د. محمد عسكر يكتب : حين تصبح التكنولوجيا مرآة لتقدم الأمم : أين يقف العرب اليوم؟
تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT
لم يعد الحديث عن التكنولوجيا ترفاً أو شأناً يخص الدول المتقدمة فحسب؛ بل أصبحت التكنولوجيا اليوم جزءاً لا يتجزأ من حياة كل فرد في مجتمعاتنا العربية، من الهاتف المحمول في يد الطالب، إلى المنصات الرقمية التي يعتمد عليها الموظف في إنجاز أعماله، وصولاً إلى الحكومات التي تبنت التحول الرقمي لتيسير الخدمات. ومع ذلك، يبقى السؤال المطروح بإلحاح: هل نحن في العالم العربي نستخدم التكنولوجيا إستخداماً منتجاً يحقق النهضة والتنمية، أم أننا ما زلنا عالقين في مرحلة الإستهلاك والإنبهار بالتقنيات القادمة من الخارج؟
لقد شهد العالم العربي خلال العقدين الأخيرين تحولات جذرية في طريقة تعامله مع التكنولوجيا.
وفي مجال الخدمات الحكومية، برزت نماذج عربية ملهمة في التحول الرقمي، مثل منصة "أبشر" في المملكة العربية السعودية، و"مصر الرقمية" التي فتحت الباب أمام ملايين المواطنين لإنجاز معاملاتهم دون الحاجة إلى طوابير المؤسسات الحكومية. هذه الخطوات لم تسهم فقط في رفع كفاءة الأداء الحكومي، بل عززت أيضاً من ثقة المواطن في قدرة مؤسسات بلاده على مواكبة التطور العالمي.
كذلك، أسهمت التكنولوجيا في فتح آفاق جديدة لريادة الأعمال، فشهدنا صعود شركات عربية ناشئة في مجالات الذكاء الإصطناعي والتجارة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية. شباب عربي طموح بدأ يستخدم التكنولوجيا كأداة للابتكار والإنتاج، لا مجرد وسيلة للتسلية أو الترفيه. من القاهرة إلى دبي، ومن الرياض إلى الدار البيضاء، تتشكل خريطة جديدة لريادة الأعمال الرقمية تحمل في طياتها بذور مستقبل إقتصادي واعد.
لكن الصورة ليست وردية بالكامل. فما زالت المجتمعات العربية تواجه عدة تحديات تحول دون تحقيق الإستخدام الأمثل للتكنولوجيا. أول هذه التحديات هو الطابع الإستهلاكي الذي يطغى على تعاملنا مع الوسائل التقنية. فالغالبية تستخدم التكنولوجيا للتواصل الإجتماعي والترفيه، بينما يظل المحتوى العربي الرقمي الفعّال في مجالات العلم والمعرفة محدوداً. وحتى في ميادين العمل والإنتاج، غالباً ما نعتمد على حلول وتقنيات أجنبية بدلاً من تطوير أدواتنا وبرامجنا الخاصة.
ثم هناك الفجوة الرقمية بين المدن الكبرى والمناطق الريفية، حيث لا يزال الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة أو البنية التحتية الرقمية يمثل تحدياً حقيقياً في بعض الدول. هذا التفاوت لا يعني فقط حرمان بعض الفئات من مزايا التكنولوجيا، بل يكرّس فجوة إقتصادية وإجتماعية يصعب سدها دون سياسات واضحة للدمج الرقمي.
ويضاف إلى ذلك ضعف الثقافة الرقمية لدى شرائح واسعة من المستخدمين. فكثير من الناس لا يدركون خطورة نشر معلوماتهم الشخصية أو التعامل مع مصادر مجهولة على الإنترنت، مما يجعلهم عرضة للإختراق أو التضليل أو الوقوع في فخ الأخبار الزائفة.
