عربي21:
2025-06-22@12:59:39 GMT

الثورات الانقلابية الافريقية ومرايا الانهيار العربي

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

لننسَ قليلاً نظرية المؤامرة ونتوجه نحو الظاهرة بتجرد. لا أدري لماذا أنظر إلى «الثورات الأفريقية» بكثير من الحيرة والخوف، تماماً كما حدث في «الثورات العربية» التي على الرغم من قيمتها والحاجة التاريخية إليها، بل وضرورتها، فإنه لا نجاح لأي ثورة تقاد بالوكالة مهما كانت نوايا مفجّريها. ربما أهم ما قامت به هذه الثورات أنها هزت «عروش اليقين» التي كانت تبدو قلاعاً محصنة واتضح أنها ليست أكثر من «قصور من كارتون».

لكن الفداحة التي لا يمكن تفاديها هي أكبر من ذلك كله؛ فالمحصلة النهائية، بدل عالم عربي ديمقراطي وحيوي ومتفتح، وجدنا أنفسنا أمام عالم عربي تراجع إلى الخلف عشرات السنين، ممزق ومدمر كلياً، شُرِّدَ أبناؤه بالملايين عبر الأصقاع الرافضة لهم، امتُصَّت طاقته الخلاقة، وسُلبت قوته، وعدالته أجِّلت لدرجة أن فكرة حقوق الإنسان أصبحت ضرباً من الرفاه، أمام الحق البيولوجي في العيش فقط الذي أصبح مهدداً بالحروب الأهلية المشتعلة هنا وهناك. عدد الأموات يرتفع يومياً في السودان في حرب اقتتال الأخوة الأعداء، وفي اليمن الذي سُرِقت منه صفة السعادة التي اتسم بها عبر القرون (اليمن السعيد)، وفي ليبيا التي دُمِّرت فيها المؤسسات كلياً حتى إن البلد أصبح بين أيدٍ تتقاتل لأجل مصالح مكتسبة. والعراق وسوريا لا يخرجان عن هذا التوصيف. القتل يُعد بالآلاف وربما بالملايين.
تفكك الدولة كان من أكبر هزائم هذه الثورات. الدرع الحامي من كل الانزلاقات لم يعد موجوداً، والفوضى الخلاقة لم تكن بديلاً، ماذا أعطتنا سوى عالم عربي أصبح حطاماً مكسوراً. دويلات إثنية وعرقية ومذهبية ودينية وجهوية ولغوية، صارت تطل بأنوفها مطالبة باستقلالات ذاتية؟ لماذا العالم العربي وحده عرضة لذلك؟ مع أن الغرب مخترق بأمراض العصر الهوياتية واللغوية نفسها التي كادت تؤدي بإسبانيا إلى الانفجار لولا تدخل الدولة المركزية بصرامة، وكندا وبلجيكا وفرنسا أيضاً. السؤال الكبير: من المستفيد من هذا كله؟ ومن يقف وراء ذلك بالمال واستراتيجيات الانهيار؟ المعادلة القاسية: هل البحث عن الديمقراطية يساوي بالضرورة انهيار الدولة والحرب الأهلية وتمزق البلاد بدل تركيز وتدعيم الدولة الوطنية؟ المشهد العام للعالم العربي لا يبشر بأي خير. سوريا في أفق دويلات كثيرة مفروضة دولياً. العراق انفصال نهائي بين الشمال والجنوب ليس مستبعداً؟ سودان بدولتين ودولة ثالثة في دارفور، وربما أكثر؟ مصر والسودان بلا نيل بعد سد النهضة؟ وعراق بلا دجلة ولا فرات بعد أن تملكت مصادر مياهه تركيا؟
مرايا عربية لا تظهر إلا المرعب في تجربة لم تلق أي نجاح بالقياس للخسائر التي تسببت فيها. الخوف نفسه ينتابني اليوم على إفريقيا. لا أعتقد أن القوى الاستعمارية ستصمت. مصالحها الاستراتيجية هناك. صمت أمريكا داخل هذا كله مريب جداً ويدفع إلى أسئلة كبيرة. هل تحضر أمريكا نفسها، في سياق الاستراتيجيات العالمية الجديدة، لتعويض فرنسا في ظل حمى الانقلابات العسكرية الناجحة؟ هل ستنقل أمريكا عتادها وأسلحتها وخططتها الحربية إلى هناك؟ أسئلة مخيفة ومحتملة. وأنا أسمع كلمة إبراهيم طراوري، رئيس بوركينا فاسو، تلميذ المناضل الوطني توماس سانكارا، في الاجتماع الروسي الإفريقي، أصبت بحالة ذهول من دقة خطابه وشجاعته، ونقده لحقبة ما بعد الاستعمار. هل هي رومانسية ثورية أم ثورة حقيقية جاءت على سنوات النهب المنظم والاستعمارات؟ شعرت فجأة بخوف عميق داخلي. استحضرت شخصية باتريس لومومبا العظيمة الذي وقف الند للند من الاستعمار البلجيكي مهدداً مصالحه بإرجاع الحق المسروق إلى الشعب الكونغولي. وعلى الرغم من أنه انتخب ديمقراطياً ولم يأت عن طريق أي انقلاب، فإن مأساته تدين اليوم الغرب الاستعماري الذي منحه هدية لمعارضيه ليعذبوه ويغتالوه. مأساة. صحيح أن الزمن تغير جداً، لكن العقلية الاستعمارية ما تزال هي هي. وعلى الغرب الاستعماري أن يعيد قراءة تاريخه ويعتذر، حيث يجب الاعتذار والتفكير في علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية متكافئة وبلا هيمنة، كتلك البينية بين أوروبا نفسها.
أملي ألا نشهد مأساة إفريقية شديدة القسوة والعودة إلى الاستعمار بأغلفة جديدة. الدول التي حدثت فيها انقلابات هي الأغنى في معادنها والأفقر في حياة شعوبها (مالي، بوركينا فاسو، الغابون، النيجر…)، فقد بقيت في تخلفها العام حيث لا توجد أية بنية تحتية عميقة وحقيقية. ماذا يمكن أن تفعل هذه الدول عسكرياً أمام ماكينة أوروبية مدربة على الحروب والتقتيل في الفترات الاستعمارية واغتيال أية شخصية تعطي الأولوية لشعوبها على حساب الأطماع والمصالح الاستعمارية: باتريس لومومبا، بارتيليمي بوغاندا، طوماس سانكارا، وغيرهم؟ بعد الانتهاء من تدمير البنية الهشة للعالم العربي، هل آن أوان إفريقيا، بعد اكتشاف خيراتها الباطنية المستقبلية التي لم يظهر منها إلا النزر القليل؟ المطلب الإفريقي حق ويثير الإعجاب، لكن أخشى أن يكون ذلك إلا القشة التي تخفي الآتي المظلم؟ الهشاشة الإفريقية الكبيرة يمكنها أن تحول الساحل الإفريقي إلى بحيرة من الدم. أتمنى أن يكون مصدر موقفي هذا مجرد حساسية أدبية مفرطة لا أكثر ولا أقل، وأن مستقبل إفريقيا لن يكون إلا أجمل بعد كنس أنظمة عميلة وُضِعت هناك لا لخدمة شعوبها، ولكن لخدمة أسيادها الذين يحمونها. وأن الاستعمارات القديمة، فرنسا وبلجيكا وبريطانيا، ستغير سياساتها حماية لمصالحها على الأمد الطويل، وستعمل بعين العقل وتحذو حذو البرتغال التي تخلت عن كل حلم استعماري وعوضته بعلاقات اقتصادية متكافئة: أفريقيا تريد استقلالاً كاملاً. وأن عين المشاهد الأمريكية هي مجرد عين مراقب حيادي، غير معني بمنقطة غنية استراتيجياً: الذهب واليورانيوم والنفط، ولكنها ليست في دائرة اهتماماته؟ وأن العلاقات الإفريقية الروسية الجديدة ليست إلا خيارات اقتصادية وروسيا غير مهتمة بجانبها العسكري؟ هل ستتحمل فرنسا خسران منطقة بكاملها بالمعنى السياسي والاقتصادي لحساب غيرها؟ ماذا يعني رفضها سحب سفيرها من النيجر على الرغم من كونه أصبح شخصية غير مرغوب فيها؟ كيف سيكون موقفها من آل بونغو عمر وعلي الابن القريبين منها حد التماهي؟ وكيف سيتصرف رجال الأعمال (النهب) الغربيون المتحكمون في أسواق المعادن الثمينة، هل سيقبلون بالمعادلة الجديدة التي فرضتها «الانقلابات الثورية» الإفريقية؟ مرحباً بالتخييل وبنظرية المؤامرة؟
