الأسبوع:
2025-11-03@13:02:34 GMT

مصر.. حين تتكلم الحجارة ويُبعث التاريخ من جديد

تاريخ النشر: 3rd, November 2025 GMT

مصر.. حين تتكلم الحجارة ويُبعث التاريخ من جديد

في أرضٍ لا تُقاس فيها الأعمار بالقرون، بل بالعصور، تنهض مصر كأنها تكتب من جديد سطرًا في سجلّ الخلود الإنساني. هناك، على ضفاف النيل، حيث صاغ الإنسان أول حروفه ورفع أول حجر باتجاه السماء، تجدد الأمة المصرية حضورها في مشهدٍ يعيد الذاكرة إلى لحظة التكوين الأولى للحضارة.

لم تكن مصر يومًا مجرد جغرافيا على الخريطة، بل كانت عبقرية الزمان والمكان كما وصفها جمال حمدان، ملتقى التاريخ والخيال، ومختبرًا دائمًا لقدرة الإنسان على تحدي الفناء.

واليوم، مع افتتاح المتحف المصري الكبير عند أقدام الأهرامات، تعود مصر لتعلن أن الحضارة لا تُصنع بالشعارات، بل بالإرادة التي تهزم الموت وتُعيد للأشياء روحها الأولى.

ذلك الصرح الذي طال انتظاره لم يكن مجرد مشروع ثقافي أو سياحي، بل هو فعل وجودي في زمنٍ تتآكل فيه الذاكرة.

إن جمع مائة ألف قطعة من آثار حضارة امتدت آلاف السنين، وترتيبها في عرضٍ يليق بالإنسان المصري القديم، هو إعادة تعريف للذات الوطنية في زمن العولمة التي تسعى إلى طمس الهويات.

افتتاح المتحف ليس حدثًا معماريًا بقدر ما هو لحظة تأملٍ في معنى أن تكون مصريًا. ففي كل حجرٍ من تلك الأحجار المسلّطة بالضوء، تقف روح حتشبسوت وإخناتون ورمسيس لتحاور الحاضر. مصر هنا لا تستعرض ماضيها، بل تضعه في مواجهة الحاضر لتقول للعالم: إننا لم نغادر المسرح منذ فجر التاريخ، بل كنا نعيد كتابة النص في كل فصلٍ من فصول الزمن.

ومن بين ضوء المشاعل وأصوات الموسيقى التي ملأت أجواء الافتتاح، لم يكن الاحتفال مجرد طقسٍ بروتوكولي، بل كان عودة الروح إلى الجسد المصري الذي أنهكته السياسة وأرهقته التحولات. مشهدٌ يعيد الاعتبار إلى ثقافة الجمال والمعنى، بعد أن ساد زمن الضجيج والعبث.

المتحف المصري الكبير ليس فقط “بيت الآلهة القديمة”، بل هو مرآة لمستقبلٍ يتعيّن على مصر أن تراه بوضوح — مستقبل يربط الأصالة بالحداثة، ويُثبت أن الحضارة ليست ما نعرضه للسائحين، بل ما نحمله في وعينا الجمعي من قيم الخلق والإبداع.

ولعل دلالة الحدث تتجاوز حضور الملوك والرؤساء إلى رمزية أعمق: أن مصر، رغم ما تمر به من تحديات، قادرة على أن تُنتج الجمال حين يشيع القبح، وأن تبني حين ينهدم العالم من حولها. فالمتحف هو رسالة سلام، ومتحفٌ للإنسان قبل أن يكون متحفًا للآثار.

افتتاح المتحف المصري الكبير في هذه اللحظة التاريخية ليس نهاية مشروع، بل بداية سؤالٍ وجودي:

هل نستطيع أن نعيد بناء الإنسان المصري كما بنينا المتحف؟

فالأوطان، مثل الحضارات، لا تُقاس بحجم حجارتها، بل بوهج أرواح أبنائها.

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية

[email protected]

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: المتحف المصري الكبير الحضارة المصرية افتتاح المتحف المصري الكبير افتتاح المتحف الكبير الملوك والرؤساء

إقرأ أيضاً:

عصام السقا عن افتتاح المتحف المصري: مصر دايمًا بلد التاريخ

أشاد الفنان عصام السقا، بحفل افتتاح المتحف المصري الكبير، فخورًا بتلك المناسبة.

وكتب السقا عبر حسابه الشخصي بموقع إنستجرام: "لحظة عظيمة... في بلد عظيمة... لشعب أعظم
المتحف المصري الكبير
شاهد جديد على إن مصر دايمًا بلد التاريخ".

المتحف المصري الكبير 

ويُعدّ المتحف المصري الكبير، الواقع بجوار أهرامات الجيزة، أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، حيث يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تجسد تاريخ مصر عبر العصور، من بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون التي تُعرض لأول مرة كاملة في مكان واحد.

طباعة شارك الفنان عصام السقا افتتاح المتحف المصري الكبير المتحف المصري الكبير إنستجرام أهرامات الجيزة

مقالات مشابهة

  • عصام السقا عن افتتاح المتحف المصري: مصر دايمًا بلد التاريخ
  • الملكة رانيا: افتتاح المتحف المصري الكبير جسد التاريخ والحاضر
  • ريهام العادلي تكتب: المتحف المصري الكبير.. حين تعانق مصر ماضيها لتبهر العالم من جديد
  • من هي شيرين طارق أحمد التي شاركت في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير؟
  • من هي شيرين أحمد طارق التي شاركت بحفل افتتاح المتحف المصري الكبير؟
  • الرئيس السيسي: المتحف المصري الكبير ليس مجرد مكان لحفظ الآثار بل شهادة على عبقرة الإنسان الذي شيد الأهرام
  • أحمد عز: المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى بل رسالة حضارية للعالم
  • صحيفة يونانية: المتحف المصري الكبير فجر جديد للحضارة التي شكلت العالم
  • عبد السلام فاروق يكتب: هنا تتكلم الحضارة