ما أعظم عُمان.
ما أعظم تاريخها وإنسانها والحضارة التي أنتجها على مرّ القرون الطويلة من الزمن العماني الزاخر بالمنجزات المعرفية والبناء الأخلاقي والقيمي. ما أعظم كل هذا الثراء في هذه البلاد، ثراء التاريخ، وثراء الحاضر، ثراء العمق والجوهر في الإنسان، والركائز التي تقوم عليها الدولة في بنيتها وفكرها وفي خطابها السياسي والثقافي والمعرفي، وثراء المجتمع الصلب والمتماسك رغم التنوع والانفتاح المبكر على الآخر.
ما أعظم عُمان دولة عريقة جذورها ضاربة في التاريخ لكنها تحافظ رغم الزمن على وحدتها ومركزيتها مهما تغير العالم من حولها. ما أعظم ما نفخر به فيك، وما أعظم ما نحمل منك في جيناتنا التي تشكلنا على أننا عمانيون.
ما أعظم ما ينطوي عليه يومك الوطني الذي نحتفي ونفخر به وهو يجمع بين الحاضر والماضي، بين ركائز التاريخ ومنطلقات المستقبل.. بين ما أسسه الأسلاف العظام وبين ما يصنعه الخلف لخلفهم.
ما أعظم كل أزمنتك وكل لحظاتك وكل التقاطعات التي مرت بك وشكلتك على ما أنت فيه تاريخا وحاضرا ومسارا ثابتا نحو المستقبل... وعلى إنسانك الذي صنع كل هذا المجد والسؤدد.
لا يعدم العماني الذي يحتفي باليوم الوطني ما يفخر به فيك، فتحت كل حجر مفخرة، وعلى كل صخر صلد من صخور جبالك الشامخة كتب الأسلاف تاريخ قهرهم للتحديات والصعاب.. وأمام كل نظر اليوم نهضة مترامية الأطراف وحركة بناء مستمرة.
يستحضر العمانيون كل هذا المجد والتاريخ وهم يخطون على هذه الأرض التي يؤمنون أنها ليست وليدة أمس؛ هي كيان حضاري تشكل على مهل، على مرأى ومسمع من التاريخ، من قوافل الصحراء إلى موانئ المحيط، ومن الجماعات البشرية الأولى في العصور الحجرية إلى المجتمعات التي نسجت علاقتها مع العالم من موقع القادر على الفعل. هذه الطبقات المتراكمة من الذاكرة هي التي تعطي لليوم الذي نعيشه قوته ومعناه خاصة عندما تتجلى في لحظة نهضة متجددة تعيشها عُمان بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه. هي لحظة يلتقي فيها الزمنان؛ زمن الأسلاف الذي يمدّنا بالمعنى والجوهر، وزمن الحاضر الذي يطالبنا بالمسؤولية.
في هذا اليوم يطرح العمانيون أسئلة كبرى عن معنى أن تكون عُمانيا، وعن الكيفية التي يمكن بها أن يضيف لبنة جديدة في صرح هذه الدولة التي شكلتها الأمة عبر تاريخ طويل من الوعي والتجربة والتضحيات. تشكلت الملامح الأولى للدولة في عُمان يوم أدرك العمانيون أن لهم حق الاختيار وواجب حماية هذا الاختيار. هذا الوعي المبكر هو الذي يجعل النهضة المتجددة اليوم امتدادا طبيعيا لمسار تاريخي لا ينكسر، حتى وإن تبدلت أدواته ومفرداته.
ما يحدث اليوم على أرض عُمان من إعادة بناء للاقتصاد، وتنويع لمصادر الدخل، واستثمار في الإنسان، هو استمرار لذلك السؤال القديم، كيف تحافظ هذه البلاد على حريتها واستقلال قرارها، وهي منفتحة في الوقت نفسه على العالم ومشاركة في صناعة مستقبله؟ من هنا يأتي عمق المشروع الذي يقوده حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه؛ المشروع الذي يعيد ترتيب عناصر القوة العمانية المتمثلة في الإنسان، والجغرافيا، والتاريخ، والسياسة المتزنة، في معادلة واحدة تستشرف العقود القادمة.
ما أعظمك يا عُمان.
