قالت سالي عاطف، المتخصصة في الشأن الإفريقي، إن نيجيريا تشهد اليوم واحدة من أكثر اللحظات ظلامًا في تاريخها الحديث، بعدما تحوّلت عمليات الخطف الجماعي من حوادث متفرقة إلى ظاهرة مرعبة تهزّ المجتمع وتكشف هشاشة المشهد الأمني بأكمله. 

خلال أسابيع قليلة فقط، وجد النيجيريون أنفسهم أمام موجة من الهجمات التي أعادت فتح جراح قديمة، وأطلقت أسئلة جديدة حول قدرة الدولة على حماية مواطنيها، خصوصًا الأطفال.

وأضافت أنه في نوفمبر الماضي، تعرّضت البلاد لواحدة من أكبر عمليات الاختطاف في تاريخها الحديث، عندما اقتحم مسلحون مدرسة “سانت ماري الكاثوليكية” في ولاية النيجر، وخطفوا 303 طلابًا إضافةً إلى 12 معلمًا. 

ورغم أن نحو 50 طالبًا تمكنوا من الهروب لاحقًا، إلا أن العدد المتبقي كان كافيًا لإشعال حالة غضب وذعر داخل نيجيريا وخارجها، لم يكن هذا الحادث الوحيد؛ ففي ولاية “كيبي” اختُطفت 25 طالبة في غضون أيام فقط، بينما وثّقت منظمات دولية ما لا يقل عن 670 طفلًا تأثروا بهجمات تستهدف المدارس خلال أقل من عامين.

وأشارت إلى أن هذه الأرقام ليست مجرّد بيانات صامتة؛ إنها صورة لبلد يتعرّض نظامه التعليمي للتفكك تحت تهديد جماعات مسلحة تعرف تمامًا ضعف الدولة في مناطق الريف والأطراف. عشرات المدارس أُغلقت — بعضها قسريًا — بعد الهجمات الأخيرة، بما فيها نحو 47 مدرسة داخلية تم تعليق الدراسة فيها خوفًا من هجمات مشابهة. آلاف الطلاب باتوا محاصرين بين خيارين أحلاهما مرّ: الانقطاع عن الدراسة أو الذهاب إلى مدارس قد تُصبح في أي لحظة هدفًا جديدًا.

وتابعت “رد الدولة جاء متأخرًا لكنه حمل اعترافًا ضمنيًا بحجم الكارثة. ففي 26 نوفمبر، أعلن الرئيس بولا تينوبو حالة طوارئ أمنية وطنية، وأمر بتجنيد 20 ألف ضابط شرطة إضافيين لرفع القوة العاملة الأمنية إلى نحو 50 ألف فرد، وهي أكبر عملية تجنيد أمني في تاريخ البلاد. كما تم نشر قوات إضافية في الغابات والمناطق الأكثر هشاشة، في محاولة للحد من انتشار العصابات التي باتت تعمل بثقة أكبر وبقدرة على تنفيذ عمليات واسعة دون مقاومة تُذكر”.

واستكملت "لكن قراءة أعمق للمشهد تكشف أن الأزمة ليست أمنية فقط. فالخطف أصبح صناعة مربحة في بعض المناطق، تستفيد منها عصابات “الباندتس” التي تستهدف المدنيين مقابل الفدية، مستغلة الفقر ونقص الخدمات وضعف الدولة. جماعات أخرى لها دوافع دينية أو سياسية تندمج أحيانًا في المشهد، ما يجعل خطوط الفصل بين الإجرام والإرهاب باهتة في كثير من الأحيان. وبين هذا وذاك، يجد المزارعون أنفسهم عاجزين عن العمل في حقولهم، والقرى محاصرة بالخوف، والمجتمعات المحلية على حافة الانهيار.

ولفتت إلى أن الأخطر من ذلك يكمن في أن الثقة بين المواطن والدولة تتراجع بسرعة، فكل عملية خطف جديدة لا تُنهي فقط مستقبل أطفال معيّنين، بل تُضعف الإيمان بأن الدولة قادرة أصلًا على إنقاذهم. كل مدرسة تُغلق تمثل مساحة جديدة ينسحب منها التعليم ويحتلها الخوف. كل طفل يتعرض للخطف هو رسالة واضحة بأن الدولة ما زالت عاجزة عن إعادة فرض سيادتها.

وأشارت إلى أن ما يحدث في نيجيريا الآن يتجاوز حدود حادث أو أزمة عابرة، نحن أمام مشهد مركّب يجمع الفقر، والفراغ الأمني، والصراعات العرقية، وضعف البنية الحكومية، وتضارب مصالح الفصائل المسلحة. وحتى الإجراءات الحكومية الأخيرة، رغم أهميتها، تبدو كحلول إسعافية قصيرة المدى ما لم تُعالج جذور المشكلة: العدالة، التنمية، توزيع الموارد، ومحاربة الفساد.

