جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-19@18:08:23 GMT

تأملات بين بدلة الحرب وخنجر السلام

تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT

تأملات بين بدلة الحرب وخنجر السلام

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

بمناسبة اليوم الوطني المجيد، وبين أصوات الفرح التي تعانق سماء عُمان، نقف نحن أبناء هذا الوطن على ضفاف ذاكرة ممتدة، نسترجع فيها محطات القوة، ومسارات النهضة، وتاريخًا من العظمة والبهاء.

وبين الاحتفالات التي تملأ القلوب اليوم، يتردد في داخلي عنوانٌ يحمل في معانيه الكثير "ما بين بدلة الحرب وخنجر السلام".

عنوانٌ أردته انعكاسًا لمسيرة وطنٍ عاش القوة والحكمة، واحتوى الحرب والسلام، وقدَّم للعالم نموذج الدولة التي تجمع بين صلابة الجندي ورقّة الفكرة، وبين ثبات الميدان ونقاء الوجدان. لقد تعاهدت عُمان مع الزمان أن تبقى صامدة، ثابتة، مهيبة في كل مراحلها. تاريخها لم يُكتب على الورق فقط، بل خُطَّ على الرمال والجبال والبحار، وعلى سواعد رجالٍ آمنوا بأن الوطن لا يُبنى إلا بالإرادة، ولا يزدهر إلا بالعزيمة، ولا يبقى إلا بالحكمة.

قابوس.. وذكرى بدلة الميدان التي شيّدت الدولة

حين يأتي الحديث عن بدلة الحرب، فإنَّ الذاكرة العُمانية تمضي مباشرة إلى سنوات حكم السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه؛ ذلك القائد الذي لبس البدلة العسكرية لا لهيبة المظهر؛ بل لهيبة المسؤولية. بين ملابس الميدان التي كان يُرافق بها رجاله، وملابس العمل اليومية، وبدل الاحتفالات التي كان يتصدر بها مناسبات الوطن، تَشكّلت صورة القائد الذي بنى دولة من خضم التحديات وحولها إلى نهضة من رحم تلك التحديات. ولعل تلك البدلة الحمراء الشهيرة التي كان يتناول بها العشاء بين رجاله، تبقى رمزًا خالدًا على أن القيادة في عُمان كانت دائمًا قريبة من الناس، تعرف نبضهم، وتعيش بينهم، وتتقاسم معهم الهم والفرح، والخطر والنجاح.

لم تكن البدلة مجرد قماشٍ عسكري؛ بل كانت إعلانًا واضحًا بأنَّ بناء عُمان لم يكن أمنًا نظريًا، بل كان أمنًا مُعاشًا، وحضورًا فعليًا في الميدان، رسم حدود الأمان، ورعى استقرار الداخل، وأعاد للوطن مكانته وهيبته.

الخنجر.. رمز السلام ورمز الدولة

وفي الجانب الآخر من العنوان، يقف الخنجر العُماني، ذلك الرمز المهيب الذي يتمنطق به رمز عُمان المهيب جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم أيده الله والذي تجاوز قيمته كقطعة تراثية إلى أن يصبح شعارًا للدولة نفسها. الخنجر ليس سلاحًا في يد العُماني اليوم؛ بل هو صورة هويته، وسلام ثقافته، ووقار تاريخه الطويل. إنّه قطعة حملتها الأجيال في الاحتفالات، والمناسبات، والمواقف الوطنية، لا لتُشهر في وجه أحد، بل لتُعلن أن عُمان بلدٌ يؤمن بالسلام قوةً، وبالحكمة سلوكًا، وبالمحبة طريقًا.

ما بين بدلة الحرب التي لبسها الرجال ليحموا الوطن، والخنجر الذي يلبسه الرجال في المناسبات والأعياد، ترسم عُمان فلسفتها: قوة تحمي… وسلام يبني… وحكمة تدوم.

هيثم المُعظم.. قائد الوطن والمبحر في تطوير الاقتصاد ووريث الرؤية المشرفة المستمدة من آبائه وأجداده.

وحين نصل إلى الحاضر، فإنَّ الحديث يصل إلى مقام حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الرجل الذي حمل الراية من بعد مؤسس النهضة، ليبدأ مرحلة جديدة في تاريخ عُمان، قوامها الاقتصاد، والاستثمار، والشراكات العالمية، والإدارة الحديثة.

لقد اختار جلالته أن يقود المرحلة بلغة مختلفة، لا تقل قوة عن لغة الميدان؛ بل تكملها لغة الأرقام، والفرص، والانفتاح، والحوكمة، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بما يتناسب مع المستقبل. إنه القائد الذي يستثمر في الإنسان، وفي المحافظات، وفي العالم الخارجي، لإنتاج اقتصادٍ قوي، وبنيةٍ متجددة، وأفقٍ تتسع فيه الفرص.

والحراك الذي تشهده المحافظات اليوم، من مشاريع، واستثمارات، وتخطيط عمراني، وإعادة توزيع للأدوار التنموية والمنافسة الشرسة القوية، ليس إلا نتيجة لرؤيةٍ واضحة أرادها جلالته أن تنزل إلى أرض الواقع، وتلبي احتياجات الناس، وتحترم رغباتهم، وتعيد لعُمان مكانتها على الخريطة الاقتصادية الدولية.

لقد أثبت السلطان هيثم أن الحكم ليس انتقالًا في السلطة فقط؛ بل انتقال في الفكر، وفي المنهج، وفي أدوات البناء.

يوم وطني.. وذاكرة بين جيلين

في هذا اليوم الوطني، نقف بين جيلٍ عاش الولادة الصعبة لعُمان، وجيلٍ يعيش نموها الحديث، وجيلٍ ثالث سيكون شاهدًا على ازدهارها القادم. وبين هذه الأجيال تمتد خيوط العنوان:

بدلة الحرب التي صنعت الدولة… وخنجر السلام الذي يصونها… وقيادة تحمل الفكرين معًا.

إننا نعيش اليوم لحظات فخر، لا لأنها ذكرى وطنٍ عظيم فقط؛ بل لأنها لحظات نرى فيها كيف حافظت عُمان على صورتها: هادئة… قوية… متوازنة… لا تميل مع الرياح، ولا تنكسر أمام العواصف.

وأخيرًا.. عُمان لم تكن يومًا دولة تبحث عن الضوء؛ بل كانت الضوء الذي يبحث عنه من يُريد الحكمة. وما بين بدلة الحرب التي لبسها قادتنا ليحموا الأرض، وخنجر السلام الذي يزين صدور العُمانيين في الاحتفالات، تستمر هذه البلاد في مسيرتها، صامدة، شامخة، تنظر إلى المستقبل بثقة.

وما دام في هذه الأرض رجال يفتخرون بماضيهم، ويعملون لحاضرهم، ويحلمون لغدهم، فإنَّ عُمان ستبقى دائمًا في الواجهة، كما أرادها سلطانان عظيمان، وكما يستحقها شعبٌ عظيم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

اليوم… العرض الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لفيلم "الأشياء التي تقتلها" على المسرح الكبير

 

 

يُعرض اليوم الإثنين 17 نوفمبر، في إطار عروض الجالا بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ46، فيلم "الأشياء التي تقتلها" للمخرج علي رضا خاتمي، في عرضه الأول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك في تمام الساعة 9:00 مساءً على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية.

الفيلم، وهو عمل روائي طويل يمتد لـ113 دقيقة، ومن إنتاج مشترك بين تركيا وكندا وفرنسا وبولندا، يقدم تجربة سينمائية نفسية عميقة تتبع قصة علي، الأستاذ الجامعي الذي يجد نفسه مطاردًا بظلال وفاة والدته المريبة. ومع تورطه في تنفيذ عمل انتقامي بارد الدم بطلب من عالم البستنة الغامض لديه، تبدأ سلسلة من الأسرار العائلية القديمة في الانكشاف، بينما يضيق الخناق عليه من قبل الشرطة، لتنهشه الشكوك ويصبح مضطرًا لمواجهة أعماق روحه وما تحمله من صراعات خفية.
علي رضا خاتمي هو كاتب ومخرج ومنتج حائز على عدة جوائز، يقيم في كندا. وُلد في قبيلة خمسة الأصلية بجنوب شرق إيران، ويستمد من تراثها الغني في السرد الشفهي أسلوبًا سينمائيًا خاصًا يمزج بين الواقعية السحرية والتعليق الاجتماعي العميق. عُرضت أعماله السابقة، ومن بينها "آيات النسيان" و"آيات الأرض"، لأول مرة في مهرجاني البندقية وكان، وحصدت تقديرًا واسعًا وجوائز بارزة. 
عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
يُعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أحد أعرق المهرجانات في العالم العربي وأفريقيا، وأحد أبرز المهرجانات الدولية المعتمدة من الاتحاد الدولي للمنتجين (FIAPF). تأسس عام 1976، ويقام سنويًا تحت رعاية وزارة الثقافة. يحرص المهرجان في كل دورة على الجمع بين البعد الفني والبعد المهني، ما يجعله منصة رئيسية للحوار بين الثقافات وتعزيز حضور السينما العربية على الساحة الدولية.
............
Today: World Premiere of "The Things That Kill Her" in the Middle East and North Africa at Cairo International Film Festival

Today, Monday, November 17, the film The Things That Kill Her directed by Ali Reza Khatami will have its Middle East and North Africa premiere as part of the Gala presentations at the 46th Cairo International Film Festival, screening at 9:00 PM on the Grand Theatre stage at the Cairo Opera House.

The film, a 113-minute narrative feature produced through a co-production between Turkey, Canada, France, and Poland, offers a deep psychological cinematic experience. It follows Ali, a university professor haunted by the shadows of his mother’s suspicious death. Involvement in a cold-blooded act of revenge at the behest of a mysterious horticulturist triggers a series of old family secrets to unravel. Meanwhile, the police close in, and Ali is consumed by doubt, compelled to confront the depths of his soul and its hidden struggles.

Ali Reza Khatami is an award-winning writer, director, and producer based in Canada. Born in the original Fivah tribe of southeastern Iran, he draws on his rich oral heritage to craft a cinematic style blending magical realism and profound social critique. His previous works, including Ayat al-Nisyan and Ayat al-Ard, premiered at Venice and Cannes film festivals, earning wide acclaim and notable awards.

About Cairo International Film Festival
The Cairo International Film Festival is one of the oldest festivals in the Arab world and Africa and one of the most prestigious international festivals accredited by the International Federation of Film Producers Associations (FIAPF). Established in 1976 and held annually under the patronage of the Ministry of Culture, the festival merges artistic and professional aspects, making it a primary platform for cultural dialogue and enhancing the presence of Arab cinema internationally.

مقالات مشابهة

  • الأمة التي اختارت دولتهـــا تختار اليوم مستقبلها
  • تأملات ومخاطبات شعرية في «بيت الشعر» بالشارقة
  • هذه هي الأسلحة البعيدة المدى التي تستخدمها أوكرانيا لضرب عمق روسيا
  • الإسماعيلية تحتفل بـ 100 عام من الحرب إلى السلام في ذكرى افتتاح قناة السويس
  • مكتب نتنياهو: خطة ترامب ستحقق السلام والازدهار لإصرارها على نزع سلاح غزة
  • أبرز بنود القرار الأممي لإنهاء الحرب في غزة
  • تفاصيل خطة السلام الأمريكية في غزة التي اعتمدها مجلس الأمن
  • اعتراف إسرائيلي: لم ننتصر بعد في الحرب التي أعادت القضية الفلسطينية للواجهة
  • اليوم… العرض الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لفيلم "الأشياء التي تقتلها" على المسرح الكبير