التكنولوجيا ليست مجرد أدوات، بل منظومة فكرية وسلوكية تحتاج إلى وعي وتربية رقمية منذ المراحل التعليمية الأولى.
أما التحدي الأكبر فى وجهة نظرى فيكمن في الإعتماد المفرط على التكنولوجيا المستوردة. فالمجتمعات العربية، رغم تقدمها في مجالات الإستخدام، لا تزال متأخرة في الإنتاج التكنولوجي. معظم البرمجيات، والأنظمة، والأجهزة التي نعتمد عليها تأتي من الخارج، مما يجعلنا في موقع المستهلك لا المنتج، ويؤثر على إستقلالنا الرقمي وأمننا المعلوماتي.
من هنا، فإن الطريق إلى مستقبل رقمي عربي أكثر نضجاً يبدأ من التحول من ثقافة الإستهلاك إلى ثقافة الإنتاج. وهذا يتطلب إستثماراً حقيقياً في التعليم التقني والبحث العلمي، وتشجيع الشباب على الإبتكار وريادة الأعمال، ودعم المحتوى العربي الرقمي في مجالات المعرفة والعلوم والثقافة. كما ينبغي أن ترافق هذه الجهود سياسات وطنية واضحة لتعزيز الأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية.
لقد أثبتت التجربة أن التكنولوجيا ليست هدفاً في ذاتها، بل وسيلة للنهوض والتقدم إذا أُحسنَ إستخدامها. وإذا استطاعت المجتمعات العربية أن توظف طاقاتها البشرية الهائلة، وثرواتها الرقمية المتزايدة، في بناء بيئة تقنية منتجة ومستقلة، فإنها ستكون قادرة ليس فقط على اللحاق بركب الثورة الصناعية الرابعة، بل على أن تكون فاعلاً رئيسياً فيها.
دكتور /محمد عسكر
إستشارى نظم المعلومات والأمن السيبرانى
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التكنولوجيا صدى البلد البرلمان فی مجالات
إقرأ أيضاً:
حزمة من الدورات المتخصصة للطلبة ضمن برنامج المختبر الرقمي
انطلقت بمركز الامتياز في مجمع الابتكار مسقط فعاليات النسخة الثانية من برنامج المختبر الرقمي، الذي ينفذه مركز الامتياز لتقنيات الاتصالات المتقدمة وإنترنت الأشياء التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ويستمر حتى 10 من ديسمبرالمقبل.
يستهدف البرنامج تدريب الطلبة من الفئة العمرية (11-16 سنة) على المهارات الأساسية في البرمجة والترميز، من خلال حزمة من الدورات المتخصصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الروبوتات، الإلكترونيات، وتطوير الألعاب، بإشراف مجموعة من المدربين المتخصصين.
وتُنفذ الدورات بشكل أسبوعي بواقع ثلاثة أيام في الأسبوع (الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء)، بمشاركة مجموعة من المدارس الحكومية، وهي: مدرسة كعب بن زيد، ومدرسة محمد بن علي المنذري، ومدرسة أم سعد الأنصارية، ومدرسة فاطمة بنت الوليد، وبمعدل 400 طالب وطالبة على مدى فترة البرنامج.
يأتي تنظيم هذا البرنامج في إطار جهود الوزارة الرامية إلى تعزيز ثقافة الابتكار الرقمي لدى الناشئة، وتنمية قدراتهم في مجالات التقنية الحديثة، بما يتوافق مع مستهدفات "رؤية عُمان 2040" في بناء مجتمع معرفي قائم على الإبداع والابتكار.
وأكدت المهندسة خديجة الجابرية، مديرة مركز الامتياز،: يهدف البرنامج إلى تمكين الطلبة من مهارات المستقبل، وصقل قدراتهم العملية في مجالات التقنية، مضيفةً أن النسخة الثانية من البرنامج تأتي بعد نجاح النسخة الأولى، مع تطوير محتوى التدريب، وتوسيع نطاق المشاركة المدرسية.