فانهايم.. مشروع عسكري أميركي مات قبل أن يولد
تاريخ النشر: 20th, November 2025 GMT
باتت ساحات القتال في أوكرانيا مختبرا سريعا للتقنية العسكرية، لدرجة أن القدرات الميدانية أصبحت تنمو بشكل أسرع مقارنة بالعديد من برامج الأسلحة الرسمية. فبينما تواصل المصانع الغربية محاولاتها لصنع أنظمة تواكب هذا الإيقاع المحموم، فإن الابتكارات الميدانية -كما يقول أحد المحللين العسكريين الغربيين- "تتخطّى الجهود المشتركة التي تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا".
أحد المشاريع التي تحضر بوصفها مثالا على هذا التناقض هو مشروع "فانهايم" (Vanaheim) الذي أُطلق حديثا ليواجه خطر الطائرات المسيّرة الصغيرة، لكنه وجد نفسه في سباق مع واقع ميداني يتغير كل يوم، إذ تتطوّر تقنيات الهجوم والدفاع في ساحات أوكرانيا بوتيرة تفوق مراحل تطوير المشروع، حتى بدا مُستهلكا قبل أن يُستخدم عمليا في الميدان.
أُعلن عن إطلاق مشروع "فانهايم" في مارس/آذار 2025 خلال معرض الطيران الدولي في بريطانيا، بوصفه مبادرة مشتركة بين وزارة الدفاع البريطانية والجيش الأميركي، تهدف إلى تسريع تطوير أنظمة دفاعية مضادة للطائرات المسيّرة الصغيرة التي باتت تُستخدم بكثافة في الحرب الأوكرانية، سواء في مهام الاستطلاع أو في الهجمات الدقيقة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 210 مليارات دولار.. ما قصة صفقة صواريخ "باك-3″؟list 2 of 2القاتل الآلي الجديد.. إليك سر دبابة المستقبل الأميركيةend of listمشروع "فانهايم" لا يعدّ برنامج تصنيع مباشر، بل منصة اختبار ميداني لشركات متعددة، تُستخدم لاختيار وتجريب الحلول الأكثر فاعلية في مواجهة الطائرات المسيّرة الصغيرة. ويطمح "فانهايم" من خلال ذلك إلى الحصول على منظومات خفيفة وسهلة التشغيل يستطيع الجندي العادي استخدامها مباشرة في الميدان، من دون الحاجة إلى دعم من وحدات الحرب الإلكترونية المتخصصة.
إعلانوبحسب موقع كسر الدفاع، ضمّ المشروع في مرحلته الثالثة نحو 20 شركة تعمل في مجال أنظمة الدفاع ضد المسيّرات، اختبرت ميدانيا خلال صيف 2025. وبعد سلسلة من التقييمات استُبعد معظم المشاركين ليُختزل العدد إلى 8 حلول فقط، اعتُبرت الأكثر كفاءة وجدوى، تمهيدا لدمجها في المرحلة الرابعة من المشروع وتجهيزها لاختبارات أوسع ضمن التمارين العسكرية القادمة.
تتركز جهود "فانهايم" على التصدي للطائرات الصغيرة من الفئتين "بي-1" و"سي-1″، وهي الطائرات التي يمكن حملها باليد أو إطلاقها من مسافات قصيرة، وغالبا ما تُستخدم في هجمات دقيقة ضد المركبات والدبابات.
وتندرج ضمن هذه الفئة الطائرات المسيرة ذات الرؤية الأولى (FPV: First Person View)، وهي درونات صغيرة تُوجَّه عبر نظارات فيديو تنقل للمشغّل صورة مباشرة من منظور الطائرة، كما لو كان يقودها بنفسه، مما يمنحها قدرة عالية على المناورة والدقة في الاستهداف.
وبحسب ما أوضحته شركة "إل 3 هاريس"، إحدى الشركات المشاركة في المشروع، فإن الأنظمة الدفاعية التي يطوّرها "فانهايم" ينبغي أن تكون قابلة للحمل والتركيب على المركبات الخفيفة، وأن توفّر استجابة فورية للتهديدات الجوية المنخفضة الارتفاع. وتسعى المبادرة بذلك إلى تحويل مفهوم الدفاع ضد الدرونات من مهمة معقّدة محصورة بغرف القيادة المركزية إلى قدرة ميدانية فردية تُمكّن كل جندي من مواجهة تهديد المسيرات الحديثة.
