كيف لتركيا أن تنجح في تحجيم ظاهرة العنصرية؟
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
يوم السبت الفائت تعرض سائح كويتي لاعتداء من مواطن تركي في مدينة طرابزون وأُدخل المستشفى بسبب ذلك. سريعاً، أصدر والي المدينة بياناً وضح فيه ملابسات الحادث وأكد على متابعة علاج السائح من جهة والمسار القانوني ضد الجاني من جهة ثانية. خلال ساعات، أُعلن عن توقيف المشتبه به في الاعتداء، وخروج السائح المصاب من المستشفى، كما زار الأخيرَ وفدٌ أمني للاطمئنان على صحته، واتصلت به سفيرة تركيا في الكويت وأكدت على معاقبة المعتدي.
سلسلة من التصريحات والمواقف أتت لتؤكد عدم رضا السلطات التركية عن الاعتداء على السياح الذين يقصدون البلاد ولا سيما من دول الخليج العربي، خصوصاً لما قد يسببه ذلك من آثار سلبية على السياحة في تركيا التي هي في أمسّ الحاجة لنجاح الموسم السياحي؛ لما يؤمنه من عملة صعبة في ظل الأوضاع الاقتصادية المعروفة، لا سيما وأن مدينة طرابزون مقصدٌ رئيسٌ للسائحين من دول الخليج العربي على وجه التحديد.
مرة أخرى، هي سلسلة من المواقف والتصريحات والقرارات بخصوص رفض الاعتداء، لكن هل يكفي كل ذلك؟ الإجابة بكل أسف: لا.
خطاب الكراهية والعنصرية لا يلبث أن يتحول لفعل عدائي على أرض الواقع، كما أنه لا يكتفي بخصم/ عدو واحد وإنما يستمر دائماً بالبحث عن "آخر" ليواجهه ويهاجمه. ومن يتابع الأحداث في تركيا يلاحظ أن وتيرة الاعتداء على المحجبات -مثلاً- في الحياة العامة ولا سيما وسائل النقل في ارتفاع مؤخراً، بالتزامن مع الاعتداءات على الأجانب والخطاب المعادي للعرب
ثمة دلالتان مهمتان وخطيرتان في الاعتداء الأخير؛ الأول انتقال خطاب الكراهية والاعتداءات من اللاجئين إلى السياح وهذا تطور خطير، والثاني أن المعتدي رأى لنفسه الحق في التدخل والاعتداء على السائح لأنه "ظن أنه يقاوم الشرطة التركية" وفق بيان ولاية طرابزون. ينقل هذا التصور لدى المعتدي الاعتداءَ من كونه جُرماً لأن يكون شيئاً مقبولاً، بل مندوباً من باب أنه مساعدة للشرطة ضد "الأجانب" وربما وصل لمستوى "الواجب الوطني"، وهنا مكمن الخطورة.
ليس هذا الاعتداء الأول على سائح عربي في تركيا، فقد سبق الاعتداء على سائح مغربي من قبل سائق سيارة أجرة؛ أدى لوفاة الأول بعد سقوطه وارتطام رأسه بالأرض قبل شهر من الآن.
ما حصل ودلالاته يؤكدان ما حذرنا منه مراراً، وهو أن خطاب الكراهية والعنصرية لا يلبث أن يتحول لفعل عدائي على أرض الواقع، كما أنه لا يكتفي بخصم/ عدو واحد وإنما يستمر دائماً بالبحث عن "آخر" ليواجهه ويهاجمه. ومن يتابع الأحداث في تركيا يلاحظ أن وتيرة الاعتداء على المحجبات -مثلاً- في الحياة العامة ولا سيما وسائل النقل في ارتفاع مؤخراً، بالتزامن مع الاعتداءات على الأجانب والخطاب المعادي للعرب.
تكرُّرُ هذا النوع من الخطاب في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى وإن كان معظمه موجهاً ومنظماً ويحمل أجندة سياسية واضحة، إضافة لتكرر الاعتداءات على الأجانب عموماً والسياح على وجه الخصوص، وإن لم يعبر عن غالبية الشعب التركي إلا أنه يقول بأن العنصرية قد تحولت لظاهرة في تركيا في الآونة الأخيرة وتحديداً العنصرية ضد العرب.
