محمد مندور يكتب: الموسوعة العربية الشاملة.. حكاية الشارقة والأمن المعرفي
تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT
نعيش حاليا في زمن تتزاحم فيه الأصوات وتتسارع فيه الخطوات نحو التطور الرقمي والذكاء الاصطناعي ونواجه فيه تحديات كثيرة ثقافية ومعلوماتية. لكن من حسن طالع هذا الجيل ان يشهد إطلاق مشروع ثقافي استثنائي يطل علينا من الشارقة.. هذا المشروع من وجهة نظري يعيد ترتيب الذاكرة العربية والأمن المعرفي العربي على أسس العلم والمعرفة.
ذلك الإعلان لم يكن مجرد خبر بل لحظة تأسيس مشروع جديد في تاريخ الثقافة العربية تنقلنا من عصر التشتت المعرفي والأخطاء التوثيقية إلى عصر التوثيق الشامل الدقيق .
يرتبط هذا الاعلان بحدث آخر مهم .. فمنذ قرن كامل حين تأسست أول مكتبة في الشارقة عام 1925 اختارت إمارة الشارقة أن تجعل من الكتاب بوابة للمستقبل ومن الثقافة جسرا للتنمية والهوية. واليوم تأتي الموسوعة العربية لتتوج هذا المسار بوصفها مشروعا علميا ثقافيا بحجم الأمة كلها.. مشروع يحمل على عاتقه مهمة تعريف العلوم والمصطلحات وتوثيق سير العلماء والأدباء والفلاسفة الذين أسهموا في بناء الحضارة العربية والإسلامية.. بل والإنسانية جمعاء.
الحقيقة أن هذه الموسوعة لا تقتصر على جمع المعلومات فقط بل هي محاولة لإعادة بناء الوعي العربي على أسس من المعرفة الدقيقة.. بعيدا عن التجزئة والسطحية التي لحقت بالكثير من منابعنا المعرفية الحديثة. فهي تضع بين أيدي الباحثين والطلاب والمفكرين مرجعا علميا موثوقا.. يربط الماضي بالحاضر.. ويعرف الأجيال الجديدة بميراثها الحضاري والفكري بلغة علمية رصينة وتوثيق أكاديمي لا يترك للمعلومات المغلوطة موطئ قدم في خضم انتشار المعلومات المزيفة خاصة في العالم الرقمي.
من وجهة نظري ان هذا المشروع الضخم تتجلى فيه فلسفة الشارقة الثقافية كما أرادها حاكمها العالم المثقف سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي .. تلك الفلسفة القائلة إن المعرفة ليست ترفا بل مسؤولية وان الثقافة لا تزدهر إلا حين تجد من يحميها من النسيان. وبالتالي تأتي هذه الموسوعة بوصفها هوية ثقافية تعيد الاعتبار للغة العربية بوصفها لغة العلم والفكر والتاريخ.
المشروع أيضا يحمل بعدا استراتيجيا في زمن تتنازع فيه الأمم على سردياتها. ففي حين تكتب الشعوب المتقدمة تاريخها بأقلامها، ظل التاريخ العربي والإسلامي لعقود طويلة يروى من منظور الآخر. لكن الحمد لله الذي نرى فيه اليوم الذي تعيد فيه الشارقة هذا الحق لأصحابه وتقول بوضوح.. إن الأمة التي لا تكتب معرفتها بيدها ستكتب عنها بما لا يليق بها.
ومن المؤكد أيضا ان إطلاق هذه الموسوعة يتجاوز حدود الثقافة إلى مجال الأمن المعرفي.. فهي تسهم في توطين المعرفة وتمنح الأجيال القادمة أدوات الفهم والتحليل وتعيد الاعتبار لقيم البحث والتأمل في زمنٍ تطغى فيه المعلومات السطحية. إنها ببساطة مشروع أمة.. لا مشروع إمارة أو دولة فقط.
فهنيئا للعرب امتلاكهم مرجعهم الموسوعي الجامع لكي يعيدوا صياغة صورتهم الحضارية بأيديهم، فالعالم الآن أحوج ما يكون إلى صوت عربي عقلاني يوثق لا يردد.. يفكر لا يقلد.
فالكتاب ليس غاية في ذاته بل وسيلة لإحياء الأمة من جديد.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الشارقة معرض الشارقة الموسوعة العربية الشاملة الموسوعة العربیة
إقرأ أيضاً:
وزارة الثقافة تشارك في النسخة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب
تشارك وزارة الثقافة في النسخة الرابعة والأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي انطلقت فعالياته اليوم، تحت شعار "بينك وبين الكتاب"، بمشاركة واسعة من دور النشر والهيئات الثقافية العربية والدولية.
وتأتي مشاركة وزارة الثقافة في المعرض، الذي ستتواصل فعالياته حتى 16 نوفمبر الجاري، امتدادا لحضور دولة قطر الفاعل في أبرز المعارض والمحافل الثقافية الإقليمية والعالمية، وفي إطار حرص الوزارة على تعزيز التبادل الثقافي والانفتاح على التجارب الأدبية والفكرية المختلفة، بما يسهم في مد جسور التواصل بين المبدعين والناشرين والمهتمين بالشأن الثقافي.
وفي هذا السياق، قال السيد جاسم أحمد البوعينين، مدير إدارة المكتبات بوزارة الثقافة ومدير معرض الدوحة الدولي للكتاب، إن المشاركة القطرية في معرض الشارقة الدولي للكتاب تمثل فرصة مهمة للتعريف بالإنتاج الثقافي القطري وإبراز الإصدارات الحديثة لوزارة الثقافة، فضلا عن فتح آفاق التعاون مع المؤسسات الثقافية العربية والعالمية.
وأضاف أن جناح وزارة الثقافة يتضمن عرضا متنوعا للإصدارات الفكرية والأدبية والعلمية التي تعكس تنوع المشهد الثقافي في دولة قطر، مشيرا إلى أن المعرض يعد منصة عالمية للحوار الثقافي والإنساني، تسهم في دعم حركة النشر والتأليف وتشجيع القراءة لدى مختلف الفئات العمرية.
وتحتفي الدورة الحالية من معرض الشارقة الدولي للكتاب باليونان ضيف شرف، كما تشارك في دورة المعرض الحالية عشر دول للمرة الأولى.