رادار نشط وآخر سلبيبناء على ذلك، تعتمد منظومة "فانهايم" على مجموعة مكونات تقنية تعمل معا، لتوفير ما يُعرف في المجال العسكري "بالوعي الميداني" ضد الطائرات المسيّرة، أي القدرة على رصد الدرون وتحديد نوعه، ثم تعطيله قبل أن يصل إلى هدفه. هذه المنظومة لا تقوم على جهاز واحد، بل على شبكة من الحواس الإلكترونية التي تتكامل لتغطي كل مراحل المواجهة، من الكشف إلى التصنيف ثم الإبطال.
أحد أنواع الرصد المطروحة داخل المشروع هي الرادارات الصغيرة المنخفضة الطاقة، المصممة لرصد الطائرات الصغيرة من مسافات بعيدة نسبيا، حتى في ظروف الطقس السيئة. وتمتاز هذه الرادارات بصغر حجمها وسهولة حملها وتركيبها على المركبات الخفيفة أو تشغيلها ميدانيا من قبل الجنود، وذلك ما يجعلها مناسبة تماما لفلسفة "فانهايم" القائمة على تمكين الجندي الفرد من الدفاع ضد الدرونات.
هذه الرادارات، كما تشرح شركة ديدرون الأميركية الألمانية المتخصصة في أمن المجال الجوي، تحتوي على نوعين من الرادارات التي تعمل مع بعضها بعضا بطريقة تكميلية. أولهما رادارات نشطة، تُرسل موجات قصيرة ثم تقيس الإشارات العائدة عندما تصطدم هذه الموجات بجسم طائر. أما الأخرى فهي رادارات سلبية، تلتقط ببساطة الإشارات أو الذبذبات التي تنبعث من الدرون نفسه أو من مصدره من دون إرسال أي موجة من جانب الرادار.
الميزة العملية للرصد السلبي أنه يصعّب على الخصم معرفة مكان جهاز الكشف، لأن الجهاز لا يبثّ إشارات يمكن تتبعها، بينما يبقى الرصد النشط مفيدا لتحديد المسافة والاتجاه بدقة عندما يكون ذلك ممكنا.
وتتجلى أهمية هذا الجمع بين الرصد النشط والسلبي عند مواجهة الدرونات الصامتة، وهي طائرات مُصممة إما للطيران المستقل المبرمج من دون تدخل خارجي، أو أُعدّت بصورة تقلل انبعاثاتها اللاسلكية عمدا كي لا تُكتشف بوسائل الحرب الإلكترونية التقليدية.
إعلانهذه الدرونات لا تُخلّف إشارات يمكن رصدها. وهنا تظهر فائدة الرصد النشط والسلبي معا، فالرادار النشط يلتقط انعكاس جسم الدرون أو أي تغيّر في تدفق الهواء حوله، بينما يلتقط الرادار السلبي أي بقايا انبعاثات إلكترونية ضعيفة قد يصدرها الدرون، فتصبح رؤيته ممكنة رغم صمته الإلكتروني.
بدورها، قدمت شركة "إل-3 هاريس" أحد أنظمتها الجديدة المضادة للطائرات المسيّرة، والمعروف باسم "الغراب كورفوس"، ضمن فعاليات مشروع فانهايم، بوصفه أحد الحلول المرشحة للدخول في المنظومة.
وبحسب ما تذكره "هاريس"، يتميز "كورفوس" بقدرته على الكشف السلبي عن الطائرات المسيّرة الصغيرة، حتى مسافة تقارب 4 كيلومترات، كما يستطيع تصنيفها وتفعيل وسيلة الإبطال المناسبة، سواء عبر التشويش أو التعطيل.
وإلى جانب أنظمة الرادار، شملت الاختبارات مجموعة من الحلول الأخرى الخاصة بمرحلة الكشف، من بينها معدات رصد موجات الراديو، التي تُستخدم في البحث عن إشارات تحكم، سواء تلك الصادرة عن الدرون أو عن محطة تحكم أرضية.
بعد الكشف والتصنيف تأتي مرحلة إبطال التهديد أو تحييده، وغالبا ما يتم ذلك من دون تدمير الدرون ماديا، عبر التشويش على إشارات الراديو أو تعطيل نظام تحديد المواقع، بما يدفع الدرون إلى تفعيل بروتوكولات الأمان المبرمجة، مثل العودة إلى نقطة الإطلاق أو الهبوط الآمن، لأن رابط الاتصال مع المشغل انقطع أو صار معطوبا.