من المفهوم أن يتشكل خطاب في وسائل التواصل على وجه التحديد يدين العمل الإجرامي ويحذر منه لما يسببه من ضرر بالسياحة والاقتصاد في تركيا، من باب أن العنصريين لن يقتنعوا بالخطاب القانوني ولا الأخوي ولا الإنساني لكن ربما يقتنعون بهذا الخطاب البراغماتي، لكنه لا يكفي بالتأكيد لمواجهة الظاهرة وتحجيمها، فضلاً عن أن يكون زاوية النظر الوحيدة أو الأهم لها.
تقوم ظاهرة العنصرية على فهم مغلوط يتغذى على الانطباعات الخاطئة والإشاعات المقصودة، ويتحول لقناعات سلبية راسخة تجاه الآخر وهو في هذا الحالة الأجانب والعرب منهم على وجه التحديد. وهو خطاب ينمو في ظل الأزمات -الاقتصادية والاجتماعية على وجه التحديد- التي تُفقد الكثيرين صوابهم وتقديرهم السليم للأمور، فيصبح ذلك "الآخر" سبب كل المشاكل
بالعودة للجهود الرسمية تجاه خطاب العنصرية وتمظهراته في الواقع، يمكن رصد تصريحات من الرئيس التركي برفض ذلك وعدم تمثيله لأخلاق الشعب التركي، وتأكيدات المسؤولين الأتراك على عدم التساهل مع أحداث الاعتداء، والمسار القانوني ضد المعتدين، لكن كل ذلك لا يكفي كما هو واضح، بدليل استمرار الظاهرة، بل وتناميها.
تقوم ظاهرة العنصرية على فهم مغلوط يتغذى على الانطباعات الخاطئة والإشاعات المقصودة، ويتحول لقناعات سلبية راسخة تجاه الآخر وهو في هذا الحالة الأجانب والعرب منهم على وجه التحديد. وهو خطاب ينمو في ظل الأزمات -الاقتصادية والاجتماعية على وجه التحديد- التي تُفقد الكثيرين صوابهم وتقديرهم السليم للأمور، فيصبح ذلك "الآخر" سبب كل المشاكل التي تواجه الشعب/ الدولة/ الأفراد، ويصبح الاعتداء عليهم -بهذا التوصيف- علاجاً للمشاكل ويرقى لأن يكون "عملاً وطنياً".
والحال كذلك فالأمر يرتبط بالثقافة والقناعات كما يرتبط بالفعل والاعتداء سواء بسواء، ولذلك فإن أي جهد حكومي لمواجهة الظاهرة يكتفي بالتدخل بعد الحادث أو الاعتداء لن يكون كافياً بالتأكيد. وإذا كان القضاء التام على الظاهرة يستلزم بالضرورة حل المشاكل والأزمات المساهمة في تضخمها على المدى البعيد، إلا أنه يمكن مواجهة الظاهرة وتحديدها وتقزيمها من خلال سلسلة من الإجراءات التي تنبع من رؤية واحدة واضحة.
تحتاج القناعات إلى خطاب واضح يواجه الدعاوى المغلوطة والإشاعات المغرضة والمعلومات الخاطئة عن اللاجئين والأجانب، وَصِلتهم -بالأحرى عدم صلتهم- بالمشاكل التي تواجهها تركيا، ويفند بالمعلومات والأرقام والإحصاءات الخطاب العنصري المعادي لهم، كما فعلت وزارة الداخلية التركية سابقاً في أكثر من محطة احتقان ضد اللاجئين. كما أن هناك حاجة لتأسيس حالة من الوعي والانفتاح وتقبل الآخر، التي عُرفت بها تركيا طوال معظم سنوات العقدين الأخيرين.
