نحو نظام عالمي وخليجي متعدد الأقطاب ينهي تفرد أمريكا

الواقع الخليجي الجديد يدشن تعددية قطبية في الخليج العربي تكسر وتنهي أحادية هيمنة أمريكا.

ما هي التحولات في الأولويات الاستراتيجية الأمريكية التي تعمق تراجع الثقة بأمريكا من حلفائها الخليجيين؟

اليوم نشهد تحولات النظام العالمي بالعودة لتركيبته في فترة الحربين العالمية الأولى والثانية، نظام متعدد الأقطاب.

تتوجه دول الخليج نحو نظام تعدد الأقطاب مع حاجتها لتوازنات صعبة بين أمريكا الشريك الأمني، وروسيا شريك أمن الطاقة، والصين الشريك الاقتصادي والتجاري.

يصاحب تراجع مكانة وحضور أمريكا صعود الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي واليابان والنمور الآسيوية، وقوى إقليمية متوسطة كإندونيسيا وأعضاء من دول بريكس.

يشهد الخليج العربي عولمة الأمن الخليجي بتراجع دور أمريكا المنكفئة بعد خفضها أولوية ومكانة الشرق الأوسط والخليج العربي بحروبه المنهكة والمستنزفة منذ عقود!

تغيرت أولوية أمريكا نحو مواجهة الصين وروسيا وحفظ الأمن في المحيطين الهندي والهادئ كأولوية استراتيجية لاحتواء الصين وهزيمة روسيا لمنعها من تهديد الأمن الأوروبي والعالمي ومصالح حلفائها.

* * *

أنهيت مقالي سابقا حول « توازنات دول مجلس التعاون الخليجي الصعبة مع القوى الكبرى»- بالتأكيد «تواجه دول مجلس التعاون الخليجي معضلة أمنية حادة في سعيها لتنويع الخيارات الأمنية والدفاعية في نظام عالمي وخليجي يتحول للتعددية القطبية وسط دينامية تغيرات جيوستراتيجية غير مسبوقة».

استكمل في مقالي هذا بتأكيدي.. عاشت دول مجلس التعاون الخليجي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ونظام الثنائية القطبية والحرب الباردة بين الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفياتي والكتلة الغربية بقيادة أمريكا وحلفائها الغربيين.

قابل النظام الغربي الديمقراطي التعددي الذي صاغ النظام العالمي ما بعد الحرب العالمية الثانية بتركيبته ومنظمات ارساها بزعامة وقيادة الولايات المتحدة، نظام الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفياتي وحلفائه في حلف وارسو من شرق أوروبا إلى شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا نظام شيوعي اشتراكي سلطوي أحادي التركيبة بلا معارضة ولا تداول وتحد للسلطة لذلك لم يكن له أي جاذبية وقوة ناعمة تقنع الدول والشعوب والأحزاب بجدواها كما هو حال نموذج النظام الغربي.

شهدنا تحول النظام العالمي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب الباردة مطلع تسعينيات القرن الماضي نظام أحادي القطبية بزعامة وهيمنة أمريكا وتربعها على عرشه بلا منافس. واليوم نشهد تحولات النظام العالمي بالعودة لتركيبته في فترة الحربين العالمية الأولى والثانية-نظام متعدد الأقطاب.

بتراجع مكانة وحضور الولايات المتحدة، يصاحبه صعود الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي واليابان والنمور الآسيوية، وقوى إقليمية متوسطة كإندونيسيا وأعضاء من دول بريكس وكوريا الشمالية والسعودية وتركيا وإيران والبرازيل والمكسيك ليتشكل بمجموعه نظام متعدد الأقطاب. يقدم بمؤسساته ومنظماته وطموحه بديلاً منافساً ومقنعاً للدول النامية.

ومع صعود الصين على شتى المستويات الصناعية والاقتصادية والتصدير ومشروع الصين العالمي الحزام والطريق الواحد والعودة لطريق الحرير وإقراض الدول النامية مليارات الدولارات لبناء بناها التحتية من طرق وجسور وموانئ ومصانع ومدن-فيما يعرف بـ«فخ القروض» لأخذها رهينة-واستغلالها لإقامة قواعد عسكرية.

كما هو الحال في باكستان وسريلانكا وجيبوتي ودول غرب أفريقيا والساحل في منافسة وربما استبدال فرنسا. تتحول الصين إلى قوة عظمى بطموح واسع ولكن بنظام أحادي مغلق لا يلهم ولا يقدم حريات وديمقراطية وحقوقا للمواطنين.

لكن يعترف الأميركيون أن الصين هي الدولة الوحيدة الكبرى التي تملك القدرة والإرادة لمقارعة وتحدي هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي. كما تقود الصين إلى حد كبير مجموعة بريكس التي عقدت قمتها قبل أسبوعين.

وأكدت طموحها الواسع في تحدي النظام الغربي ومنظوماته وحتى ضم دولا حليفة للغرب وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر. هذا بات واقعاً سينضج ويتمدد ليشكل تحولا جذريا في النظام العالمي ويعيد النظام العالمي ثمانية عقود لمرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية.