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العالم العربي الانقلابات أفريقيا أفريقيا العالم العربي انقلابات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

آخر رسالة أميركية عن حزب الله ولبنان.. ماذا فيها؟

قالت مندوبة الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن دوروثي شيا، اليوم الجمعة، إنَّ "الحكومة الإيرانية شجعت حزب الله على فتح جبهة من لبنان"، مُعتبرة أنَّ "هذه الخطوة تُمثل خطراً كبيراً على استقرار المنطقة".   وفي مُداخلة لها خلال جلسة خاصة لمناقشة التصعيد في الشرق الأوسط، قالت شيا إنَّ "الحكومة الإيرانية دعت مراراً إلى تدمير إسرائيل"، وأضافت: "إيران نفّذت اعتداءات مباشرة وبالوكالة على المدنيين في إسرائيل، وهذه الاعتداءات لن تجلب لحكومة طهران أي مكاسب بل ستعمق من عزلتها الدولية".   وشدّدت شيا على أنَّ "إيران يجب أن تتخلى عن طموحها في الحصول على السلاح النووي".   مواضيع ذات صلة إسرائيليون يتلقون "رسائل مشبوهة".. ماذا فيها؟ Lebanon 24 إسرائيليون يتلقون "رسائل مشبوهة".. ماذا فيها؟ 20/06/2025 19:08:39 20/06/2025 19:08:39 Lebanon 24 Lebanon 24 رسالة "غير عادية" إلى "حزب الله" Lebanon 24 رسالة "غير عادية" إلى "حزب الله" 20/06/2025 19:08:39 20/06/2025 19:08:39 Lebanon 24 Lebanon 24 هذه رسالة برّي إلى "حزب الله" Lebanon 24 هذه رسالة برّي إلى "حزب الله" 20/06/2025 19:08:39 20/06/2025 19:08:39 Lebanon 24 Lebanon 24 رسالة مهمة لـ"حزب الله" Lebanon 24 رسالة مهمة لـ"حزب الله" 20/06/2025 19:08:39 20/06/2025 19:08:39 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان عربي-دولي قد يعجبك أيضاً هل سيشارك "حزب الله" في المعركة؟ Lebanon 24 هل سيشارك "حزب الله" في المعركة؟ 11:01 | 2025-06-20 20/06/2025 11:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تساؤلات مشروعة عن اللجنة الوزارية المكلفة تعديل قانون الخصخصة Lebanon 24 تساؤلات مشروعة عن اللجنة الوزارية المكلفة تعديل قانون الخصخصة 11:46 | 2025-06-20 20/06/2025 11:46:38 Lebanon 24 Lebanon 24 رئيس الكتائب يحذّر من جرّ لبنان إلى الحرب بين اسرائيل وايران Lebanon 24 رئيس الكتائب يحذّر من جرّ لبنان إلى الحرب بين اسرائيل وايران 11:39 | 2025-06-20 20/06/2025 11:39:37 Lebanon 24 Lebanon 24 النقاش شمل الوضع الأمني.. هذه أبرز مقررات جلسة الحكومة Lebanon 24 النقاش شمل الوضع الأمني.. هذه أبرز مقررات جلسة الحكومة 11:36 | 2025-06-20 20/06/2025 11:36:15 Lebanon 24 Lebanon 24 البيان الختامي لسينودس اساقفة الروم الكاثوليك: الحوار أفضل وسيلة علاج للتحديات Lebanon 24 البيان الختامي لسينودس اساقفة الروم الكاثوليك: الحوار أفضل وسيلة علاج للتحديات 11:32 | 2025-06-20 20/06/2025 11:32:06 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بالفيديو.. نانسي عجرم تُبهر متابعيها برقص هستيري في أحدث ظهور لها Lebanon 24 بالفيديو.. نانسي عجرم تُبهر متابعيها برقص هستيري في أحدث ظهور لها 13:20 | 2025-06-19 19/06/2025 01:20:00 Lebanon 24 Lebanon 24 جريمة قتل مروعة في الأشرفية.. إليكم ما