فلا تظالموا .. ما المقصود بالحديث القدسي: «إني حرمت الظلم على نفسي»؟
تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن الله سبحانه وتعالى حرم الظلم، موضحًا أنه في الحديث القدسي: «قال الله عز وجل: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا»، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (مسلم).
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعإلى أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"، حديث قدسي جليل يضيء لنا آفاق الحياة، ويرشدنا إلى سبيل النجاة، ويغرس الأمل في قلوب الحيارى الذين أنساهم الشيطان أنفسهم، وأنساهم استحضار الشكر على نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى.
وبين أن الآيات كثيرة في تحريم الظلم بجميع أنواعه وفي كل المجالات؛ في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن هنا جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحاكم العادل من أهل الجنة، فقال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ.. » إلى آخر الحديث) ( البخاري ومسلم)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» (أخرجه البزار والطبراني)، وقال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» (رواه الترمذي وغيره)، وقال: «المحتكر ملعون» (الحاكم في المستدرك).
كما نهى عن التلاعب بأقوات الخلق، وبيَّن أن الجوع يدعو إلى الرذيلة حتى يدفع الناس إلى المعصية، وجعل صلى الله عليه وآله وسلم من رق قلبه وقام بما فرضه الله عليه من واجب سببا لتفريج الكربات في الدنيا والآخرة، فحكى لنا قصة الثلاثة الذين حبسوا وراء صخرة، فدعوا الله أن يفرج عنهم بأعمالهم الصالحة، وكان فيهم من تذكر الله وقام بما فرضه الله عليه من معونة وامتناع عن المعصية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَت: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً، قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ..» ( البخاري ومسلم).
كما حرم الله سبحانه وتعالى الغش، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (صحيح مسلم)، وحرم الله سبحانه وتعالى عدم الاهتمام بأمر الناس فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» (رواه أبو داود والترمذي)، وقال: «مَنْ لا يَرْحَم لا يُرْحَم» ( البخاري ومسلم) وقال: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» (رواه الطبراني في معجميه الأوسط والصغير)، وجعل من علامات الساعة أن يوسد الأمر إلى غير أهله، وهنا سنفقد كل تلك المعاني من العلم ومن الإخلاص ومن الهمة.
وتابع: إدراك المآلات والأسباب الحقيقية الكامنة، وهنا ينبهنا الله سبحانه وتعالى ألا نقف عند مجرد الظواهر، قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: 7]، وفي حديث الحديبية دروس كثيرة لإدراك المآلات وكيف لم يستجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقول عمر: "لِمَ نقبل الدنية في ديننا" حتى يفك الحصار الذي فرضه المشركون في الجنوب في مكة واليهود في الشمال في خيبر بعد أن اتفقوا على غزو المدينة من الجهتين.
وشدد أن نخلص النية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبدون إخلاص النية لله لا أمل في الخلاص من المشكلات، قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة الظلم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم الله سبحانه وتعالى ى الله ع
إقرأ أيضاً:
متى لا تُقبل صلاة الفجر؟ .. وما حكم تأخيرها وسنتها إلى الشروق
حكم تأخير صلاة الفجر وسنته إلى ما قبل الشروق احترازاً لدخول وقتها.. سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي، حيث يقول سائل: ما حكم تأخير سُنةَ الفجرِ إلى بعد صلاة الصُّبح احتياطًا لِلتأكد مِن دُخُول الوقت؟
تأخير صلاة الفجر وسنته إلى ما قبل الشروقوقالت الإفتاء في جوابها لا يجوز تأخير سنة الفجر إلى ما بعد صلاة الفريضة؛ بدعوى عدم صحة توقيت صلاة الصبح؛ فالتوقيتُ الحاليُّ لصلاة الفجر صحيحٌ يَجبُ الأخذُ به؛ لأنه ثابِتٌ بإقرارِ المُتخصِّصين، وهو ما استَقَرَّت عليه اللِّجانُ العِلمية.
وبينت أن دعوى الخطأ في ذلك دعوى باطلة وغير قائمة على علم شرعيٍّ أو كونيٍّ صحيح؛ فهي صادرة عن غير المتخصصين، وفيها تجاوز لأهل الذكر وأولي العلم، وتفريقٌ لاجتماع المسلمين على ما ارتضاه الله لهم من الأخذ بما قال بصحته العلماء والمتخصصون، فلا يجوز القول بذلك ولا نشره في الناس، ولا ينبغي إثارةُ أمثالِ هذه المسائلِ إلَّا في الدوائر العِـلميةِ المتخصصة.
