وقف دونالد ترامب أمام قادة الأعمال في ميامي متحدثًا بثقة عما وصفه بالعصر الذهبي لأمريكا بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على هزيمة مدوية لحزبه في انتخابات اعتبرها المراقبون اختبارًا مبكرًا لانتخابات التجديد النصفي المقبلة. كان المشهد مشوبًا بالمفارقة فبينما كانت النتائج الانتخابية تكشف عن أزمة عميقة داخل الحزب الجمهوري.

خرج ترامب ليعلن عن أن اقتصاد البلاد يعيش أفضل أيامه وأن إنجازاته هي ما يصنع هذا الازدهار.

الخطاب الذي ألقاه ترامب في المنتدى التجاري الأمريكي جاء بعد ليلة انتخابية سوداء للجمهوريين خسروا فيها معظم السباقات الرئيسية في الولايات المتحدة رغم أن استطلاعات الرأي أظهرت قلقا متزايدا لدى الناخبين من القضايا الاقتصادية خاصة التضخم وملف إغلاق الحكومة الذي بات يطول أكثر من أي وقت مضى، إلا أن ترامب تجاهل الخسارة والغضب الشعبي، بل بدأ خطابه على طريقته المعتادة بأغنية YMCA التي تصاحب تجمعاته الانتخابية وكأنه في حملة انتخابية جديدة أكثر من كونه رئيسًا يسعى لطمأنة الأسواق.

قال ترامب أمام الحضور: هذا هو العصر الذهبي لأمريكا، مضيفا أن الأرقام الاقتصادية تثبت نجاح سياساته وأن سوق الأسهم حققت مستويات قياسية وأن الأجور ارتفعت وأن العمال المولودين في أمريكا وجدوا فرصًا أكثر مما كانوا عليه عندما تولى الحكم. وأكد أن هناك مليوني عامل أمريكي إضافي في سوق العمل مقارنة ببداية ولايته وادعى أيضا أن 18 تريليون دولار تم استثمارها في البلاد منذ عودته إلى المنصب رغم أن ذلك الرقم لم تؤكده أي جهة مستقلة وتم فضحه مرارًا في تقارير اقتصادية سابقة.

ومع أن الخطاب كان من المفترض أن يركز على الاقتصاد، إلا أن ترامب انحرف سريعًا نحو السياسة فهاجم الرئيس السابق جو بايدن وسخر من استخدامه آلة فتح آلية خلال افتتاح المكتبة الرئاسية الجديدة للرئيس الأسبق باراك أوباما، وابتكر لقبًا تهكميًا جديدًا لحاكم ولاية كاليفورنيا الديمقراطي جافين نيوسوم واصفًا إياه بسليمي نيوزكوم وكانت لهجة الخطاب مليئة بالمقارنات الشخصية والهجوم على الخصوم في وقت كان يفترض فيه أن يقدم خطة لمعالجة الأزمة الاقتصادية.

لكن تفاؤل ترامب لم يجد ما يسنده على أرض الواقع فنتائج الثلاثاء كانت قاسية على الجمهوريين الذين خسروا أغلب السباقات المهمة في فرجينيا ونيويورك وكاليفورنيا ونيوجيرسي، وهي ولايات تشكل دائمًا مؤشرًا على المزاج الانتخابي قبل منتصف الدورة الرئاسية، وأظهرت استطلاعات الرأي عند خروج الناخبين من مراكز الاقتراع أن ما لا يقل عن 55 في المئة منهم يشعرون بعدم الرضا عن أداء ترامب خلال أول مئة يوم من ولايته الثانية ويربطون استياءهم بالوضع الاقتصادي.

الأزمة الاقتصادية لم تكن وحدها التي تلاحق ترامب، حيث شهد اليوم نفسه جلسة حاسمة في المحكمة العليا للنظر في قانونية الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها من جانب واحد بموجب قانون فيدرالي مخصص للطوارئ الوطنية حيث واجه محامو الإدارة تساؤلات حادة من القضاة الذين بدا عليهم الشك في شرعية هذه الإجراءات. وقال رئيس المحكمة جون روبرتس إن الرسوم الجمركية أقرب إلى الضرائب وإن فرضها من اختصاص الكونجرس وليس الرئيس في حين حاول المحامي العام جون ساور الدفاع عنها قائلًا: إنها ليست لجمع الإيرادات بل لتنظيم التجارة ومساعدة الرئيس على إبرام الصفقات التجارية إلا أن تبريره بدا متناقضا مع مرافعات سابقة للحكومة نفسها.

وحال قرار المحكمة العليا أن ترامب تجاوز صلاحياته فإن القرار سيضيف طبقة جديدة من عدم اليقين الاقتصادي ويهدد بإرباك الأسواق مجددا خصوصا في وقت يسعى فيه البيت الأبيض لاحتواء تداعيات الإغلاق الحكومي.

