تحالف «تأسيس»،،، الوجه الآخر للفوضى السياسية

حسب الرسول العوض إبراهيم

مصطلح “تأسيس” يعني في مجمله إنشاء كيان جديد، سواء أكان دولة أو حكومة أو دستورًا وغالبًا ما يرتبط بمسعى لإعادة البناء من العدم، أي تفكيك الواقع القائم لصالح مشروع بديل. لكن هذه المحاولة، حين تأتي في سياق النزاعات والحروب، لا تعني سوى الدخول في صراعات دامية بين القديم والجديد بين الشرعية والتغوّل، وبين مؤسسات الدولة ومحاولات تفتيتها.

في 18 فبراير 2025، أُعلن من نيروبي عن قيام تحالف سياسي جديد حمل اسم “تأسيس” تقوده قوات الدعم السريع وتساندها حركات مسلحة أبرزها جناح عبد العزيز الحلو من الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال وحركات دارفورية بقيادة الهادي إدريس والطاهر حجر وغيرها بالإضافة إلى شخصيات مدنية وسياسية،

لكن المفاجأة الكبرى جاءت بمشاركة فضل الله برمة ناصر الرئيس المكلف لحزب الأمة القومي وهو اكبر واعرق الاحزاب السياسية في السودان، ما أحدث شرخًا داخليًا عميقًا في الحزب. فقد سارعت مؤسسة الرئاسة إلى عزله وعيّنت مولانا محمد عبد الله الدومة بديلًا له، عاد ورفض هذا القرار واعتبره غير دستوري، ونشأت حرب بيانات وبيانات مضادة، وكل منها يفسر خطوته بانها استندت على دستور الحزب، فيما أكدت الأمانة العامة أن مشاركته تمت دون تكليف رسمي، وأن موقفه لا يعبّر عن مؤسسات الحزب. رغم أن مشاركة برمة ناصر لم تضف وزنًا حقيقيًا للتحالف الوليد واعتبرت من قبل البعض محاولة اصطفاف قبلي لا اكثر، إلا أن خصوم حزب الأمة وعلى رأسهم التيار الإسلامي، حاولوا استثمارها لصالح مشروع التخوين الذي تبنوه في مواجهة كل القوى السياسية الرافضة للحرب، فوجدوا في هذه المشاركة فرصة للتشكيك في مواقف حزب الأمة واتهامه ضمنيًا بدعم الدعم السريع وتحميله مسؤولية ما جرى من انتهاكات في ولايات الخرطوم، الجزيرة، النيل الأبيض، وغيرها من المناطق، وهي نفس التهمة التي روجوا لها في مواجهة جميع القوى السياسية، وهي تهمة لا تستند على أي أسس حقيقية.

والمفارقة أن برمة نفسه كان من أشد الداعين إلى الحل السلمي ووقف الحرب لكن انخراطه في هذا التحالف كشف عن عمق الانقسامات داخل حزب الامة لا سيما مع تباين الرؤى بشأن الموقف من الحرب ومن اطرافها، رغم اتفاق التيارات المختلفة داخل الحزب على رفضها والدعوة لإيقافها فورًا والذهاب الى حل تفاوضي سلمي.

أما بقية الأحزاب والقوى المدنية التي زُجّ بأسمائها في التحالف، فسارعت إلى نفي صلتها به، مؤكدة أن من حضروا لا يمثلونها رسميًا. حزب الاتحادي الديمقراطي مثلاً، أكد أن الميرغني شارك دون تفويض ومثله فعل عدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني، ما كشف حجم الارتباك السياسي المصاحب لميلاد التحالف.

لكن الأخطر لم يكن في الأسماء المشاركة بل في مضمون “المنفستو” الذي أعلنه التحالف، والذي تضمن دعوة صريحة إلى تشكيل حكومة موازية بكامل أجهزتها. هذه الدعوة أثارت ردود فعل غاضبة، داخليًا وخارجيًا، إذ عدّها كثيرون بمثابة تمهيد لتقسيم البلاد وخلق سلطة بديلة في مناطق سيطرة الدعم السريع.

