تعول كل من روسيا وأوكرانيا على القدرة على استخدام سوق الحبوب لإلحاق الضرر بالآخر، دون تكبد أي خسائر، ما يعني أن إحياء صفقة الحبوب، هو نتيجة أقل احتمالاً، بكثير من التصعيد.

هكذا يخلص تحليل لمركز "كارنيجي" وترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى أن فرص تجديد اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا ضئيلة للغاية من الناحية الواقعية، على الرغم من الدعوات الصادرة عن جهات متنوعة مثل الغرب والصين، وجهود الوساطة التي تبذلها تركيا والأمم المتحدة.

ويقول التحليل: "لا تملك موسكو ولا كييف الحافز الكافي لإعادة إحياء الاتفاقية التي تسهل صادرات الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البلاد على البحر الأسود، بعد انسحاب روسيا من الصفقة في يوليو/تموز".

ويضيف: "الأرجح بكثير هو حدوث المزيد من التصعيد في منطقة البحر الأسود، وتزايد أسعار الحبوب العالمية، والتي كانت قد انخفضت بشكل حاد حتى وقت قريب".

ويلفت التحليل إلى أن اجتماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 4 سبتمبر/أيلول، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لم يؤت إلى عودة موسكو إلى الاتفاق.

وفي أعقاب الاجتماع، تسربت إلى وسائل الإعلام مقترحات جديدة للأمم المتحدة تهدف إلى إعادة روسيا إلى الاتفاق.

اقرأ أيضاً

أردوغان يفتح ملف اتفاق الحبوب على هامش زيارته لاجتماعات الأمم المتحدة

وفي هذه الوثائق، عرض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عملية تقديم طلب عاجلة لربط إحدى الشركات التابعة للبنك الزراعي الروسي بنظام الدفع الدولي سويفت (تم قطع البنك الأم عن سويفت في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022).

كما عرضت الأمم المتحدة إنشاء منصة تأمين للصادرات الزراعية الروسية، للمساعدة في فك تجميد الأصول الأوروبية لمنتجي الأسمدة الروس، واستكشاف السبل الكفيلة بالإفراج عن السفن الروسية التي تحمل الأسمدة العالقة في موانئ الاتحاد الأوروبي.

وردت وزارة الخارجية الروسية على المقترحات ببيان غير متأثر، في حين قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إن أي تدابير تلغي تأثير العقوبات ضد روسيا، لن تؤدي إلا إلى تشجيع موسكو على "قصف المزيد من الموانئ والبدء في ابتزاز العالم بمطالب جديدة".

وبالتالي وفق التحليل، "لا موسكو ولا كييف في عجلة من أمرهما لتعديل موقفهما، لأنه لا يوجد سبب حقيقي يدفعهما إلى القيام بذلك".

فمنذ انهيار صفقة الحبوب، واصلت أوكرانيا تصدير الحبوب عبر الموانئ على نهر الدانوب وبرا إلى المستهلكين الأوروبيين، أو إلى موانئ الاتحاد الأوروبي لمواصلة النقل.

وفي يوليو/تموز وأغسطس/آب، صدرت أوكرانيا نحو 5 ملايين طن من الحبوب، وهو ما يشبه مستويات العام الماضي، عندما تم إبرام الاتفاق.

اقرأ أيضاً

ورقة تركية رابحة وضغوط دولية متزايدة.. هل يعود بوتين لصفقة الحبوب؟

ويبدو من المرجح أن تحقق البلاد كل إمكاناتها التصديرية أو كلها تقريباً، حتى ولو ظلت محطات الحبوب في البحر الأسود معطلة.

وتصر موسكو على أنها مستعدة للعودة إلى صفقة الحبوب بمجرد أن "يفي الغرب بالتزاماته"، في إشارة إلى مذكرة التفاهم "حول ترويج المنتجات الغذائية والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية" التي وقعتها روسيا والأمم المتحدة في يوليو/تموز 2022.

ويقول التحليل: "تفسر روسيا الالتزامات الغربية، بموجب الاتفاق بشكل متحرر للغاية، وهناك شخص واحد فقط يمكنه أن يقرر ما إذا كان الغرب يفي بهذه الالتزامات أم لا، وهو بوتين، الذي يبدو أنه قد طور كراهية شخصية قوية للاتفاق".

علاوة على ذلك، فإن صفقة الحبوب ليس لها أي تأثير مباشر على الصادرات الروسية.

فبعد حصاد ممتاز، صدرت روسيا رقما قياسيا بلغ 59 مليون طن من الحبوب في العام الزراعي 2022-2023، وقد يرتفع هذا الرقم هذا العام بشكل أكبر.

فيما انخفضت صادرات الأسمدة الروسية بنسبة 15% العام الماضي، لكن من المتوقع أيضًا أن تنتعش هذا العام.

اقرأ أيضاً

أوكرانيا تعرض على تركيا ممرا جديدا للحبوب بعيدا عن روسيا

وتسير السوق العالمية أيضاً على ما يرام بدون صفقة الحبوب. لقد انخفضت أسعار المواد الغذائية منذ عدة أشهر.

وارتفعت أسعار القمح، الأكثر حساسية للأخبار الواردة من البحر الأسود، بعد انهيار اتفاق الحبوب، ولكنها بدأت بعد ذلك في الانخفاض بسرعة، وهي الآن أقل مما كانت عليه في بداية يوليو/تموز، عندما كان الاتفاق لا يزال قائما.

ويعلق التحليل على ذلك بالقول: "لا تزال حبوب البحر الأسود تصل إلى السوق العالمية، والأسعار في انخفاض، ويبدو أن المخاوف من مجاعة عالمية وشيكة لا أساس لها من الصحة، لكن الوضع يمكن أن يتغير بسرعة".

وبدأت أسعار القمح العالمية في الانخفاض إلى ما دون قيمتها الأساسية بسبب البيع على المكشوف على نطاق واسع من قبل صناديق المضاربة.

وأثبتت هذه الاستراتيجية أنها مربحة للغاية منذ مايو/أيار الماضي، ومن هنا كان الإحجام عن التخلي عنها، ولكن هذه النبوءة ذاتية التحقق، تدفع الأسعار إلى الانخفاض أكثر فأكثر.

كما يؤدي عدم إحراز تقدم في صفقة الحبوب إلى زيادة خطر حدوث المزيد من التصعيد في البحر الأسود.

اقرأ أيضاً

رفض روسيا استئناف نقل الحبوب وتأثيره على تركيا.. ماذا يعني؟

وفي أعقاب قصف المحطات في منطقة أوديسا بأوكرانيا، بدأت روسيا في استخدام الطائرات بدون طيار لمهاجمة الموانئ على نهر الدانوب.

وحتى الآن، لم تنخفض حركة السفن التي تحمل الحبوب من الموانئ الأوكرانية بشكل ملحوظ، على الرغم من أن تكلفة الشحن آخذة في الارتفاع، لكن الوضع قد يتغير إذا استمرت الهجمات بمعدلها الحالي، أو إذا تعرضت السفينة لأضرار.

إلا أن هناك عامل آخر، يمكن أن يكون له تأثير سلبي، وهو احتمال الاستيلاء على السفن من قبل السفن الروسية.

وقالت موسكو مراراً وتكراراً إن السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية هي أهداف عسكرية مشروعة.

وردت كييف بالتحذير من أن الموانئ الروسية معرضة للخطر أيضًا.

وبحسب ما ورد، وصل صاروخ أوكراني إلى مدينة تاغانروغ الساحلية الروسية، في حين كانت روستوف أون دون، وهي مركز نقل رئيسي للحبوب الروسية على بحر آزوف، هدفاً لهجمات الطائرات بدون طيار.