كما قالت دار الإفتاء إن الفجر يُعْرَفُ بعلاماته التي جعلها الشارع أسبابًا دالةً عليه، وذلك بانتشار ضوئه المستطير في الأفق؛ كما بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بسنته بيانًا واضحًا: فرَّق فيه بين الفجر المستطير الصادق الذي يدخل به وقتُ صلاة الفجر والذي ينتشر ضوؤه يمينًا وشمالًا، وبين الفجر المستطيل الكاذب الذي هو كهيئة المخروط المقلوب.
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ، وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الفَجْرُ»، وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل «حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا»، وقال زهير -أحد رواة الحديث- بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى، ثم مدها عن يمينه وشماله.
كما بينت الإفتاء أن صلاة الفجر صحيحة إذا صُلّيت قبل طلوع الشمس، لا خلاف في ذلك بين الأئمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَوَقْتُ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ) رواه مسلم، وإنما وقع الخلاف بينهم في تحديد وقت الفضيلة، هل هو أول طلوع الفجر الصادق، أم بعد ذلك بوقت بحيث يظهر النور وتنكشف الظلمة؟
وتابعت: ما يقع في بعض الدول الإسلامية من تأخير صلاة الفجر سببه أنهم من أتباع المذهب الحنفي، الذي يعتبر أن الإسفار (الإضاءة أو وقت ظهور النور وانكشاف الظلمة) في الفجر هو وقت الفضيلة؛ أي أنه أفضل وقت لأداء صلاة الفجر، وليس أول طلوع الفجر كما هو مذهب الجمهور.
جاء في "الهداية" من كتب الحنفية: "يُستحب الإسفار بالفجر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ) رواه الترمذي، وقالوا فيه (في حد الإسفار في الفجر): "أن يبدأ في وقت يبقى منه بعد أدائها إلى آخر الوقت ما لو ظهر له فساد صلاته أعادها بقراءة مسنونة مرتلة ما بين الخمسين والستين آية قبل طلوع الشمس، ولا يظن أن هذا يستلزم التغليس إلا من لم يضبط ذلك الوقت" ينظر: "فتح القدير" (1/ 226).
وشددت بناء على ذلك: ففي مذهب الحنفية يُصلون الفجر في وقت بحيث يبقى بعد فراغهم منها مقدار ما يسع الصلاة بطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، وقراءة ما بين الخمسين والستين آية غير الفاتحة.
أما جمهور الفقهاء فوقت الفضيلة عندهم الغلس (الظلمة أو السَّوَادُ الْمَخْلُوطُ بِالْبَيَاضِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ) في الفجر؛ أي الصلاة أول تحقق طلوع الفجر؛ وأدلتهم على ذلك كثيرة، حيث يقول الإمام النووي رحمه الله: "احتج أصحابنا بقول الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) البقرة/238، ومن المحافظة تقديمها في أول الوقت؛ لأنه إذا أخرها عرَّضها للفوات، وبقول الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) آل عمران/133، والصلاة تحصل ذلك.
وجاء عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المئة) رواه البخاري ومسلم.
كما جاء عن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح بغلس) رواه البخاري ومسلم. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (كنت أتسحر في أهلي ثم يكون سرعة بي أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري.
وروي عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، لم يعد إلى أن يسفر) رواه أبو داود بإسناد حسن.
وأما الجواب عن حديث رافع بن خديج (أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ) فمن وجهين:
أحدهما: أن المراد بالإسفار طلوع الفجر، وهو ظهوره. فإن قيل: لا يصح هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه أعظم للأجر)؛ لأن هذا يدل على صحة الصلاة قبل الإسفار، لكن الأجر فيها أقل. فالجواب أن المراد أنه إذا غلب على الظن دخول الوقت ولم يتيقنه جاز له الصلاة، ولكن التأخير إلى إسفار الفجر وهو ظهوره الذي يتيقن به طلوعه أفضل. وقيل: يحتمل أن يكون الأمر بالإسفار في الليالي المقمرة؛ فإنه لا يتيقن فيها الفجر إلا باستظهار في الإسفار.
والثاني: ذكره الخطابي أنه يحتمل أنهم لما أمروا بالتعجيل صلوا بين الفجر الأول والثاني طلبًا للثواب، فقيل لهم: صلوا بعد الفجر الثاني، وأصبحوا بها، فإنه أعظم لأجركم. فإن قيل: لو صلوا قبل الفجر لم يكن فيها أجر؟ فالجواب: أنهم يؤجرون على نيتهم، وإن لم تصح صلاتهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر)" انتهى باختصار من "المجموع" (3/ 51).
وشددت: فالكل له أدلته، ولا يُنكَر على أحد في مسائل الخلاف، فمن أخذ بواحد من الرأيين فهو على خير بإذن الله، ولكن الذي نفتي به ونراه أقرب للصواب هو قول جماهير العلماء، بأن أفضل وقت لأداء صلاة الفجر هو أول طلوع الفجر.