لجريدة عمان:
2025-05-10@05:02:35 GMT

مرافئ بعيدة

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

مرافئ بعيدة

هل يمكن اعتبار أن السفر، قد أدّى، في العصر الحديث، «بشكل واضح» وجليّ إلى إدخال «زخارف الترحل والرحلات» في قلب الإبداع الأدبي؟ كيف يمكن إنشاء مثل هذا الارتباط بين الأدب والسفر؟ وإذا افترضنا أن الأمر كذلك، فكيف يمكننا أن نفسر إصرار المفكر والكاتب الفرنسي «لابرويير»، وبصرامة، على ضرورة استعادة رحلاته كتابة، وهو يسخر من أولئك الذين يقومون برحلات طويلة بدافع الاهتمام أو الفضول، «لكنهم لا يكتبون عنها مذكرات أو ملاحظات.

.. الذين يذهبون ليروا ولا يرون، أو ينسوا ما رأوه؛ الذين يريدون فقط معرفة أبراج جديدة وأجراس جديدة، وعبور أنهار غير نهري «السين» أو «اللوار»؛ الذين يغادرون وطنهم ليعودوا إليه، الذين يحبون الغياب، ويريدون العودة من البعيد يومًا ما»؟ في الحقيقة، لم يكن بوسع كاتب القرن السابع عشر العظيم أن يعارض التجوال الحرّ إلا لأنه ربط بين السفر والكتابة من منظور أخلاقي. ربما، وفقًا للمبادئ الرواقية الجديدة التي كانت تدعم حجته، من هنا ربط السفر ربطًا وثيقًا بالمعرفة بقدر ما ربطه بالكتابة التي يستمد منها سبب وجوده.

بدا هذا المنظور الغربي الذي تحدث عنه لابرويير جديدا في زمنه، لكنه في الواقع كان قديما فيما لو قارناه بالتاريخ العربي؛ تجربة السفر والكتابة، ليست وليدة العصر الحديث بالطبع، ولا وليدة القرن السابع عشر الأوروبي؛ إذ عرف العرب هذه الخاصية الكتابية منذ القِدم، وأولوها عناية وأهمية خاصتين. لنأخذ على سبيل المثال رحلة السيرافي البحرية إلى المحيط الهندي (القرن الثالث للهجرة)، ورحلة سلام الترجمان إلى جبال القوقاز، بعد أن كلفه بذلك الخليفة العباسي الواثق، لكي يبحث عن سدّ يأجوج ومأجوج (عام 277 للهجرة). وبالطبع، لا يمكن أن ننسى المسعودي (مروج الذهب) والمقدسي (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) والإدريسي (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، ولا تستقيم اللائحة من دون أن نذكر ابن بطوطة، وابن طفيل... واللائحة تطول فعلا.

حول الكتابة والسفر في عصرنا، رأى الشاعر والروائي الفرنسي ميشال بوتور -(أحد كتّاب ومنظري تيّار «الرواية الجديدة»)- في دراسة له بعنوان «السفر والكتابة»، أن ثمة اتصالا كثيفا بين الرحلات التي قام بها وبين كتاباته. فالسفر، بالنسبة إليه، هو الكتابة، كما أن الكتابة هي سفر. ويضيف أنه سافر دائما «للكتابة، وذلك، ليس فقط للعثور على مواضيع أو مواد أو أدوات، مثل أولئك الذين يذهبون إلى البيرو أو الصين لحضور مؤتمرات ولكتابة مقالات صحفية... ولكن لأن السفر بالنسبة إليّ، على الأقل السفر بطريقة معينة، يعني الكتابة (وقبل كل شيء لأنه يعني القراءة)، والكتابة هي السفر»... فمثلما هو معروف عنه، كان بوتور يشكل جزءا من «جائعي الآفاق» (التعبير للشاعر الفرنسي جان أوريزيه)، جزءا من هؤلاء «الشرهين» الباحثين دوما عن «خارج ما»، عن «مكان آخر»، عن «هروب ما» حتى أن جزءا ليس بقليل من أدبه، كان مخصصا للحديث عن السفر والرحلات.

وقبل بوتور بقرنين تقريبا، أجاد الفيلسوف والكاتب الفرنسي، باسكال، حين قال لنا إن مآسي الإنسان تتأتى من شيء واحد، وهو «عدم قدرته على الإقامة في غرفة واحدة كي يرتاح». عديدون هم الشعراء والكتّاب الذين برهنوا عن حاجتهم إلى الذهاب واكتشاف العالم، كما برهنّوا عن انجذابهم ولذتهم في ذلك. قد تجدر الإشارة هنا، إلى أن كلّ «تسكع» (أو سفر أو رحلة) يحتوي على نصيبه من الغموض والإبهام والالتباس. فعلى سبيل المثال، نجد الشاعر الفرنسي الكبير شارل بودلير، يطالب في قصيدته «الدعوة إلى السفر» بأن «نذهب ونعيش هناك... لنحبّ ونموت، في البلاد التي تشبهنا». بينما نجد أن مواطنه، الشاعر فيكتور سيغالين بعد عقود عديدة -قد حوّل «السفر إلى البعيد» إلى «سفر في أعماق الذات» لأننا نهرب ونرحل في أحيان كثيرة، كي نعود ونجد أنفسنا بشكل أفضل. كذلك نسافر ونتنقل؛ كي تزداد علاقتنا مودّة، مع الأشياء المحيطة بنا، وربما كان شعر العراقي الراحل سعدي يوسف خير دليل على ذلك، وهو الذي لم يتوقف عن تغيير مكان إقاماته، للبحث عن آفاق جديدة لنصه، ذاتية بالدرجة الأولى. بهذا المعنى أيضا، يقع جزء من تجربة الشاعر العماني سيف الرحبي الكتابية، وهي التي لم تتوقف عن مساءلة الأمكنة التي يذهب إليها، ليعيد صوغها في تماسها معه، من خلال نظرته الخاصة.

لكن يحدث أحيانا، أن يحتوي السفر والرحلات، تبريرهما الخاص، ليصبحا في النهاية، غاية بحدّ ذاتهما. ربما من هذه الزاوية، نقرأ رحلات السندباد البحري، الذي لم يكن يتوقف عند نقطة معينة، ليغادر بعدها إلى أفق جديد. ويمكن لنا بالطبع، أن نعتبر أن أحد الأمثلة «الفاقعة» على هذه الفكرة، نجده عند عوليس، الذي يشكل في واقع الأمر، المثال النموذجي، المطلق، لهذا كله. ففي نهاية الأوديسة، وبعد عودته إلى إيثاكا، يتراءى لنا، كم كان مستعدا «لتذوق أنعم أشكال النعاس»، بصحبة بينيلوب، لكنه لم يفعل: لقد فهم عوليس أن عليه الرحيل مجددا والذهاب من مدينة إلى أخرى وعلى كتفه المجذاف المصقول، بانتظار قدوم مسافر آخر التقى به عند أناس لا يعرفون البحر إذ سألوه لماذا يحمل هذه الخشبة على ظهره. لكن عوليس أيضا، كان مشدودا لتسجيل رحلاته، ألم يأخذ معه هوميروس ليكتب ذلك كله؟

ربما، بمعنى من المعاني، علينا أحيانا، أن ندخل إلى الأدب والشعر من خلال هذه الزاوية. أي أن تكون الكتابة إبحارا صوب مرافئ بعيدة، بحثا عن علاقاتنا بذواتنا، أو، بحثا... عن لا شيء. من هنا، ربما علينا أن نتخيل عوليس سعيدا، لا على طريقة الشاعر جواشيم دوبيلاي في «سعيد، من هو مثل عوليس» قصيدته الشهيرة الذي يقول فيها ما معناه، «عاد مليئا باللباقة والعقل، ليحيا بين أهله ما تبقى له من عمر». كلا، علينا أن نتخيل عوليس سعيدا، مثل سيزيف الذي رسمه البير كامو، لأنه كان مستعدا للاضطلاع بمصيره، كواحد من هؤلاء المغتربين، السائحين الأبديين. كان على عوليس أن يخترع حياته بلا توقف، حتى لتصبح إبداعه، ذاته، قصيدته.