اقرأ أيضاً

تحليل: أردوغان فشل في إقناع بوتين بالعودة لصفقة الحبوب

وفي الوقت نفسه، أصبحت الهجمات ومحاولات الهجوم على جسر شبه جزيرة القرم الذي يربط شبه الجزيرة المضمومة بالبر الرئيسي الروسي حدثاً منتظماً، الأمر الذي قد يؤدي إلى إغلاق الشحن في مضيق كيرتش، الذي يمر عبره نحو 30% من صادرات الحبوب الروسية.

كما تم استخدام الطائرات البحرية بدون طيار لمهاجمة سفينة بحرية روسية على بعد بضعة كيلومترات فقط من نوفوروسيسك، أكبر ميناء لمعالجة الحبوب في روسيا.

وشهد أغسطس/آب أول هجوم على سفينة غير بحرية، وهي الناقلة الروسية سيج، التي كادت أن تغرق بالقرب من مضيق كيرتش.

وبالتالي، لا يوجد نقص في عوامل الخطر، وإذا تمكنت كييف من التأثير على الملاحة في حوض آزوف-البحر الأسود، فإن ذلك سيخلق مشاكل للصادرات الروسية.

وخلافاً لأوكرانيا، فإن روسيا لا تملك حقاً أي طرق بديلة لتصدير حبوبها.

كما أن هناك متغيرا آخر غير معروف في المعادلة، وهو احتمال قيام الكرملين نفسه بتقييد صادراته من الحبوب عمداً لأسباب تكتيكية خاصة به.

اقرأ أيضاً

كاتب يقترح ضم دول الخليج وأفريقيا والهند إلى اتفاقية الحبوب لإنقاذها.. ويؤكد: روسيا لن ترفض

إذا تحقق أي من هذه السيناريوهات، فإن التداعيات ستكون خطيرة، وفق التحليل.

ففي موسم الحبوب هذا، من المقرر أن تزود روسيا السوق العالمية بحبوب تزيد بنسبة 80% عن أوكرانيا، بما في ذلك أكثر من 4 أضعاف كمية القمح.

ومن المتوقع أن تمثل روسيا أكثر من 20% من تجارة القمح في العالم، وهي تجارة معروفة بعدم المرونة.

وأمام ذلك، تعول كل من موسكو وكييف على القدرة على استخدام سوق الحبوب لإلحاق الضرر بالآخر دون تكبد أي خسائر، ما يعني أنه لا يزال من السابق لأوانه الإعلان عن موت ودفن صفقة الحبوب، ولكن في هذه الحالة، فإن إحيائها هو نتيجة أقل احتمالاً بكثير من التصعيد.

وفي حالة حدوث مشكلات خطيرة تتعلق بالصادرات من المنطقة، فمن المرجح أن نشهد انفجارًا في الأسعار نتيجة لانخفاض المعروض من الحبوب والإغلاق الجماعي للمراكز المكشوفة من خلال أموال المضاربة.

ويختتم التحليل بالقول: "قد يكون العالم على بعد هجوم واحد بطائرات بدون طيار، من أن يصبح مثل هذا السيناريو حقيقة واقعة".

اقرأ أيضاً

صفقة الحبوب.. تركيا والأمم المتحدة تجهزان مقترحات جديدة لروسيا

المصدر | كارنيجي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الحبوب صفقة الحبوب روسيا أوكرانيا الأمم المتحدة البحر الأسود البحر الأسود صفقة الحبوب من التصعید یولیو تموز اقرأ أیضا من الحبوب بدون طیار

إقرأ أيضاً:

لافروف يلتقي نظيره السوري في موسكو ويدعو الشرع لحضور القمة الروسية العربية

موسكو دمشق "رويترز" "د ب أ": التقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بنظيره السوري أسعد الشيباني في موسكو اليوم في زيارة هي الأولى لمسؤول سوري رفيع المستوى من الحكومة الجديدة بعد الإطاحة بحليف روسيا القديم بشار الأسد في ديسمبر.