ورغم أن ترامب بدا مصرًا في خطابه على أن الاقتصاد قوي وأن سياساته تصنع نموًا حقيقيًا، إلا أنه داخل الحزب الجمهوري نفسه بدأ القلق يتسرب علنا. ففي لقاء مغلق صباح اليوم التالي اجتمع ترامب بعدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين وأقر بأن حزبه يتحمل قدرا كبيرا من المسئولية عن الإغلاق الحكومي، وقال إن استمرار الوضع الحالي يضر الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين، ودعا إلى الإسراع في فتح الحكومة لتفادي الغضب الشعبي وأضاف أن الأزمة أثرت على الملايين من الموظفين العموميين الذين لا يتقاضون رواتبهم وعلى قطاعات حيوية في الدولة.

كان ذلك الاعتراف تحولًا لافتًا في نبرة ترامب الذي اعتاد الهجوم على الموظفين الفيدراليين واعتبارهم جزءًا من الدولة العميقة التي تعرقل الإصلاح لكن حديثه عن معاناتهم وتعبيره عن القلق بشأن سلامة نظام مراقبة الطيران أوحى بقدر من الواقعية لم يظهره منذ بداية الأزمة، ومع ذلك ظل متمسكا بموقفه الرافض للتراجع عن سياساته الاقتصادية أو تعديل التعريفات الجمركية.

في الوقت ذاته، ضغط ترامب على الجمهوريين في مجلس الشيوخ لتفعيل ما يسمى بالخيار النووي أي إلغاء قاعدة التعطيل التشريعي التي تتطلب أغلبية 60 صوتًا لتمرير القوانين ودعاهم إلى تمرير التشريعات بالأغلبية البسيطة، قائلًا: إن الإغلاق الحكومي كان عاملًا سلبيًا للجمهوريين وإن استمرار الجمود سيؤدي إلى نتائج أسوأ في الانتخابات المقبلة. وأضاف إذا اطلعتم على استطلاعات الرأي فستجدون أن الإغلاق أثر سلبا علينا الليلة الماضية كانت نتائج متوقعة في مناطق ديمقراطية، لكن لم يكن الأمر جيدا للجمهوريين ولا لأي أحد، لقد كانت ليلة تعلمنا منها الكثير علينا أن نفتح البلاد.

وفي الوقت الذي حاول فيه ترامب أن يظهر بمظهر الزعيم المتماسك كتب نائبه جي دي فانس منشورا على وسائل التواصل الاجتماعي قال فيه: إن المبالغة في تفسير خسائر الانتخابات أمر غير واقعي لأن معظم السباقات كانت في ولايات تميل ديمقراطيا بطبيعتها، لكنه اعترف بأن الحزب بحاجة إلى التركيز بشكل أكبر على الاقتصاد، مؤكدا أن تحسين المعيشة يجب أن يكون المقياس الحقيقي لأداء الإدارة. وأضاف لقد ورثنا كارثة اقتصادية من جو بايدن لكننا بدأنا في خفض أسعار الفائدة وتقليل التضخم وسنواصل العمل لجعل الحياة الكريمة في متناول الجميع، وهذا هو ما سيحكم علينا به الناخبون في 2026 وما بعدها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أربع وعشرين ساعة أن ترامب إلا أن

إقرأ أيضاً:

مصادر تكشف لـCNN هوية الدولة التي ستنضم الليلة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية

(CNN) -- من المتوقع أن تعلن إدارة ترامب مساء الخميس أن كازاخستان ستنضم إلى اتفاقيات إبراهيم، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وإسرائيليين عدة مطلعين على الأمر، رغم من أن البلدين لديهما بالفعل علاقات دبلوماسية طويلة الأمد.

وتمثل هذه الاتفاقيات إنجازا بارزا في السياسة الخارجية للرئيس دونالد ترامب منذ ولايته الأولى، ويسعى البيت الأبيض إلى توسيع دائرة الدول التي تنضم للاتفاقية.

مقالات مشابهة

  • مصادر تكشف لـCNN هوية الدولة التي ستنضم الليلة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية
  • أهم تجاوزات ترامب التي تهز أمريكا فعلا
  • أستاذ قانون دولي: فوز ممداني يشعل التباين داخل الجمهوريين ويضعه في مواجهة محتملة مع ترامب
  • ترامب: الإغلاق الحكومي كان سبباً في خسارة الجمهوريين لـانتخابات الثلاثاء
  • ترامب يقر بخسائر الجمهوريين في 3 ولايات: الانتخابات لم تكن جيدة
  • أول تعليق من ترامب بعد فوز ممداني.. سببان لخسارة الجمهوريين
  • ترامب يبرر أسباب خسائر الجمهوريين في الانتخابات المحلية
  • ترامب: الإغلاق الحكومي سبب خسارة «الجمهوريين» انتخابات الولايات
  • دوا ليبا وكالوم تيرنر يخطفان الأنظار في ليلة موسيقية ساحرة