يرفض المفاوضات ويراهن على المقاومة.. جيل أوسلو يخيف إسرائيل
تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT
نابلس- يمتشقون السلاح ويخرجون في استعراضات عسكرية عقب كل حدث كبير في مخيم جنين، وفي مشهد مهيب يظهر استعدادهم لحدث قادم ومواجهة أكبر، تنقّل المقاومون بين أزقة المخيم وصولا إلى ساحته الرئيسية، حيث ألقوا بيانهم العسكري وفيه توعدوا الاحتلال بمواصلة المقاومة وأن الاغتيالات والاعتقالات لن تثنيهم عن مواصلة النضال.
مقاومون في مقتبل العمر -معظمهم في العشرينيات- لا يظهرون إلا أثناء المواجهة أو عقبها خلال جنائز رفاقهم ووفق إجراءات أمنية مشددة وكأنهم جيش مدرب ومنظم، لكن جل ما يمتلكونه هو إرادة فولاذية يقارعون بها الاحتلال.
وتحت مسميات "مجموعة" و"كتيبة" وغيرها سمى المقاومون أنفسهم في المرحلة الحالية، لكن أعمارهم تقول إنهم "جيل أوسلو" الذي ولد دون أن يعرف عن الاتفاق أو يرى من خيره شيئا، بل تمردوا عليه كونهم امتدادا لأجيال سبقتهم في النضال بمواصلة المقاومة.
يقول أحد المقاومين في مخيم جنين "لكل مرحلة متطلباتها وطريقتها"، ومذكرا بأحداث 2002 إبان الاجتياح الإسرائيلي للمخيم، والتي علقت بعض أحداثه بذاكرته كطفل صغير، ويضيف أن "المخيم اليوم لا يزال على عهد النضال ولن يكل أو يمل".
وفي حديثه للجزيرة نت وبلغة جامعة ومحددة الهدف يقول المقاوم الشاب "المخيم اليوم يجسد الوحدة الوطنية وعلى قلب رجل واحد، ويواجه العدو الإسرائيلي ببندقية واحدة، كان هذا قبل 20 عاما، واليوم كذلك هو موحد بجميع فصائله وأذرعه العسكرية".
ويرى أن هذا الجيل الجديد يسير على النهج نفسه، متابعا أن "الجميع بالمخيم تربى على الشهادة والمقاومة، لأن العدو لم يترك أي خيار للفلسطيني إلا المواجهة".
وهذا الخيار لم يعد حكرا على مخيم جنين فحسب، بل امتد ليطال معظم مخيمات الضفة الغربية، وفيها تشكلت مجموعات مقاومة ترسم وتخطط وتضرب دون يعرف بها أحد، بشكل فردي وجماعي.
ومثل "محمد" تجد آخرين يتدافعون إلى مواقع المواجهة والاحتكاك مع الاحتلال ويتصدون بصدورهم العارية لاعتداء جيشه ومستوطنيه ولسان حالهم يقول "نعيش تصعيدا شاملا يمارسه الاحتلال ضد الفلسطيني، وإن التصدي له هو الخيار الأشمل والأمثل".
ويقول الشاب ناصر أمين -الذي أفرج عنه منذ وقت قريب بعد نحو 16 عاما بالاعتقال- إن المقاومة هي ديدن هذا الجيل، مضيفا "اعتقلت طفلا وتحررت شابا ولا زلت مقتنعا بمقاومتي ولن أفرط بها، ويكفي هذا الشعب إذلالا".
وفقد هذا الجيل -حسب مراقبين- كل مقومات الحياة على أرض فلسطينية مستقلة تقيم له دولة يحظى فيها بكل حقوقه أو حتى توقف جرائم الاحتلال المتواصلة والآخذة بالتوسع، ولا سيما عبر الاستيطان الذي هوّد معظم الضفة الغربية وعزلها عن غزة، وبمسلسل القتل والاعتقال والهدم الذي لم يتوقف لا قبل أوسلو ولا بعده.
وبالتالي، بات هذا الجيل -وأمام فقد كل الخيارات وانعدام أي أفق سياسي- عامل الرهان الأقوى على إبقاء فتيل المقاومة مشتعلا للتصدي لكل مشاريع الاحتلال التهويدية.
وفي هذا السياق، قال السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي أمين عام المبادرة الوطنية إن ميزات اكتسبها هذا الجيل جعلته متمردا أكثر من غيره ومتحديا للاحتلال، أولها وعيه العميق بوهم المفاوضات وعدم جدواها مع الحركة الصهيونية بحكم ما يراه واقعا.