من هنا، يبقى العجوز هوميروس ساحر الرحلات أكثرنا شبابا وأكثرنا حياة. فإيثاكا ربما غير موجودة. وعلينا البحث عنها دائما. على الأقل يمكن للكتابة أن تفعل ذلك.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

البالغون الذين يعانون من حب الشباب تتزايد لديهم احتمالية الاضطرابات الغذائية

كشفت دراسة حديثة أن البالغين الذين يعانون من مشكلة حب الشباب في الوجه تتزايد لديهم احتمالات التعرض للاضطرابات الغذائية.

وأكد فريق بحثي من كلية الطب بجامعة ييل الامريكية أن الإصابة بحب الشباب تزيد من الشعور بالقلق حيال المظهر العام للشخص، مما يقود إلى الأفكار والسلوكيات الضارة التي تتعلق بالسمنة والقيود الغذائية.

وفي إطار الدراسة التي نشرتها مجلة الأكاديمية الأوروبية للأمراض الجلدية والتناسلية Journal of the European Academy of Dermatology and Venereology المتخصصة في الأمراض الجلدية والتناسلية، قام الباحثون بتحليل بيانات تخص 7400 شخص يعانون من مشكلة حب الشباب تبلغ أعمارهم 18 عاما أو أكثر، مع مقارنتهم بأكثر من 207 ألف شخص لا يعانون من نفس المشكلة.

وتبين من النتائج أن مرضى حب الشباب تزايدت لديهم احتمالات الإصابة بالاضطرابات الغذائية بواقع 4ر2 مرة مقارنة بغيرهم. وحتى بعد الأخذ في الاعتبار تاريخ المتطوعين فيما يتعلق بأمراض الاكتئاب والقلق والمشكلات النفسية التي تتعلق بالمظهر العام، ترتبط مشكلة حب الشباب بزيادة احتمالات اضطرابات الغذاء بنسبة 65%.

وصرح رئيس فريق الدراسة أن "هذه النتائج سوف تساعد الأطباء الذين يعالجون مرضى حب الشباب أن يكونوا أكثر انتباها لاحتمالات إصابتهم بالاضطرابات الغذائية، من أجل توفير رعاية شاملة للمرضى".

إعلان

وأضاف في تصريحات للموقع الإلكتروني "هيلث داي" المتخصص في الأبحاث الطبية أنه في حين أن الدراسة تركزت على الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 18 عاما أو أكثر، فإن مشكلة حب الشباب واضطرابات الغذاء "تؤثر بشكل كبير" على المراهقين.

وأشار إلى ضرورة إجراء دراسات أخرى في المستقبل تتناول تأثير هذه المشكلة على مختلف الفئات العمرية.

 

مقالات مشابهة

  • حماس: الخطة الأميركية ليست بعيدة عن التصور الإسرائيلي لعسكرة المساعدات
  • الحجاج الأسبان الذين وصلوا إلى المملكة على متن الخيول يرتدون الزي السعودي.. فيديو
  • بوتين: ننحني أمام الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل النصر
  • استمرار نجاح "يا خسارة" لبسمة بوسيل يرسّخ مكانة عمرو المصري في الساحة الغنائية.. ومصطفى قمر يدخل على الخط بـ 3 أغنيات جديدة
  • أشد الناس عذابًا يوم القيامة.. من هم «المصوِّرون» الذين حذّر منهم النبي؟
  • خالد بيبو يكشف عن اللاعبين الذين ظلمهم كولر في الأهلي
  • تفسير حلم السفر إلى الأردن في المنام
  • البالغون الذين يعانون من حب الشباب تتزايد لديهم احتمالية الاضطرابات الغذائية
  • الرئيس الشرع: مستقبل سوريا لن يصاغ في غرف مغلقة ولن يقرر في عواصم بعيدة
  • " في حب مصر" فى ندوة بمدرسة النهضة بأسيوط الجديدة