مؤتمر ولاية صور الدولي يعيد قراءة الدور السياسي والاستراتيجي للولاية في التاريخ البحري العالمي
تاريخ النشر: 8th, December 2025 GMT
كشف اليوم الثاني من مؤتمر ولاية صور الدولي عن عمق الحضور التاريخي والحضاري للولاية بوصفها عقدة فاعلة في مسارات الملاحة والتجارة والتواصل الثقافي، عبر سلسلة من الأوراق العلمية التي أعادت قراءة الدور السياسي والاستراتيجي لصور في سياقات إقليمية ودولية متداخلة، واستعرضت امتدادها البحري والفكري من شرق إفريقيا إلى الصين، ومن الخليج إلى جنوب شرق آسيا، ضمن ثلاث جلسات علمية احتضنتها جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بولاية صور.
وأدار الجلسة الثانية الأستاذ الدكتور سعيد الهاشمي وتناولت خمس أوراق عمل بحثية الأولى بعنوان الأسر الصورية في جزر القمر قدمها الأستاذ الدكتور حامد كارهيلا ـ دكتوراة في الدراسات الإسلامية ـ تلخصت بترحيب جزر القمر بالعمانيين خصوصًا أهل صور، الذين كان لهم دور كبير في تنشيط التجارة وتعزيز العلاقات بين البلدين، مما أسهم في انتشار القيم الإسلامية والعربية وتعمّق الروابط الاجتماعية والثقافية المشتركة.
وجاءت الورقة الثانية بعنوان العلاقات التجارية العمانية الصينية قدمها الأستاذ الدكتور أمين فوجي مينغ - أستاذ كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية في جامعة بكين-دراسة تاريخ العلاقات بين الصين والدول العربية-، تحدثت عن دور سلطنة عُمان في طريق الحرير البحري وتوضح كيف كانت عُمان مركزاً مهماً للتجارة والملاحة بفضل خبرتها في بناء السفن ومعرفتها بالرياح الموسمية، مما ساهم في تعزيز التبادل التجاري والثقافي بين الشرق والغرب.
كما تناولت الورقة الثالثة موضوع ولاية صور في كتابات الرحالة الأوروبيين قدمها الأستاذ الدكتور إبراهيم بن أحمد المزيني- أستاذ الدراسات الحضارية وتاريخ العلوم عند المسلمين بجامعة محمد بن سعود- وذكر فيها ما تمتاز به مدينة قلهات من موقعها الاستراتيجي المهم على طرق الملاحة البحرية بين الهند والصين وتاريخ الحضاري العريق، وتتناول الدراسة صورة قلهات كما وصفها الرحالان ماركو بولو الذي رآها مدينة تجارية نشطة تربط الموانئ الآسيوية والعربية، والكولونيل مايلز الذي وصفها بعد قرون كأثر تاريخي مهجور يعكس ماضيها المجيد، متأثرًا بالرؤية الاستشراقية خلال الفترة الاستعمارية البريطانية.
وتطرقت الورقة الرابعة موضوع ولاية صور في الوثائق البرتغالية قدمها الدكتور إبراهيم بن يحيى البوسعيدي- أستاذ مساعد قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعةالسلطان قابوس-، حيث هدفت الورقة إلى عرض مظاهر الحياة والنشاط التجاري في ولاية صور كما وردت في المصادر البرتغالية في القرنين 16 و17، وتحليل الأحداث التاريخية مثل الثورات ضد الوجود البرتغالي. واختتمت الجلسة الأولى بالورقة الخامسة بعنوان النشاط التجاري مع جنوب شرق اسيا قدمها PENG, Kuang-Kai ، حيث تناولت الورقة حركة الملاحة والتجارة البحرية بين الصين القديمة ودول الخليج العربي وعُمان من القرن الثامن حتى الخامس عشر ويركز على الموانئ والسفن والمسارات التجارية التي ربطت الصين بجنوب شرق آسيا ثم بالخليج.
فيما ترأس الجلسة الثانية الدكتور محمد الشعيلي وتناولت خمس أوراق عمل جاءت الأولى بعنوان الصوريون ودورهم التجاري مع البصرة قدمها الأستاذ الدكتور حسين عبيد شراد الشمري- دكتوراة في اللغة العربية- تبحث هذه الدراسة في العلاقة التجارية والثقافية بين صور العُمانية والبصرة، وهما مدينتان كان لهما دور مهم في التجارة البحرية منذ العصور الإسلامية أدّت حركة التجارة بينهما إلى ظهور عادات وحرف وطقوس مشتركة مرتبطة بالملاحة.
