات حاسمة على الممسرح اتخاذها، قال الشنفري عن الأمر: «الاختيار يقوم على الإيقاع الدرامي لا العاطفة. أحتفظ بما يخدم تصاعد الحدث ويكشف عن جوهر الفكرة وأتخلى عن كل ما يُبطئ الإيقاع أو يشتت المتلقي، أحيانًا أُعيد معالجة بعض الأحداث لتناسب لغة المسرح فالغاية ليست الوفاء الكامل للنص بل الوفاء لروح العمل وجماليات العرض. كل قرار أتخذه مبني على سؤال جوهري: هل يخدم هذا المشهد الرؤية المسرحية؟ إن لم يفعل، أستبعده مهما كان جميلاً في الرواية» وأشار حسين عبد علي إلى «فقرات رئيسية تتشكل منها بنية الرواية، الوقوف عند هذه الفقرات إلى جانب الأحداث الرئيسية والفعل الحقيقي لحبكتها، قد يحقق بقدر كبير موازنة في نقلها من الحالة السردية إلى المسرحة. الفيصل هو إيقاع العمل المسرحي، بحيث تتمكن من سرد الحكاية بما يجعل المتلقي مشدود للعرض من فتح الستارة إلى إسدالها». فيما وجد محمد خلفان أن الخيال هو الفيصل، وجد الصقعبي أن «الأمر يتوقف للمعد أو الممسرح، هنالك أحداث وشخصيات لا تضيف للعمل الروائي وفكرته الرئيسة، أشبه بأمثلة تطرح لإيصال الفكرة، هنا تكمن قدرة المعد حيث يتضح استيعابه لبنية النص الروائي، وفكرته، وتطور أحداثه، أتذكر أنني شاهدت قبل سنوات طويلة عرض مسرحي أجنبي «لا أتذكر الدولة» لرواية « أحدب نوتردام» فقط بحركات الممثلين الإيمائية والموسيقى دون أي كلمة منطوقة أو مغناة، وهنا يكمن الإبداع، لحسن الحظ قد قرأت الرواية وقتها، وبدت حاضرة أمامي بالموسيقى وحركات الممثلين الإيمائية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النصوص المسرحیة على خشبة المسرح الکاتب المسرحی حسین عبد علی فی الروایة على الخشبة محمد خلفان عرض مسرحی فی المسرح من الورق إلى جانب مع النص أحیان ا مسرحی ا
إقرأ أيضاً:
أوجيه-ألياسيم ينهي مغامرة فاشرو في «ماسترز باريس»
باريس (أ ف ب)
أنهى الكندي فيليكس أوجيه-ألياسيم المصنف تاسعاً مغامرة فالنتين فاشرو من موناكو، والمشارك ببطاقة دعوة في دورة باريس لماسترز الألف نقطة، عندما تغلب عليه بسهولة 6-2 و6-2، وبلغ نصف النهائي، محافظاً على آماله في التأهل إلى بطولة «أيه تي بي» الختامية.
ويلتقي أوجيه-ألياسيم في دور الأربعة مع الأسترالي أليكس دي مينور السادس، أو الكازاخستاني ألكسندر بوبليك الثالث عشر، في سعيه لبلوغ المباراة النهائية الثانية في دورات ماسترز الألف نقطة في مسيرته الاحترافية، بعد مدريد العام الماضي عندما خسر أمام الروسي أندري روبليف.
وضرب الكندي بقوة منذ بداية المباراة بكسره إرسال فاشرو في الشوط الأول من المجموعة الأولى، ثم فعلها للمرة الثانية في الشوط الخامس متقدماً 4-1، قبل أن ينهيها في مصلحته 6-2 في 38 دقيقة.
وانتظر أوجيه-ألياسيم الشوط الخامس من المجموعة الثانية لكسر إرسال فاشرو، وتقدم 3-2 ثم كسره للمرة الثانية في الشوط السابع، ووسع تقدمه إلى 5-2 في طريقه إلى كسب خمسة أشواط متتالية، وحسمها في مصلحته 6-2 أيضاً في 39 دقيقة، وبالتالي بلوغ نصف نهائي دورة باريس للمرة الثانية في مسيرته، بعد الأولى عام 2022.
وقال أوجيه-ألياسيم الذي تفادى سيناريو مبارياته الثلاثة الأخيرة في باريس، عندما خسر المجموعة الأولى: «دخلت المباراة محاولاً البدء بشكل أفضل من مبارياتي الثلاث السابقة، وكنت دقيقاً جداً منذ البداية».
وأضاف «فاشرو واثق جداً من نفسه، وأنا كنت خائفاً نوعاً ما لأكون صادقاً، لست متأكداً مما إذا كان يمتلك سحراً لا يمتلكه أحد غيره، لكنه يلعب بشكلٍ لا يصدق».
وتابع «كان عليّ التركيز جيداً منذ البداية، وهذا المستوى من الحماس الذي أظهرته في الشوط الأول ساعدني على دخول المباراة بسهولة، وقدمتُ أداءً جيداً».
ويحتاج الكندي الآن إلى فوز واحد فقط، لتجاوز الإيطالي لورينتسو موزيتي الثامن في سباق منافستهما على البطاقة الثامنة الأخيرة المؤهلة للبطولة الختامية في تورينو في الفترة من التاسع إلى 16 نوفمبر المقبل، بمشاركة اللاعبين الأكثر حصداً للنقاط في رابطة اللاعبين المحترفين في عام 2025.
وأوقف أوجيه-ألياسيم سلسلة الانتصارات المتتالية الرائعة عند 10 في دورات الماسترز، والتي استهلها من الأدوار الإقصائية لدورة شنغهاي مطلع الشهر الجاري، عندما كان مصنفاً في المركز 204 في التصفيات، قبل أن يفاجئ الجميع بتتويجه باللقب، بفوزه على ابن خالته الفرنسي أرتور ريندركنيش في المباراة النهائية، بعدما أطاح قبلها ببوبليك والدنماركي هولجر رونه والصربي نوفاك ديوكوفيتش.
وبخروجه من ربع نهائي باريس، يملك فاشرو البالغ من العمر 26 عاماً، والمصنف 40 عالمياً حالياً، فرصة بلوغ أعلى تصنيف في مسيرته الاحترافية بدخول نادي الـ30 الأوائل الاثنين المقبل، وقد يُنهي موسمه في دورة متز (من 2 إلى 8 نوفمبر).