تُعرف هذه الطريقة باسم "القتل الناعم"، وميزتها أنها تقلّل من مخاطر الأضرار الجانبية، وتناسب خصوصا الدرونات المعتمدة على التحكم عن بُعد، كما أنها تعدّ الأقل تكلفة، بما يجعلها الأكثر استخداما.
غير أن الجبهة الأوكرانية سرعان ما أبرزت تهديدا جديدا، لم يضعه "فانهايم" في الحسبان. فبعد 4 أشهر فقط على إطلاق المشروع، ظهر في الميدان نمط من الهجمات لم يكن متوقعا ضمن سيناريوهات الاختبار أو التطوير.
ففي يوليو/تموز 2025 حذّر ضابط أوكراني خلال إحاطة عسكرية في لندن من أن القوات الروسية بدأت على نحو متزايد في استخدام طائرات هجومية من نوع الرؤية الأولى تعمل بواسطة كابلات من الألياف الضوئية، تنقل إشارات التحكم والصورة مباشرة من المشغّل إلى الطائرة من دون أي بث لاسلكي.
بهذه التقنية تصبح الطائرات محصنة فعليا ضد التشويش الإلكتروني، إذ لا يمكن تعطيلها بموجات الراديو كما هو الحال في معظم المسيّرات. وأوضح المصدر أن هذا النوع من الطائرات حوّل وحدات التشغيل الأوكرانية إلى أهداف رئيسية في الميدان، وأن الخيارات المتاحة لمواجهتها تقتصر على قطع السلك أو إسقاط الطائرة أو استخدام أسلحة طاقة موجهة.
وفي وقت لاحق، أقرّ مسؤولون في الشركات المشاركة ضمن مشروع "فانهايم" بأن التجارب الميدانية التي أُجريت في أوروبا لم تتضمن حتى ذلك الحين أي اختبارات ضد الطائرات المتصلة بالألياف الضوئية، مشيرين إلى أن هذا النوع من التهديد لم يكن مطروحا أصلا قبل أشهر قليلة فقط.
بمعنى آخر، جاء التهديد أسرع من برامج التطوير نفسها، مما دفع القائمين على المشروع إلى الإقرار بأن "فانهايم" ليس مهيّأ للتعامل مع الدرونات غير القابلة للتشويش، في إشارة إلى أن سباق الابتكار في ساحات القتال بات يُقاس بالساعات لا بالسنوات.
"القتل الصلب"ثمة عدد من الحلول المطروحة لمواجهة ذلك التحدي الجديد، من بينها استخدام كاميرات كهروبصرية، قادرة على رصد الأهداف الواقعة ضمن مجال رؤيتها، بما في ذلك الطائرات المربوطة بأسلاك ضوئية. هذه الكاميرات تتيح رؤية دقيقة لميدان القتال وتعمل إلى جانب بقية المستشعرات، مثل الرادارات والمناظير الذكية والحساسات الصوتية، لتشكيل صورة متكاملة عن التهديدات الجوية الصغيرة.
إعلانأما في ما يخص مرحلة التحييد، فيمكن اللجوء إلى ما يُسمى "القتل الصلب"، أي إسقاط الدرون فعليا، وهو "التكنيك" المستخدم عندما تكون طرق التشويش غير مجدية، كأن يكون الدرون مستقلا يعمل وفق برنامج ذاتي، أو في حالات توصيل الدرون بكابل ألياف بصرية يمنحه طاقة مستمرة وقناة اتصال لا يمكن قطعها لاسلكيا، كما في حالة الجبهة الأوكرانية.
في هذه الحالة، يلجأ المشغلون إلى وسائل مادية لإسقاط الدرون، سواء من خلال أسلحة نارية دقيقة تستهدف الطائرة، أو استخدام منظومات ليزرية عالية الطاقة لحرق مكوّنات الدرون أو تعطيلها.
فضلا عن ذلك، يمكن استخدام الاعتراض الجوي المُصغّر، عبر إطلاق طائرات مسيّرة مصممة لاعتراض الدرون المهاجم والتصادم به، أو للالتفاف حوله وشلّه. وقد تُزَوَّد هذه الطائرات المعترضة برؤوس صغيرة أو شبكات لالتقاط الهدف. هذه الإستراتيجية تتيح تشكيل شبكة دفاع مرنة قادرة على التعامل مع هجمات متعددة أو أسراب صغيرة من دون اللجوء دائما إلى ذخائر تقليدية، لكنها في الوقت ذاته تزيد من تعقيد التحكم وتتطلب تنسيقا عاليا.