ما زال من الممكن وبات من المفروض والواجب التدخل لمواجهة الظاهرة وتحجيمها، إذ أن الأضرار تلحق هنا بالأجانب وتركيا على حد سواء، فلا ينبغي أن تسمح الحكومة التركية بالمساس بهم والذي سيؤدي بالمساس بسمعة البلاد ومكانتها وصورتها وكذلك السياحة فيها
وأما مواجهة الجرائم ذات الطابع العنصري فتبدأ بسن القوانين الرادعة ضد جرائم الكراهية والعنصرية خطاباً وفعلاً، وتمر عبر المتابعة الدقيقة لكل ما يتعلق بها من أفعال وتحريض في الواقع وعبر وسائل التواصل، وتنتهي بالحساب الشديد لكل من تسول له نفسه الاعتداء على أي شخص، تركياً كان أم أجنبياً، لاجئاً أم سائحاً أم غير ذلك، منصّباً نفسه مكان مؤسسات الدولة متهِماً ومُحاكِماً ومنفذاً بلا أي وجه حق.
وأخيراً، ينبغي أن يكون خطاب الحكومة وقراراتها ومبادراتها متناغمين مع هذا التوجه، بحيث لا يعطي شيء من ذلك دون قصد انطباعاً بصحة ادعاءات العنصريين وسردياتهم بخصوص خطر اللاجئين/ الأجانب على تركيا ولا يترك لهم مسوغاً أو مبرراً.
إن العنصرية جريمة يندى لها الجبين، ولها أثمان باهظة على الدول التي تنتشر فيها، قانونياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً. انتشر هذا الخطاب في تركيا مؤخراً وتحول في بعض الأحيان لاعتداءات، لكن ما زال من الممكن وبات من المفروض والواجب التدخل لمواجهة الظاهرة وتحجيمها، إذ أن الأضرار تلحق هنا بالأجانب وتركيا على حد سواء، فلا ينبغي أن تسمح الحكومة التركية بالمساس بهم والذي سيؤدي بالمساس بسمعة البلاد ومكانتها وصورتها وكذلك السياحة فيها واقتصادها.
التدخل الآن ممكن وضروري ومُجدٍ في آنٍ معاً، لكنه -مرة أخرى- يحتاج لأن ينطلق من رؤية واضحة وأن يكون شاملاً لكل المجالات ومستخدماً لمختلف الأدوات؛ حتى يكون ناجعاً قبل أن يفوت الأوان وتنحدر الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه بلا رجعة.
twitter.com/saidelhaj
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا الكراهية الأجانب العنصرية تركيا العنصرية الأجانب الكراهية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لمواجهة الظاهرة الاعتداء على فی ترکیا أن یکون
إقرأ أيضاً:
برلماني: الفترة القادمة ستشهد تغييرا في الأنماط السياحية لجذب أكبر عدد من الأجانب
قال النائب محمد طه الخولي، عضو لجنة السياحة والطيران المدني بمجلس النواب، إن “الفترة القادمة ستشهد تغييرا في الأنماط السياحية بحيث يتم جذب أكبر عدد من السائحين، وعلينا أن نأخذ بتجارب دول أخرى في هذا المجال”.
وأكد الخولي في تصريحات خاصة لـ"صدى البلد" ، أنه كان يأمل أن تركز خطة وزير السياحة والآثار على الاهتمام بالسياحة الداخلية لأن فترة الركود نتيجة الأوبئة والمتغيرات تجعلنا نحتاج إلى السياحة الداخلية وهى مهمة جدا.
وأضاف عضو اللجنة : “المنتج السياحي لدينا متنوع فى كل المجالات، فعلى سبيل المثال في محافظة الفيوم هناك أكثر من نوع من السياحة مثل السياحة البيئية والسياحة الريفية وسياحة التزحلق على الرمال”.
وطالب هيئة التنشيط السياحى بالترويج للمنتج السياحى المصري، خاصة أن لدينا مناخا معتدلا ومحميات طبيعية ونمتلك ثلث آثار العالم مقارنة بدولة مثل إسبانيا التى لديها سياحة الشواطئ فقط.