ما أعظمك وأنت تعلمين أبناءك أن الوطن فكرة نسكن فيها وتَسكُن فينا. ما أعظم هذا اليوم وهو يعيد ربط سياقات الماضي والحاضر والمستقبل. وما أعظم أن يقف العماني في يومه الوطني وهو يدرك أنه حلقة في مسار طويل؛ يحمل في يده شعلة تسلمها من أسلافه، ومسؤول عن أن يسلّمها أكثر وهجا لمن سيأتي بعده. هكذا يكتمل المعنى الكبير لطبقات عُمان التاريخية، وهكذا يصبح اليوم الوطني عهدا متجددا ومسارا لا ينتهي أبدا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ما أعظم
إقرأ أيضاً:
اليوم الوطني.. نموذج لتجديد العهد مع المستقبل
د. هبة محمد العطار **
في عالمٍ يُعيد رسم خرائط النفوذ ويختبر توازنات القوى، تبرز بعض العلاقات العربية كأمثلة نادرة على الثبات في زمن التحوّل. وبين هذه النماذج المضيئة، تتقدم العلاقة بين سلطنة عُمان وجمهورية مصر العربية بوصفها نموذجًا للوعي السياسي الناضج القائم على الاحترام المتبادل والعقلانية في إدارة المصالح المشتركة. علاقةٌ تجاوزت حدود الدبلوماسية إلى عمق الفلسفة السياسية، حيث تمتزج الجغرافيا بالحكمة، ويتقاطع التاريخ مع الرؤية في مسارٍ واحدٍ عنوانه الثقة والاتزان.
وتأتي مناسبة اليوم الوطني العُماني لتؤكد هذه المعاني؛ فهي ليست مجرد احتفال بمنجزات وطنية؛ بل محطة للتأمل في مسارٍ طويل من الثبات والتعاون بين دولتين اختارتا طريق البناء والاعتدال. لقد واجهت المنطقة موجاتٍ متتابعة من التغيرات والصراعات، لكن العلاقات بين عُمان ومصر ظلّت محافِظة على توازنها الداخلي ووضوح بوصلتها الخارجية، لأنّها تأسست على مبادئ لا على مصالحٍ عابرة، وعلى رؤيةٍ تعرف أنّ الاستقرار ليس صدفة؛ بل صناعةٌ واعية تتطلب الحكمة قبل القرار، والاتزان قبل الخطاب.
لقد شكّلت العلاقات بين عُمان ومصر منذ بدايتها حالة عربية متميزة في إدارة التفاهمات؛ إذ نجحت الدولتان في الحفاظ على خط تواصل مفتوح في جميع الظروف، بعيدًا عن الاصطفافات الحادة أو المزايدات السياسية. كلا البلدين تبنّى منهجًا واقعيًا عقلانيًا يقوم على الحوار وتغليب المصلحة العامة للأمة العربية، وهو ما جعل العلاقة بينهما أقرب إلى تحالفٍ استراتيجي يقوم على الثقة والتاريخ المشترك أكثر منها مجرد علاقة دبلوماسية تقليدية.
إنَّ مسيرة التعاون بين سلطنة عُمان ومصر لم تتوقف عند البعد السياسي؛ بل امتدت إلى مجالاتٍ متعددة تُجسد عمق الرؤية المشتركة بين الدولتين؛ ففي المجال الاقتصادي، يشهد البلدان تناميًا في حجم التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة، مع سعي الجانبين إلى تطوير مشروعات في مجالات الطاقة، والبتروكيماويات، والموانئ، والسياحة، والتعدين، والصناعات الغذائية. وقد أسهمت اللجان المشتركة بين البلدين في تهيئة بيئة استثمارية واعدة، تدعم خطط التنمية المستدامة في "رؤية عُمان 2040" و"رؤية مصر 2030". كما يشكّل التعاون في مجال النقل البحري واللوجستيات ركيزة استراتيجية للاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز لكلا البلدين عند مفترق طرق التجارة العالمية بين آسيا وإفريقيا.
وفي المجال التعليمي والثقافي، تترسخ العلاقات عبر اتفاقيات تبادل الأساتذة والطلاب، والمنح الدراسية، والتعاون الأكاديمي بين الجامعات العُمانية والمصرية؛ بما في ذلك جامعة السلطان قابوس وجامعة القاهرة وجامعة سوهاج وغيرها من المؤسسات التعليمية العريقة. كما يُشكِّل التعاون الإعلامي والثقافي مساحةً رحبة لتبادل الخبرات وتعزيز الوعي المشترك بقضايا التنمية والهوية، حيث يسهم الإعلام في البلدين في ترسيخ قيم الاعتدال والانفتاح والحوار.
