قال الدكتور محمود حامد الحصري، أستاذ الآثار واللغة المصرية القديمة المساعد – جامعة الوادي الجديد، إن الملك توت عنخ آمون هو الأيقونة الخالدة للحضارة المصرية القديمة، والأيقونة الذهبية للمتحف المصري الكبير.

وأضاف الحصري أن الملك الذهبي توت عنخ آمون، رغم سنوات حكمه القصيرة، إلا أنه يمثل الأيقونة الخالدة للحضارة المصرية القديمة، وبؤرة التركيز الرئيسية في المتحف المصري الكبير (GEM).

إن قصة هذا الفرعون الشاب هي قصة اكتشاف عظيم غير مسار علم الآثار، ومتحف عملاق وُلد ليحتضن كنوزه كاملة لأول مرة في التاريخ، مقدماً إياها للعالم برؤية حديثة تليق بعظمة هذا الكنز الذي يزيد عن 5398 قطعة أثرية. 

 الاكتشاف الأعظم في القرن العشرين

في أوائل القرن العشرين، كان عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر يعمل بتمويل من اللورد كارنارفون في منطقة وادي الملوك بالأقصر، التي اعتبرها الكثيرون قد استنفدت كنوزها بالفعل. بعد سنوات من التنقيب الشاق والمحبط، وصلت جهود كارتر إلى نقطة الانهيار في عام 1922، لكنه قرر خوض موسم أخير. في الرابع من نوفمبر عام 1922، اكتشف العامل الصغير حسين عبد الرسول بمحض الصدفة أول درجة من سلم مدفون تحت أنقاض مدخل مقبرة رمسيس السادس، وهي اللحظة التي قادت إلى فتح الباب على كنز أثري لم يمسه الزمن.

وبعد أيام من الحفر الدقيق، وصل كارتر إلى بابين مختومين، وعندما فُتحت فتحة صغيرة في الباب الأخير في 26 نوفمبر 1922، سأله اللورد كارنارفون بلهفة عما إذا كان يرى أي شيء، ليرد كارتر بعبارته الشهيرة: "نعم، أرى أشياء رائعة!". كانت المقبرة (KV62)، ورغم صغر حجمها مقارنة بمقابر الفراعنة العظام، هي المقبرة الملكية الوحيدة التي عُثر على محتوياتها سليمة وكاملة نسبيًا منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.

استغرقت عملية استخراج وتوثيق الكنوز نحو عشر سنوات، حيث كانت المقبرة مكتظة بالآلاف من التحف التي تعكس نمط الحياة الملكية وتفاصيل عقيدة البعث والخلود، من التوابيت والمقاصير الذهبية المتداخلة، مروراً بكرسي العرش والعجلات الحربية والمجوهرات، وصولاً إلى أدوات الطعام والملابس والألعاب. وأحدث هذا الاكتشاف ضجة إعلامية عالمية، محولاً الفرعون المغمور تاريخيًا إلى أشهر ملوك مصر.

الملك الصغير وتأثيره التاريخي

لم يكن توت عنخ آمون (الذي حكم مصر من 1334 إلى 1325 ق.م تقريباً) ملكاً محارباً أو بناءً عظيماً كـ تحتمس الثالث أو رمسيس الثاني؛ بل تعود أهميته التاريخية إلى عاملين رئيسيين: 

أولاً: موقعه في الثورة الدينية، حيث كان الابن الروحي للملك إخناتون (أمنحتب الرابع) الذي أعلن التوحيد وعبادة الإله آتون. توت عنخ آمون (الذي كان اسمه توت عنخ آتون سابقاً) قاد عملية العودة إلى عبادة الآلهة المتعددة وعلى رأسها آمون، مما أعاد الاستقرار الديني والسياسي للبلاد بعد فترة الاضطراب التي سببها إخناتون، ولهذا كان اسمه قد مُحي من قوائم الملوك لاحقاً.

ثانياً: الكنوز المذهلة والكاملة؛ فعلى الرغم من أن توت عنخ آمون لم يترك آثاراً معمارية ضخمة، إلا أن اكتشاف مقبرته بتلك الحالة الاستثنائية قدم للعالم وثيقة حية نادرة عن فنون وحرف وثقافة عصر الدولة الحديثة، وأهمها القناع الذهبي المصنوع من الذهب الخالص والمطعم بالأحجار الكريمة، وهو أيقونة الفن المصري القديم. كما كشفت دراسات مومياءه، عن تفاصيل حياته القصيرة وظروف وفاته المحتملة، مما أضاف بعداً إنسانياً وعلمياً لشهرته الأسطورية. إن القيمة الفنية والمادية والمعرفية لهذه المجموعة لا تقدر بثمن، مما يجعله بالفعل "الفرعون الذهبي" الذي لم تُنسَ قصته.

