تقرير: التهافت الجنوني على التسلح في أوروبا يثير القلق
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
سجّل الإنفاق العسكري في دول أوروبا توسعاً هائلاً منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.. هذا الاندفاع الجنوني من أكثر من 30 دولة حليفة لتخزين الأسلحة بعد عقود من الإنفاق الأدنى، أثار مخاوف من أن تتسم تلك العمليات بالتفكك والتشتت، ما سيؤدي إلى إهدار الأسلحة، ونقص الإمدادات، والتأخير غير الضروري، والازدواجية.
الأوروبيين يعانون من حالة شديدة من التشتت والافتقار إلى الانسجام
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية البحثي الأمريكي، أن "الأوروبيين يعانون من حالة شديدة من التشتت والافتقار إلى الانسجام في أسلوب بناء قدراتهم العسكرية"، مضيفاً أن "الاستثمار في بناء تلك القدرات بالأسلوب الحالي غير المنسق لن يحسن الوضع الراهن المختل كثيراً".
ويبذل حلف الناتو جهوداً لتحفيز الأوروبيين على تحقيق المزيد من التعاون والتكامل، وأطلقت المنظمة بالمشاركة مع الاتحاد الأوروبي العديد من المبادرات الجديدة في هذا الصدد، بما في ذلك مبادرة لتنسيق شراء الأسلحة.
ورغم ذلك، تتعالى أصوات مجموعة من مصنعي الأسلحة والشخصيات السياسية والخبراء العسكريين ترى أن الجهود المبذولة في الوقت الحالي هي أقل بكثير من المطلوب.
وقال مايكل جوهانسون، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة ساب: "يجب أن يكون هناك بعض الوضوح لأننا لسنا الولايات المتحدة الأوروبية". فكل دولة تقرر بنفسها نوع القدرات التي تحتاجها." وتتمتع كل دولة بثقافتها الإستراتيجية وممارسات الشراء والمواصفات، وعمليات الموافقة والتدريب والأولويات الخاصة بها.
وأشار تقرير الصحيفة الأمريكية إلى أمثلة على حالة التشتت والتشرذم التي تعاني منها هذه الجهود، ومنها وجود اختلافات في أساليب العمل والمواصفات وغيرها من الفروق التي قد تقف عائقاً حقيقياً ينبغي التغلب عليه. ومن ذلك قيام بعض أعضاء التحالف في بعض الأحيان باستخدام نفس الطائرة، ولكن مع أنظمة تشفير مختلفة ومن خلال أدوات مختلفة.
A push by more than 30 allied countries to arm themselves, precipitated in part by Russia’s invasion of Ukraine, has raised concerns of disorganization and supply shortages. https://t.co/WD5PLy1TkR
— New York Times World (@nytimesworld) September 12, 2023
واكتشف الجنود الأوكرانيون أن القذائف من عيار 155 ملم التي تنتجها إحدى الشركات الأوروبية لا تتناسب بالضرورة مع مدافع الهاوتزر من العيار ذاته، التي تصنعها شركة أخرى، وينطبق الأمر نفسه على استخدام قطع الغيار بصورة متبادلة بين الأسلحة من مصنعين مختلفين، ما يؤدي إلى تعقيد عملية الصيانة، والتسبب في حدوث أعطال متكررة.
وقال جوهانسون إن الاتحاد الأوروبي ليس لديه “عملية تخطيط دفاعي.. كما يتعين على حلف الناتو أن يعيد التفكير في كيفية خلق المرونة في النظام بأكمله"، بما في ذلك سلاسل التوريد التي تنتج الذخائر التي يستخدمها الجنود في ساحة المعركة.
وأكد التقرير ضرورة أن تحقق أوروبا التوازن فيما يتعلق بالمنافسة بين مصنعي السلاح الأوروبيين، من أجل بناء قوة قتالية موحدة، الأمر الذي من شأنه أن يُسهم في إدخال تحسينات على قطاع الصناعات العسكرية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أهمية القضاء على الهدر وتبسيط العمليات، من خلال تصميم الأسلحة بشكل منسق.
Article about Saab and the defense industry today in the New York Times.
Swe: Större artikel om Saab i New York Times idag. @Saab @nytimes @nytimesworld @NYTimes @PatcohenNYT #säkpolhttps://t.co/VWIP7bpNJC
أسباب تباطؤ التوسع العسكري
وعزا التقرير تباطؤ التوسع العسكري في أوروبا إلى اعتماد القارة بشكل أساسي على الولايات المتحدة في احتياجاتها الدفاعية. وازداد تعالي الأصوات المطالبة بأن تتحمل أوروبا المزيد من المسؤولية المالية للدفاع عن نفسها، الأمر الذي أدى إلى تكثيف الضغوط، من أجل توحيد السياسات الدفاعية في أوروبا بشكل أفضل.