في الجانب الآخر، تحدثت الورقة الثانية عن أثر موقع ولاية صور في الأحداث السياسية والاقتصادية بحكم موقعها على بحر عُمان وبحر العرب الذي تقصده السفن القادمة من الخليج والبحار المجاورة وصولًا إلى موانئ جنوب شرق آسيا قدمها الدكتور ناصر بن سعيد العتيقي- دكتوراة في فلسفة التاريخ-. كما تطرقت الورقة الورقة الثالثة عن الأفلاج في ولاية صور ومهارة العُمانيين في الهندسة وإدارة المياه والتخطيط الزراعي (فلج الجيلة أنموذجا) الذي أُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2006 قدمها عزان ين مبارك المقيمي.
وجاءت الورقة الرابعة من تقديم الدكتور يونس بن جميل النعماني- مدير مساعد دائرة قطاع الثقافة باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم-، حول الهجرة الداخلية في عُمان (الباطنة وصور) وكيف أثّرت على الناس من حيث اللغات واللهجات والمعتقدات الشعبية والعادات الاجتماعية. وتوضح أن تأثير الناس في بعضهم هو عملية مستمرة وديناميكية تحدث من خلال التواصل اليومي، مما يساهم في تشكيل الهوية والسلوك .وبنفس النمط تم التطرق في الورقة الخامسة حول تاريخ الهجرات بين الحواضر العُمانية، خاصّة بين صور وظفار، والتي قامت على علاقات قديمة من التعايش والترابط الاجتماعي والفكري قدمها الدكتور حسين المشهور باعم- دكتوراة في إدارة الأعمال-.
كما ترأس الجلسة الثالثة الدكتور بدر بن هلال العلوي وتم خلالها تقديم خمس أوراق عمل الأولى بعنوان التبادل الملاحي المعرفي بين ميناء صور العماني الذي كان له تاريخ طويل من العلاقات البحرية الطيبة مع ميناء الحامي في حضرموت وقد ساهم البحارة والربابنة عبر القرون في بناء هذه العلاقة الحضارية والتاريخية قدمها محمد علوي عبدالرحمن باهارون.
وتطرقت الورقة الثانية موضوع تجارة القوافل بين ولاية صور وولاية بدية وميناء صور الذي يربط شرق عُمان بأسواق الداخـل ويصدر منتجات استراتيجية مثل البسور إلى الهند، وكان مركزًا للتجارة والهجرة وبناء الثروات في القرنين 19 و20 قدمها المكرم الدكتور محمد بن سعيد الحجري- عضو مجلس الدولة . فيما تناولت الورقة الثالثة موضوع العلاقات التجارية للسفن الصورية مع شرق السعودية قدمها الدكتور علي بن إبراهيم الدورة حيث تحدث بأن عُمان كانت رائدة في الملاحة والصناعة البحرية، وكانت صُور مركزًا للتجارة وتصدير البضائع والهجرة إلى شرق إفريقيا.
الورقة الرابعة كانت بعنوان والهوى صوري مدينة صور وأهلها في روزنامات السفر الشراعي الكويتي وكانت مركزًا بحريًا وتجاريًا مهمًا منذ القرن التاسع عشر، حيث لعب أهلها دورًا بارزًا في الملاحة والتجارة مع الخليج، الهند، وشرق أفريقيا، كما وثّق النواخذة الكويتيون رحلاتهم وعلاقاتهم التجارية مع أهل صور قدمها الأستاذ الدكتور حمد بن محمد بن صراي. وفي الورقة الأخيرة تناولت الأستاذة ألاء وليد المنصور موضوع أهمية ميناء صور في منطقة الخليج ومركزًا مهمًا للتجارة وصناعة السفن في القرن التاسع عشر وله علاقات بحرية مع الخليج والهند وشرق إفريقي. (دراسة ضمن دفاتر النواخذة الكويتيين).
وقد بدأت في اليوم الثاني للمؤتمر فعاليات ملتقى الطفولة الذي استضافته جمعية المرأة العمانية بصور والذي يستمر ليومين ليقدم مساحة نوعية تعنى بالطفل وتبرز حضوره في تاريخ الولاية وثقافتها، متضمنا عروضا مسرحية تربوية وورشا تعليمية وجلسات حواربة وفعاليات إبداعية ومعرضا تشكيليا. كما تستمر في الفترة المسائية في ساحة مركز فتح الخير فعاليات الأسر المنتجة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والحرفيين وفنونا شعبية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قدمها الدکتور دکتوراة فی ولایة صور صور فی مرکز ا
إقرأ أيضاً:
حين يتحرك المجتمع بقيمه: قراءة في دلالات اليوم العالمي للتطوع
حين يتحرك المجتمع بقيمه: قراءة في دلالات اليوم العالمي للتطوع
✍ صفاء الزين
????: [email protected]
مرّ قبل يومين اليوم العالمي للتطوع، وهي مناسبة لا تتوقف عند حدود الاحتفال، بل تتجاوزها إلى مساحة أعمق تُذكّر المجتمعات بقيمة الفعل الإنساني حين يُبنى على الإحساس بالمسؤولية تجاه الإنسان، أيًا كان موقعه وظرفه. وفي السودان، تبدو هذه المناسبة أكثر اتصالًا بالواقع، لأن ثقافة التعاون والمساندة تشكّل جزءًا أصيلًا من الوجدان العام، وتعود للظهور بقوة كلما واجه المجتمع تحديات تتطلب تماسكًا وفاعلية مشتركة.