تعددية النظام الدولي، تنعكس على التركيبة الهيكلية للأنظمة الإقليمية في العالم. بما فيها منطقة الخليج العربي التي لا تزال برغم تراجع حاجة الولايات المتحدة وأوروبا إلى الطاقة الخليجية - ولكن تبقى دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق مركز الثقل العالمي للطاقة وأمنها.

برز ذلك بوضوح قبل عامين مع تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا وقطع امدادات النفط والغاز الروسي عن أوروبا بسبب العقوبات الأوروبية على روسيا أو بسبب قطع روسيا امدادات الغاز عن أوروبا.

لم يكن هناك من بديل متوفر سوى دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة دولة قطر التي تملك ثالث أكبر احتياطي غاز طبيعي في العالم وتتشارك مع إيران بأكبر حقل غاز طبيعي في العالم حقل الشمال التي تولي أهمية كبيرة لتطويره لتصبح قطر اليوم الدولة الأولى المصدرة للغاز المسال في العالم.

وأثبتت قطر مراراً أنها حليف موثوق يفي بجميع العقود الطويلة الأمد مع دول آسيا حتى في فترة الأزمة الخليجية ومقاطعة وحصار قطر لم تتأخر عن تصدير الغاز المسال القطري.

كما لم تقطع قطر امدادات الغاز القطري عبر خط دولفين عن دولة الإمارات العربية المتحدة برغم الحصار. ما أكسب قطر الكثير من الاحترام والتقدير والثقة.

تشهد منطقة الخليج العربي عولمة الأمن الخليجي بتراجع دور الولايات المتحدة المنكفئة بعد خفضها أولوية ومكانة الشرق الأوسط والخليج العربي بحروبه المنهكة والمستنزفة منذ عقود-وتغيرت أولويتها لمواجهة الصين وروسيا وحفظ الأمن في منطقة المحيطين الهندي-الهادئ كأولوية في الاستراتيجية الأميركية لاحتواء الصين والحاق هزيمة استراتيجية بروسيا لمنعها من تهديد الأمن الأوروبي والعالمي ومصالح وحلفائها. ما يعمق تراجع الثقة بأمريكا من حلفائها الخليجيين.

أظهرت السعودية مواقف متحدية للولايات المتحدة برفض زيادة انتاج النفط كما طالب بايدن-وانجاح وساطة الصين لإعادة العلاقات مع خصمها إيران-التي تدعم روسيا في حربها على أوكرانيا بالمسيرات.

وتمسك السعودية والإمارات بالحياد وعدم فرض عقوبات على روسيا ومصادرة أرصدة وأملاك الأثرياء الروس. ووضع السعودية شروطا صعبة للتطبيع مع إسرائيل. وانضمت السعودية والإمارات لمجموعة بريكس المتحدية للغرب!

هذه مؤشرات واضحة لتحول منطقة الخليج العربي لنظام متعدد الأقطاب. مع واقعية حاجة دول المجلس لممارسة توازنات صعبة بين أمريكا الشريك الأمني، والشراكة مع روسيا في أمن الطاقة، والشراكة الاقتصادية والتجارية مع الصين ودول آسيوية. وهذا يدشن تعددية قطبية في الخليج العربي تكسر وتنهي أحادية هيمنة أمريكا.

*د. عبد الله خليفة الشايجي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت

المصدر | الشرق

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب أمريكا القوى الكبرى الحرب الباردة مجلس التعاون الخليجي هيمنة أمريكا تعدد الأقطاب دول مجلس التعاون الخلیجی نظام متعدد الأقطاب الولایات المتحدة النظام العالمی الخلیج العربی الصین وروسیا فی العالم

إقرأ أيضاً:

الصين تدين الاعتداءات الإسرائيلية على إيران وتدعو إلى وقف التصعيد

أدان السفير الصيني لدى الأمم المتحدة فو كونج، اليوم السبت، الاعتداءات الإسرائيلية على إيران، معربًا عن قلق بلاده من تصاعد حدة الصراع بين الجانبين في المنطقة، وذلك وفق ما نقلته وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا".

وأكد فو كونج خلال كلمته أن الصين ترفض بشكل قاطع انتهاك إسرائيل لسيادة وأمن وسلامة الأراضي الإيرانية، داعيًا تل أبيب إلى التوقف الفوري عن جميع الأعمال العسكرية التي وصفها بـ"الخطيرة"، والتي قد تؤدي إلى مزيد من التعقيد في الأوضاع الإقليمية والدولية.

وشدد السفير الصيني على أن بلاده تعارض بشدة أي محاولات لتوسيع دائرة النزاع القائم، معربًا عن بالغ قلق بكين إزاء التداعيات المحتملة التي قد تنجم عن استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي في المنطقة.

ويأتي هذا الموقف الصيني في أعقاب تبادل كثيف للضربات الجوية بين إيران وإسرائيل فجر السبت، بعدما نفذت إسرائيل أكبر عملية عسكرية لها ضد إيران حتى الآن، في إطار سعيها لمنع طهران من تطوير سلاح نووي، بحسب ما أفادت به وكالات الأنباء.