غير أن التنسيق يواجه عدة عقبات داخلية، وخلص تقرير مركز الأبحاث الأمريكي إلى أن دمج الدفاع الأوروبي "سيكون عملية بطيئة وشاقة وجهداً متواصلاً عبر عدة أجيال". وتعمل الحكومات بالفعل على تحويل مليارات الدولارات إلى ميزانية الدفاع، لكن من الطبيعي أن ترغب كل دولة في دعم صناعاتها وعمالها.
وخلص التقرير إلى أنه مهما كانت الاحتياجات الدفاعية الشاملة لأوروبا، فإن الأولوية الأولى لكل دولة هي حماية حدودها، وهو أمر ناتج عن وجود قدر محدود من الثقة حتى بين أعضاء التحالف.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الحرب الأوكرانية
إقرأ أيضاً:
مع سباق التسلح هل يُمهد الجنون العسكري لتسوية سياسية مُرتقبة؟
✍️ محمد هاشم محمد الحسن
6 مايو 2025.
في المشهد السوداني المتقلب، حيث تتصاعد وتيرة العنف وتتداخل الحسابات الإقليمية، يبرز سباق تسلح محموم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كأحد أبرز سمات المرحلة الراهنة. فكل طرف يسعى جاهداً لامتلاك أحدث التقنيات العسكرية، إدراكاً منه أن التفوق النوعي في ميدان المعركة قد يُغير موازين القوى ويُملي شروط الحل في المستقبل.
الجيش السوداني، بقيادة الجنرال الساعي، يولي اهتماماً خاصاً للحصول على أسلحة حديثة قادرة على تحييد تهديد الطائرات المسيرة التابعة للدعم السريع، والتي أثبتت فعاليتها في العديد من المعارك. كما يسعى لتعزيز منظومة دفاعه الجوي لمواجهة أي تفوق جوي محتمل للطرف الآخر. في المقابل، لا يدخر الدعم السريع وسعاً لتطوير قدراته الهجومية والدفاعية، ساعياً لامتلاك أسلحة تُمَكِّنُهُ من الحفاظ على مكاسبه الميدانية وتوسيع نفوذه.
هذا التنافس المحموم على امتلاك السلاح، والذي يُغذي نيران الحرب ويُطيل أمدها، يحمل في طياته مفارقة قد تبدو للوهلة الأولى غير منطقية. ففي خضم هذا الجنون العسكري، قد تلوح في الأفق إمكانية حدوث تسوية مرحلية لخفض التصعيد. فكل طرف، بعد أن يستشعر حجم الخسائر والتكاليف الباهظة لهذا النزاع، وبعد أن يستنفد جزءاً كبيراً من قدراته العسكرية والاقتصادية، قد يجد نفسه مضطراً للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
هذه التسوية الأولية لخفض التصعيد، إذا ما تحققت، قد لا تكون حلاً شاملاً ونهائياً، بل قد تتطور تدريجياً إلى تسوية سياسية أكثر شمولية. في هذا السيناريو، قد يجد السودان نفسه أمام واقع جديد يتمثل في وجود حكومتين متنافستين: حكومة تأسيس محتملة في الخرطوم وحكومة بورتسودان القائمة.
في هذا المشهد السياسي المعقد، سيصعب على مجموعة صمود بقيادة عبد الله حمدوك إيجاد موطئ قدم راسخ. ففي ظل استقطاب حاد بين قوتين عسكريتين رئيسيتين تملكان النفوذ والسلاح على الأرض، سيصبح دور القوى المدنية محدوداً، وستجد صعوبة بالغة في فرض رؤيتها وتحقيق مطالبها في ظل معادلة القوة الجديدة.
ويمكننا هنا استحضار مثال من الحرب في اليمن، حيث شهدت مراحل مختلفة من التصعيد العسكري سعياً لتحقيق مكاسب على الأرض، تلتها فترات من الهدوء النسبي أو خفض التصعيد تحت ضغوط إقليمية ودولية أو نتيجة لاستنزاف الأطراف المتحاربة لقدراتها. على سبيل المثال، بعد فترات من القتال الشرس والغارات الجوية المكثفة، شهدت الحرب اليمنية هدنات مؤقتة أو خفضاً للتصعيد بهدف إتاحة المجال للمفاوضات أو تبادل الأسرى. هذه الهدنات لم تكن بالضرورة مؤشراً على نهاية الحرب، لكنها عكست إدراك الأطراف المتنازعة لحدود القوة العسكرية وضرورة البحث عن مسارات أخرى، ولو مؤقتة، لإنهاء الصراع أو تخفيف وطأته.
إن السيناريو المتوقع في الفترة القادمة يُنذر بمرحلة بالغة التعقيد والحساسية. فبين سباق التسلح المحموم وإمكانية حدوث تسوية مرحلية، تتشكل ملامح مستقبل السودان السياسي. وفي هذا المخاض العسير، يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن السودانيون من تجاوز منطق الحرب والاقتتال، والتوصل إلى حل سياسي مستدام يُنهي معاناتهم ويُحقق تطلعاتهم في دولة ديمقراطية موحدة؟ أم أن شبح الانقسام والفوضى سيظل يلاحق البلاد في ظل تغليب لغة السلاح على لغة الحوار؟
herin20232023@gmail.com