وأضاف البرغوثي أن هذا الجيل متحرر، ليس من أعباء أوسلو وإنما من امتيازاته أيضا، والتي قبلت بها أجيال قديمة ويحاولون الحفاظ على امتيازات شخصية لهم رغم معرفتهم وإدراكهم بأن أوسلو فشل فشلا ذريعا.
ويدرك هذ الجيل -وفق البرغوثي- المتغيرات الجارية في العالم، خاصة التطور التكنولوجي، وهو خارج إطار الهيمنة الفكرية لمنظومة أوسلو، وبالتالي هو أكثر أجزاء الشعب الفلسطيني إدراكا لأهمية المقاومة وأكثرها استعدادا لممارستها.
ويحدد البرغوثي شكل انتفاضة هذا الجيل بقوله إنها "ستجري على شكل موجات تصعد وتهبط، ولكن يظل خيارها المقاومة والكفاح".
وكي تستمر هذه المقاومة فهناك "محظورات" لا بد منها بحسب البرغوثي، أهمها أن يُحظر على السلطة الاصطدام بالمقاومة، أو أن يجر الفلسطينيون إلى صراع داخلي، وأن تركز الطاقات تجاه الاحتلال بصفته العدو المشترك، وحظر الاعتقالات السياسية واعتقال المقاومين والأسرى المحررين.
وأضاف "إذا كانت السلطة غير قادرة على المقاومة فإن عليها أن تتجنب الاصطدام معها، فالسلطة وأوسلو أضعفا الحركة الوطنية".
ولم يفقد هذا الجيل أمل السلام مع الاحتلال فحسب، بل فقد مستقبله وأرضه التي تصادر إسرائيل معظمها وتعزل ما تبقى عبر أكثر من 360 مستوطنة، وفقد نفسه أيضا، وقتلت إسرائيل منذ بداية العام الجاري 234 فلسطينيا، واعتقلت نحو 5 آلاف يشكل الشباب معظمهم.
لم يفقد هذا الجيل الثقة فقط بأوسلو ومن دار في رحاه، بل أصيب بخيبة أمل -برأي المحلل السياسي عدنان صبّاح- بفعل الجريمة التي ارتبكت بحقه وبيعه "وهم الدولة" طوال 30 عاما، وعاش مشهد التهجير والتهويد والتغول الاحتلالي والمضايقات بكل أنواعها.
ويقول صبّاح للجزيرة نت إن هذا الجيل ينقم على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بفعل ويلات أوسلو ووضعه أمام خيارات قاهرة بين القتل والتهجير والإذلال، وبالتالي حدد مصيره بـ"الاستشهاد أو الانتصار"، ولذلك هذا هو الرهان الأبرز على الاستمرار بمقاومته، فضلا عن أنه بات يمتلك كامل الإرادة ويسخّر كل الأدوات في مقاومته، ولن يعجزه شيء أمام تحصن إسرائيل.
وأضاف صبّاح "هذا الجيل لن يسمح لأحد بأن يمتطي ظهره ثانية كما حدث في أوسلو، وبما أن المقاومة وبكافة أشكالها انطلقت فلن تتوقف وإن خمدت بعض الشيء".
تميز جيل أوسلو باختياره أشكال مقاومته للاحتلال، فخاض العمل الفردي والمسلح وشكّل الخلايا المنظمة والمجهزة، وشارك في المقاومة الشعبية، وصاغ بياناته العسكرية واختار الزمان والمكان وطريقة الهجوم والانسحاب، وبات يزعج الاحتلال الذي خرجت منه أصوات تنادي بأن "الحل الأمني" مع الفلسطينيين لن يجدي نفعا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الضفة الغربیة مخیم جنین هذا الجیل
إقرأ أيضاً:
هل يتم طرد إسرائيل من الاتحاد الدولي لكرة القدم؟
عقد الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قبل أيام في بارغواي، اجتماع "كونغرس الاتحاد" الـ75، ناقش خلاله عدة قضايا، بينها طلب مقدم من الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، يطالب بتجميد عضوية نظيره الإسرائيلي.
وقررت الجمعية العمومية لـ"الفيفا"، التعامل مع الطلب المقدم من الاتحاد الفلسطيني من خلال لجانٍ مستقلة تنفيذاً لقرار مجلس "فيفا" الصادر في تشرين أول/ أكتوبر 2024 الذي كان ينص على إحالة القضية إلى لجنة الحوكمة والتدقيق والامتثال للتحقيق فيها وتقديم توصياتها.