وأوضح أننا نحتاج إلى طفرة لتغيير فكر جذب السائح الأجنبى إلى مصر، بالإضافة إلى العمل على تطوير الاستراتيجية الإعلامية، بحيث يتناول الإعلام السياحة بشكل أفضل من ذلك.
وكانت قد أكدت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة، أن المشروعات المقترحة للاستثمار يجب أن تعتمد على الهوية البيئية والتراث الثقافي لكل محمية، وأن تسهم في رفع جودة التجربة السياحية دون الإضرار بالموارد الطبيعية، لاسيما أن المحميات المصرية تمتلك مقومات فريدة تؤهلها لتكون مقصدًا مميزًا للسياحة البيئية العالمية.
جاء ذلك خلال اجتماع وزيرة البيئة مع أحد المستثمرين لبحث فرص تعزيز الاستثمار البيئي داخل المحميات الطبيعية، وذلك بحضور ياسمين سالم مساعد الوزيرة للتنسيقات الحكومية، والأستاذة هدى الشوادفي، مساعد الوزيرة للسياحة البيئية، والأستاذ محمد معتمد، مساعد الوزيرة للتخطيط والاستثمار، والدكتور محمد صلاح مساعد الوزيرة للشئون القانونية، والمستشار محمد منسي، مستشار الوزيرة للشئون القانونية ، واللواء ا. ح خالد عباس رئيس قطاع حماية الطبيعة ، والدكتور تامر كمال رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجي.
وأكدت الدكتورة منال عوض خلال الاجتماع أن الدولة تضع الاستثمار البيئي على قائمة أولوياتها خلال المرحلة الحالية، باعتباره أحد المسارات الواعدة لتنمية موارد المحميات الطبيعية وتعزيز الاقتصاد الأخضر، فضلاً عن دوره في دعم السياحة البيئية التي تشهد إقبالًا متزايدًا محليًا ودوليًا.
وشددت وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة على أن أي استثمار داخل المحميات الطبيعية يجب أن يتم وفق ضوابط صارمة تضمن حماية النظم البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية من أي ضغوط أو تأثيرات سلبية، موضحة أن الوزارة تتبنى نهجًا يقوم على الدمج بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الطبيعة، من خلال مشروعات تراعي خصوصية كل محمية وتستخدم مواد وتصميمات متناغمة مع البيئة المحيطة.
كما أكدت د. منال عوض أن المشروعات المقترحة يجب أن تعتمد على الهوية البيئية والتراث الثقافي لكل محمية، وأن تسهم في رفع جودة التجربة السياحية دون الإضرار بالموارد الطبيعية، لاسيما أن المحميات المصرية تمتلك مقومات فريدة تؤهلها لتكون مقصدًا مميزًا للسياحة البيئية العالمية.
وخلال الاجتماع، شددت وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة على ضرورة تقديم الدراسات الفنية والبيئية التفصيلية الخاصة بالمشروع، بما يشمل تقييم التأثيرات البيئية، وخطط الإدارة المستدامة، وآليات الحد من أي تأثيرات محتملة على الموارد الطبيعية ليتم عرضها على خبراء قطاع حماية الطبيعة والجهات الفنية المختصة داخل الوزارة، لدراستها بدقة قبل إصدار أي موافقات، وذلك لضمان توافقها مع الاشتراطات البيئية وقواعد الاستثمار داخل المحميات.
ولفتت الدكتورة منال عوض أن الدولة ترحب بالشراكة مع القطاع الخاص في مشروعات السياحة البيئية، شريطة الالتزام الكامل بالمعايير والضوابط البيئية التي تضمن حماية المحميات وصون مواردها الطبيعية للأجيال القادمة.
جدير بالذكر ان وزارة البيئة تعمل على تطوير البنية التحتية البيئية بالمحميات، وتحسين خدمات الزوار، وتطبيق منظومة حديثة لإدارة الأنشطة السياحية، بالتعاون مع القطاع الخاص والاستثماري بما يضمن تحقيق التوازن بين التنمية وحماية الطبيعة، ويعزز من مكانة مصر كدولة رائدة إقليميًا في إدارة المحميات الطبيعية.