رغم مرور أكثر من عامين على اندلاع العدوان الدموي على غزة، وما تسبب به من إبادة جماعية غير مسبوقة، لكن القناعة الإسرائيلية المنتشرة بين الأوساط الإسرائيلية أن الدولة: بجيشها وحكومنتها، لم تنتصر، وأقصى ما يمكن قوله إنها "نجت فقط، منعت الدمار الشامل، لكنها لم تهزم أعداءها"، لأن هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر قوض مبادئ الأمن لديها، وأعاد الأيديولوجية إلى مركز الصدارة.



ذكر دورون ماتسا٬ الخبير في الشئون العسكرية والاستراتيجية الإسرائيلية٬ أن "سؤال النصر في الحرب يشغل الرأي العام الإسرائيلي كثيرا في الآونة الأخيرة، حيث تكمن المشكلة المحورية في هذا النقاش في التسييس الذي يسيطر على كل خطاب جاد تقريبا، ويحيد جوهر استخلاص النتائج من الحقيقة، وينطبق الأمر نفسه على سؤال النصر، الذي يتمسك به اليساريون، من جهة، ممن يفضلون طمسه لإبراز ذنبهم ومسؤوليتهم؛ ومن جهة أخرى، يتمسك به اليمينيون الذين يشككون فيه، ولأسباب سياسية واضحة".

وأضاف في مقال نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، وترجمته "عربي21" أن "السؤال الأكثر ترديدا بين الإسرائيليين: هل انتصرنا حقا، وهل خلقنا شرقا أوسط مختلفا عن سابقه، وهل هزمنا عدونا، وهل أنهينا الحرب، ووصلنا إلى عتبة السلام، مع أن الشيء الواحد المؤكد في هذا السياق أننا انتصرنا أقل، ونجونا أكثر، وإن الإنجاز الأكبر يتلخص في منع تدمير الدولة الكامل، وكان التدمير سيكون أكثر فتكا من هجوم حماس وضربة موازية من حزب الله وإيران على دولة إسرائيل ككل".

وأشار أن "هذا لم يحدث بسبب عاملين: أولاهما تردد الخصوم، وانعدام التنسيق العملياتي بينهم، مما منع هجوما متزامنا على إسرائيل: جنوبا وشمالا وشرقا؛ وثانيهما التعافي السريع لإسرائيل٬ وهكذا فإن القرار الصائب بالتحرك السريع لتطهير المنطقة الجنوبية، بجانب قرار عدم فتح جبهة ثانية موازية في الشمال ضد حزب الله، والقدرة على تحريك الجدار الحديدي الأمريكي حال دون هزيمة ساحقة، وانهيار ودمار، وأدى إلى استقرار عسكري، مكن، تدريجيا، من نقل القتال لأراضي الخصوم، كل بدوره".

وأوضح أننا "إذا نظرنا إلى أهداف حرب الخصوم، تزداد الصورة تعقيدا، لأنها أهداف لا تسمح للإسرائيليين بالحديث عن النصر، ولأن غزو السابع من تشرين الأول/أكتوبر لم ينشأ في هذا التاريخ بالتحديد، بل سبقه عامان من انتفاضة قادها الفلسطينيون منذ حرب غزة في ايار/مايو 2021، هدفت لتقويض النظام الاستراتيجي الذي أسسته تل أبيب قبل عقدين من الزمن في الشرق الأوسط، والذي يقوم على مبادئ "السلام الاقتصادي"، ويسعى لتحويل النشاط الأيديولوجي الديني والعلماني إلى خطاب منافع اقتصادية".

وأضاف أن "إدارة الرئيس دونالد ترامب في ولايته الأولى روجت لهذا النظام، وسعت لتطهير الوجود الأيديولوجي من أي نوع، ديني، قومي، علماني، لصالح الوظيفية الاقتصادية، والرفاهية، وهو ما سعت حماس وشركاؤها لتقويضه لإعادة الشرق الأوسط إلى أسسه الأيديولوجية، وهي الأسس التي جُلبت إلى الشرق الأوسط على نحو متناقض تحت رعاية الحداثة من موطن الدول الأوروبية، التي أطاحت بالنظام الشرقي القديم القائم على المنطق الطائفي، ووصل لدماره مع انهيار الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى".


وأكد أنه "في هذه المرحلة من مناقشة الهدف الاستراتيجي الذي وقف أمام أعين أعداء إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وحتى قبله، ولذلك بدأ "النصر" الإسرائيلي يتضاءل، ويتحول إلى مجرد "إنجاز"، لأن الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط يمثل إشكالية من وجهة نظر تل أبيب٬ وتحاول الولايات المتحدة إعادة ربط الشرق الأوسط بفكرة السلام الاقتصادي كما لو أن هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر لم يحدث قط، ومع ذلك، لا شيء يعود لطبيعته حقا".

وأشار أنه "بعد عامين من الحرب، توجد قوتان في الشرق الأوسط: "الأيديولوجيون الصريحون" كإيران وحماس وحزب الله، الذين يسعون لتقويض مشروع السلام الاقتصادي، و"الأيديولوجيون المتخفون" كقطر وتركيا والسعودية، الذين يستخدمون الغطاء الاستراتيجي الأمريكي للترويج لأجندات نابعة من عالم المحتوى الأيديولوجي، لذا، يشكل الواقع المتطور في المنطقة تحديا كبيرا لإسرائيل لأنه يحمل في طياته خطابا وهميا عن "السلام الاقتصادي"، وفي الوقت نفسه، عودة جميع العوامل الأيديولوجية، "الصريحة" و"المتخفية"، والقاسم المشترك بينها جميعا هو نهجها المعادي لتل أبيب".

