الحل يبدأ من تغيير ثقافة «العزوة»
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
يعتبر النمو السكانى المطرد تحديا كبيرا يواجه دول العالم المتقدمة والنامية فى الوقت الراهن، فالزيادة السكانية لم تعد أزمة محلية أو إقليمية وإنما امتدت إلى أبعد من ذلك، لتصبح واحدة من أكبر التحديات التى تواجه العالم الآن، وهو ما يتطلب آليات جديدة لمواجهتها والتصدى لها، والزيادة السكانية من القضايا الكبرى التى تلتهم ثمار التنمية وتمثل عائقا أمام خطط التنمية المستدامة وجهود الدولة لتحسين حياة المواطنين.
خلال الأيام الماضية استضافت مصر المؤتمر العالمى للسكان، تناول مناقشات جادة حول قضية الزيادة السكانية التى لم تعد مواجهتها خيارًا، بل باتت ضرورة حتمية يجب أن تشارك فيها جميع مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى والمواطن، فخلال المؤتمر حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على تنبيه العالم بمخاطر الزيادة السكانية، مقترحا تنظيم الهجرة الشرعية بين الدول التى تعانى من زيادة فى السكان والدول التى تعانى من تراجع معدلات الإنجاب بما يؤثر سلبا على معدلات الإنتاج، وهو اقتراح يجب أن يكون محل اهتمام من جانب المجتمع الدولى للحفاظ على معدلات النمو فى العالم ودفع عجلة الإنتاج.
والحقيقة التى يجب أن يعيها الجميع أن الزيادة السكانية تدفع الحكومات فى كل العالم إلى توجيه الموازنة العامة لتلبية احتياجات المواطنين، بدلا من توجيهها إلى إنشاء مزيد من المشروعات الاقتصادية والتنموية، أو تحسين مناخ الاستثمار، ومن ثم عرقلة تقدم الدول، وهو ما تواجهه مصر بوضوح، حيث تخطى عدد السكان الـ 105 ملايين نسمة بالإضافة إلى ما يقرب من 10 ملايين أجنبى يعيشون على أرض مصر، ويستفيدون من الموارد والخدمات المتاحة، وهو ما يمثل ضغطا غير عادى على موارد الدولة المصرية، ومن المتوقع أن تزداد الأمور تعقيدا إذا استمرت الزيادة السكانية بنفس المعدلات، إذ يقدر تعداد المصريين فى 2030 بنحو 132 مليون نسمة، أى بزيادة قدرها 31 مليون نسمة فى غضون 10 أعوام فقط، وهو رقم ضخم لم تصل إليه بعض الدول الكبرى فى العالم منذ نشأتها وحتى الآن.
لذلك يجب وضع خطط واضحة للتعامل مع هذه القضية، باعتبارها قضية تمس الأمن القومى المصرى، وأعتقد مواجهتها تبدأ بمعالجة الثقافة المجتمعية السائدة بين المصريين منذ عقود، فما زالت هناك أفكار ومعتقدات ترتبط بالعزوة والسند وأن زيادة عدد الأسرة رمز للقوة الاجتماعية والاقتصادية، حيث تلجأ الكثير من الأسر فى الريف والصعيد إلى تشغيل الأبناء فى عمر مبكر، بالإضافة إلى تفاقم ظاهرة الزواج المبكر والتى يجب التصدى لها بكل حزم، فضلا عن تغيير المعتقدات السائدة بشأن تنظيم الأسرة واعتبارها من الأمور المحرمة دينيا.
ولقد أدركت القيادة السياسية خطورة القضية السكانية؛ لذلك وضعتها على أولويات عمليات الإصلاح والبناء التى تقوم بها الدولة، حيث تم إطلاق عدد من المبادرات والبرامج المعنية بمواجهة المشكلة، التزاما بما نص عليه الدستور المصرى الذى ألزم بوضع برنامج قومى يُحدث توازنا بين الزيادة السكانية والموارد المتاحة، كما أطلقت الدولة الاستراتيجية القومية للسكان (215-2030) التى تستهدف خفض معدلات الزيادة السكانية لإحداث التوازن المفقود بين معدلات النمو الاقتصادى والسكانى، من خلال خفض معدلات الإنجاب، وإعادة رسم الخريطة السكانية فى مصر عبر إعادة توزيع السكان، وتحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق تقليل التباينات فى المؤشرات التنموية بين المناطق الجغرافية.