نظام "جو–جو" ألمانيأحد الحلول المطروحة داخل مشروع "فانهايم" لمواجهة مسيّرات الكابلات الضوئية هو نظام "سينتينل"، من ابتكار شركة "ألباين إيغل" الألمانية. وهو عبارة عن شبكة من طائرات صغيرة تحوم فوق ساحة القتال لتنشئ فقاعة مراقبة واعتراض بدل الاعتماد فقط على حسّاسات أرضية، مما يزوّد القوات برؤية من الأعلى.
يدمج النظام رادارات دقيقة للأهداف الصغيرة، وكاميرات بصرية وحرارية، فضلا عن معالجة بيانات مدعومة برؤية حاسوبية وذكاء اصطناعي، لتكوين صورة موحدة عن الهدف، من حيث حجمه وسرعته وسلوكه، وتمييزه عن الطيور أو الأجسام المدنية، مما يسرّع اتخاذ قرار الاعتراض.
وفي مرحلة الاعتراض يتبنّى النظام مفهوم "السرب الاعتراضي"؛ من خلال منصة حاملة تطير على ارتفاع مناسب مزوّدة بطائرتين أو أكثر اعتراضيتين تُوجه لإبطال الهدف، إما بالاصطدام الموجه أو باستخدام شبكات أو رؤوس صغيرة لشل الحركة، أو بتوجيه نيران أرضية عبر الشبكة. وتتيح هذه المرونة التعامل مع أسراب وهجمات متعددة دون الاعتماد المفرط على الذخائر التقليدية.
تكمن أبرز مزايا "سينتينل" في أنه لا يعتمد على اعتراض الإشارات اللاسلكية فقط، بل يكتشف الدرونات عبر البصمات الرادارية والبصرية وأنماط الحركة، بما يجعله مناسبا للتعامل مع الطائرات الموصولة بكابلات الألياف أو الأنظمة المحصّنة ضد التشويش.
ومع ذلك، يواجه النظام تحديات تشغيلية ولوجستية واضحة، من بينها إدارة طاقة المنصات، والتنسيق مع الطائرات المأهولة، وتطبيق قواعد اشتباك دقيقة، فضلا عن محدودية أدائه في الطقس السيئ أو بيئات التشويش الكثيف، إلى جانب تساؤلات قانونية حول دمجه في المجال الجوي المدني. لذلك لا يزال النظام في طور الاختبار والتقييم قبل اعتماده على نطاق واسع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات أبعاد فی المیدان ت ستخدم التی ت من دون
إقرأ أيضاً:
أوكرانيا تقصف محطات للطاقة بدونيتسك وروسيا تعترض وابلا من المسيّرات
أفادت السلطات الروسية في المناطق الخاضعة لسيطرتها شرقي أوكرانيا بتعرض منطقة دونيتسك لهجوم أوكراني استهدف محطات للطاقة، في حين أعلنت موسكو اعتراضها وابلا من المسيّرات الأوكرانية.
وقال الرئيس الذي عينته موسكو على الأجزاء الخاضعة لسيطرة روسيا من منطقة دونيتسك اليوم الثلاثاء، إن هجوما أوكرانيا "غير مسبوق" ليلا، ألحق أضرارا بمحطتي طاقة حرارية، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن عدد من البلدات.
وكتب دينيس بوشيلين على تطبيق تليغرام، إن خزانات التسخين ومحطات تنقية المياه في المحطتين توقفت عن العمل، وأن أطقم الطوارئ تعمل على استعادة الإمدادات.
وقال بوشلين، أمس الاثنين، إن الهجوم الذي شنته مسيّرات أوكرانية على البنية التحتية للطاقة أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن نحو 500 ألف شخص في مناطق عدة.
وكثفت كييف من هجماتها بالمسيّرات والصواريخ بعيدة المدى على محطات الطاقة والبنية التحتية في الأجزاء التي تسيطر عليها روسيا في دونيتسك في الأسابيع القليلة الماضية، في محاولة لتعطيل الخدمات اللوجيستية العسكرية وتقويض قدرة موسكو على مواصلة الحرب.
ولم تكتف القوات الأوكرانية بقصف دونيتسك، أمس الاثنين، فقد نقلت وكالة الإعلام الروسية، اليوم الثلاثاء، عن وزارة الدفاع أن قواتها الجوية دمرت 31 مسيّرة أوكرانية خلال الليل.