وتناول برنامج "الاتجاه المعاكس" في حلقته بتاريخ (2/12/2025) ما آلت إليه الأمور في سوريا بعد عام من التحرير، من خلال رؤيتين متباينتين حول حصيلة هذا العام، قدمها ضيفا الحلقة البروفيسور الدكتور محمد أبو الفرج صادق، والباحث والكاتب السياسي شيفان خابوري.

افتتح مقدم البرنامج فيصل القاسم النقاش باستعراض ما سمّاه مؤشرات تحول تاريخي، بدءا بانهيار النظام الأمني السابق، مرورا برفع عقوبات دولية، ووصولا إلى مستويات غير مسبوقة من حرية الحركة عبر المطارات دون خوف الاعتقال، وهي مكاسب وصفت بأنها "غير مسبوقة منذ الاستقلال".

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الشرع في حلب لإحياء ذكرى معركة الإطاحة بالأسدlist 2 of 4سوريا الجديدة بين مشروع الدولة الموحدة ومخططات التقسيمlist 3 of 412 يوما صنعت سوريا الجديدةlist 4 of 4الصحافة الورقية في سوريا إرث يعود إلى الواجهة بعد سقوط نظام الأسدend of list

لكن القاسم طرح في المقابل سلسلة أسئلة نقدية حول تأخّر التحسن الاقتصادي، وتراجع الثقة الشعبية، وبقاء التوترات في الشرق والجنوب والوسط، وغياب مصالحة وطنية شاملة تُطمئن جميع المكوّنات، وهو التناقض الذي شكّل مدخلا لاصطدام رؤيتين حول مستقبل الدولة الوليدة.

تحول جذري

البروفيسور محمد أبو الفرج صادق رأى أن ما تحقق خلال عام واحد يرقى إلى مستوى "التحوّل الجذري"، معتبرا سقوط النظام السابق بحد ذاته الإنجاز الأكبر، لأنه -وفق وصفه- أوقف انحدارا كان يبتلع الدولة سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا، واعتبر التحرير "فرصة تاريخية" للشباب لإعادة بناء وطن صودر طوال نصف قرن.

وأكد أن الإنجازات لا يمكن الاستخفاف بها، مستشهدا بتحرير البلاد من الأجهزة الأمنية التي حكمت بالقمع، وعودة حرية التعبير بما يسمح -على حد قوله- بانتقاد رأس الدولة دون خوف، وأصر على أن سوريا اليوم "وطن يولد من جديد"، وأن ولادة الأوطان لا تحدث دون آلام وصدمات مرحلية.

في المقابل، طرح الباحث السياسي شيفان خابوري رؤية معاكسة تماما، إذ وصف العام الأول بعد السقوط بأنه "خيبة كبيرة" للمجتمع السوري، مشيرا إلى أنّ آمال المشاركة السياسية والدستورية لم تتحقق، وأكد أن الحكومة الانتقالية كرّست الإقصاء بدل أن تؤسس لشراكة وطنية واسعة تشمل كل المكونات.

ووصف خابوري الانتهاكات التي وقعت في الساحل والسويداء بأنها "جرائم جماعية" فاقمت الانقسام الأهلي، معتبرا أن سوريا لم تعرف في تاريخها هذا المستوى من الاستهداف الطائفي، كما رأى أن الاحتقان في حمص ومناطق أخرى يكشف هشاشة البنية الوطنية الجديدة.

إعلام غير حر

وانتقد ما اعتبره "إعلاما غير حر"، مؤكدا وجود حالات قتل على الهوية بدل الاعتقالات السياسية، مما يعني -برأيه- غياب الأمن القانوني، وردّ على نفي القاسم وجود معتقلي رأي، بأن حوادث قتل بدوافع طائفية سجلت مؤخرا، حسب قوله.

أما أبو الفرج فاتهم الطرف الآخر بتضخيم الأحداث، مؤكدا أن الممارسات الانتقامية لا تعبّر عن سياسة الدولة، وأن مقارنتها بمجازر النظام السابق "تزييف فج للحقائق"، مشيرا إلى أن التحديات الطائفية ليست نتاج المرحلة الجديدة، بل إرث ثقيل خلّفه النظام المنهار.