وتابعت “الخطف لم يعد ظاهرة معزولة، بل تحوّل إلى “اقتصاد ظل” قائم على طلب الفدية، إذ تُقدّر حصيلة الفدى المدفوعة خلال السنوات الأخيرة بأكثر من 18 مليون دولار، ما يجعلها مصدر تمويل ضخم للجماعات الخارجة عن القانون. هذا الوضع دفع الحكومة النيجيرية إلى إعلان حالة طوارئ أمنية في عدة ولايات، إلى جانب إطلاق عمليات عسكرية واسعة للسيطرة على المناطق الأكثر توترًا. ورغم ذلك، لا تزال التحديات قائمة بسبب صعوبة التضاريس واتساع الرقعة الجغرافية”.

وأكدت أن نيجيريا تتأثر اقتصاديًا بهذا الوضع بشكل مباشر. فغياب الأمن يعطل الزراعة في الشمال، ويقلل من تدفق الاستثمار، ويزيد الضغط على الحكومة الفيدرالية في ظل أزمة نقدية وارتفاع قياسي لمعدل التضخم الذي تجاوز 30%. كما يعاني السكان من ارتفاع أسعار الوقود والغذاء، وانخفاض قيمة النايرا المستمر، مما يخلق حالة من القلق الشعبي.

وتابعت: ورغم هذا المشهد الصعب، تبقى نيجيريا دولة ذات إمكانات هائلة، فأسواقها ضخمة، ونشاطها الاقتصادي متنوع، وطاقات شبابها لا تُضاهى، وبينما يستمر المجتمع الدولي والإقليمي في دعوة الحكومة لوضع إستراتيجية شاملة لإنهاء موجة الخطف والعنف، يبقى الأمل قائمًا في أن يعود الاستقرار تدريجيًا إلى بلد يمثل ركيزة أساسية للقارة بأكملها.

واختتمت “قد سعدت خلال زيارتي الأخيرة لمدينة أبوجا العاصمة بأنها مدينة هادئة، جميلة، خضراء وتتمتع بدفء خاص في تفاصيلها، كما بدت لاجوس لي مدينة اقتصادية نابضة بالحياة، آمنة ومزدحمة برجال الأعمال ورواد المشروعات. ومع كل ما تمر به البلاد، أتمنى أن يعمّ السلام والأمان على نيجيريا، أكبر تجمع سكاني في إفريقيا، وأن تستعيد مكانتها التي تستحقها في قلب القارة”.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: سالي عاطف نيجيريا عمليات الخطف الجماعي النيجيريون افريقيا القارة

إقرأ أيضاً:

آيفون 17 لن يحل أكبر مشكلة تواجه آبل الآن

رغم الزخم الكبير حول سلسلة آيفون 17 وهواتف iPhone 17 Air وPro وPro Max، يرى تقرير تحليلي أن هذه العائلة الجديدة لن تعالج أكبر صداع تواجهه آبل حاليًا: غياب آيفون قابل للطي في وقت تتزايد فيه جاذبية هواتف سامسونج وغوغل القابلة للطي. 

ورغم أن آبل ما زالت تتصدر سوق الهواتف الفاخرة بحصة تقارب ثلثي السوق، فإن مؤشرات الولاء للعلامة بدأت تُظهر تشققات مرتبطة تحديدًا بهذا الغياب.​

مستخدمون ينتظرون آيفون قابل للطي… ويهددون بالهجرة

يشير التقرير إلى استطلاع رأي سابق كشف أن 3.3% فقط من مالكي آيفون كانوا يخططون صراحةً لانتظار هاتف آيفون قابل للطي قبل قرار الترقية. 

لكن أحدث استطلاع سبق إطلاق آيفون 17 أظهر أن 20.1% من المستخدمين منفتحون على التحول إلى هواتف سامسونج القابلة للطي، و10.2% يفكرون في بيكسل القابل للطي إذا لم تطرح آبل جهازًا مشابهًا قبل 2026 أو 2027، ما يرفع نسبة “المعرضين للهجرة” إلى 30.3% من القاعدة الحالية.​

آيفون 17 يتحول إلى قطع فنية نادرة.. كافيار تكشف عن تصاميم فاخرة بتكلفة خياليةGalaxy S26 القادم يهدد آيفون 17.. إليك كل ما نعرفه عن المواصفات والمزايايهزم آيفون 17 برو ماكس.. إطلاق وحش الألعاب RedMagic 11 Proمراجعة شاملة لهاتف آيفون 17 برو ماكس.. تصميم لافت وكاميرا فائقةمن ولاء مطلق… إلى تساؤلات جدية حول علامة آبل

لطالما تمتعت آبل بولاء استثنائي، بينما عانت شركات أندرويد من ظاهرة تنقل المستخدمين بين العلامات بحسب العروض والعتاد.