ورغم هذه الجهود، فإنها لم تؤتِ الثمار المرجوة وهو ما يتطلب مراجعة جادة للاستراتيجية لتحقيق هذه الأهداف، وتقديم حوافز حقيقية للأسر التى تلتزم بإنجاب طفل أو اثنين لتشجيع الالتزام بخفض معدلات المواليد، وضرورة إنشاء وزارة للسكان تكون معنية بضبط أداء النمو السكانى وتحسين الخصائص السكانية للمصريين، مع دراسة التجارب الدولية المماثلة التى نجحت فى السيطرة على معدلات النمو السكانى مثل التجربة الفيتنامية، وتنظيم حملة إعلامية موسعة تستهدف رفع الوعى المجتمعى حول مخاطر الزيادة السكانية، ورفع كفاءة خدمات تنظيم الأسرة، وتفعيل دور المجلس القومى للسكان ونقل تبعيته لرئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء.
عضو مجلس الشيوخ
عضو الهيئة العليا لحزب الوفد
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المهندس حازم الجندي عضو مجلس الشيوخ النمو السكاني المطرد الزیادة السکانیة وهو ما
إقرأ أيضاً:
اعتراف إسرائيلي بالفشل الإعلامي في التعامل مع تبعات حرب غزة
أكدت مراسلة إسرائيلية تعمل في صحف عالمية، أنه "في الوقت الذي تملأ فيه صور الأزمة الإنسانية في غزة عناوين الصحف العالمية، تجد تل أبيب نفسها ليس فقط تحت وطأة الانتقادات، بل أيضا معزولة".
وأوضحت المراسلة دانييلا غرينباوم في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية وترجمته "عربي21"، أن "الدعم الدولي تآكل منذ فترة طويلة، وأصبح خارج نطاق السيطرة، وهذه المرة، تفقد إسرائيل ثقة حلفائها الأقدم والأكثر موثوقية وهم يهود الشتات، وصناع القرار في الغرب، والصحفيين والمتحدثين الذين دافعوا عنها مرارا وتكرارا".
ولفت غرينباوم التي تعمل مع صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست وول ستريت جورنال، إلى أنّ "هذه الخسارة كلّفت الإسرائيليين أثمانا كبيرة، لأننا لسنا أمام مشكلة صورة، بل مشكلة استراتيجية، لأنني قلقة مما يحصل لإسرائيل على مستوى العالم، سواء على صعيد التعثّر في ساحة المعركة، أو في تراجع صورتها في أوساط الرأي العام العالمي، وقلوب من دعموها على مرّ السنين حول العالم".
وأشارت إلى أنني "كشخصية إعلامية، ومن هذا المنظور المهني، من الصعب وصف مدى عمق الإحباط، وحتى الغضب في بعض الأحيان، في مواجهة الإخفاقات المتكررة للدعاية الاسرائيلية، وهذه ليست مجرد أخطاء معزولة، بل مشاكل هيكلية تسبب أضرارا جسيمة وغير ضرورية لها، ومن المؤكد أن الحكومة تتحرك في المقام الأول وفقاً لمصالح الرأي العام الداخلي، لكن القرار بإهمال المجال الإعلامي الدولي بشكل شبه كامل، خاصة أثناء صراع عسكري يجري أمام الكاميرات، يشير إلى قِصَر نظر شديد".
