واشنطن وطهران على حافة المواجهة.. تصعيد متبادل أم تسوية مؤجلة؟
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
طهران- على وقع الغارات الإسرائيلية المتواصلة منذ فجر الجمعة على إيران، وما يقابلها من قصف صاروخي إيراني، تتصاعد حدة التوتر في المنطقة وتتزايد التكهنات بشأن احتمالات انزلاق الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران، مقابل جهود دبلوماسية تبذلها وساطات إقليمية ودولية لاحتواء الأزمة.
وتتهم طهران رسميا واشنطن بالتورط في العدوان الإسرائيلي على أراضيها، مستندة إلى تصريحات سابقة لمسؤولين أميركيين أقروا فيها بوجود تنسيق مباشر مع إسرائيل في تنفيذ الهجمات الأخيرة.
وخلال لقائه بسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدين في طهران أمس الأحد، كشف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن بلاده تمتلك وثائق تثبت تورط قواعد عسكرية أميركية في دعم الهجمات الإسرائيلية.
وقال عراقجي إن "الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الكاملة عن المشاركة في هذا العدوان"، محذرا من "التمادي في استهداف السيادة الإيرانية".
في المقابل، واصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصريحاته التصعيدية، مؤكدا مجددا أن بلاده "لن تتوانى عن الرد العسكري الساحق إذا ما استُهدفت مصالحها في المنطقة". وفي تصريحات لشبكة "إيه بي سي" الأميركية، أشار إلى احتمال تدخل بلاده لمساعدة إسرائيل في "القضاء على البرنامج النووي الإيراني".
إعلانلكن ترامب، الذي سبق أن عبّر عن اعتقاده بضرورة خوض معارك قبل التوصل إلى اتفاق، عاد ليتحدث عن استعداد بلاده لقبول وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء النزاع بين طهران وتل أبيب. وقال إن هناك "اتصالات جارية لعقد مفاوضات تؤدي إلى تهدئة"، مرجّحا التوصل إلى اتفاق قريب بين الجانبين.
رغم ذلك، أفاد مصدر مطلع على المباحثات أن طهران أبلغت الوسيطين القطري والعُماني بعدم استعدادها للدخول في مفاوضات حول وقف إطلاق النار في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي. وأوضح المصدر -لوكالة رويترز- أن "إيران تشترط استكمال ردها على الضربات الاستباقية الإسرائيلية قبل الخوض في أي حوار جدي".
وفي السياق، يرى السفير الإيراني السابق لدى الأردن نصرت الله تاجيك أن مواقف ترامب العلنية تعكس انخراط بلاده المباشر في الهجوم، معتبرا أن "الهدف من هذا العدوان ليس البرنامج النووي فحسب، بل إسقاط النظام السياسي في إيران".
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد تاجيك أن الهجوم الإسرائيلي الأخير تم بضوء أخضر أميركي وأوروبي، ووفق مخطط معقد سبقته عمليات تضليل بمشاركة شخصيات غربية بارزة. واعتبر أن قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير، الذي اتهم طهران بعدم التعاون، كان بمثابة التمهيد القانوني للهجوم.
وأضاف أن "ما سبق الهجوم من مؤشرات، مثل سحب الدبلوماسيين الأميركيين من المنطقة وتصريحات ترامب عن استعداد إسرائيل للهجوم، كلها تؤكد وجود تنسيق وثيق بين واشنطن وتل أبيب". كما اتهم الإدارة الأميركية بتوزيع الأدوار بين أوروبا وإسرائيل، مشيرا إلى أن الحديث عن الخلافات مع بنيامين نتنياهو كان جزءا من حملة تضليل إعلامية.
في قلب المعركةمن جهته، يرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية مجيد صفاتاج أن الولايات المتحدة باتت طرفا مباشرا في الصراع، من خلال تزويد تل أبيب بصواريخ متطورة مثل "هيل فاير" وذخائر موجهة بالليزر مناسبة لاستهداف الأفراد بدقة، سبق أن نقلتها أميركا سرا إلى تل أبيب قبيل هجومها على إيران، بالإضافة إلى تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود ودعمها استخباريا ولوجستيا.
إعلانوفي حديثه للجزيرة نت، أكد صفاتاج أن الدعم الأميركي لإسرائيل لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يشمل أيضا غطاء دبلوماسيا لتبرير الهجوم أمام المجتمع الدولي، واصفا الحديث عن الوساطات بأنه "محاولة لتجميل صورة واشنطن أكثر من كونه مسعى حقيقيا نحو التهدئة".
ورجح أن تتطور المواجهة إلى صراع مباشر بين واشنطن وطهران، مشيرا إلى أن انتقال الدور الأميركي من الدعم إلى الهجوم المباشر بات مسألة وقت، على غرار ما حدث مؤخرا في تصعيد الولايات المتحدة ضد اليمن.
تحذيرات من الداخلوفي هذا السياق، لفت صفاتاج إلى أن طهران تمتلك خططا متعددة للتعامل مع أي تصعيد أميركي، محذرا من احتمالية لجوء "أجهزة الأمن الصهيو-أميركية" إلى تفعيل خلايا نائمة داخل إيران لتنفيذ عمليات ضد منشآت حيوية، بهدف زيادة الضغط على النظام الإيراني.
