الناشرون السودانيون في خضم الحرب.. هل تأفل شمس الكتاب بالخرطوم؟
تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT
معاناة الناشرين وصناعة الكتاب ليست بالخافية في عموم العالم، وهي أكثر وضوحًا في العالم العربي، لكن صناع الكتب رغم ذلك يصرون على مواصلة العطاء، ساعين ليكونوا جسرا بين الكاتب والقارئ وإن أرهقتهم هذه المهنة.
وتتضاعف المعاناة والمشاكل عندما يكون هؤلاء الناشرون في بلد يعاني ظروفا استثنائية، وتمزقه الحرب ويغيب عنه الاستقرار ويثقله التدهور الاقتصادي، تماما كما يعاني الناشرون السودانيون.
وجوه متعددة للمعاناة عاشتها دور النشر السودانية في السنوات الماضية، فالتدهور الاقتصادي جعل الكتاب يتدحرج إلى أسفل سلم أولويات المواطن السوداني، فثمنه قد يسد ثغرة في قائمة المطلوبات اليومية التي يصعب مجابهتها، إضافة للتدهور المستمر في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار.
مدير "دار عزة " والأمين العام لاتحاد الناشرين السودانيين نورالهدى محمد ذكر بعض الذي أرهق صناعة الكتاب في السودان قائلا إن "المشاكل كثيرة ومتعددة، والدولة من أكبرها، فهي لا تقدم أي مساعده للناشر، بل إن وزارة ثقافتها عبء على الناشر".
ويضيف نور الهدى في حديث للجزيرة نت أن "عدم سلاسة التحويلات المالية -بين المؤلف والناشر والمطبعة-، والتهاوي في سعر العملة، إضافة لغلاء إيجارات المقار والمعارض، وعدم وجود شركات توزيع"، كلها عوائق في طريق الناشرين.
صاحب "دار الأجنحة" متوكل زروق شبَّه طباعة الكتاب بالمغامرة، خاصة عندما يطبع الناشر لأسماء جيدة لكنها غير مشهورة، والمؤسف بحسب وصفه "أنك عندما تربح مغامرتك، وتبدأ مبيعات الكتاب في الارتفاع سرعان ما تمتلىء الأرصفة بالنسخ المزورة".
الأشياء تتداعىلا تبدو الصورة واضحة في الخرطوم، ولا تعلم الأكثرية هناك حال خرطومهم، ولا حال ما يخصهم فيها إلا في آحايين قليلة. غير أن اليقيني أن عجلة الحياة تعطلت تماما، وأن محيط الخراب في تمدد.
سألنا نورالهدى عن مصير داره (دار عزة) فقال "الدار مجاورة لجامعة الخرطوم وبالقرب من مناطق العمليات العسكرية ولم أستطع الوصول إليها منذ بداية المعارك (في منتصف أبريل/نيسان الماضي)، ولا أعرف ما حلَّ بها"، ويستطرد قائلا "أما المخازن فتعرضت للحريق بسبب المقذوفات".
عماد أبو مدين مدير "دار الريم" ناشر آخر يتلظى بالحرب ولا يدري شيئا عن مكتبه ومخازنه، ويقول "لا أدري ما مصير المقر، ولا المخازن، ولا الكتب التي كانت كتابتها قصة، وطباعتها حياة".
وبحسب إفادة أبو مدين للجزيرة نت فإن مكتب الدار ومخزنها يقعان في منطقة كثيرة الاشتباكات العسكرية، ولكونها منطقة تجارية وغير مأهولة بالسكان لذلك يصعب ورود معلومات.
يصف متوكل زروق الوضع الذي يكاد يشترك فيه الناشرون السودانيون كلهم، قائلا "تقع أغلب دور النشر في الخرطوم، وأقل ضرر واقع على الناشر السوداني أنه لا يستطيع الوصول إلى كتبه، دعك من بيعها".
ويضيف في حديثه للجزيرة نت "واحدة من المعضلات المؤرقة أن هناك التزامات من دور النشر للمؤلفين ولأصحاب المطابع، وكان الإيفاء بها في الغالب بعد عمليات البيع، وما من بيع".
ضرورة ملحةتحت الرصاص وضغط الالتزامات توزع عدد من الناشرين السودانيين في العواصم، توجهت الأكثرية صوب مصر لأكثر من اعتبار، منها أن غالبهم يطبع كتبه هناك وله علاقات عمل، فسافروا مصطحبين أسرهم والكثير من الأمنيات بتحسين أوضاعهم.