حصل ليلا Lebanon 24 جريمة قتل مروعة في الأشرفية.. إليكم ما حصل ليلا 23:12 | 2025-06-19 19/06/2025 11:12:19 Lebanon 24 Lebanon 24 مذكرة توقيف بحقّ العقيد المتقاعد عميد حمّود Lebanon 24 مذكرة توقيف بحقّ العقيد المتقاعد عميد حمّود 05:46 | 2025-06-20 20/06/2025 05:46:15 Lebanon 24 Lebanon 24 دخلت إلى المستشفى... وفاة فنانة بعد إجرائها عمليّة تجميل هذه هويّتها (صورة) Lebanon 24 دخلت إلى المستشفى... وفاة فنانة بعد إجرائها عمليّة تجميل هذه هويّتها (صورة) 05:12 | 2025-06-20 20/06/2025 05:12:37 Lebanon 24 Lebanon 24 الصدّي يكشف عن "مُفاجأة" في وزارة الطاقة! Lebanon 24 الصدّي يكشف عن "مُفاجأة" في وزارة الطاقة! 15:56 | 2025-06-19 19/06/2025 03:56:15 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 11:01 | 2025-06-20 هل سيشارك "حزب الله" في المعركة؟ 11:46 | 2025-06-20 تساؤلات مشروعة عن اللجنة الوزارية المكلفة تعديل قانون الخصخصة 11:39 | 2025-06-20 رئيس الكتائب يحذّر من جرّ لبنان إلى الحرب بين اسرائيل وايران 11:36 | 2025-06-20 النقاش شمل الوضع الأمني.. هذه أبرز مقررات جلسة الحكومة 11:32 | 2025-06-20 البيان الختامي لسينودس اساقفة الروم الكاثوليك: الحوار أفضل وسيلة علاج للتحديات 11:18 | 2025-06-20 حكومياً.. ما جديد ملف مطار القليعات؟ فيديو نجمة شهيرة تنجو من تشوّه دائم بعد حادث خلال التصوير.. جراح تجميل أنقذها (فيديو) Lebanon 24 نجمة شهيرة تنجو من تشوّه دائم بعد حادث خلال التصوير.. جراح تجميل أنقذها (فيديو) 01:13 | 2025-06-19 20/06/2025 19:08:39 Lebanon 24 Lebanon 24 بكت وقبلت رأسه.. بطل مسلسل "اش اش" يحتفل بزفاف ابنته التي تألقت بفستان من تصميم زوجة والدها (صورة وفيديو) Lebanon 24 بكت وقبلت رأسه.. بطل مسلسل "اش اش" يحتفل بزفاف ابنته التي تألقت بفستان من تصميم زوجة والدها (صورة وفيديو) 00:46 | 2025-06-19 20/06/2025 19:08:39 Lebanon 24 Lebanon 24 فخم جداً: جولة داخل منزل نارين بيوتي الجديد.. مكتب "مخفي" داخله! (فيديو) Lebanon 24 فخم جداً: جولة داخل منزل نارين بيوتي الجديد.. مكتب "مخفي" داخله! (فيديو) 00:09 | 2025-06-19 20/06/2025 19:08:39 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • الضّب العربي.. من الكائنات البرية التي تسهم في التوازن البيئي بمنطقة الحدود الشمالية
  • في أسبوع واحد فقط: إيران تدفع الاحتلال نحو الانهيار المالي والنزوح
  • في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر
  • ما هي استراتيجية الدفاع الأمامي التي تتبناها إيران؟ وهل تستمر فيها؟
  • آخر رسالة أميركية عن حزب الله ولبنان.. ماذا فيها؟
  • حجيرة: إطلاق منطقة التبادل الحر الإفريقية فرصة سانجة لتنشيط التجارة بين البلدان الافريقية (فيديو)
  • الريال اليمني يواصل الانهيار في مناطق الحكومة الشرعية.. وقلق شعبي من تدهور معيشي واقتصادي
  • نواف العصيمي لياهلا بالعرفج: العناوين التي فيها ألوف وملايين تلفت النظر دائماً
  • الريال اليمني يواصل الانهيار والدولار يتجاوز 2750 ريالاً رغم تحركات الرئاسة والحكومة
  • الانهيار الاقتصادي يقتل كل مظاهر الحياة المعيشية في عدن