مقتنيات الملك توت عنخ آمون في موطنها الجديد بالمتحف الكبير

يُمثل المتحف المصري الكبير نقطة التحول التاريخية التي طال انتظارها لعرض كنوز توت عنخ آمون، حيث سيتم لأول مرة منذ اكتشاف المقبرة قبل أكثر من قرن، جمع وعرض المجموعة الكاملة للفرعون الشاب التي تبلغ حوالي 5398 قطعة أثرية في مكان واحد. هذا الجمع الكامل ينهي التشتيت التاريخي الذي عانت منه المجموعة، حيث كانت تُعرض جزئياً في المتحف المصري بالتحرير، وتُنقل بعضها بين المخازن أو تجوب العالم في معارض مؤقتة.

خصص المتحف الكبير قاعة ضخمة جداً، تبلغ مساحتها حوالي 7500 متر مربع، لتكون بمثابة "مملكة توت عنخ آمون". لم يقتصر العرض على التجميع فحسب، بل تم استخدام أحدث أساليب وتقنيات العرض المتحفي لتقديم رؤية متكاملة لقصة حياة ووفاة الملك. وتضم القاعة عرضًا لمراحل الدفن الأربع للملك، متسلسلة عبر أربع مقاصير مذهبة ضخمة، تعرض لأول مرة مجتمعة، بالإضافة إلى التوابيت الذهبية، وكرسي العرش المذهب، وأكثر من 3000 قطعة من المجوهرات والتمائم والأسلحة، بما في ذلك الخنجر المصنوع من حديد نيزكي نادر.

كما تهدف هذه القاعة إلى تقديم "سرد قصصي" وليس مجرد عرض لقطع صامتة؛ فباستخدام الإضاءة الحديثة، وفتارين العرض التي تضمن أعلى معايير الحفظ المتحفي، بالإضافة إلى المحتوى الرقمي التفاعلي، سيتمكن الزائر من تتبع مسيرة حياة الملك ومماته في رحلة بصرية ومعرفية، مما يجعل من المتحف المصري الكبير ليس مجرد خزانة للكنوز، بل وثيقة حية ومتكاملة تحكي سيرة الملك توت عنخ آمون بالكامل، وتؤكد على مكانته كأيقونة خالدة للحضارة المصرية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الملك توت عنخ آمون توت عنخ آمون المتحف المصري الكبير المتحف المصري الفرعون للحضارة المصریة المصریة القدیمة المصری الکبیر المتحف المصری توت عنخ آمون

إقرأ أيضاً:

"الأعلى للثقافة": المتحف المصري الكبير صفحة جديدة للحضارة المصرية والقوة الناعمة

قال الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، إن افتتاح المتحف المصري الكبير، يمثل فصلًا جديدًا من تاريخ الحضارة المصرية، ويعكس مكانة مصر على الصعيدين الثقافي والسياحي العالمي، موضحا أن مصر لطالما كانت منبع المعرفة للعالم، منذ عصر الفلاسفة مثل أفلاطون، الذي تلقى المعرفة من مصر، مؤكدًا أن المتحف الحالي يواصل هذا الدور التاريخي في نقل المعرفة والثقافة إلى العالم.

أحمد السعدني بالزي الفرعوني قبل افتتاح المتحف المصري الكبير.. صورة نوفمبر بلمسة تاريخية.. أحداث غيرت مسار التاريخ المصري وآخرها افتتاح المتحف غدًا كل قطعة داخل المتحف تحمل قيمة عالمية استثنائية

وأشار ريحان، خلال مداخلة عبر قناة اكسترا نيوز، إلى أن كل قطعة داخل المتحف تحمل قيمة عالمية استثنائية، بدءًا من تمثال رمسيس الثاني، الذي خضع لرحلة طويلة من أسوان إلى الموقع الحالي، مرورًا بالمسلات والمومياوات والقطع الأثرية الأخرى، مضيفا أن المتحف لا يكتفي بعرض القطع فقط، بل يقدم تجربة تعليمية وتفاعلية للزائرين، منها: «استخدام تقنيات الواقع المعزز والـكيو آر كود لشرح كل قطعة بالتفصيل، وعروض ثلاثية الأبعاد تفاعلية لتجسيد الحضارة المصرية القديمة، بالإضافة إلى إدماج برامج تعليمية لتعليم الحرف والفنون المصرية القديمة».