وأوضحت أن "الاستجابة الغريزية المتمثلة في أن "العالم يكرهنا دائمًا" قد تكون مُرضِية عاطفياً، لكنها كارثية من الناحية التكتيكية، وعندما يبدأ الحلفاء المقربون بالابتعاد عن دولة إسرائيل، فإن العواقب ليست رمزية فحسب، بل تعني فقدان النفوذ السياسي، وتراجع الدعم العسكري، وإضعاف الهوية الثقافية، وتضرر المكانة الدولية، وكل ذلك يضرّ بشكل مباشر بالإسرائيليين الذين يفترض أن تحميهم حكومتهم، لأنها لا تخسر سرديتها الإعلامية في مواجهة معارضيها، بل تتخلى ببساطة عن هذه الساحة برمّتها".
وأكدت أن "هيكلية التعامل الاسرائيلية مع وسائل الإعلام في الحكومة عبارة عن فوضى عارمة، لا يوجد متحدث رسمي كبير وفصيح وجذاب يتحدث للجمهور العالمي، وبدلاً من ذلك، يتم تعيين ضباط في الجيش بشكل متكرر لإدارة الحملات الإعلامية، وكأن السيطرة على العمليات الحربية تتحول تلقائياً إلى قدرة معلوماتية، كما يتم استبعاد المتخصصين في مجال الاتصالات العاملين في مختلف الوزارات الحكومية، أو تحييدهم، أو ببساطة إبقاءهم في مناصب قصيرة للغاية بحيث لا يتمكنون من العمل بشكل فعال".
وأضافت أن "الإخفاق الاعلامي الاسرائيلي ليس مردّه مشكلة ميزانية، بل مشكلة أولويات، والحلول بسيطة ومتاحة ورخيصة تتمثل بتعيين متحدث رسمي واحد، محترف، لديه خبرة في وسائل الإعلام الدولية، ويملك سلطة حقيقية للتحدث نيابة عن الدولة في وسائل الإعلام العالمية، شخص فصيح، يعرف لغة ونبرة وسياقات الخطاب الدولي الثقافية، ليس جنرالا ولا سياسيا، بل متحدث رسمي لتوحيد نظام المعلومات".
وانتقدت ما يحصل من "إصدار كل جهة بيانات إعلامية منفصلة، سواء مكتب رئيس الوزراء، ووزارة الخارجية، والجيش، وأحيانا بيانات متناقضة، وخلال هذه الفترة، هناك حاجة لإقامة خط موحد ومنسق ومرن، وإنشاء فريق سريع واحترافي يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، قادر على الاستجابة في الوقت الفعلي، بدل انتشار المعلومات المضللة في غضون دقائق، فيما ترد الدولة، إن ردّت أصلا، بعد تأخير لعدة أيام".
وأكدت أن "الضرر حدث بالفعل، ولم تعد الدولة تتحدث باللغة التي يفهمها العالم، وفي الممارسة العملية، فإن معظم الجمهور لا يفهم ما تريده الدولة، مما يخلق الارتباك، والاغتراب، وأحيانا حتى العداء، وإن الصمت التام من جانب الحكومة تجاه محنة الأطفال والمدنيين في غزة مثير للصدمة، لأنه لا يتعلق فقط بمجرد خطأ أخلاقي، بل خطأ استراتيجي، لأن التعاطف مع المعاناة الإنسانية ليس ضعفًا، بل قيادة".
وأشارت أنه "لا أحد يدعي أن حملة إعلامية إسرائيلية ستوقف الحرب، لكن الفشل في تفسير وتوضيح وتأطير الواقع يسمح لمنتقدي إسرائيل بملء الفراغ، وهم يفعلون ذلك، وهذه ليست مجرد مشكلة علاقات عامة، بل مسألة مسؤولية، حيث استثمرت الحكومة كل جهودها في الساحة العملياتية، لكنها تخلت تماما عن الساحة الأيديولوجية، وهكذا تراكم الثمن، وبات مؤلماً، وحان الوقت لأن تتوقف الدولة عن التعامل مع الدعاية الإعلامية وكأنها مجرد مساحيق تجميل أو ترف، بل جبهة معركة، وفي الوقت الحالي، لا يوجد جنود عليها".