ومن أولئك عماد أبو مدين الذي يواصل إفادته للجزيرة نت قائلا "بعد إغلاق مطار الخرطوم وتعليق الرحلات الجوية، توجهت عبر معبر أرقين برًّا إلى جمهورية مصر العربية"، ومثله فعل عدد من الناشرين، مثل متوكل زروق الذي قال "إن التزاماته تجاه مؤلفين -وخاصة غير سودانيين- جعلت من خروجه ضرورة ملحة".
وتعد المشاركة في المعارض الخارجية من أكثر الأسباب التي دعت ناشري السودان للخروج منه، وتمثل هذه المعارض لدور النشر ذروة مواسمهم، كما أن لها أكثر من بعد بحسب ما أفاد مدير دار عزة نور الهدى محمد، الذي يقول إن "المعارض الخارجية من أهم الموارد المالية للدور، وتزداد هذه الأهمية مع توقف السوق الداخلية، كما أن الحضور يتيح مساحات إعلامية ولقاءات بالمؤلفين والزملاء الناشرين".
لأجل ذلك بدأ نور الهدى محمد رحلة الترتيب والركض بين المطابع وشركات الشحن، بينما استطاع بعض الناشرين اللحاق بمعرض أبو ظبي للكتاب في مهاية مايو/آيار، ومنه توجهوا لمعرض الدوحة، الذي أقيم هذا العام في يونيو/حزيران، وقد التحقت به من القاهرة دار الريم، ودار الشريف الأكاديمية.
معرض الدوحةكانت المشاركة في معرض الدوحة للكتاب جميلة ومفيدة للناشرين السودانين بحسب ما أفاد أبو مدين، ويقول إن "إدارة المعرض والعاملين فيه قاموا بالكثير وساعدوا دور النشر السودانية بدعمها بالشراء بتوجيه من وزير الثقافة ومدير المعرض، ولقد أسهمت الجالية السودانية إسهاما كبيرا بالترويج في وسائل التواصل الاجتماعي، والشراء وتحفيز أبناء الجالية السودانية للحضور والتطوع للتعرف على الكتاب والمبدعين السودانيين في كافة مجالات إبداعهم"، لكن المعاناة حسب قوله بدأت بعد المعرض.
الناشر المصري المستشار أسامة شتات شارك في المعرض وشهد معاناة زملائه السودانيين، وقال "عند انتهاء المعرض عاد بعضهم إلى دول لهم فيها إقامات، وتبقى منهم زميلان ليس لديهم إقامة في أي دولة إلا إقامتهم في السودان، بلدهم الذي عجزوا عن الذهاب إليه، ولم يجدوا بلدًا يسمح بدخولهم إليه" ليتعقد الوضع خاصة عند القادمين من القاهرة.
يقول أبو مدين "بدأنا طباعة كتب جديدة في القاهرة وتركناها وتركنا أسرنا للمشاركة في معرض الدوحة ثم العودة لما تركناه، لكن العودة تعذرت ولم نمنح تأشيرة دخول لمصر".
سألناه عن المساعي التي بذلت فقال "إدارة المعرض كتبت خطابًا إلى من يهمهم الأمر عبر السفارة السودانية لاستثنائنا ومنحنا الإذن بالسفر إلى مصر.. ولكن للأسف لم تفلح كل المحاولات في ذلك.. ثم قامت إدارة المعرض بتمديد الزيارة بالدوحة حتى نكون موجودين بشكل قانوني".
هاجس إضافيفي الماضي كان الناشر السوداني يسافر من الخرطوم للمعارض، والذين يطبعون في القاهرة ربما جعلوها نقطة انطلاق للمشاركات الخارجية، لكن خيار الخرطوم لم يعد ممكنا، وربما كانت العودة للقاهرة بذات صعوبة العودة للخرطوم، فعلى سبيل المثال مازال عماد أبو مدين ومتوكل شريف في الدوحة تحت التمديد الثاني لزيارتهما وأمامهما جدول مشاركات، لكن إلى أين يرجع الناشران بعد المشاركة؟
وعلق الأمين العام لاتحاد الناشرين السودانيين على هذا الوضع في حديث للجزيرة نت قائلا إن المشاركة في المعارض أصبحت معقدة بسبب تأشيرات الدخول، "فعندما يشارك سوداني في أي معرض لا يستطيع العودة الى الجهة التي قدم منها للمعرض، إذ لا يمنح تأشيرة دخول، ويبقى بعيدا عن أسرته وقد يتعرض للغرامة وربما السجن بسبب مخالفة قوانين الإقامة بعد نهاية فترة التأشيرة".
ويضيف نور الهدى متحسرا "ولا يستطيع العودة لوطنه بسبب الحرب وإغلاق مطار الخرطوم التي ينتمي إليها أغلبهم، والآن هم بين الدوحة والإمارات والقاهرة، وإذا سافر أحدهم لأي معرض لا يستطيع العودة، بخلاف معضلات الشحن وتحريك الكتب من معرض لآخر"، كل ذلك ينذر بتوقف المشاركات السودانية في المعارض العربية وهذا ما لا يتمناه السودانيون في مهاجرهم ولا يتمناه الناشرون.
أبو مدين يأمل أن تنطفئ نار الحرب وأن تصبح العودة للديار ممكنة، وإلى ذلك الحين يأمل في مساعدة اتحاد الناشرين العرب لكون اتحاد الناشرين السودانيين منضويا تحت لوائه.
ويوضح ما يحتاجون إليه قائلا "نحتاج مخاطبة مديري المعارض العربية لمنحنا وضعا استثنائيا ييسر المشاركة في المعارض، خاصة في ما يتعلق برسوم اشتراكات الأجنحة والتأشيرات. كما نرجو من اتحاد الناشرين العرب مساعدة دور النشر السودانية في إجراءات الشحن وتسهيل استخراج أرقام الإيداع والترقيم الدولي للكتاب من القاهرة، إذ إن معظم دور النشر السودانية تطبع بالقاهرة".
طرقنا باب اتحاد الناشرين العرب وراسلنا أمينه العام حاملين أسئلتنا من قبيل "ما الذي قدمه اتحاد الناشرين العرب لأعضائه من ناشري السودان؟ أو ينوي تقديمه؟ وبشكل أدق في تنقلاتهم للمشاركة في المعارض.. أو على أي وجه آخر مناسب" لكننا لم نتلق ردا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مواقع التواصل المشارکة فی فی المعارض للجزیرة نت لا یستطیع
إقرأ أيضاً:
هيئة الكتاب تصدر إصدارا جديدًا عن الإدارة الاستراتيجية لـ بهاء الدين سعد
أصدرت وزارة الثقافة المصرية، ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتابًا جديدًا بعنوان "المدخل المعاصر في الإدارة الاستراتيجية – مسار خلق القيمة"، من تأليف الدكتور بهاء الدين سعد، وذلك ضمن جهودها المستمرة لدعم الفكر الإداري المعاصر وتقديم مرجع معرفي رصين في هذا المجال الحيوي.
يسلط الكتاب الضوء على تطور مفهوم "الإدارة الاستراتيجية" باعتباره أحد أبرز المفاهيم الحديثة في علم الإدارة، ويوضح كيف نشأ هذا التخصص كامتداد وتطور طبيعي لما يُعرف بـ"أصول الإدارة"، حيث يستعرض الفروق الجوهرية بينهما من حيث المحتوى، والأدوات التحليلية المستخدمة، والتركيز المحوري على المستقبل وخلق ميزة تنافسية مستدامة.
يتناول المؤلف الأسباب التي دفعت إلى تطور الإدارة الاستراتيجية ككيان معرفي مستقل، في مقدمتها التغيرات العالمية المتسارعة مثل تصاعد المنافسة الدولية، والعولمة، والتقدم التكنولوجي، وظهور مفهوم التنمية المستدامة، وتزايد أهمية رأس المال البشري، إلى جانب أخلاقيات الأعمال، وإدارة المعرفة، والاهتمام بالبعد البيئي والمجتمعي.
كما يناقش الكتاب كيف أصبحت الإدارة الاستراتيجية تُعنى بالتخطيط والتنفيذ والتقييم على أسس استراتيجية تتجاوز الأطر التشغيلية اليومية، مع التركيز على خلق قيمة حقيقية لجميع الأطراف المعنية بالمنظمة، سواء داخلية أو خارجية.
ويؤكد الدكتور بهاء الدين سعد على أهمية التكامل بين "أصول الإدارة" و"الإدارة الاستراتيجية"، مشيرًا إلى أن النجاح المؤسسي اليوم يعتمد على التنسيق بين المستويات المختلفة للإستراتيجية: الشاملة، ووحدات الأعمال، والوظيفية، والتشغيلية.
يمثل هذا الإصدار إضافة نوعية للمكتبة الإدارية العربية، ويعد مرجعًا هامًا للباحثين والدارسين والعاملين في الحقل الإداري الراغبين في فهم ديناميكيات الإدارة الحديثة وآليات بناء منظمات قادرة على المنافسة والبقاء في بيئة متغيرة باستمرار.