استهدفت العقوبات الأميركية لأول مرة منذ بدء القتال في السودان قائدين بالدعم السريع؛ أحدهما عبد الرحيم دقلو نائب وشقيق قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في حين أصدر قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بصفته رئيس مجلس السيادة مرسوما بحل الدعم السريع.

وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد للصحفيين -أثناء زيارتها المنطقة الحدودية بين تشاد والسودان الأربعاء- "اليوم، تتخذ الولايات المتحدة إجراءات لمحاسبة الأطراف السيئة".

وإلى جانب عبد الرحيم دقلو القائد الثاني للدعم السريع، شملت العقوبات اللواء عبد الرحمن جمعة بارك الله قائد الدعم السريع بولاية غرب دارفور.

وتجمد الإجراءات الأميركية أي أصول يملكها دقلو في الولايات المتحدة وتمنع المواطنين الأميركيين من ممارسة أي أعمال تجارية معه.

وقالت غرينفيلد إن دقلو مستهدف بالعقوبات "لصلته بالانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع بحق مدنيين في السودان، بما يشمل أعمال عنف جنسي تتعلق بالصراع والقتل على أساس الانتماء العرقي".

وجاء إعلان المندوبة الأميركية عقب لقائها في تشاد لاجئين سودانيين فروا من العنف في دارفور. وتحدث بعض الضحايا عن استهداف عرقية المساليت وتدمير أحياء بأكملها وعن عمليات نهب واغتصاب واسعة النطاق.

وقالت وكالة رويترز إن عبد الرحيم دقلو هو أول مسؤول من أي من طرفي الصراع تفرض عليه عقوبات منذ بدء القتال في السودان منتصف أبريل/نيسان الماضي. وفرضت العقوبات السابقة على شركات كما استهدفت الجيش السوداني.

غرينفيلد تتحدث مع لاجئين في منطقة أدري على الحدود التشادية السودانية (رويترز) اتهامات أميركية

واتهمت وزارة الخزانة الأميركية -في بيان- عناصر قوات الدعم السريع بالضلوع في "أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك قتل المدنيين والقتل لأسباب عرقية واستخدام العنف الجنسي".

من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن -في بيان آخر- إن واشنطن منعت قائد قوات الدعم السريع في غرب دارفور اللواء عبد الرحمن جمعة بارك الله من دخول الولايات المتحدة بسبب ضلوعه في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، حسب وصفه.

وأضاف بلينكن أنه وفقا لمصادر موثوقة، فإن قوات يقودها جمعة اختطفت وقتلت حاكم ولاية غرب دارفور وشقيقه في يونيو/حزيران الماضي بعد ساعات من تصريحات الحاكم العلنية التي أدان فيها تصرفات قوات الدعم السريع.

من جانبه، قال اللواء عبد الرحمن جمعة بارك الله في تصريحات للجزيرة إن الدعم السريع لم يشارك في عمليات عسكرية بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، التزاما بتوجيهات القيادة العليا للدعم السريع.

واستنكر الأرقام التي قدمها سلطان المساليت والتي قدر بموجبها عدد القتلى المدنيين في غرب دارفور بـ5 آلاف قتيل.

البرهان (يمين) وحميدتي (وكالات) قرار البرهان

من ناحية أخرى، أصدر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بصفته رئيس مجلس السيادة الانتقالي مرسومين دستوريين مساء الأربعاء، أحدها يقضي بحل قوات الدعم السريع، والآخر بإلغاء "قانون الدعم السريع" لعام 2017.

وحسب بيان صدر عن مجلس السيادة، فإن القرار يأتي استنادا إلى "تداعيات تمرد هذه القوات على الدولة والانتهاكات الجسيمة التي مارستها ضد المواطنين، والتخريب المتعمد للبنى التحتية بالبلاد".

وأضاف البيان أن قوات الدعم السريع خالفت "أهداف ومهام ومبادئ إنشائها الواردة في قانون قوات الدعم السريع لسنة 2017".

وكان البرلمان السوداني أجاز في يناير/كانون الثاني 2017 قانونا ينص على تبعية قوات الدعم السريع للجيش السوداني بعد أن كانت تتبع جهاز الأمن والمخابرات.

وتعقيبا على مرسوم رئيس مجلس السيادة، قال الباشا طبيق عضو مجلس مستشاري قائد قوات الدعم السريع في مقابلة مع الجزيرة إن قواتهم لا تعترف بقرار البرهان بحلها.

ووصف طبيق القرار بأنه غير دستوري وغير ملزم لقوات الدعم السريع. ولم يصدر على الفور تعقيب رسمي من قيادة الدعم السريع.

ميدانيا، أفاد مراسل الجزيرة بتواصل الاشتباكات العنيف بين الجيش والدعم السريع في محيط سلاح المدرعات بمنطقة جبرة (جنوبي الخرطوم).

كما أطلقت قوات الدعم السريع قذائف هاون على معسكر سلاح المهندسين بأم درمان.