وحين احتدم النقاش حول مسألة الحرية والدستور، شدد خابوري على أن غياب دستور ديمقراطي متوافق عليه ينسف أي حديث عن انتقال سياسي، وقال إن الحوار الوطني كان "شكليا"، وإن القوى الرئيسة في الشمال والشرق لم تكن ممثلة بصورة حقيقية، مما أفقد العملية معناها.

وأصرّ على أن أي مشروع لا يعترف بالتعددية القومية والطائفية سيبقى عاجزا عن إنتاج دولة مستقرة، واتهم الحكومة الانتقالية بممارسة الإقصاء ضد الكرد وغيرهم، معتبرا أن ذلك يدفع البلاد نحو سيناريوهات خطيرة من التفكك والانقسام.

الطريق في بدايته

وعاد أبو الفرج ليؤكد أن طريق الدولة الجديدة لا يزال في بدايته، وأن ما تحقق خلال عام يتجاوز ما أنجزته البلاد خلال 50 سنة، مشيرا إلى تحسّن ملحوظ في الرواتب وعودة المؤسسات للعمل رغم الإرث الاقتصادي المنهار الذي خلّفه النظام السابق.

وتباينت رؤية الضيفين حول الثروات الطبيعية في الشمال والشرق، إذ اتهم أبو الفرج "قسد" بالسيطرة عليها، بينما نفى خابوري ذلك معتبرا أن الموارد دُمّرت أو استنزفت خلال الصراع، وأن الحكومة الانتقالية نفسها فشلت في إدارتها بشكل منصف.

وفي ختام الحلقة، عاود الضيفان التأكيد على تصوراتهما المتناقضة حول مستقبل سوريا، حيث تحدث أبو الفرج عن دولة مؤسسات في طور التشكّل، تقودها قيم المواطنة والديمقراطية، وقادرة على إعادة اللاجئين وإطلاق الإعمار.

أما خابوري فحذّر من أن استمرار السياسات الحالية سيقود البلاد إلى المجهول وربما إلى التقسيم ما لم تتبنَّ الدولة مسارا شاملا للحوار والدستور.

Published On 2/12/20252/12/2025|آخر تحديث: 22:13 (توقيت مكة)آخر تحديث: 22:13 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2

شارِكْ

facebooktwitterwhatsappcopylink

حفظ

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات أبو الفرج

إقرأ أيضاً:

ملف دمشق.. 134 ألف وثيقة تفضح آلة القتل الممنهج في سجون نظام الأسد

كشف تحقيق استقصائي، أجراه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) وشبكة واسعة من الشركاء الإعلاميين، عن أدلة غير مسبوقة حول عملية التعذيب والقتل الممنهج داخل شبكة سجون نظام بشار الأسد.

ونشر موقع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين "ملف دمشق"، وهو ملخص لمجموعة ضخمة من الوثائق الأمنية والمخابراتية المسربة (أكثر من 134 ألف سجل) نسبة كبيرة، يتم الكشف عن البيروقراطية المنظمة التي حولت آلاف المعتقلين إلى أرقام، وقامت بتوثيق قتلهم بأكثر من 33 ألف صورة فوتوغرافية عالية الجودة.

التحقيق لا يوثق الجرائم فحسب، بل يسلط الضوء على المعاناة المستمرة للعائلات التي لا تزال تبحث عن إجابات، والتحديات الهائلة التي تواجهها الحكومة الجديدة في سوريا للكشف عن مصير أكثر من 100 ألف مفقود.

الآلة البيروقراطية للقتل
يمثل "ملف دمشق"، الذي حصل عليه في البداية تلفزيون NDR الألماني وتمت مشاركته مع ICIJ و24 شريكاً إعلامياً، أضخم مجموعة صور فوتوغرافية مسربة تظهر سجناء سوريين مقتولين. تم التقاط هذه الصور من قبل مصورين عسكريين في الفترة ما بين 2015 و2024، وتوثق وفاة ما يزيد عن 10,200 سجين فردي.