 لكن كاتب التقرير يرى أن هذه المعادلة بدأت تنقلب جزئيًا؛ إذ تشير نتائج الاستبيان إلى أن شريحة متزايدة من جمهور آبل باتت أكثر استعدادًا لمراجعة علاقتها مع العلامة إذا شعرت أن الشركة تتباطأ في الابتكار في فئات مستقبلية مثل الأجهزة القابلة للطي.​

حدث 9 سبتمبر: “إبهار بصري” بلا مفاجأة حقيقية للفئة القابلة للطي

يتوقع التقرير أن يكون حدث 9 سبتمبر حافلًا بالمنتجات، مع تقديم iPhone 17 Air فائق النحافة وتصميمات جديدة للكاميرا، لكنه يرجّح في المقابل غياب أي تلميح رسمي عن موعد أو شكل أول آيفون قابل للطي. 

يعني هذا عمليًا أن المستخدمين المهتمين بالفئة القابلة للطي لن يجدوا في الحدث جوابًا على ما ينتظرونه، ما قد يدفع البعض للنظر بجدية إلى Galaxy Z Fold وPixel Fold بدل الانتظار لسنوات أخرى.​

مشكلة “التخلّف الزمني” عن سامسونج و جوجل

بينما تعيش سامسونج جيلًا سابعًا تقريبًا من هواتفها القابلة للطي، وتدخل غوغل الساحة بأجيال محسّنة من Pixel Fold، لا تزال آبل في مرحلة الهندسة والتجارب الداخلية على مكوّنات محورية مثل المفصل. 

تقارير من مكاتب أبحاث يابانية مثل Mizuho Securities ترجّح أن تعقيدات تصميم المفصل – ومحاولة تقليل التجعّد في الشاشة إلى الحد الأدنى – قد تدفع إطلاق آيفون Fold إلى 2027 بدل 2026، وهو ما يطيل فجوة الخبرة بين آبل ومنافسيها في هذا القطاع.​

ولاء آبل تحت الضغط… ولكن ليس في خطر مباشر

يؤكد التقرير أن الحديث لا يدور عن “تمرد شامل” على آبل؛ فالشركة ما زالت تحتفظ بسيطرة هائلة على مبيعات الهواتف الفاخرة وولاء قوي لآيفون 17 المنتظر. 

لكن المشكلة، بحسب الكاتب، أن آبل باتت تواجه الآن نفس السؤال الذي لاحق شركات أندرويد لسنوات: كيف تحافظ على ولاء المستخدمين عندما يتأخر منتجها في فئة يعتبرها كثيرون مستقبل سوق الهواتف؟​

هل يكفي آيفون 17 لتعويض غياب الهاتف القابل للطي؟

يرى صاحب المقال أن آيفون 17 – رغم ما يحمله من تحسينات في التصميم والأداء – يبدو كترقية “آمنة جدًا” لا تصل إلى مستوى تغيير قواعد اللعبة في السوق. 

لذلك، من وجهة نظره، ستظل أكبر نقطة ضعف استراتيجية لدى آبل بعد الحدث هي عدم امتلاكها بعد لمنتج ينافس مباشرة هواتف سامسونج وغوغل القابلة للطي، ما يترك ثغرة في خط إنتاجها قد تتّسع إن استمر التأخير حتى 2027.

طباعة شارك آيفون 17 آبل سلسلة آيفون 17

مقالات مشابهة

  • محافظة الغربية تسابق الزمن للانتهاء من كورنيش المحلة الكبرى
  • مدبولي: الدولة مستمرة في إزالة أي معوقات تواجه المستثمرين
  • محافظ الغربية: نعمل على مدار الساعة لإنهاء كورنيش المحلة المتنفس الأكبر للأهالي
  • تحذير حقوقي: أطفال العراق يواجهون أخطر موجة تهديدات رقمية
  • ملحمة الحكمة في مواجهة فتنة ديسمبر… كيف أسقط اليمن أخطر مؤامرة داخلية برعاية العدوان؟
  • سالي عاطف تكتب: جيل Z .. إلى أين يقود أفريقيا ؟
  • سريلانكا تواجه أسوأ موجة فيضانات تضرب البلاد
  • آيفون 17 لن يحل أكبر مشكلة تواجه آبل الآن
  • استقالة وزير الدفاع النيجيري بعد موجة من عمليات الخطف