قتلى مدنيون

من ناحية أخرى، قالت حركة "محامو الطوارئ" الأربعاء إن ما لا يقل عن 32 مدنيا لقوا حتفهم وأصيب العشرات في قصف مدفعي للجيش السوداني على حي أمبدة (غربي أم درمان) الثلاثاء الماضي.

وقالت وكالة رويترز إن مصادر عسكرية أفادت قبل أيام بأن الجيش نشر أعدادا كبيرة من القوات البرية في أم درمان، ويستعد لعملية كبيرة لمحاولة قطع طريق الإمداد الرئيسي لقوات الدعم السريع من إقليم دارفور إلى العاصمة.

في غضون ذلك، أعربت الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيغاد) عن قلقها لعدم تحسن الوضع في السودان مع اتساع نطاق القتال إلى مناطق نائية.

جاء ذلك في بيان صدر عن آلية إيغاد الرباعية المعنية بالأزمة السودانية في ختام اجتماع عقدته في نيروبي أمس الأربعاء على مستوى رؤساء الدول والحكومات.

ودان البيان الحرب في السودان، ودعا الأطراف المتحاربة لوقف جميع الأعمال العدائية فورا.

وجددت إيغاد التزام دول الآلية الرباعية بعقد اجتماع مباشر بين الأطراف المتحاربة في السودان، وتحدثت عن تعبئة مليون دولار من كل دولة عضو في الهيئة لتقديم المساعدة الإنسانية ودعم السلام بالسودان.

من جهته، صرح الرئيس الكيني وليام روتا -في مقابلة مع قناة "سي إن إن" الأميركية- بأن رئيس مجلس السيادة في السودان أبدى قبولا باستعادة دور إيغاد لحل الأزمة في السودان.

وقال روتا "أجريت حوارا مع السيد البرهان الذي سبق واتهم كينيا بالانحياز لبعض الأطراف".

وتابع "لقد تراجع عن اتهامه وأبدى جاهزية لاستعادة دور لمنظمة إيغاد في الوساطة بمساعدة دول الجوار مثل مصر، والعمل سوية مع الولايات المتحدة والسعودية عبر مسار جدة والسير باتجاه إيجاد حلول".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع رئیس مجلس السیادة الولایات المتحدة الدعم السریع فی غرب دارفور فی السودان

إقرأ أيضاً:

مثلث العوينات في السودان... ما أهمية سيطرة الدعم السريع على المنطقة؟

في عمق الصحراء الغربية الشمالية للسودان، حيث تلتقي الحدود مع مصر وليبيا، اندلع صراع جديد في منطقة نائية تُعرف بـ"مثلث جبل العوينات"، هذه البقعة القاحلة، التي طالما بدت منسية، تحولت فجأة إلى ساحة مواجهة مفتوحة، مع اشتداد الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي انفجرت في أبريل 2023. اعلان

في الأسابيع الأخيرة، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على هذا "المثلث الاستراتيجي"، ونشرت مقاطع مصورة توثّق انتشار مقاتليها في المنطقة الحدودية، ووصفت في بيان رسمي هذا التقدم بأنه "نصر نوعي"، يمهّد لفتح جبهات جديدة في قلب الصحراء، التي ظلت حتى وقت قريب خارج نطاق المعارك.

الجيش السوداني من جهته لم يتأخر في الرد، إذ أوضح أن انسحابه من الموقع جاء في إطار "ترتيبات دفاعية" لصدّ الهجمات، مشيراً إلى أن هذا التراجع لا يعني نهاية الوجود العسكري في المنطقة. لكنه لم يكتفِ بذلك، بل اتهم صراحةً قوات خليفة حفتر، قائد "الجيش الوطني الليبي"، بدعم خصومه، في أول إشارة مباشرة لتورط قوى إقليمية براً في النزاع.

Relatedالسودان: الدعم السريع تقصف مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان ومليون طفل معرض للكوليراالعنف الجنسي في السودان.. خطر دائم على المواطنين في ظل الحربإشتباكات متصاعدة وكوليرا منتشرة.. الأزمات تخنق السودانيين منطقة منسية تعود إلى الواجهة

مثلث جبل العوينات، الواقع عند تقاطع الحدود بين السودان ومصر وليبيا، لطالما اعتُبر من أكثر المناطق عزلة في قلب الصحراء الكبرى. وقد بدأ اسمه يظهر في السجلات الجغرافية بعد زيارة الرحالة المصري أحمد حسنين باشا مطلع القرن العشرين، عندما وثّق نقوشاً صخرية تعود لما قبل التاريخ.

ورغم ما تنطوي عليه من تاريخ وجيولوجيا مثيرة، ظلّت المنطقة مهمَلة لسنوات طويلة، نتيجة التضاريس الوعرة وغياب التجمعات السكانية. بل إن تبعيتها الجغرافية ظلت موضع غموض، خصوصاً بعد اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسودان عام 1925، التي لم تفصل بشكل نهائي في مصير هذا المثلث الصحراوي.

غير أن عقود الإهمال لم تحجب أعين الطامعين، فمع مرور الزمن، تكشفت مؤشرات على وجود ذهب ومعادن ثمينة، كما تحوّل الموقع إلى معبر رئيسي لتهريب البشر والسلاح والوقود، في مسارات تمتد من القرن الإفريقي إلى ليبيا، ومنها إلى أوروبا.