الأمم المتحدة حذرت من خطوة تشكيل حكومة موازية، واعتبرتها تهديدًا خطيرًا لوحدة السودان واستقراره واصدرت عدة دول في المحيط الإقليمي بيانات رفض وتحذير من الاقدام عليها، فيما أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا شديد اللهجة، رفضت فيه ما وصفته بمحاولة “تقسيم السلطة عبر كيانات عسكرية معتبرة أن هذه الخطوة تهدد سيادة الدول وتغذي النزاعات داخل القارة الأفريقية. وقد حاول أنصار معسكر الحرب أيضا تجيير تلك المواقف لصالحهم واعتبروها بمثابة اعتراف بسلطة الأمر الواقع في بورسودان، وهي لم تكن كذلك بل عبارة عن تخوفات من حدوث حالات مماثلة في الإقليم.

في الداخل تصاعدت حدة الانقسام السياسي حيال هذه الخطوة، إذ تشظى تحالف “تقدم” إلى جناحين أحدهما التحق بـ”تأسيس” والآخر أسس تحالفًا مضادًا حمل اسم “صمود”. أما القوى السياسية المدنية الأخرى، فأصدرت بيانات متتالية ترفض فيها قيام أي حكومة خارج الإطار الوطني محذّرة من خطورة المساس بوحدة البلاد وشرعية الحكم.

وقد أجمعت جميع القوى السياسية والمدنية على رفض خطوة “تأسيس” بتشكيل حكومة موازية، باستثناء تيار الإسلاميين الذي لم يُبدِ اهتمامًا بحجم خطورتها. فلم تصدر عن الحركة الإسلامية أو حزب المؤتمر الوطني أي بيانات رافضة، بل سخر بعض رموزهم منها، وذهب بعضهم أبعد من ذلك متناغمين مع فكرة الانفصال والتقسيم، طالما أنها قد تتيح لهم العودة إلى الحكم مجددًا دون عوائق عسكرية أو سياسية.

وحتى داخل حزب الأمة القومي، الذي مُثّل في مؤتمر التأسيس برئيسه المكلف، صدر بيان موحد من التيارين المختلفين داخل الحزب يرفض إنشاء حكومة موازية، ويؤكد تمسك الحزب بالحل السياسي الشامل. وهو ما أفقد التحالف بريقه، إذ تراجعت حماسة مؤيديه وباتت رمزيته ضعيفة حتى في نظر داعميه.

لكن ما يعمّق خطورة المشهد، هو أن فكرة الحكومة الموازية لا تؤسس لحل بل تكافئ طرفًا عسكريًا متورطًا في انتهاكات مروّعة ضد المدنيين، وتعزز الاصطفاف الجهوي والقبلي، وتهدد ما تبقى من تماسك الدولة. كما تسهم في إضعاف القوى المدنية، وتفتح الباب أمام ولادة نظام عسكري جديد بواجهة مدنية مخادعة.

ولم تخلُ تجربة تحالف “تأسيس” من التوترات الداخلية إذ ظهرت خلافات مبكرة حول تقاسم السلطات وحدود السيطرة الإدارية، ما أدى إلى تأجيل التوقيع على ما سُمّي بـ”الدستور المؤقت”، وهو ما يعكس هشاشة هذا التحالف ويؤكد أنه تحالف تكتيكي هش لا يقوم على أرضية استراتيجية صلبة.

في نهاية المطاف، فإن “تأسيس” يبدو أقرب إلى محاولة لفرض أمر واقع بالسلاح لا إلى مشروع سياسي يعكس الإرادة الوطنية الجامعة. وإذا كان الهدف هو “تأسيس” مستقبل جديد، فإن الطريق لا يمر عبر البنادق بل عبر حوار شامل، يعيد تعريف الدولة على أسس المواطنة والعدالة والمساواة، لا على منطق الغلبة وتقاسم النفوذ. فالسودان لا يحتاج إلى حكومة جديدة بل إلى رؤية جديدة، تعيد إليه وحدته وكرامته وسلامه المنشود.

كاتب ومحلل سياسي

[email protected]

الوسومالحركة الإسلامية الحركة الشعبية الدعم السريع السودان تحالف تأسيس حزب الأمة القومي حسب الرسول العوض ابراهيم فضل الله برمة ناصر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحركة الإسلامية الحركة الشعبية الدعم السريع السودان تحالف تأسيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر القوى السیاسیة الدعم السریع حکومة موازیة حزب الأمة

إقرأ أيضاً:

مع قرب انطلاقه .. أهم مواصفات هاتف ريلمي Narzo 80 Lite 5G

تستعد شركة Realme لإطلاق سلسلة Narzo من الجيل التالي. تم التلميح إلى سلسلة Narzo 90 في السوق الهندية، مما يؤكد توفرها في المنطقة ويقدم لنا لمحة عن تصميمها أيضًا. إليك كل ما تحتاجين إلى معرفته

ميزات سلسلة Narzo 90

 لذا، وفقا للتسريبات من المتوقع أن تأتي سلسلة Narzo 90،  بأكبر بطارية في فئتها. لذا، من المرجح أن تبلغ سعتها 6000 مللي أمبير/ساعة. كما نشهد طرازين بتصميم مميز لوحدة الكاميرا الخلفية. يبدو أن أحدهما مستوحى من طرازي iPhone 16 Pro من Apple المزودين بإعداد كاميرا ثلاثية مثلثة الشكل، بينما يبدو الآخر مشابهًا لهاتف Galaxy S25 Ultra من Samsung بثلاثة مستشعرات متراصة رأسيًا.

مواصفات  هاتف Narzo 90مواصفات  هاتف Narzo 90

من المتوقع أيضا أن يعمل  هاتف Narzo 90 بمعالج Unisoc T7250 بتردد 1.8 جيجاهرتز. ويأتي مزودًا بواجهة Realme UI 6.0 المبنية على نظام Android 15، ويدعم ميزات مثل التصوير المُحسّن بالذكاء الاصطناعي 

وتعد الشاشة عبارة عن لوحة LCD بقياس 6.74 بوصة بدقة 720 بكسل، مع معدل تحديث 90 هرتز و563 شمعة سطوع قصوى. لكن الميزة الأبرز هي بطارية بسعة 6300 مللي أمبير/ساعة، تدعم الشحن السلكي بقوة 15 واط والشحن السلكي العكسي بقوة 6 واط. 

وعلى الجانب الآخر يعد هاتف Realme Narzo 90مُصمم للمشترين الذين يبحثون عن هاتف اقتصادي ببطارية كبيرة، إذا كنت تبحث عن هاتف اقتصادي بسعر أقل من 8000 روبية هندية (نحو 4550 جنيها)، فقد يكون هذا الهاتف خيارًا يستحق التجربة.

طباعة شارك شركة Realme سلسلة Narzo الكاميرا الخلفية كاميرا ثلاثية هاتف Realme Narzo 90

مقالات مشابهة

  • الحارس قندوز يزيد من متاعب بيتكوفيتش
  • قبول مبدئي لتحالف الطاقة المتجددة وتوطين التكنولوجيا بقيادة جامعة أسوان ضمن تحالف وتنمية
  • السودان: تحالف «تأسيس» يعلن تشكيل قوة خاصة لتأمين منشآت النفط في هجليج
  • فليك يشيد بـ«المستوى الآخر» لدفاع برشلونة
  • وداعا للفوضى.. كيف تعيد ترتيب خزانتك لفصل الشتاء؟
  • مع قرب انطلاقه .. أهم مواصفات هاتف ريلمي Narzo 80 Lite 5G
  • شنكالي:الشارع الكردي يترقب ولادة حكومة الإقليم الجديدة
  • إعلان قبول تحالف "الجامعة الريادية" بقيادة جامعة القاهرة مبدئيًا
  • الإصلاح يطلق مبادرة غير مسبوقة نحو “الحوثيين” في مؤشر لتقارب استثنائي
  • حزب طالباني يرجح تشكيل حكومة الإقليم بعد تشكيل الحكومة الاتحادية