تزوير أسباب الوفاة والحصانة القضائية
كشف التحقيق عن الآلية المنهجية التي اتبعها النظام لإخفاء جرائم القتل الجماعي:
التوثيق بالصور: تم تكليف المصورين العسكريين بأخذ صور للجثث من زوايا متعددة (في بعض الأحيان يصل عدد الصور إلى 177 في يوم واحد)، وكتابة رقم المعتقل على بطاقة بيضاء أو مباشرة على الجسم.

الغطاء البيروقراطي: كانت الصور تُرسل إلى المحاكم العسكرية حيث كان قاضٍ يوقع على الوفيات، مما يمنح أعضاء النظام حصانة قضائية لجرائمهم.

المستشفيات العسكرية: تم نقل المعتقلين الذين قضوا نحبهم بشكل روتيني إلى مستشفيات عسكرية معروفة (مثل مستشفى حرستا وتشرين العسكريين) حيث كان الأطباء يصدرون شهادات وفاة مزورة.

سبب الوفاة الموحد: غالباً ما كانت شهادات الوفاة تذكر سبب الوفاة على أنه "سكتة قلبية تنفسية" أو "سكتة قلبية"، في محاولة لتمويه حقيقة التعذيب والتجويع.

الأدلة الجسدية والفحص الجنائي
أظهر تحليل عينة عشوائية من 540 صورة أجراها فريق من المحققين الألمان دليلاً مروعاً على سوء المعاملة الممنهج:

التجويع والتعذيب: ثلاثة أرباع الضحايا في العينة تحمل علامات واضحة على التجويع، وما يقرب من الثلثين ظهرت عليهم علامات أذى جسدي ناتج عن التعذيب.

إهانة الموت: كانت الجثث تُعامل باحتقار، حيث ظهرت العديد منها مكدسة عارية في وضعيات مشوهة، مما يؤكد انتهاك حقهم في الدفن اللائق.

الامتداد لملف "قيصر"
يشكل هذا الكنز الجديد من الصور تسلسلاً مروعاً لصور "قيصر" التي تم تهريبها قبل أكثر من عقد، والتي وثقت جرائم سابقة (2011-2013). لقد كانت صور "قيصر" أساساً للملاحقات القضائية الدولية، بما في ذلك محاكمات التعذيب في ألمانيا التي أدت إلى سجن ضباط سوريين سابقين، مما يؤكد أن "ملف دمشق" يظهر استمرار وشدة القتل الذي مارسته السلطات السورية لسنوات إضافية.

وخلف الأرقام والوثائق البيروقراطية، هناك قصص لعائلات دُمرت بالكامل تبحث عن إغلاق لمعاناتها، نشر التقرير العديد منها.

وشملت قوائم القتلى التي وثقها "ملف دمشق" الناشط المعروف مازن الحمادة (رقم 1174)، الذي كان يظهر في الصور ممدداً بملابسه العسكرية وآثار القيود على معصميه، والذي قُتل بعد أن كرس حياته للنضال من أجل الحرية.

مقالات مشابهة

  • سوريا بعد عام: تفاصيل انتصار الثورة وتعقيدات المرحلة الانتقالية
  • إيكونوميست: عام على سقوط الأسد.. سوريا تتماسك والشرع يفاجئ العالم
  • احتفالات تعم سوريا في الذكرى الأولى لانتصار الثورة
  • إيكونوميست: كذبة الأسد لم تتحقق والفترة الانتقالية بسوريا فاقت التوقعات
  • بهاء أبو شقة يكشف حقيقة إلغاء انتخابات النواب بشكل كامل(فيديو)
  • الأولى منذ سقوط الأسد.. وفد لمجلس الأمن يصل سوريا ويلتقي الشرع
  • ملف دمشق.. 134 ألف وثيقة تفضح آلة القتل الممنهج في سجون نظام الأسد
  • حماة.. المدينة التي أرادها حافظ الأسد عبرة فكانت بوابة سقوط نظام ابنه
  • ماذا وراء تنفيذ سوريا عمليات أمنية ضد تنظيم الدولة في إدلب؟