أما في المجال السياحي، فقد بدأت مبادرات مشتركة للترويج المتبادل للمقاصد السياحية، وربط التجارب البيئية والثقافية بين سواحل مسقط ونيل مصر، بما يعزز حركة السياحة البينية ويدعم التواصل الشعبي العميق بين الشعبين الشقيقين.
ويمتد التعاون إلى مجالات التكنولوجيا والتحول الرقمي والطاقة المتجددة، في ضوء الرؤية المستقبلية التي يتبناها البلدان نحو تنويع الاقتصاد وبناء مجتمع المعرفة.
ومع التحولات العميقة التي يشهدها الإقليم والعالم، ازدادت أهمية هذا النوع من العلاقات التي تعتمد على الوعي والاتزان؛ فعُمان بموقعها الجيوسياسي وبدبلوماسيتها القائمة على الحياد الإيجابي تمثل ركيزة استقرار في الخليج العربي، بينما تؤدي مصر بدورها المحوري في العالم العربي وإفريقيا دور القوّة المتزنة التي تبحث عن الحلول لا الأزمات. هذه الثنائية بين حكمة السلطنة وثقل مصر السياسي خلقت معادلة نادرة في المنطقة، عنوانها الأساسي العقل قبل الخطاب، والاحترام قبل المصالح.
وهذا النموذج من العلاقات يُعبِّر عن فلسفة دولةٍ تعرف معنى التوازن، وتدرك أن الشراكة لا تُقاس بما يُعلن في المؤتمرات؛ بل بما يُبنى في صمتٍ من ثقةٍ متبادلةٍ ومصالحٍ مستدامة. لذلك، حين تحتفل سلطنة عُمان بيومها الوطني، فإن مصر تشاركها الاحتفال ليس فقط بالمحبة؛ بل بالاحترام والتقدير لمسيرة دولةٍ استطاعت أن تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الثبات والانفتاح، في معادلةٍ قلَّ أن تتكرر في المنطقة.
العلاقات بين الدول، مثل العلاقات بين البشر، لا تُقاس بمدى ما يُقال فيها؛ بل بقدرتها على الصمود في وجه التحولات، وعلى الحفاظ على جوهرها رغم تغيّر الزمن. وهذا ما فعلته سلطنة عُمان ومصر؛ فقد اختارتا طريق الاتزان والعقل في زمنٍ صار يمجّد الضجيج على حساب البصيرة. هذه العلاقة ليست مجرد وثيقة أو بيان سياسي؛ بل فلسفة استقرارٍ عربية تؤمن بأن الحوار هو أعلى درجات القوة، وأن احترام الآخر ليس ضعفًا؛ بل وعيًا بحقيقة المصير المشترك.
وفي اليوم الوطني العُماني، تبدو هذه المعاني أكثر حضورًا وإشراقًا؛ فبينما تحتفل عُمان بإنجازاتها المتواصلة وبنهضتها المتجددة في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- تجد مصر في هذا الاحتفال صدىً لنهضتها هي الأخرى، وإيمانًا بأن وحدة الهدف لا تحتاج إلى شعاراتٍ مرتفعة؛ بل إلى إرادةٍ صامتة تمضي بخطى واثقة نحو المستقبل.
هكذا تمضي عُمان ومصر في مسارٍ مشتركٍ من الوعي والرشد، تؤمنان أن استقرار الدولة هو أساس نهضة الأمة، وأن اليوم الوطني ليس مجرد ذكرى للتاريخ؛ بل تجديد لعهدٍ مع المستقبل.
ومن قلب مصر، يُسعدني أن أوجِّه تحية تقديرٍ واعتزازٍ إلى الشعب العُماني الكريم وقيادته الحكيمة، على ما قدّموه من نموذجٍ عربيٍّ مُتفرِّد يُثبت أن الحكمة يمكن أن تكون سياسة، وأن السلام يمكن أن يكون استراتيجية، وأن الإخلاص للأرض والإنسان هو أعظم أعياد الأوطان.
** أستاذة الإعلام بجامعة سوهاج في مصر، وجامعتي الملك عبد العزيز وأم القرى بالسعودية سابقًا
رابط مختصر