وقال لافروف إن موسكو تأمل أن يحضر الرئيس السوري أحمد الشرع قمة بين روسيا والدول الأعضاء في جامعة الدول العربية في موسكو في أكتوبر.

وتابع لافروف "بالطبع، نأمل أن يتمكن الرئيس الشرع من المشاركة في القمة الروسية العربية الأولى، المقرر عقدها في 15 أكتوبر".

ووصل الشرع إلى السلطة، بعد أن قاد قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر وتشكيل حكومة جديدة. وفر الأسد لروسيا حيث حصل على حق اللجوء.

ومنذ ذلك الحين، سعت موسكو إلى الحفاظ على علاقاتها مع السلطات السورية الجديدة، بما في ذلك تقديم الدعم الدبلوماسي لدمشق في مواجهة الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

وفي مؤتمر صحفي مشترك، قال الشيباني إن زيارته إلى موسكو تهدف إلى "بدء نقاش ضروري ... بناء على دروس الماضي، لصياغة المستقبل".

وقال إنه اتفق مع لافروف على تشكيل لجنتين مكلفتين بإعادة تقييم الاتفاقيات السابقة بين سوريا وروسيا.

وأوضح أن هناك فرص كبيرة جدا لسوريا قوية وموحدة معربا عن أمله في أن تكون موسكو إلى جانب دمشق في هذا المسار.

ووجه لافروف الشكر للسلطات السورية على ضمان أمن قاعدتين روسيتين في البلاد، حيث لا تزال موسكو تحتفظ بوجود لها ودعمت رفع العقوبات عن سوريا.

وفي مايو حذر وزير الخارجية الروسي من "التطهير العرقي" للأقليات الدينية السورية على يد "جماعات مسلحة متطرفة".

من جهتها قالت الأمم المتحدة اليوم إنه بينما هدأ القتال إلى حد كبير في محافظة السويداء جنوبي سوريا، تفاقم الوضع الإنساني بشكل كبير.

وبحسب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ما زال يتم الإبلاغ عن اشتباكات متفرقة في مناطق ريفية بعد

العنف الذي نشب مؤخرا.

وذكرت الأمم المتحدة إنه رغم انخفاض العنف، فإن البنية التحتية انهارت.

وتواجه المستشفيات نقصا شديدا في الطواقم والكهرباء والماء والإمدادات الطبية الضرورية. وتوقفت الخدمات العامة في بلدات عديدة تماما.

وبدأت قوافل مساعدات من الصليب الأحمر السوري في الوصول إلى المناطق المتضررة في استجابة للأزمة المتفاقمة.

وذكرت الوكالة أن معظم السكان باتوا الآن يعتمدون على المساعدات الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • خيانة ترنبيري.. كيف باعت أوروبا كرامتها لترامب على مائدة غولف
  • ليفربول ينسحب من صفقة إيزاك بعد رفض نيوكاسل عرضًا بـ110 ملايين جنيه إسترليني
  • ترامب يفرض رسوما جديدة على واردات من الهند.. والهواتف خارج القائمة مؤقتا
  • محلل إسرائيلي يرجح سبب زيارة ويتكوف.. يحاول الضغط على الطرفين
  • لافروف يلتقي نظيره السوري في موسكو ويدعو الشرع لحضور القمة الروسية العربية
  • صفقة بـ25 مليار دولار.. بالو ألتو الأمريكية تستحوذ على سايبر آرك الإسرائيلية
  • ترامب يهدد بإفشال الصفقة التجارية مع كندا بسبب توجهها للاعتراف بفلسطين
  • كيف نفهم إستراتيجية روسيا في البحر الأسود؟
  • الشيباني خلال لقائه لافروف بموسكو: سوريا تتطلع إلى إقامة علاقات سليمة مع روسيا.. لافروف: نعول على مشاركة الرئيس الشرع في القمة الروسية العربية بموسكو
  • الوزير الشيباني: العلاقات السورية الروسية تمر بمنعطف حاسم وتاريخي، والتعاون مع روسيا يقوم على أساس الاحترام