التطوع في جوهره فعل يفتح الباب أمام سؤال بسيط وعميق في آن واحد: ماذا يمكن للفرد أن يقدّمه لمحيطه؟ الإجابة لا تحتاج موارد ضخمة ولا قدرات استثنائية، بل تتطلب رغبة صادقة في خدمة الآخرين، لأن المجتمع يبدأ في استعادة عافيته عندما يتحرك أفراده بوازع أخلاقي يسبق أي دافع آخر.
وعند النظر إلى التجربة السودانية خلال السنوات الماضية، تظهر بوضوح نماذج متعددة تؤكد حضور هذا الحس الجماعي. مبادرات شبابية تدير حملات الإغاثة، وأطباء وممرضون يعملون وسط ظروف معقدة، وأحياء تتشارك مواردها المحدودة، ومجموعات تنسيق محلية تبتكر حلولًا آنية لتجاوز الأزمات. وفي قلب هذه الصور برزت غرف الطوارئ بوصفها أحد أكثر أشكال التنظيم المجتمعي فعالية، لأنها جمعت بين سرعة الاستجابة، وتنظيم الجهد الشعبي، والقدرة على خلق شبكة دعم واسعة تعمل بدافع تطوعي خالص. وقد أظهرت هذه التجربة أن الإرادة حين تتنظم تصبح قادرة على حماية المجتمع في أصعب اللحظات.
اليوم العالمي للتطوع لا يعني تكريم الأفراد فقط، بل هو تذكير بأن المجتمعات التي تمنح التطوع مكانته الحقيقية تصبح أكثر قوة وقدرة على مواجهة التحولات. فالفعل التطوعي لا يحل كل المشكلات، لكنه يعيد للناس ثقتهم في إمكانات مجتمعهم، ويمنحهم شعورًا بأنهم جزء من حل جماعي لا يترك أحدًا وحيدًا أمام الأزمات.
ومع تعاظم التحديات التي يمر بها السودان، يتأكد أن الاستثمار في ثقافة التطوع ضرورة لا ترفًا. فدعم المبادرات المحلية، وتوفير التدريب، وإتاحة المجال للشباب للتحرك، خطوات تمهّد لانتقال المجتمع من ردّ الفعل إلى الفعل المبادر. وعندما تتسع هذه الثقافة، تزداد قدرة المجتمع على حماية نسيجه الداخلي، ويقترب البناء الوطني من أرض أكثر ثباتًا.
وإذا كان التطوع قد أثبت فاعليته كاستجابة إنسانية عاجلة، فإن الرهان الأكبر يتمثل في الانتقال به من حالة المبادرة الموسمية إلى حالة المؤسسة المستدامة. المطلوب اليوم هو إدماج الفعل التطوعي في صلب التخطيط الوطني، عبر أطر قانونية وتنظيمية تحمي المتطوعين، وتضمن استمرارية المبادرات، وتربط الجهد الشعبي بالسياسات العامة دون أن تفقده روحه المستقلة. حينها فقط يتحول التطوع من طاقة إسعاف مؤقتة إلى رافعة استراتيجية لإعادة بناء المجتمع والدولة معًا، ويغدو جزءًا من معادلة التعافي الوطني الطويل، لا مجرد رد فعل على الأزمات.
في النهاية لا يُقاس التطوع بحجم الجهد فقط، وإنما بروح العطاء التي تحرّكه. والسودان يمتلك رصيدًا ضخمًا من هذه الروح، رصيدًا يحتاج إلى من يفعّله، ويحوّله من مبادرات متفرقة إلى طاقة اجتماعية قادرة على دفع المجتمع نحو أفق أوسع وأكثر أمانًا. فما يتحقق بخطوات صغيرة ومتواصلة قد يصبح حجر الأساس في نهضة كاملة يشعر الجميع أنهم شركاء في صناعتها.
الوسومحين يتحرك المجتمع دلالات اليوم العالمي للتطوع صفاء الزين