وفي الاجتماع ذاته، قدمت سوزان شلبي نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم مداخلة، سألت فيها اللجنة عن سبب عدم إنهاء تحقيقها، وإرسال توصياتها إلى مجلس "فيفا" لاتخاذ قراره النهائي.
أندية مستوطنات الضفة
ما يجعل من دعوى الاتحاد الفلسطيني قوية قانونيا، هو استنادها إلى وجود أندية تتبع للمستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية، وهو ما يعد مخالفة صريحة للوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وتنص المادة 72 من لوائح "فيفا" على أنه "لا يجوز لأي نادٍ تابع لاتحاد وطني أن يلعب في أراضي اتحاد وطني آخر دون موافقته وموافقة الفيفا".
وتنتهك "إسرائيل" هذا البند بشكل صارخ، إذ يضم دوري كرة القدم المحلي لديها أندية مقامة على مستوطنات غير شرعية في الضفة الغربية، مثل "بيتار معاليه أدوميم"، و"بيتار أريئيل"، و"بيتار إفرات".
منع التنقل
تنص المادة 4 من نظام "فيفا" الأساسي، على أنه "يحظر تمامًا أي نوع من التمييز ضد بلد أو شخص أو مجموعة لأسباب عرقية أو دينية أو سياسية".
وينتهك الاحتلال الإسرائيلي هذه المادة بشكل واضح أيضا، إذ يمنع تنقل اللاعبين الفلسطينيين بين قطاع غزة والضفة الغربية.
كما يعرقل الاحتلال إقامة مباريات أو بطولات فلسطينية، ويصادر المعدات الرياضية، ويمنع الرياضيين الفلسطينيين من السفر للمشاركة في بطولات دولية.
ماذ حدث في 2017؟
في العام 2017 أوصت لجنة المتابعة الإسرائيلية الفلسطينية، التي أنشئت في كونغرس "فيفا" عام 2015، باتخاذ "موقف تحذيري"، يقضي بمنح الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم مهلة ستة أشهر للامتثال للوائح "فيفا"، واستبعاد الأندية المقامة في المستوطنات غير القانونية
وقالت اللجنة حينها في توصيتها، إنه في حال عدم الامتثال، فإنه يجب فرض عقوبات على الاتحاد الإسرائيلي، معتبرة أن "الخيارات الأخرى غير مجدية أو تفتقر إلى الشرعية الدولية".
واللافت أن "فيفا" تجاهل هذه التوصية، وسمح للاتحاد الإسرائيلي بالاستمرار في استخدام أراضٍ تم اغتصابها بشكل غير قانوني من عائلات فلسطينية مهجّرة.
وكان الأمين العام لـ"فيفا" ماتيا غرافستروم قال إن "التحقيقات ما تزال جارية"، مبررًا التأخير بتغيير أعضاء اللجان. ووصف القضايا المطروحة بأنها "معقدة للغاية".
وتعليقا على بيروقراطية "فيفا" ومماطلته في اتخاذ أي إجراء ضد الاحتلال، قالت سوزان شلبي "
دعونا لا نستمر في تمرير القضايا من لجنة لأخرى بينما تُمحى كرة القدم في فلسطين. كل ما نطلبه هو تحديث واضح عن وضع القضية وتاريخ محدد لانتهاء التحقيق".
وتابعت شلبي: "قضيتنا عالقة في عملية مسيسة للغاية، مرئية، لا يمكن إنكارها، ولكن يتم تجاهلها للأسف".
ازدواجية المعايير
تشير مماطلة "فيفا" في اتخاذ أي إجراء ضد الاتحاد الإسرائيلي إلى ازدواجية معايير واضحة، وفقا للقوانين المعمول بها، والتي تم الاستناد عليها في حظر الاتحاد الروسي لكرة القدم، وحظر جميع أنشطته بعد غزو أوكرانيا.
واستند "فيفا" في حظر روسيا على وقوعها في عدة مخالفات، منها غزو أراض معترف بها دوليا (أوكرانيا)، وهو ما قام به الاحتلال بغزوه قطاع غزة، واستمراره في احتلال أجزاء من الضفة الغربية.
كما حثت "فيفا" حينها، كل من اللجنة الأولمبية الدولية، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم والمنظمات الرياضية الأخرى إلى حظر روسيا، وهو ما تم بالفعل.
واللافت أن قرار "فيفا" ضد روسيا جاء قبيل تضرر أي بنية تحتية رياضية أوكرانية، في حين أن الاحتلال دمّر منذ الحرب على قطاع غزة نحو 286 منشأة رياضية، وقتل 99 رياضيا.