وختم بالقول أن "الحرب لم تغير الشرق الأوسط تغييرا جذريا، فالضربة التي تلقاها "الأيديولوجيون الصريحون" لم تقضي عليهم، ولم يسقط محورهم تماما، بل الأسوأ أن أيديولوجية الشرق الأوسط تزدهر من جديد على منصة "السلام" الاقتصادي، ودولة إسرائيل مُعقدة ومعزولة في عالم غربي يسلم نفسه للتقدمية التي تتعاون مع "الأيديولوجيين المعلنين" في الشرق، وللمستفيدين من "السلام الاقتصادي" الذين يتعاونون مع "الأيديولوجيين المُقنعين"، مما جعل من هجوم أكتوبر حجر الزاوية الأيديولوجي لأحداث السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط".

تشير هذه السطور إلى أن أحد نتائج الحرب المباشرة تتمثل في عودة الأيديولوجية التي أصبحت عاملا محوريا في المنطقة، ناهيك عن عودة القضية الفلسطينية إلى الساحة الإقليمية، بل والعالم أجمع، وهنا لا يتردد الاسرائيليون في الاعتراف بأن الدولة "نجت" من الحرب، لكنها لم تنتصر، لأنها لا تزال تخوض حربا كبيرة وصعبة لم تُحسم بعد، وما زالت بعيدة كل البعد عن التحقق.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية غزة الإسرائيلية حماس ترامب إسرائيل حماس غزة ترامب صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السابع من تشرین الأول أکتوبر السلام الاقتصادی فی الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

3700 طائرة في سماء الشرق الأوسط بحلول 2044

قالت مسؤولة في شركة إيرباص، اليوم الأحد، إن من المتوقع أن ينمو حجم أسطول الطائرات لمنطقة الشرق الأوسط بأكثر من المثلين ليصل إلى 3700 طائرة بحلول عام 2044.

وأضافت غرين فان دين بيرغ رئيسة قسم التسويق في أفريقيا والشرق الأوسط لدى إيرباص خلال مؤتمر صحفي، أن شركة صناعة الطائرات الأوروبية تتوقع نمو حركة الركاب في الشرق الأوسط بمعدل سنوي مركب يبلغ 4.4% خلال العقدين المقبلين.

وذكرت أن إيرباص تتوقع أيضا أن يزيد حجم سوق الخدمات في المنطقة للمثلين ليصل إلى 29.9 مليار دولار بحلول نهاية عام 2044.

وجاءت هذه التوقعات قبل معرض دبي للطيران، أكبر حدث للطيران في الشرق الأوسط والذي يقام في الفترة من 17 إلى 21 نوفمبر/تشرين الثاني.

وتتوقع إيرباص، وهي من بين شركات صناعة الطائرات المشاركة في المعرض والتي تتنافس على الطلبيات مع منافستها الرئيسية بوينغ، أن تشكل الطائرات ذات الهيكل العريض 42% من إجمالي الطلب في المنطقة بحلول عام 2044، وهي أعلى حصة على مستوى العالم.

شعار شركة إيرباص على مقرها (رويترز)

وقال رئيس منطقة أفريقيا والشرق الأوسط في شركة إيرباص، غابرييل سيميلاس: "الشرق الأوسط يعيد تشكيل مشهد الطيران العالمي، ومن المتوقع أن يشهد توسيع الأسطول نموا كبيرا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالطائرات ذات الهيكل العريض".

وأضاف: "لقد أصبحت هذه المنطقة مركزا للرحلات الطويلة الآن وفي المستقبل".

شركة بوينغ

في سياق ذي صلة، قالت الرئيسة التنفيذية لذراع تصنيع الطائرات بشركة بوينغ اليوم الأحد إن الشركة تهدف إلى الحفاظ على مستويات إنتاج الطائرات الحالية قبل التقدم إلى المراحل الصناعية التالية في الوقت الذي تطبق فيه تحسينات في مجالي السلامة والجودة.

وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة (بوينغ كومرشال إيربلينز) أو بوينغ للطائرات التجارية، ستيفاني بوب للصحفيين إن من السابق لأوانه تحديد متى ستدفع بوينغ إنتاج طائرات 737 إلى 47 طائرة شهريا، بعد أن سمحت الجهات التنظيمية مؤخرا بالوصول إلى 42 طائرة شهريا بعد رفع القيود المؤقتة على الإنتاج.

إعلان

وأضافت بوب في إحاطة إعلامية قبل معرض دبي للطيران: "تحسين الأمر بالوتيرة (الصحيحة) أفضل من الإسراع".

مقالات مشابهة

  • اليوم… العرض الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لفيلم "الأشياء التي تقتلها" على المسرح الكبير
  • 3700 طائرة في سماء الشرق الأوسط بحلول 2044
  • الرئاسة تصدر بيانا حول المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي
  • لماذا يتضامن الباسك وكتالونيا مع القضية الفلسطينية وغزة؟
  • مع انهيار جهود السلام في اليمن… يعود السؤال الأكبر: ما الذي أنجزته الحرب؟
  • «التمويل الذكي».. ضرورة لإعادة بناء الشرق الأوسط بعد الحرب
  • ناصري: الجزائر تبقى ثابتة على دعمها حتى تسوية القضية الفلسطينية بإنصاف وعدل
  • ممدوح جبر: تحول سياسي كبير في الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية
  • محمود عبد السميع: رأفت الميهي كان ينوي تقديم فيلم عن القضية الفلسطينية