المتحف صُمم ليكون رمزًا وطنيًا يجمع بين الفرح والمعرفة

وأكد «ريحان» أن المتحف صُمم ليكون رمزًا وطنيًا يجمع بين الفرح والمعرفة، ويخلق تفاعلًا بين الأجيال المختلفة، من الأطفال والشباب إلى الكبار، ويحفز على الحفاظ على التراث والعمل على تنمية مصر، قائلاً: «المتحف يمثل أيقونة حضارية لنستمد منها الإلهام لنعمر بلدنا ونستمر في بناء مصر العظيمة، وشعبها يستحق هذه الفرحة وهذا الحدث التاريخي».
 

مصر علي موعد مع التاريخ في افتتاح المتحف المصري الكبير


- بدأت مصر تخطط لإنشاء أكبر متحف للآثار في العالم منذ أكثر من عشرين عامًا ويجمع بين عبق الماضي وروح الحاضر.

- وضع حجر الأساس للمتحف المصري الكبير عند سفح أهرامات الجيزة، في موقع فريد يجمع بين أعظم رموز التاريخ الإنساني في عام 2002

- مر المشروع بعدة مراحل من البناء والتصميم، شارك فيها مئات الخبراء والمهندسين من مصر والعالم، حتى تحول  الحلم إلى حقيقة ملموسة على أرض الجيزة.

- واجه المشروع تحديات كثيرة، لكن الإرادة المصرية لم تتراجع لحظة واحدة وفي كل عام، كانت تقترب الخطوة أكثر من الافتتاح الكبير.

- يقف المتحف المصري الكبير جاهزًا ليستقبل زواره من كل أنحاء العالم، واجهة زجاجية ضخمة تطل على الأهرامات، وقاعات عرض مجهزة بأحدث تقنيات الإضاءة والحفظ والعرض المتحفي.

- أكثر من خمسين ألف قطعة أثرية تعرض داخل هذا الصرح، من بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون لأول مرة في التاريخ، داخل قاعة مصممة لتأخذ الزائر في رحلة إلى قلب مصر القديمة.

- من أهم مقتنيات توت عنخ آمون التي ستعرض في المتحف ( التابوت الذهبي- قناع الملك- كرسي العرش- والخنجر).

- يضم المتحف تمثال الملك رمسيس الثاني الذي استقر في موقعه المهيب داخل البهو العظيم.

- في الأول من نوفمبر، تفتتح مصر أبواب المتحف المصري الكبير للعالم أجمع، افتتاح يعد صفحة جديدة في تاريخ الحضارة، واحتفاء بجهود أجيال عملت على صون تراث لا مثيل له.

- المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى بل رسالة من مصر إلى العالم، بأن الحضارة التي بدأت هنا لا تزال تنبض بالحياة.
 

مقالات مشابهة

  • حان الوقت لتصحيح المفاهيم | أستاذ آثار لـ “صدى البلد”: اسمها الحضارة المصرية وليس الفرعونية.. لهذا السبب
  • أستاذ آثار: كنت أتمنى رؤية تمثالا رع حتب ونفرت بالمتحف المصري الكبير
  • المتحف المصري الكبير.. أكبر مجموعة أثرية للحضارة القديمة
  • رحلة إنقاذ كنوز الملك الذهبي.. كواليس ترميم آثار توت عنخ آمون بالمتحف المصري الكبير
  • صحيفة يونانية: المتحف المصري الكبير فجر جديد للحضارة التي شكلت العالم
  • أستاذ آثار: المتحف المصري الكبير لا يقل أهمية عن السد العالى
  • مصطفى وزيري: المتحف المصري الكبير يربط بين الحداثة والعظمة التاريخية للحضارة المصرية
  • الوجبات الأخيرة التي كان يأكلها الملك توت عنخ آمون (شاهد)
  • "الأعلى للثقافة": المتحف المصري الكبير صفحة جديدة للحضارة المصرية والقوة الناعمة