ويخلص مراقبون إيرانيون إلى أن مسار الأحداث يسير باتجاه تصعيد إقليمي أوسع، مؤكدين أن تصريحات عراقجي، التي حذر فيها من أن "نار الحرب التي أضرمتها إسرائيل قد تخرج عن السيطرة"، تعكس ترددا بين الاستمرار في التهديدات أو الانتقال إلى مواجهة مفتوحة، مرجحين أن تحدد السياسة الأميركية في الأيام المقبلة وجهة المرحلة القادمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة إلى أن
إقرأ أيضاً:
مشاهد غير مألوفة في قلب طهران.. هل يقف الحجاب في إيران على عتبة تحوّل كبير؟
تشير الوقائع التي رصدها مراسل وكالة "أسوشيتد برس" جون جامبريل خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، إلى تحوّل اجتماعي واضح بات يطبع الحياة اليومية في العاصمة الإيرانية، إذ لم تعد رؤية النساء غير المحجبات استثناءً، بل أصبحت جزءًا من المشهد العام الذي يواجهه الزائر منذ اللحظة الأولى لدخوله المدينة.
عند وصوله إلى طهران، لاحظ جامبريل تدريجيًا نساء يمشين في الشوارع بلا حجاب. لسنوات، اعتادت كثيرات دفع غطاء الرأس إلى الخلف خطوة خطوة، كأنهن يختبرن حدود الممكن: كم يمكن أن يظهر من الشعر؟ غير أن نزع الحجاب بالكامل كانت خطوة غير مألوفة.
ورغم معرفة المراسل، عبر عمله اليومي مع زملائه في طهران، والصور والفيديوهات التي يرسلونها من تغطيات لا علاقة لها بالموضوع، بأن نساء كثيرات بدأن فعلًا بالتخلي عن الحجاب، إلا أن حجم الظاهرة لم يتّضح له إلا حين شاهدها بنفسه.
في ساحة تجريش عند سفح جبال البرز، رأى مجموعة فتيات يخلعن الحجاب فور خروجهن من المدرسة، يركضن بين السيارات العالقة في الزحمة ويضحكن. وفي بازار تجريش تجوّلت نساء من مختلف الأعمار بلا غطاء رأس، مارّات بمحاذاة قبة ضريح الإمام زاده صالح، بينما يقف شرطيان في المكان، من دون أن يبديا أي رد فعل.
وفي فندق "إسبيناس بالاس" الفاخر، عبرت عدة نساء بشعر مكشوف أمام لافتات تشدد على "الالتزام بالحجاب الإسلامي". وقد حضرت زوجة أحد الدبلوماسيين الأجانب عشاء رسمي بلا حجاب، فيما وضعت امرأة إيرانية الحجاب للحظات أثناء حديثها مع أحد موظفي الفندق، قبل أن تدعه يسقط مجددًا على كتفيها.
كما رصد جامبريل أن المشهد لا يقتصر على شمال طهران، الأكثر تحررًا وثراءً. ففي حي جنوبي أكثر محافظة، شاهد امرأة سافرة تمشي بسرعة بين نساء يرتدين العباءة السوداء.
وفي حديث مع امرأة إيرانية مقيمة في كندا طلبت عدم ذكر اسمها، قالت إنها ارتدت الحجاب طوال حياتها: في المدرسة، في الجامعة، وفي كل مكان عام. وأضافت أنها حاولت الالتزام بالقوانين، لكنه منحها دائمًا شعورًا بانعدام الثقة لأنها كانت ترتديه دون قناعة، موضحةً: "أحيانًا أشعر أن ذلك الخوف لا يزال يسكنني. أحيانًا وأنا أقود السيارة، أرفع يدي تلقائيًا لأتأكد من وجود الحجاب على رأسي. هذا الخوف ما زال يعيش معي".
تحوّل تدريجي في قواعد الحجابتزايدت مظاهر عدم الالتزام بالحجاب منذ الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت بعد وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر/أيلول 2022 أثناء احتجازها لدى "شرطة الأخلاق" بتهمة مخالفة قواعد اللباس.
وأسفرت تلك الاحتجاجات عن مقتل المئات واعتقال آلاف المشاركين في مختلف المحافظات. وحتى سنوات قليلة مضت، كان من غير الممكن تخيّل حدوث ذلك في الجمهورية الإسلامية، حيث دافع رجال الدين المحافظون والساسة المتشددون لعقود عن تطبيق صارم لقانون الحجاب.
Related فيديو - نساء إيران على درّاجات نارية: بين تحدي القوانين والقبول الاجتماعيعدد متزايد من النساء يقدن دراجات نارية في طهران متحدّيات القيود القانونية في إيران"طُلب منه جمع معلومات عن بن غفير".. إسرائيل تتهم عامل فندق في البحر الأحمر بالتجسس لصالح إيرانوعلى مدى 46 عامًا، فرضت السلطات إلزام النساء بتغطية شعر الرأس، وكانت الشرطة في فترات معينة تراقب الشوارع بدقة لضمان الالتزام. ومنذ ثورة 1979، فُرضت قواعد تشدد على ارتداء ملابس "فضفاضة ومحتشمة" وتغطية الشعر، لكن الالتزام تراجع تدريجيًا في المدن الكبرى، خصوصًا في طهران.
هذا الشهر، دعا رئيس السلطة القضائية الإيرانية، غلام حسين محسني إيجئي، إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمواجهة ما وصفه بـ"الظواهر الاجتماعية الشاذة"، في إشارة مباشرة إلى ما يعتبره تساهلًا متزايدًا في تطبيق إلزامية الحجاب.
وفي المقابل، تبدي الحكومة موقفًا أكثر مرونة. فقد أكدت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، الشهر الماضي أن "فرض الحجاب بشكل فردي أمر غير ممكن"، في تكرار لتصريحات سابقة للرئيس مسعود بزشكيان، الذي تعرّض لانتقادات من التيار المحافظ بعدما رفضت حكومته العام الماضي مشروع قانون لتشديد العقوبات على النساء غير المحجبات.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة