شراء العبودية بوهم الحرية
تاريخ النشر: 10th, September 2023 GMT
ماجد المرهون
majidalmrhoon@gmail.com
قد يشعر البعض بأن هناك قيودا تكبلهم وتحد من انطلاقهم إلى الأفق الأسمق لحياة الرفاهية والترف الفاحش كالتي تصورها السينما وبعض مشاهير الدول الغربية المتغشية بنقاب حماية الحريات، فيقعون فريسةً بين أنياب صراعٍ نفسي لواقعهم المَعيش فعليًا وتلفيق الحقوق المُفترى حتى تُدخلهم قناعة الالتباس في حتمية التمرد على الواقع من خلال اللجوء إلى أطرافٍ ملائكية الحضور متشكلةً للمُقبل عليها بسماحةٍ مفرطة من اللطف والتفهم كأن الإنسانية بها قد بلغت منتهاها، وما أن يتبرهن الالتباس لدى الباحث بظلفه عن حتفه في بلاد الأحلام السعيدة البعيدة حتى يتعلق بتلابيب المنقذ الملائكي ليعتقه من جور الأسر والظلم إلى سعة الحرية والحقوق.
وقد يقع الكثير في سوء فهم التفريق بين الحرية والحق وهو أمر وارد مع أن البون بينهما بائن جدًا، فالحريات تتجسد بإقرار قيمة الإرادة الذاتية بموجب أعرافٍ مجتمعية وسماحيات قانونية ذات حدودٍ تَستحسن ممارستها كحرية الكلام والتعبير والعبادة والاعتقاد وحرية التنقل والبيع والشراء والتملك، وما يحيد عن ذلك لا يعتبر حرية بالمفهوم الحرفي وإن تبادر للمرء أحيانًا شائبةُ تَناقضٍ أو تَعارض، فإنها ستبقى في نطاقٍ مملقٍ فردي بسبب ميول ضال أو أهدافٍ ورغباتٍ لا تُقبل على المستوى العام ولا تُستساغ إلا من فئة مجهرية الحجم وملتاثةٍ بشيءٍ من شطط وتأمل إسباغ زيغها على الجميع؛ أما الحقوق فهي الإقرار بقيمةٍ عينية لشيءٍ ما وتضمن السلطات هذا الامتياز بموجب القانون كالسكن والتعليم والصحة وغيرها علمًا بأن بعض طرق الحريات قد تلتقي مع الحقوق في زوايا تقاطع التنظيم والتقنين.
جاء الإسلام معه بمفهوم الحرية وحماية حقوق الناس وصون كرامتهم، وضيَّق مُمكنات الاسترقاق والاستعباد، فوسع سماحيات العتق وجعل منه كفارةً للذنوب وفيه أجر وثواب، وباتت العبودية الآن مستهجنة وممقوتة في معظم المجتمعات المتحضرة، ولكن تطور الأمر في بعضٍ منها إلى إخلاء طرف المسؤولية القانونية في ممارسة الحرية لدرجة الفئة المجهرية سالفة الذكر، وعليه فإن النتيجة التلقائية المترتبة على ذلك ستكون صادمة عندما تكفل حرية الإرادة بمفهومها المطلق العام دون قيود أو أحكام، بل ستقوض النتائج اللاحقة المعاني الأخلاقية من أساسها وسيضرب السفه والإنحطاط بأطنابه في صميم الإستقامة والنزاهة، وستُقبل بالتدريج تلك الممارسات المنافية للأخلاق والفطرة الإنسانية مع استمرائها على المدى الطويل حتى تُستساغ وتتخذ نوعًا من حس الوعي الجمعي المشترك لدى المجتمع وتقبله سواءً كان القبول جراء زخرف الوعود وأقواله، أو إراديًا أو تحت الإكراه بفقد مصلحة وطوائله أو بالترهيب والتهديد وغوائله.
إن الكرامة هي قيمة الاحترام الفعلي والأمثل للإنسان وهي استحقاقة الأصيل المتراكم غير المكتسب بالإكراه، ومادبجت القوانين تاليًا إلا لتؤطرها وتضفي عليها مزيدًا من جُدر الحماية ضد بعض التصرفات التي قد تنتهكها؛ فلن يجد الإنسان الطمأنينة الكاملة لكرامته أكثر من حضن وطنه الأم وإن كابر على ذلك ببعض المُبررات أو الأعذار ولن تُكسبه قوانين حماية دولٍ أخرى نفس المستوى إلا في بعض المفاضلات ذات الصلة بالشؤون المالية، أو أهدافٍ أخرى غير معلنةٍ قد تظهر فيما بعد الخوض في غمار تجربة البحث عن الكرامة في دولةٍ تُنسّب لنفسها ضمان الحريات والحقوق للمهاجر أو اللاجئ، وما ذلك إلا محض ادعاء فلا ولن يتساوى مواطنو تلك الدول مع الدخلاء أيًا كانت أسباب دخالتهم وإن زين لهم بعض المضللين والمغررين وهم الحرية التي تُطلق العنان لكل الممارسات من الأفعال الأخلاقية الحسنة والتي يفترض بديهيًا توفرها في كل المجتمعات والأفعال اللا أخلاقية ذات النزعات الاستثنائية والتي لا يُفترض بديهيًا توفرها في كل المجتمعات إلا الفاسق منها.