أمين عام الأمم المتحدة يطالب إيران و إسرائيل بخفض التصعيدمندوب إسرائيل بالأمم المتحدة: الهجوم على إيران ضرورة وطنيةسيناتور : الشعب الأمريكي لايريد مساعدة مجرم الحرب نتنياهو المعتدي على إيرانإسرائيل تهاجم إيران الآن بضربات صاروخية وانفجارات متتالية في طهرانإيران: مصرع 78 شخصاً في الضربة الإسرائيلية وتتهم واشنطن بالتواطؤإيران تفعل دفاعاتها الجوية وإسرائيل تستهدف قواعد جوية في الغربإيران تستهدف مقر الاستخبارات الإلكترونية الإسرائيلية 8200 في تل أبيبإيران تضرب إسرائيل بحريا عبر الغواصاتبن سلمان يبحث هاتفيا مع ترامب تطورات العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيرانسلطات الاحتلال: إيران أطلقت 150 صاروخا على إسرائيل


وفي المقابل، أعلن الحرس الثوري الإيراني أن العشرات من الصواريخ الباليستية التي أطلقتها طهران أصابت أهدافًا استراتيجية داخل إسرائيل بدقة، معتبرًا أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية فشلت في التصدي لها بفاعلية.

وأكدت خدمات الإسعاف الإسرائيلية أن الحصيلة الأولية للهجوم أسفرت عن إصابة تسعة أشخاص، بينما تواصل فرق الطوارئ والإنقاذ التعامل مع الأوضاع في المناطق التي تعرضت للقصف.

ومع تزايد وتيرة الهجمات، فعّلت إسرائيل صفارات الإنذار مجددًا في تل أبيب ومناطق الجنوب والشمال بعد رصد دفعات جديدة من الصواريخ القادمة من إيران، حيث عملت أنظمة الدفاع الجوي على اعتراض بعضها بنجاح.

أمين عام الأمم المتحدة يطالب إيران و إسرائيل بخفض التصعيدمندوب إسرائيل بالأمم المتحدة: الهجوم على إيران ضرورة وطنيةسيناتور : الشعب الأمريكي لايريد مساعدة مجرم الحرب نتنياهو المعتدي على إيرانإسرائيل تهاجم إيران الآن بضربات صاروخية وانفجارات متتالية في طهرانإيران: مصرع 78 شخصاً في الضربة الإسرائيلية وتتهم واشنطن بالتواطؤإيران تفعل دفاعاتها الجوية وإسرائيل تستهدف قواعد جوية في الغربإيران تستهدف مقر الاستخبارات الإلكترونية الإسرائيلية 8200 في تل أبيبإيران تضرب إسرائيل بحريا عبر الغواصاتبن سلمان يبحث هاتفيا مع ترامب تطورات العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيرانسلطات الاحتلال: إيران أطلقت 150 صاروخا على إسرائيل

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في وقت سابق عن انتهاء التهديد الأمني الذي استدعى تفعيل صافرات الإنذار بعد الهجوم الرابع، لكنه عاد لاحقًا ليعلن عن تجدد الهجمات في الموجة الخامسة، وسط تعليمات جديدة من قيادة الجبهة الداخلية لسكان شمال البلاد بضرورة البقاء في حالة تأهب بالقرب من المناطق المحمية تحسبًا لأي تطورات إضافية.

يأتي هذا فيما كانت مصادر أمنية إسرائيلية قد أفادت قبيل ساعات بأن دفعة رابعة من الصواريخ الإيرانية استهدفت مناطق المروج وطبرية شمالي إسرائيل، حيث سمعت أصوات انفجارات عنيفة بالتزامن مع دوي صفارات الإنذار في مناطق متفرقة شمال البلاد.

في المقابل، أكدت وكالة "تسنيم" الإيرانية استمرار جولات القصف الصاروخي التي تنفذها إيران في إطار الرد على الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية ونووية في عمق الأراضي الإيرانية خلال الساعات الماضية.

طباعة شارك الصين إسرائيل إيران قصف إيران قصف إسرائيل إسرائيل وإيران

مقالات مشابهة

  • إسرائيل..نظام دفاعي جديد لاعتراض الصواريخ الإيرانية
  • بولتون يدعو لإسقاط النظام الإيراني.. يجب أن يكون هذا هدف أمريكا
  • ما هي منظومات الدفاع الإسرائيلية التي تواجه صواريخ إيران؟
  • هكذا.. ستصوغ الحرب الإسرائيلية الإيرانية ملامح نظام دولي جديد
  • هل التعويم المدار خيار مناسب لسوريا؟
  • وزير خارجية عمان ينهي الجدل بشأن محادثات طهران وواشنطن
  • قبل الظهور العالمي .. تفاصيل مشاركات الأهلي في مونديال الأندية
  • الصين تدين الاعتداءات الإسرائيلية على إيران وتدعو إلى وقف التصعيد
  • نتنياهو يتوعد إيران بالمزيد ويوجه كلمة للإيرانيين
  • الكشف عن الهدف الحقيقي خلف الضربات الإسرائيلية: إسقاط نظام إيران؟