ثقل جيوسياسي جديد في قلب الرمال

يرى عبدالله آدم خاطر، الخبير في شؤون دارفور، أن مثلث العوينات يحمل رمزية تاريخية لا تقل عن قيمته الجيوسياسية، ويقول لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "المنطقة كانت ذات يوم تنبض بالحياة، وتضم موارد مائية وامتداداً قبلياً مشتركاً بين السودان وليبيا". ويضيف: "ما نشهده اليوم هو تحول تدريجي لهذه البقعة إلى ساحة صراع إقليمي بسبب غناها بالثروات".

حتى وقت قريب، كانت العوينات تحت سيطرة جزئية للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني، مع وجود محدود للجيش نفسه. كما أنها تضم عشرات الآلاف من المُعدنين الأهليين، ما يعكس حجم النشاط غير الرسمي المرتبط بالذهب في المنطقة.

لكن التصعيد الأخير أخرج النزاع من إطاره المحلي. فوزارة الخارجية السودانية أصدرت بياناً شديد اللهجة، اتهمت فيه "كتيبة سلفية" تابعة لقوات حفتر بالمشاركة في المعارك، كما وجهت أصابع الاتهام إلى دولة الإمارات، معتبرة أنها تقدم دعماً لوجستياً وعسكرياً لقوات الدعم السريع، في "تعدٍ مباشر على سيادة السودان"، على حد تعبير البيان.

الإمارات، من جانبها، تنفي بشكل متكرر أي تدخل في النزاع السوداني.

قلق إقليمي متصاعد

في الشمال، تتابع القاهرة تطورات المثلث الحدودي عن كثب، إذ لا يخفى أن تحوّل المنطقة إلى معقل للتهريب قد يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، فخطر انتقال الأسلحة والمهاجرين غير النظاميين من السودان عبر ليبيا إلى الأراضي المصرية أو إلى الضفة الشمالية من المتوسط، أصبح احتمالاً حقيقياً، يضع المنطقة كلها على حافة اضطراب واسع.

يقول الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، إن للمثلث أهمية أمنية واقتصادية بالغة. ويشرح: "إلى جانب وجود مناجم ذهب نشطة، تُعد المنطقة ممراً حيوياً لتجارة غير رسمية تشمل الوقود والذهب، تمد ولايات مثل كردفان ودارفور بالإمدادات الأساسية".

ويضيف أن "الموقع الجغرافي للمنطقة، وتضاريسها الوعرة، يجعلان منها ممر تهريب رئيسي لعصابات البشر والسلاح، خاصة باتجاه الجماعات المسلحة في عمق الصحراء الكبرى".

نقطة تحوّل... أم بداية حرب جديدة؟

المخاوف لا تتعلق فقط بما يجري اليوم، بل بما قد تؤول إليه الأمور لاحقاً. فالمثلث الحدودي لم يعد مجرد موقع جغرافي متنازع عليه، بل أصبح رمزاً لصراع يتجاوز الداخل السوداني، ليطاول أمن واستقرار شمال إفريقيا بأكمله.

المراقبون يحذرون من أن استمرار الانفجار في هذه البقعة قد يُحدث تغييرات في موازين القوى، ويخلط أوراق التحالفات الإقليمية، وربما يُنتج أزمة جديدة تضاف إلى سجل الأزمات التي تشهدها القارة منذ سنوات.

ومع كل شريط فيديو يُنشر من رمال العوينات، ومع كل تصريح جديد من أطراف النزاع، يزداد الإحساس بأن هذه الرمال، التي كانت ساكنة لعقود، بدأت تتحرك، ليس فقط تحت أقدام المقاتلين، بل أيضاً في خرائط السياسة والجغرافيا والاستراتيجيات.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني والدعم السريع يتنازعان السيطرة على منطقة المثلث الاستراتيجية
  • مثلث العوينات في السودان... ما أهمية سيطرة الدعم السريع على المنطقة؟
  • امطيريد: قوات البرهان اعتدت على دورية ليبية والجيش رد دون تصعيد
  • التجمع الاتحادي: سيطرة الدعم السريع على المثلث الحدودي «تطور خطير»
  • السودان.. لجنة إغاثية تتهم (الدعم السريع) بقتل 8 أشخاص في الفاشر
  • تصاعد التوترات الأمنية والإنسانية في السودان وسط انسحاب للجيش واتهامات لليبيا.. التفاصيل
  • الدعم السريع يعلن السيطرة على المثلث الحدودي مع مصر وليبيا بعد انسحاب الجيش السوداني
  • تحوّل استراتيجي شمال السودان.. الدعم السريع يسيطر على «المثلث» الحدودي مع مصر وليبيا
  • السودان يتهم حفتر بمساعدة الدعم السريع في هجوم المثلث الحدودي مع مصر وليبيا
  • الجيش السوداني يتهم قوات حفتر بدعم هجوم للدعم السريع على موقع حدودي