نُلاحظ أن نوعين من الناس من يقع في شِراك الحرية المطلقة ومصائد ضمان الحقوق وكمائن وعود الحياة الكريمة وهما: مغرر به في مرحلة التسويق ومغبون في مرحلة التنفيذ، فالأول تعرض لخسارة مادية أو معنوية وأنقلب على عقبيه ليعود عليه شعور الظلم بردة فعل عكسية ضد المجتمع أو السلطات بالحقد والكراهية وحب الانتقام، والثاني صغير في السن غِرٍ متسرع لا تجربة له في الحياة وانطلت عليه تزيينات وإغراءات المُغرِرين، والذين غالبًا ما يكونون كبارًا في السن ولهم باع طويل في الحيل وقدرةٍ واسعةٍ على الإقناع والإجابة على كل الأسئلة منتحلين شخصية المشفق العطوف والحاني الرؤوف، حتى إذا وجد الأول والثاني نفسيهما في نقطة اللاعودة فإن عليهم عندها الرضوخ للإملاءات التي تلزمهم بمحاربة أوطانهم والنيل منها باللغو والقدح والزيف والكذب هذا إذا كانت شخصياتهم تتحلى بالحضور الجيد وتؤهلهم لذلك الفعل أو استغلالهما في مآرب أخرى لا تقل شأنًا عن الجريمة أو ممارسة الرذيلة وكلا المسلكين سيدخلان صاحبيهما في نوعٍ جديد من العبودية ليرضخ لها من لا حول له ولا قوة والآبق مصيره الموت الإجباري أو الاختياري في بلاد الحريات والإنسانية والحياة الكريمة وحماية الحقوق.
سيسقط المتهوك في دائرة الشك بين البراهين الوهمية المبنية على مشاهدات يسود معظمها الزيف والتمويه وبين تحكيم البراهين العقلية ذات الإمكانات الواسعة والواقعية لمجتمعه المحافظ المحتشم، وبلاريب ستلتقطه حبائل المتصيدين في وحل مستنقعات العنصرية والفتن الطائفية والإلحاد والمثلية والنسوية من كارهي مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
سوريا الجديدة.. كورال “غاردينيا” النسائي يتنسم الحرية
سوريا – من رحم الحرب في سوريا وركام أنقاضها، سطع كورال (جوقة) “غاردينيا” النسائي كأحد أبرز وجوه المقاومة الثقافية، وبعد تحرره من قيود نظام الأسد البائد، تحوّلت أغنياته عن الثورة والحرية إلى نوتات موسيقية تُحاكي الأمل، وتُجسّد قدرة المرأة السورية على النهوض عبر الفن.
وتأسس كورال “غاردينيا” النسائي في عام 2016، في خضم الحرب، بمبادرة من مجموعة من النساء المؤمنات بدور الفن وقدرته علي نشر قيم السلام والتسامح، وإظهار قوة المرأة من خلال الموسيقى.
وبمرور الوقت، لم يقتصر دور الكورال على كونه مجموعة جوقة موسيقية فحسب، بل أصبح رمزًا للصوت النسائي الصادح بمعاني الحرية، والسلام والتعايش، والحاصد على عدة جوائز في فعاليات داخل سوريا وخارجها، نظير أدائه اللافت.
ومع انهيار نظام الأسد وحزب البعث في ديسمبر/ كانون الثاني 2024، تحررت عضوات الكورال من القيود الأمنية السابقة، وأخذن يتنفسن الفن بحرية ويقدّمن أغاني الثورة في حفلات عامة تجمع مختلف أطياف المجتمع.
ويواصل الكورال اليوم نقل آلام وآمال الشعب السوري إلى العالم، ناهضا بروح الفن الحر.
وفي 8 ديسمبر 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق بعد مدن أخرى، منهية 61 سنة من حزب البعث الدموي و53 سنة من سيطرة أسرة الأسد.
– “الآن يمكننا تقديم رسالتنا بحرية”وفي مقابلة مع الأناضول، عقب إحدى حفلات الكورال التي جرى تنظيمها في قصر “بيت فارحي” أحد القصور التاريخية في العاصمة السورية دمشق، أعلنت عضوات الفريق أنهن أخيرا “تمكن من استنشاق الحرية” والغناء دون خوف أو قيود.
وقالت العضو المؤسس في الكورال سفانة بقلة، إنهن منذ تأسيس الفريق الغنائي خضن مسيرة مليئة بالتحديات.
وأضافت أن الفريق يضم 20 موسيقية من خلفيات مهنية متنوعة، جميعهن يمتلكن خبرة احترافية في الموسيقى.
وأكدت أنهن مجموعة مستقلة، رسالتها كانت دائما “جمع السوريين معا، والدعوة إلى السلام، وإثبات أن العمل الجماعي أقوى من الفردي”.
وتابعت: “نؤمن أننا نستطيع تحقيق المزيد معا”.
واعتبرت بقلة أن تأسيس الكورال جاء “هروبا من الحرب وحالة القمع التي عاشتها سوريا في عهد بشار الأسد”.
وحول فترات القمع والخوف في عهد نظام الأسد، أردفت بقلة: “كانت ساعات التدريب ملاذنا، لحظات نتنفس فيها بحرية ونبتعد عن كل السلبيات”.
وأشارت إلى أن الكورال يولي أهمية خاصة بالحفاظ على التراث الثقافي والدفاع عن حقوق المرأة، مبينة أن سقوط النظام السابق “منحهن مساحة للتعبير عن الآلام التي عاشها السوريون على مدى سنوات”.
وتابعت: “نستطيع الآن أن نقول ما نريد. غنينا أغان لم نكن نحلم بأن نغنيها سابقًا. أعدنا إنتاج التراث الفني الذي وُلد مع الثورة. لم يعد من الصعب إقامة حفل موسيقي، بعد أن كان الأمر يتطلب موافقات أمنية وتعقيدات كثيرة”.
واستدركت بكلمات مؤثرة: “الآن يمكننا أن نقدم رسالتنا الفنية بحرية. بدأنا نعيش حياة أكثر راحة على صعيد حرية التعبير”.
وكشفت بقلة أنها احتُجزت لدى قوات نظام الأسد عام 2012 لنحو شهر، معتبرة أن أول حفل بعد سقوط النظام كان بمثابة “معجزة لا توصف”.
– “شعرت وكأنني في حلم”من جهتها، نوهت عازفة البيانو ياسمين سلامة، وهي عضوة بالكورال منذ عام 2016، إلى أن الفريق واجه صعوبات كثيرة عند التأسيس.
وقالت للأناضول: “سابقا، لم يكن لدينا مكان للتدريب، كنا نتمرن في بيوت الصديقات تحضيرا للعروض”.
ولفتت سلامة إلى أن عضوات الكورال اكتسبن تجارب ومهارات مهمة خلال السنوات التسع الماضية، مشيرة إلى أن الحماسة الكبيرة من الجمهور “كانت دافعا كبيرا للاستمرار”.
وعن أول حفل بعد سقوط نظام الأسد، لخصت سلامة تلك اللحظات قائلة: “كان شعورا غريبا، إحساسا يلامس القلب، رأيت أعلام الثورة وتفاعل الناس معها، شعرت وكأنني في حلم”.
وتابعت: “لم أصدق أننا في دمشق، وأن هذه الأغاني تُغنّى والناس يصفقون، دون أن يُعتقل أحد. كان شعورا لا يوصف، وكل ما نريده الآن هو السلام”.
– “نستحق لسعادة”من جهتها، قالت ميادة حميدان، إحدى الحاضرات في حفل الكورال في “بيت فارحي”، إن الأغنيات التي قدمها الفريق في الحفل كانت “مؤثرة جدا”.
وأكدت في حديث للأناضول على أنه بعد الحرب “يستحق الشعب السوري أن يكون سعيدا”.
وأوضحت أنه خلال الحرب “لم يكن الأطفال يسمعون سوى أصوات القنابل، أما الآن، يستحقون الاستماع إلى الموسيقى”.
وأشارت إلى أن أغنيات فريق “غاردينيا” عن الثورة والتي قدمها خلال حفله في “بيت فرحي” ذكرتها بأصدقائها الذين فقدتهم خلال الحرب التي استمرت نحو 13 عاما.
واستدركت: “نأمل ألا يعيش أطفالنا مثل هذه المعاناة مرة أخرى”.
بدورها، أعربت بسمة فلاحة، عن سعادتها لتمكنها من الاستماع لأغنيات “غاردينيا” في حفل حي مباشر.
وقالت للأناضول: “أنا سعيدة جدا لأنني أرى مثل هذه الفعاليات، وأشاهد عودة بلدي للنهوض من جديد، والأهم أن الناس باتوا يستطيعون التعبير عن آرائهم بحرية”.
الأناضول